fbpx

 فرنسا: عنف الضواحي بين شعبويتي اليمين المتطرّف والإسلامويين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كلما أصبحت الظواهر الاجتماعية أكثر تعقيداً، أصبحت الشعبوية أسهل، وصار الميل أكبر الى التبسيط والاختزال. من هنا نجد أن ما يحدث في فرنسا من موجات عنف في المدن وضواحيها، يُختزل اليوم بالهجرة الإسلامية ..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تماماً كما شهدنا عام 2005، أتت حادثة مقتل الفتى نائل على يد شرطي فرنسي، لتشعل حركة احتجاج واسعة في مدن فرنسية كثيرة. مقتل نائل لم يكن إلا فتيل تفجير لظاهرة تتخطى بكثير مسائل العنف البوليسي والنظام القضائي الفرنسي، وغيرها من قضايا يمكن وضعها تحت عنوان كبير، هو الهجرة وأزمات الاندماج في ضواحي المدن الفرنسية. 

هذه محاولة عبر عدد من المقالات للمساهمة، ولو بتواضع، في تفكيك وتفسير هذه الظاهرة التي تؤدي إلى العنف المديني بين الحين والآخر.

كلما أصبحت الظواهر الاجتماعية أكثر تعقيداً، أصبحت الشعبوية أسهل، وصار الميل أكبر الى التبسيط والاختزال. ما يحدث في فرنسا من موجات عنف في المدن وضواحيها، يُختزل اليوم بالهجرة الإسلامية (بخاصة الوافدة من المغرب العربي) وفشل نموذج الاندماج الفرنسي من جهة، كما أنه من جهة أخرى يُختزل بالعنصرية والتمييز ضد المهاجرين، وخصوصاً المسلمين منهم. وقد يكون هذا الميل الى الاختزال هو نتيجة للتغيرات في الأفكار والتيارات السياسية الأكثر حضوراً، إن كان في فرنسا أو خارجها. عنيت بذلك الإسلام السياسي المتطرف وصعود اليمين القومي الأوروبي.

فاختصار هذه الظاهرة على هذا النحو مفيد لهما. الإسلام السياسي، بخاصة جناحه الجزائري في فرنسا، يهمه “تمثيل” و”اختزال” Agréger المهاجرين أو ذوي الأصول المهاجرة، للاستثمار السياسي والذهاب نحو تمثيل سياسي له طابع طائفي communautariste يتعارض مع مسار بناء الجمهورية الفرنسية تاريخياً (هذا ما يعبر عنه اليمين بـfaire sécession). واليمين الأكثر تطرفاً، بالطبع، يناسبه هذا الاختزال، لأن المكون الجزائري الإسلاموي يساعد في تطوير أجندته ضد العولمة وأوروبا والهجرة والإسلام السياسي.  

الضواحي الفرنسية

لنبدأ بالعنوان كمثال عن التبسيط والاختزال: مشكلة الضواحي الفرنسية والمهاجرين! أولاً، المشكلة ليست محصورة بالضواحي كما يمكن أن نفهمها، أي على أطراف المدن، وليس هناك مهاجرون وحسب. 

أولاً، وفي كثير من الأحيان، الأحياء التي مع الوقت تمركز فيها الفرنسيون من الأصول المهاجرة، هي أجزاء من المدينة نفسها.

 في منطقة فرساي مثلاً، وهي من أغنى المناطق الفرنسية المحيطة بباريس، والأكثر تمثيلاً لليمين المحافظ، والتي تعتبر من ضواحي باريس الكبرى بشكل من الأشكال، هناك مدينتان La Verrière et Trappes فيهما أحياء تعرف بالـ HLM et ZUS (سكن اجتماعي وأحياء فقيرة). تقع هذه الأحياء ضمن مدن ذات أكثرية فرنسية ومن الطبقة الوسطى والغنية. أحياء الـZUS نفسها في فرنسا، لا يتعدى عدد سكانها الـ 4.4 مليون نسمة، أي ما يعادل تقريباً 6 في المئة من سكان فرنسا.

هذه الأحياء، صحيح أنها جغرافياً كثيفة التعقيد بمشاكلها، وهي نقطة تمركز للفقر، إلا أنها لم تكن دائما كذلك رغم الوجود القوي تاريخياً للمهاجرين فيها. بالإضافة الى ذلك، هناك جزء كبير من الضواحي الشعبية أيضاً، وتحافظ على نسبة عالية من المهاجرين والأصول المهاجرة، لا تقع ضمن هذا التحديد الإداري، وهي ليست على خارطة الأحداث التي تحصل بين الحين والآخر. 

 ثانياً، صفة المهاجرين لا تعبر إلا جزئياً عن هذه الظاهرة. وهي أصبحت صفة سياسية Catégorie Politique لرسم حدود داخل المجتمع الفرنسي ذاته، للتمايز عنه أو لإخراجه من الـ”نحن” الوطنية، بحسب موقع الفرد السياسي. وهذه ظاهرة مدروسة جداً في حالة الأميركيين الأفارقة في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك لأسباب كثيرة يمكن اختصارها بالتالي: أولاً، لأن فرنسا كإمبراطورية سابقة احتضنت سكاناً من المستعمرات منذ مئات السنين، ومن المغرب العربي تحديداً بعد عام 1920. نحن لا نتكلم هنا عن الجيل الثاني كما يحلو للبعض القول، بل عن جيل رابع وخامس.

