fbpx

مصريون يقودون “عصابات” الهجرة غير النظامية إلى إيطاليا… والسلطة تتابع بصمت!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على مرأى من الجميع، ومن دون تدخل من السلطات الأمنية المصرية، تُنسج خيوط تنظيمات الهجرة غير النظامية من قرى مصرية، وعبر سماسرة يُعرفون بالاسم في الأرياف، تُدار رحلات الشباب المصري إلى إيطاليا، مروراً بليبيا، على مراكب صيد مصرية، ويتهرّب السماسرة من “التضييق الأمني” على السواحل المصرية، عبر اللجوء إلى ليبيا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ألقى غرق أحد مراكب الهجرة غير النظامية على الحدود اليونانية، بظلاله على الحالة المصرية المتعثّرة اقتصادياً وسياسياً، إذ مثّل المصريون الغالبية على متن المركب الغارق، وكانت أعدادهم بالمئات. غرق بعضهم ونجا البعض الآخر، بعد شعورهم باليأس من العيش في مصر، واللجوء إلى ما يُعرف بـ”مراكب الموت” لتحقيق أحد الخلاصين، الخلاص من ظروف العمل الصعبة وضيق الحال في قراهم الفقيرة عبر الوصول إلى الشاطئ الآخر في أوروبا، أو التخلص من حياتهم التي باتت كحال الكثير من الشباب في مصر، محطة انتظار يمرّ بها السيئ فالأسوأ.

أغلقت مصر حدودها البحرية تماماً أمام مراكب الهجرة غير النظامية، لمنع المهاجرين من الانطلاق في الرحلة، بعدما كانت محطة انطلاق معظم الأفارقة الباحثين عن حياة جديدة بالقارة العجوز، وذلك استجابةً لاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، حصلت القاهرة بمقتضاها على ملايين الدولارات، مقابل أن تتحول إلى شرطيّ البحر المتوسط، المسؤول عن منع الهجرة عبر السواحل.

ومنذ ذلك الحينِ، تفخر القاهرة بعدم خروج مركب هجرة غير نظامية من سواحلها متجهةً إلى أوروبا، فيما شهدت تدفّق المهاجرين من ساحل مصر الشمالي تراجعاً حاداً منذ أواخر عام 2016، وفق تقارير أوروبية، لكن أعداد المهاجرين المصريين الذين يصلون إيطاليا ظلّت في تزايد مستمر.

“الطعام قليل للغاية، وتم استغلالهم في مسح المخازن وأداء أعمال صعبة، بخلاف المعاملة السيئة”.

أحد المفقودين عبر الحدود المصرية الليبية بسهولة ضمن 70 شخص

يروي محمود الديداموني، شقيق عمرو الديداموني، أحد الشباب المصريين المختفين في مركب الهجرة غير النظامية الغارقة على الحدود اليونانية، أنّ رحلة شقيقة كانت عامرة بالأوقات القاسية.

ويقول لدرج: “لم نعثر عليه حتى الآن، لا نعرف إن كان حياً أو ميتاً”.

ويوضح أنه دفع 120 ألف جنيه مصري (نحو 4 آلاف دولار) للمهربين، الذين يمارسون أعمالهم على مرأى ومسمع من أهالي القرى، وقد نشأت ثقة بينهم وبين الأهالي لقيامهم بتهريب أولادهم الكبار سابقاً.

ويكشف أن الرحلة تبدأ من مدينة السلوم المصرية، التي تقع قرب الحدود الغربية مع ليبيا: “من السلوم، تنقلهم بعض السيارات، التي حصلت على أموال إضافية وابتزتهم، وكان سائقوها يعاملون شقيقي ومن معه بطريقة سيئة ومليئة بالاستغلال للظروف الصعبة التي يمرّون بها”.

عبر “الديداموني” الحدود المصرية الليبية ليلاً ضمن مجموعة: “عبروا أسواراً وأسلاكاً شائكة، ولم يتعرضوا لأي تضييقات أو مطاردات من قوات حرس الحددود أو الشرطة، وكان عددهم أكثر من 70 شخص، ركبوا سيارة نصف نقل، سارت بهم طريقاً صعباً داخل ليبيا، حتى وصلوا إلى (التخزين)”.

