fbpx

تهمة “ازدراء الأديان” في مصر: حرية الاعتقاد بما يرضي الدولة والله

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تجرّم المادة 98 من القانون المصري، ما يطلق عليه “ازدراء الأديان”، المادة التي وجهت لها منظمات حقوقية كثيرة انتقادات بوصفها “غير دستوريّة”، كما قُدمت طلبات إحاطة كثيرة بمجلس النواب لحذفها، خصوصاً أن العقوبة الخاصة بها هي الحبس من 6 أشهر إلى 5 سنوات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

” إخواني وأصدقائي الأعزاء لقد تمت سرقة حسابي… كبرتوا الموضوع ودمرتوني نفسياً لأن الأكاونت متهكر، انا مغلطش في حد… ده أنا بنزل في رمضان أوزع على الفطار تمر وعصير وسجائر وكل أصحابي مسلمين… إزاي أغلط في نبيهم أشرف الخلق”.

 لم يكن المنشور السابق كافياً لإنهاء جدل بدأ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، طالب  إثره عدد من المستخدمين، بتحويل أبانوب عماد، أحد الطلاب بجامعة الزقازيق، الى التحقيق معه، موجّهين إليه تهمة إزدراء الأديان، بعد تسريب محادثة زعموا أنها له وتحمل حديثاً عن الدين.

بدأ الجدل حين تداول عدد من مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، صوراً من محادثة لأبانوب عماد، طالب في كلية طب الفم والأسنان – جامعة الزقازيق، تتضمن حديثاً عن الدين الإسلامي، تلا ذلك تداول صور عماد، وبيانات خاصة به وبأسرته، مع مطالب بالقبض عليه، ومعاقبته بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، وتصدّر هاشتاغ “محاسبة أبانوب عماد”، وهاشتاغ “إلا رسول الله” مواقع التواصل بمصر.

تجرّم المادة 98  من القانون المصري، ما يطلق عليه “ازدراء الأديان”، المادة التي وجهت لها منظمات حقوقية كثيرة انتقادات بوصفها “غير دستوريّة”، كما قُدمت طلبات إحاطة  كثيرة بمجلس النواب لحذفها، خصوصاً أن العقوبة الخاصة بها هي الحبس من 6 أشهر إلى 5 سنوات.

وأعلن المركز الإعلامي لجامعة الزقازيق في بيان له، تحويل أبانون الى التحقيق، وذكر البيان “إيماءاً إلى ما هو متداول على مواقع التواصل الاجتماعى حول الإساءات التي وجهها أحد طلاب كلية طب وجراحة الفم و الأسنان، نود الإشارة إلى أنه تمت إحالة الطالب إلى مجلس التأديب، واتخاذ كافة الإجراءات الإدارية داخل الجامعة حيال الواقعة”، يأتي هذا البيان على الرغم من أن قانون تنظيم الجامعات لا يتضمن في نصوصه أي مواد تتيح للمؤسسات الأكاديمية التحقيق في أي جرائم جنائية تتم من الطلاب خارج الحرم الجامعي.

خضع أبانوب للتحقيق لدى جهاز الأمن الوطني، ثم أُطلق سراحه من دون العرض على النيابة، في الوقت نفسه يؤكد رئيس الجامعة أنهم بصدد دراسة القرار الذي سيتخذ في حقه، عقب التحقيق معه في ما نُسب إليه.

” إخواني وأصدقائي الأعزاء لقد تمت سرقة حسابي… كبرتوا الموضوع ودمرتوني نفسياً لأن الأكاونت متهكر، انا مغلطش في حد… ده أنا بنزل في رمضان أوزع على الفطار تمر وعصير وسجائر وكل أصحابي مسلمين… إزاي أغلط في نبيهم أشرف الخلق”.

“ازدراء الأديان” وسياسات “السكريت شوت”

لم يكن أبانوب الأول، ففي شباط/ فبراير الماضي، أحيلت طالبة بجامعة سيناء الى التحقيق بالتهمة نفسها، بعد انتشار “سكرين شوت” منسوب إليها يتضمن حديثاً عن الأديان.

أغلقت الجامعة التحقيق بعدما تبين أن المنشورات المنسوبة إليها مزيفة، وتعرضت الطالبة لما تعرض له أبانوب من حملات تشهير، ردت عليها ببلاغ للتحقيق مع من سرب بياناتها، ووجهت إليه تهم السب والقذف، ولكن انتهى الأمر بغلق التحقيق معها فقط.