هناك جزء كبير من هؤلاء الفرنسيين من أصول مهاجرة لا يزورون بلدهم الأم أو مسقط رأس أهلهم أو أجدادهم. هم فرنسيون بكل ما للكلمة من معنى قانونياً وسوسيولوجياً. ثانياً، لأن المهاجرين الجدد هم الأقل مشاركة في الاحتجاجات وموجات العنف والتحركات الاجتماعية. وهذا معروف ومؤكد بالإحصاءات. وثالثاً وأخيراً، وهو الأهم بنظري، إن أي خروج عن هذه المقاربة القائمة على الحقوق والمواطنة، الحق بالمدينة، Droit du sol et le droit commun، لا يمس التعاطي مع الوافدين وظاهرة ذوي الأصول المهاجرة فقط، بل يمس بالنموذج الفرنسي ذاته ودولته والإطار الحداثوي الذي تسبح فيه. فرنسا لم تتشكل من هجرات شمال أفريقيا ودول جنوب الصحراء الأفريقية وحسب!

هذه المقاربة لا تنفي وجود مشكلة هجرة أو اندماج، أو مشكلة ضواحٍ وغيتوات يغلب عليها طابع إثني وديني، أو مشكلة إسلام سياسي راديكالي، أو مشكلة اقتصادية واجتماعية تتمركز أكثر في أوساط شعبية معينة، لكن هذا التوضيح يساعدنا على الخروج من الاختزال القاتل الذي يستند إلى قراءات لا اجتماعية ولا تاريخية. وهذا ما يحدث في تغطية الحدث الفرنسي في معظم وسائل الإعلام العربية والإسلامية واللبنانية، التي تقوم بإسقاطات مشحونة بالمعاش المحلي وغير مدركة لتعقيدات الظاهرة. 

 هذا لا يعني، أن هناك قصوراً مقصوداً أو غير مقصود، لعدم التطرق إلى جوانب ما فوق وطنية extraterritoriales في فهم هذه الظاهرة. توجه كهذا يحيلنا إلى العولمة وكيف صعبت الاندماج عموماً في مختلف أجزاء العالم، ويحيلنا أيضاً إلى مشكلة الإسلام السياسي الراديكالي والعنف والإرهاب، والعلاقات المتوترة العالقة بين أوروبا ومستعمراتها السابقة، وضرورات العولمة الاقتصادية والهجرة واللجوء، والتفاوتات الاقتصادية بين الجغرافيات، وأخيراً التغير المناخي ونتائجه الكارثية. 

هذه التعقيدات كلها، لغير المطلعين عليها، ليست خاصة بفرنسا وحدها. هي مسألة “غربية” عموماً. من أستراليا وصولاً إلى الولايات المتحدة ومروراً بأوروبا. إنه معطى حضاري وتاريخي وما بعد الاستعمار ودولة الرعاية، حيث ساد نموذج معين من العولمة النيوليبرالية شكّل ديناميات عمله الأساسية. يضاف إليه في الحالة الفرنسية شرخ القضية الجزائرية والقوانين السابقة حتى على الاستقلال في ما يخص المواطن الجزائري.

على أهمية المعطى الجزائري، والذي حدّد بشكل كبير مسارات تطور الظاهرة، إلا أن إعطاءه كل المساحة التفسيرية Pouvoir analytique هو خطأ. هذا شكل من أشكال الاختزال الذي يقع فيه العرب بنظرتهم المنطلقة من تاريخهم وتجربتهم مع فرنسا Arabo-centrisme، بخاصة بالنسبة إلى هؤلاء الآتين من خلفيات قومية عربية التقت مع الشيوعيين الفرنسيين الذين أيدوا النضال والاستقلال الجزائريين. 

هذه الرؤية المركزية للأشياء، سواء كانت مركزية أوروبية أو عربية تعقّد الأشياء وتحيل هذه الظاهرة الاجتماعية والسياسية إلى حقل أيديولوجي مفعم بالقراءات الماضوية، وتصبح التفسيرات معه شبه مستحيلة. هذا ما يفسر هذه الانفجارات العنيفة. 

انطلاقاً من هذه التعقيدات، سأحاول في مقالات لاحقة تقديم قراءة تساعد على فهم هذه الظاهرة، وتساعد أيضاً على تحديد علمي واجتماعي للتحديات التي تعيشها فرنسا في هذا المضمار. قراءة ستحاول أن تكون موضوعية قدر المستطاع، انطلاقاً من تجربتي الفرنسية ومتابعتي هذه الظاهرة، وانتمائي الثقافي الى ضفتي البحر الأبيض المتوسط. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.