“التخزين” مصطلح يطلق على المنطقة التي يقيمون بها، ويبقون بها لوقت طويل قد يمتدّ لعام كامل، قبل الالتحاق بإحدى المراكب التي ستقلهم إلى الضفة الأخرى من البحر، وتتسم تلك المنطقة بكونها غير آدمية، يعملون فيها بالسخرة مقابل ما يتناولونه من طعام.

ويضيف “الديداموني” الشقيق: “خلال تلك الفترة، كان يمرّ بمنزلنا في القرية، ومنازل الشباب الآخرين، مندوب عن المهرّب، يجمع أموالاً ويهددنا ويخيفنا، ويقول إنهم سيتعرضون لمخاطر ومساوئ وربما يموتون من الجوع إن لم ندفع، واضطررنا للدفع خوفاً عليهم”.

تم تخزين “الديداموني” لنحو شهرين، في ظروف صعبة: “الطعام قليل للغاية، وتم استغلالهم في مسح المخازن وأداء أعمال صعبة، بخلاف المعاملة السيئة”.

يقول الشقيق، إن “ما مرّ به (عمرو) يوحي بأن المهربين عصابة منظمة، تعرف ماذا تفعل، وتستغل الظروف والعوامل لتحقيق مكاسب”.

وفي إحدى الليالي، فوجئ شقيقه عمرو بأشخاص ملثمين يوقظونه هو ومن معه بطريقة عنيفة، ويقولون لهم: “بسرعة، المركب تتحرك”. بعد 90 دقيقة من المشي داخل سيارة في تعاريج الجبال الليبية الوعرة، وصل الشاطئ الذي ستنطلق منه وجد أكثر من 700 يستعدون لركوب المركب ذاتها، التي لا يوحي شكلها بالأمان أو المتانة أو الطمأنينة، لكنه اضطرّ أن يركب، فلم يكن أمامه طريق آخر لتحقيق حلمه.

وكي يصل إلى المركب، قُسمت المجموعة على زورقين، أوصلا الناس إلى المركب التي كانت في عمق البحر، ركبت النساء والأطفال أولاً، ثم الرجال، ويقول الشقيق محمود: “في تلك اللحظة، انقطع اتصالنا به، لأنهم أخذوا منهم الهواتف، ولا نعرف عنه أي شيء”.

وعن الرحلة، يؤكد أن “الطقس في الغالب يكون سيئاً والأمواج عالية، وتستغرق الرحلة من 7 إلى 10 أيام، ويكون الطعام سيئاً وقليلاً للغاية حتى لا يثقل المركب التي تكون متهالكة للغاية، ويعطل محركها عدة مرات خلال الرحلة، ووصفها بـ(رحلة الموت) ليس فقط لأنها مهددة بالانقلاب، بل لأن المهاجر يشعر بأنه سيموت في البحر حتى يصل”.

ولم يتوصل “الديداموني” إلى أي معلومات حول شقيقه المفقود في البحر من انقلاب مركب الهجرة غير النظامية، إلا أنه لا يزال ينتظر ورود أي معلومات من السلطات اليونانية أو المصرية بأسماء الضحايا.

10 مصريين متهمون بإدارة رحلات الهجرة من ليبيا

أظهرت بيانات وزارة الداخلية الإيطالية، أنه منذ بداية عام 2022، وصل نحو 16 ألف مهاجر مصري على متن قوارب إلى إيطاليا، لتصبح مصر في المركز الثاني من بين الدول العربية المصدّرة للاجئين بعد تونس، فيما أكد أحدث بيانات قوات “فرونتكس” التابعة للاتحاد الأوروبي، والمنوط بها القيام بدوريات في بحر إيجة والمتوسط لحماية السواحل الأوروبية، أنّ “المصريين هم الجنسية الأكثر عدداً التي تحاول الوصول إلى أوروبا عبر منافذ مختلفة خلال الفترة الزمنية من ينار حتى أبريل 2022”.

وتشير الأرقام المتزايدة إلى فتح باب آخر للهجرة، وهو ليبيا. ورغم أن القاهرة أغلقت حدودها البحرية أمام مراكب الهجرة، تركت حدودها البرية مفتوحة على مصراعيها، يتدفق خلالها المهاجرون عبر الصحراء الشاسعة بين البلدين، ومنها إلى البحر المتوسط، ثم اليونان أو إيطاليا.

