fbpx

“مجاهدون” الى جانب الجيش… السودان يوشك أن يصبح بؤرة إرهاب مشتعلة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

يدرك المتابع لسير معارك الجيش والدعم السريع، أن الأول ظلّ يفقد قواعده واحدة تلو الأخرى في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور، لكن هذا الوضع تغير تماماً منذ مشاركة إسلاميين متشددين في القتال إلى جانبه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كثّف أنصار كتيبة البراء بن مالك، الذراع العسكري للحركة الإسلامية (المسمى السوداني لجماعة الإخوان المسلمين)، من بث مقاطع فيديو تُظهر عمليات القتال التي يخوضونها الى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع في مدينة أم درمان، المدينة الثالثة في العاصمة الخرطوم.

لم يعلن الجيش، الذي يعمل حاليّاً على تدريب المزيد من المدنيين في مناطق وسط البلاد وشمالها وشرقها، مشاركة كتيبة البراء بن مالك والإسلاميين المتطرفين الذين يُعرّفون أنفسهم بـ “المجاهدين”، في القتال معه ضد قوات الدعم السريع، لكن الفيديوهات التي تبثها عناصر الكتيبة والتقارير الصحافية تؤكد أنهم يشاركون في الحرب التي تمضي قدماً في الخروج عن السيطرة.

نشرت رويترز تقريراً في 28 حزيران/ يونيو، يتحدث عن قتال الآلاف ممن عملوا في جهاز المخابرات العامة ولديهم صلات بالتيار الإسلامي وآلاف الإسلاميين، إلى جانب الجيش، ما يعقّد جهود إنهاء إراقة الدماء.

تقول مصادر عسكرية لـ “درج”، إن عناصر كتيبة البراء بن مالك موجودون ضمن كتلتين عسكريتين على الأقل، هما سلاح المدرعات وسلاح المشاة، إضافة إلى قاعدة ثالثة هي قوات الاحتياطي المركزي في أم درمان، وهي فصيل تابع لقوات الشرطة فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات لدوره في قمع الاحتجاجات السلمية الرافضة استمرار الحكم العسكري في العنف المفرط.

تتبع كتيبة البراء بن مالك عسكرياً، الى قوات الدفاع الشعبي التي أنشأها نظام الرئيس عمر البشير بعد فترة قصيرة من وصوله إلى سُدة الحكم عبر انقلاب عسكري نفذه في 30 حزيران 1989، بتخطيط من الحركة الإسلامية؛ لتحوّل هذه القوات الحرب في جنوب السودان من أهلية إلى جهادية مُقدسة. وبعد عزل البشير، ورغم المطالب الشعبية بحلّها، قرر قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان تحويل اسمها إلى قوات الاحتياط.

مخاوف تحوّل الحرب إلى طائفيّة

يدرك المتابع لسير معارك الجيش والدعم السريع، أن الأول ظلّ يفقد قواعده واحدة تلو الأخرى في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور، مع الدفاع بضراوة عن بقية القواعد الكبرى مثل القيادة العامة والمدرعات وسلاح المهندسين، لكن هذا الوضع تغير تماماً منذ مشاركة الإسلاميين المتطرفين في القتال إلى جانبه.

يقول الضابط المتقاعد عمر أرباب، لـ “درج”، إن الجيش كان يُعاني من عدم توافر قوات المُشاة القادرة على تأمين المواقع والقيام بعمليات التمشيط والهجوم، إلا أن الوضع تغيّر، إذ يجري الجيش عمليات تمشيط في مدن العاصمة الثلاث، أدت الى توقف هجمات الدعم السريع على الوحدات العسكرية، ما يعني أن هناك تغييراً في موازين القوى.

يشير أرباب إلى أنه لا يمتلك معلومات عن مسمى المجاهدين الذين يقاتلون مع الجيش، لكنه يضيف: “لا أظن أن مسألة التحالفات السياسية في هذه الحرب تعد سراً. أعتقد أن الإسلاميين متحالفون مع الجيش، ومن الطبيعي أن يقاتلوا بجانبه، كما أعتقد أن هناك تحالفاً بين الحرية والتغيير والدعم السريع، ومن الطبيعي أيضاً العمل على توفير الغطاء السياسي له. هذه المعركة معركة سياسية في المقام الأول، ولا تختلف في تقديري عن المعارك المستمرة طوال تاريخنا السياسي”.

وفي 11 تموز/ يوليو، تحدث ممثل الشباب عن المدنيين الذين بدأ الجيش تدريبهم في ولاية كسلا شرق السودان، محمد الجنيد، عن إعداد ألف مجاهد ــ أي متطرف ــ مع تخييرهم بين خوض المعارك مع الجيش في الخرطوم أو تأمين الولاية وممتلكات المواطنين، معلناً ذلك أمام قائد والي كسلا المُكلف، خوجلي حمد، وقائد الفرقة 11 مشاة اللواء ركن حسن أبوزيد، وفقاً لوكالة السودان للأنباء.