وإلى جانب الاتفاقية الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، وقعت القاهرة اتفاقيات فردية مع اليونان وإيطاليا ومالطا والتشيك، تنصّ على إعادة المهاجرين القادمين من الشواطئ المصرية. يتحايل المهاجرون على تلك الاتفاقيات بالهجرة عبر الشواطئ الليبية، وعند وصولهم لا يذكرون أنهم جاءوا من مصر وينكرون أنهم مصريون، خوفاً من إعادة ترحيلهم بشكل شرعي بناءً على الاتفاقيات.

وتؤكد وثيقة للمفوضية الأوروبية، أنه تم توقيف أكثر من 26500 مصري على الحدود الليبية في عام 2021 كانوا في طريقهم للهجرة غير النظامية، متوقعةً “تدفقات كثيفة” أخرى بسبب عدم الاستقرار الإقليمي وتراجع الفرص الاقتصادية.

وقبل أيام من غرق مركب الهجرة غير النظامية على الحدود اليونانية، رحّلت السلطات الليبية 2200 مصري سيراً على الأقدام في صورة غير إنسانية وأظهرتهم مقاطع الفيديو عائدين في صفوف طويلة، وسط مسلحين وسيارات عسكرية، بعدما كانوا بانتظار صعود أحد المراكب المتّجهة إلى أوروبا.

وكان هؤلاء يخوضون طريقاً بديلاً للهجرة حلّ محل الشواطئ المصرية، وهو المسار الليبي، الذي يتسيّده مهرّبون مصريون.

اعتقلت الشرطة البريطانية، خلال الأيام الماضية، مصرياً في لندن للاشتباه بتورطه في تهريب آلاف المهاجرين عبر البحر المتوسط، وأكدت الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في بريطانيا، أن “ذلك الرجل كان على صلة بالكثير من عمليات العبور غير القانونية في البحر المتوسط على مدار العام الماضي، بما في ذلك من ليبيا وكان يعمل من بريطانيا بالشراكة مع آخرين”.

واعتقلت السلطات اليونانية 9 مصريين آخرين، بعد غرق مركب المهاجرين، ويشتبه بأنهم مهربون في اليونان.

وبدأت رحلة قارب الصيد الذي أقلّ المهاجرين إلى الحدود اليونانية من مصر، إذ غادرها فارغاً متجهاً إلى مدينة طبرق شرق ليبيا، ليستقله المهاجرون، تمهيداً لاتجاهه إلى إيطاليا.

“إيطاليا لم تعد جنة المهاجرين”

على مرأى من الجميع، ومن دون تدخل من السلطات الأمنية المصرية، تُنسج خيوط تنظيمات الهجرة غير النظامية من قرى مصرية، وعبر سماسرة يُعرفون بالاسم في الأرياف، تُدار رحلات الشباب المصري إلى إيطاليا، مروراً بليبيا، على مراكب صيد مصرية، ويتهرّب السماسرة من “التضييق الأمني” على السواحل المصرية، عبر اللجوء إلى ليبيا.

وبرغم الحديث عن تقلّص أعداد المهاجرين غير النظاميين، تمتلئ شوارع مدينة ميلان الإيطالية بالمصريين الذين وصلوا عن طريق البحر، ويعملون بمهن خدمية لم تعد متاحة ولا تتطلب مزيداً من العاملين كما كانت في السابق. ويؤكد ياسين ياسر، وهو مصري مقيم بمدينة ميلان، أن “أعداداً كبيرة من المصريين صارت تنام في الشارع، ولا تجد مأوى أو عملاً، وحالتهم صعبة للغاية”. ويضيف لدرج: “ميلان هي مركز الوافدين المصريين، لكونها مدينة صناعية ثرية تحتاج إلى عاملين طوال الوقت، كما أن أشهر المصريين يعيشون بها، وكانوا يوفّرون عملاً لمن يريد، لكن الآن، المصريون ملأوا مدناً إيطالية لم تكن معروفة بإقبالهم عليها”.

ويقول: “العمل لم يعد متوفراً كما كان في الماضي، أحياناً يجد مصري فرصة لأحد أقاربه القادمين عن طريق البحر، لكن الفرص محدودة ولم تعد تكفي القادمين، وأغلب المطلوبين للعمل عمال نظافة”.

وعن ظروف المعيشة، يوضح أنّ “إيجاد السكن للمصريين صار معاناةً، خاصة أنهم يقيمون بلا أوراق رسمية، فضلاً عن زيادة أعدادهم بشكل غير معقول، يعيش أكثر من 4 أفراد في الغرفة، والأكثر من ذلك، أن معظم ملاك الشقق الإيطاليين يرفضون تأجير المصريين، لأن المصري يدفع الإيجار في البداية، ثم يتوقف عن الدفع بعد ذلك، ولا يستطيع المالك إخراجه بسهولة، فساءت سمعتنا بين المؤجرين”.

ويسخر من المقولة التي تتردّد بين المهاجرين عبر البحر بأن “إيطاليا هي الجنة”، مؤكداً: “لم تعد جنة كما كانت، وكل ما يُروى عنها مجرد ذكريات”.

كيف انتشرت عدوى الهجرة غير النظامية في قرى مصر؟

شاركت صفحات المغتربين العرب في إيطاليا عبر الإنترنت قصة الشاب المصري سعد الشحات، الذي أشارت الحالة التي وُجد عليها، إلى الوضع المزري للمهاجرين المصريين في إيطاليا، وكان ملقى في محطة ميلان الرئيسية، ينام في الشارع ولا يجد مأوى، يمر بحالة نفسية سيئة ويقول إنه مسافر عن طريق ليبيا منذ 20 يوماً ولا يعرف أهله عنه شيئاً، ولا يعرف أحداً في إيطاليا، ويريد الوصول إلى فرنسا، حيث أقاربه الذين لا يعرف عنوانهم تحديداً.

وترجع أصول مصطفى إلى قرية ميت بدر حلاوة في محافظة الغربية شمال القاهرة، وتُعرف بـ”أغنى قرية في مصر”، نظراً إلى هجرة الكثير من شبابها إلى فرنسا عن طريق البحر مبكراً.

وبدأت ظاهرة سفر أبناء ميت بدر حلاوة إلى فرنسا منذ عام 1980، وفق تقرير نشرته صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية عام 2008، ومنهم من هاجر إلى فرنسا وكسب المال، ثم عاد ليقيم مشروعات صغيرة في القرية، ومنهم من تزوج من فرنسية، وأقام في فرنسا بشكل دائم.

ولم يكن المصريون هناك سوى 30 شخصاً، لكن الهجرة تحوّلت إلى نوع من العدوى، من يسافر يرسل أموالاً طائلة لأسرته فيشجّع آخرين على سلوك الطريق ذاته، وهو منطق الهجرة غير النظامية، في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تخيّم على مصر، في الوقت الراهن. ظروف ماديّة ومهنية صعبة، وفقر مدقع، يشجع الشباب على ركوب مراكب الصيد في رحلات الهجرة غير النظامية، لعلها تخلق لهم حياةً جديدة في أوروبا، كالتي يحدّثهم عنها آخرون نجوا من “رحلة الموت” في الطريق البحري بين ليبيا وإيطاليا.

ونتيجة للغيرة، يركب الشباب البحر كي يحققوا حياة شبيهة بتلك التي حققها أقرانهم في القرية، كما يشجعهم ذووهم على الأمر ذاته، فحين يُبنى منزل فاخر على الطراز الإيطالي أو الفرنسي بجوار بيت قديم، تدبّ الغيرة في نفوس من يسكنون الكوخ ويحاولون تكرار التجربة التي حققت ثراءً سريعاً.

ويقول تقرير لـ”رويترز” نُشر عام 2008، حول الهجرة غير النظامية في مصر، إن “الشبان المصريين شيّدوا آلاف الفلل والمنازل الفاخرة في قرى بمصر في السنوات الماضية بعدما تمكنوا من الهجرة بشكل غير مشروع إلى دول أوروبية استقروا وعملوا فيها وأرسلوا ألوف الدولارات الى ذويهم، ويظهر التفاوت صارخاً بين الفلل والمنازل الفاخرة التي بناها من هاجروا بشكل غير شرعي إلى أوروبا والأكواخ التي يقيم فيها فقراء لم يتيسر لأبنائهم السفر الى دولة أوروبية”. ومنذ ذلك الحين، تناقصت جدوى الهجرة غير النظامية، إلا أنها حافظت على رونقها وقدرتها على تحقيق ظروف معيشية أفضل من البقاء في مصر. وتُعرف محافظات مصرية بعينها بتصدير المهاجرين عبر البحر، أبرزها الدقهلية والفيوم والغربية، وينعكس ثراء أبنائها في افتتاح صرافات لتحويل العملات في بعض قراها المهمّشة، على خلاف الحال بأغلب القرى المصرية. وتشتهر تلك القرى منذ القدم بارتفاع أسعار فدان الأرض بها، وكذلك المغالاة في المهور وشبكة العروس. وتتخصّص كل قرية في إرسال أبنائها إلى دولة بعينها، فقرية “تطون” الشهيرة بالهجرة غير النظامية في الفيوم، يقصد أبناؤها إيطاليا، على عكس “ميت بدر حلاوة” التي يتّجه شبابها إلى فرنسا.