إذاً، مع مرور الوقت، تظهر أدلة إضافية على انضمام مزيد من المتطرفين في القتال إلى جانب الجيش، لكن الخوف الأكبر تحوّل القتال المندلع منذ 15 نيسان/ أبريل، إلى حرب طائفية تُجبر إرهابيين من دول أخرى إلى الانضمام إليهم، لا سيما أن الحركات المتطرفة لا تؤمن بالحدود السياسية.

يُتوقع أن يبرز قادة حرب جُدد، من بين المدنيين الذين يُدربهم الجيش حاليّاً في شمال البلاد وشرقها ووسطها، على غرار قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، الذي كان يُقاتل التمرد في دارفور بالإنابة عن الجيش ونظام الرئيس عمر البشير؛ وتحالف قادة الحرب الجُدد المتوقعين مع الإسلاميين المتطرفين، لا يعني استمرار النزاع فقط وإنما سيجعل السودان بؤرة إرهاب ساخنة.

خصوصيّة السودان الإخوانيّة 

يقول المتخصص في الجماعات الإسلامية المتشددة، الهادي محمد الأمين، إن نظام البشير بدأ حركة التجييش والتعبئة والاستنفار وفتح معسكرات التدريب لما يُعرف بالقوات المساندة، وتطور الأمر إلى تأسيس قوات الدفاع الشعبي شبه العسكرية، التي تولدت فيها أدبيات الجهاد وثقافة الإنشاد الحماسية لأشعار الإخوان المسلمين، مثل سيد قطب ويوسف القرضاوي وعمر النامي وأمين حسن عمر ومحمد إبراهيم عبد الجليل. ويضيف: “قوات الدفاع الشعبي بمثابة ركيزة لفكرة الألوية والكتائب الجهادية، التي تُعتبر جزءاً من الفكرة العامة لحركة الإخوان المسلمين المعتمدة على الأجنحة العسكرية والأجهزة الأمنية السرية والكتائب المقاتلة”.

يشير الأمين إلى أن نظام الإنقاذ ــ أي نظام الحركة الإسلامية ــ (سودن) كان فكرة عامة مع  بداية الحرب في جنوب السودان ومسارح العمليات العسكرية في جبال النوبة ومناطق النيل الأزرق، لكن عندما اتخذت الحرب الطابع الديني ظهرت قيادات سياسية عُرفت بـ “المجاهدين”، وتطورت الأسماء إلى الدبابين والطيارين والقوات الخاصة. ويلفت إلى أن قوات الدفاع الشعبي تحولت بعد انفصال جنوب السودان في 2011، إلى العمل المدني خلال فترات كوارث الفيضانات والسيول وتسيير القوافل الإغاثية، وذلك قبل أن تظهر في هذه الفترة لمواجهة الدعم السريع.

ويوضح الأمين، وجود فروقات في أدبيات حركات الإسلام السياسي في السودان والقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والسلفية الجهادية، رغم مشاركتها في فكرة المقاومة واتفاقها على التحدي الأمني والعسكري المتمثل في قوات حفظ السلام والمراقبة والتدخلات الأجنبية العسكرية من قبيل التدخل في العراق والصومال وأفغانستان.

ويتابع الأمين: “إرهاب حركات الإسلام السياسي يختلف عن إرهاب القاعدة وداعش، فالأول طابعه سياسي مغلف بأيديولوجيا دينية، ما يعني أنه إرهاب تغلب عليه الانتهازية، إذ يمكن التخلي عنه حال تحقق المصلحة وربما الانقلاب عليه، وذلك خلافاً للثاني الذي تخلو دوافعه من الأجندات السياسية، لكنه يستفيد من ظروفها وتطوراتها”.

سيناريو مخيف

يقول الأمين إن أوضاع السودان الحالية أعادت الحالة الجهادية التي كانت حاضرة خلال نظام الرئيس عمر البشير، هبوطاً وصعوداً طوال 30 عاماً، وهذا في مجمله يفتح شهية الإرهابيين سواء القاعدة أو داعش لتسجيل حضور في المشهد السوداني بشكل أكبر وأوسع مما كان سابقاً.

ويتوقع المختص في الجماعات المتشددة بروز ثلاث أنماط للإرهاب في السودان، أولها إرهاب الظل أو الجزر المعزولة وهذا يظهر نتيجة لمثل أوضاع السودان الحالية وينبع من التفاعلات داخل الحركات الإسلامية. وثانيها وثالثها هو نمط إرهاب القاعدة وداعش كل على حدا.ويوضح أن السودان كان بؤرة إرهاب، أي دولة مقر وعبور، لكنه تحول الآن إلى نقطة ساخنة ومشتعلة،  ذات احتراق داخلي وخارجي.

عادة، ما تستغل الجماعات المتطرفة الفوضى واستشراء الفقر في أي منطقة، من أجل النشاط وتجنيد مزيدًا من العناصر ما يجعل السودان يقترب من أن يصبح “بؤرة إرهاب” ساخنة. ومع دخول القتال شهره الرابع، لا يبدو أن الأوضاع في السودان تسير على حافة الهاوية وإنما دخلت الهاوية، لكن مدى عمقها يتحدد خلال فترة وجيزة.