الأطفال في مراكب الهجرة غير النظامية “منتهية الصلاحية”

يجيب د. أيمن زهري، رئيس “الجمعية المصرية لدراسات الهجرة”، على السؤال الذي يحيّر الجميع “لماذا تغرق مراكب الهجرة غير النظامية حتى قبل أن تصل؟”، بقوله: “جميع مراكب الهجرة سيئة وغير مجهزة والاحتمال الأٌقرب أن تغرق، أو تتوقف في منتصف الطريق ولا تستطيع إكماله، وذلك لأنّها مراكب هالكة، فترة صلاحيتها انتهت وخرجت من الخدمة، يستخدمها المهربون لتكون هذه آخر رحلة لها، لأنها لن تعود مرة أخرى، فحين تصل ستتم مصادرتها، بخلاف الحمولة العالية التي تفوق طاقتها الاستيعابية”.

نهاية العام الماضي، انتشرت مقاطع فيديو لأطفال مصريين تم القبض عليهم في ليبيا قبل خوض رحلة هجرة غير نظامية، دفع آباؤهم آلاف الجنيهات كي يصلوا إيطاليا، وتصفهم دراسات الهجرة بالأطفال “غير المصحوبين”، أي أنهم يهاجرون دون ذويهم، ويفسّر “زهري” ذلك السلوك، قائلاً: “يرسلونهم إلى إيطاليا تحديداً، لأنها تملك قانوناً يمنع ترحيل الطفل تحت 21 سنة، ويلزم بإيداعه دار رعاية وتبنيه دراسياً حتى التخرج، على عكس الكبار، يمكن لإيطاليا إعادتهم إذا اكتشفت أنهم مصريون، طبقاً لاتفاقية إعادة التطوين بين القاهرة وروما”.

وترى الأسر المصرية في القرى، وفق زهري، أن ذلك الطفل سيتم تجنيسه ويعمل ويعوض الأموال التي دفعت في رحلة الهجرة وينقذ الأسرة من الشقاء والفقر وينقلها إلى مستوى اجتماعي آخر، وهو ما يحدث أحياناً، لكن “ما نعرفه أن هؤلاء الأطفال يبحثون عن الربح السريع حتى يرسلوا الأموال لأسرهم، ويهربون من دور الرعاية ليدخلوا سوق العمل ويتعلموا حرفة، وكل ذلك يتمّ بالتنسيق مع أقاربهم الذين هاجروا قبل سنوات”، بحسب قوله.

ويتّسم المهاجر المصري، بأنه “يريد جمع أكبر قدر من المال والعودة إلى مصر مرة أخرى للزواج وبناء منزل واستثمار ما كسبه في الغربة، لا يريد أن يكون مواطناً أوروبياً أو يندمج في المجتمع، حتى أنه يحتفظ بأفكاره الريفية ويقاوم تغييرها”، وفق قول رئيس الجمعية المصرية لدراسات الهجرة.

ويفسر تراجع أعداد مراكب الهجرة غير النظامية المنطلقة من مصر إلى حد انعدامها تماماً إلى “السطوة الأمنية” التي فرضتها القاهرة بغلق منافذ خروج المراكب نهائياً، مدعومةً باتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما لا تتمتع به ليبيا، التي لم توقع اتفاقيات تخصّ اللاجئين أو الهجرة غير النظامية، ولذلك، “لا يمكن قانوناً إعادة تلك المراكب حين تصل إلى أي دولة أوروبية أو اعتراض طريقها في عرض البحر، ولا يمكن عدم استقبال هؤلاء المهاجرين طالما، لكن لماذا كان معظم المهاجرين مصريين؟ لأنه لم تتمّ مواجهة الأمر بتحسين أوضاع التعليم أو الاقتصاد أو الثقافة، بل بغلق منافذ الهجرة فقط، فبحث الشباب عن منافذ أخرى، وكانت ليبيا خياراً سهلاً”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.