في شباط الماضي أيضاً، قضت محكمة جنح السلام بالتجمع الخامس، بتغريم الدكتور مبروك عطية، ألف جنيه؛ لاتهامه بازدراء الدينين المسيحي والإسلامي، بعد تصريحاته الأخيرة التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، والمقصود مقطع فيديو يسخر فيه من لقب السيد المسيح، أحيلت الدعوى بعدها إلى المحكمة المختصة.

على الرغم من أن الاستراتيجية الوطنية التي أطلقت في 2021، تضمنت باباً حول حرية الدين والمعتقد، يؤكد المضي في خطوات للتسامح الديني، وتحسين الخطاب الديني، إلا أن تهمة إزدراء الأديان لا تزال توجه الى من يشتبه بحديثه في الشأن الديني، الأمر الذي يتعارض مع المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والذي وقعت عليه مصر، ويضمن حرية الاعتقاد وحرية التعبير عن الرأي.

يشير المحامي مكاريوس لحظي، إلى أن “القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير، وردت في نفس المادة التي تمنحها 19 من العهد الدولي، في الفقرة الثالثة، لكنها تتضمن شرطين: أولًا، إنها تكون قيود محددة بنص القانون، يعني لازم القانون الداخلي اللي يفرض القيود دي يكون مكتوب ومحدد وما يتسابش لخيال مؤسسات الدولة، وثانياً، إن القيود تكون ضرورية لاحترام حقوق الآخرين وسمعتهم أو حماية  الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. وبطبيعة الحال، إذا تضمن الكلام اعتداء على حقوق ناس وسمعتهم كما الحال في السب والقذف مثلًا، أو لو كان هيعرض الأمن القومي وأخواته للخطر، يبقى سيتم تقييده بالحظر أو التجريم أو أي نوع آخر من القيود”.

يضيف لحظي في حديثة لـ”درج”، أن المادة 20 من العهد الدولي، تتحدث أيضاً عن خطاب الكراهية الذي يمثل البوابة التي خرجت منها مادة إزدراء الأديان المعمول بها في مصر، إذ يقول:”خطاب الكراهية الذي يقع عليه الحظر والتجريم، هو التحريض على حاجة من تلاتة: التمييز أو العداوة أو العنف، وفيه تخوفين أساسيين في المجتمع الدولي من استخدام الدول والحكومات لتشريعات حظر خطاب الكراهية… التخوف الثاني هو استخدام التشريعات دي لوضع قيود إضافية غير مبررة على حرية الرأي والتعبير والتنكيل بالمعارضين والمنشقين.. إلخ… أما التخوف الأول والأهم هو التخوف من إصدار الدول لتشريعات التجديف والازدراء والردة”.

يوضح لحظي أن القانون الدولي وضع 6 معايير لاعتبار خطاب ما “خطاب كراهية”، منها شخصية المتحدث ومدى تأثيرها على المجتمعين، ونيّته أثناء أداء الخطاب والسياق السياسي والثقافي والاجتماعي، ومدى انتشار الخطاب واحتمال وقوع تمييز أو عنف.

في حزيران/ يونيو 2016، أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مذكرة  حول عدم دستورية المادة 98 من قانون العقوبات (مادة ازدراء الأديان)، واستندت في ذلك على أحكام المحكمة الدستورية العليا المصرية، وأحكام قضائية أخرى لمحكمة النقض ومحاكم الجنح، وبالطبع نصوص الدستور المصري. وتعرض المذكرة لمحة تاريخية عن مراحل تطور نص المادة، منذ اقتراحه حتى صياغته الأخيرة المعمول بها.

وأوضحت  المذكرة كيف أن نص المادة في الصيغة التي انتهى إليها، قد افتقر إلى الضوابط الدستورية المطلوبة في أي نص عقابي، ما يعد إخلالاً بمبدأي مشروعية التجريم والعقاب والفصل بين السلطات، المرتبطين بدورهما بعدد من الحقوق المصونة وفقاً للدساتير المصرية المتعاقبة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كالحق في المحاكمة العادلة، والحق في الدفاع، والحق في المساواة.

“ازدراء الأديان” لحماية الأكثرية المسلمة

تقدّمت البرلمانية نادية هنري في عام 2020، بطلب إحاطة للبرلمان المصري لإلغاء المادة أو تعديلها، ووصفتها حينها بأنها مادة تطبَّق ضد الأقليات فقط، ولم يتم التصديق على المشروع أو مناقشته.

يشير لحظي إلى أن تلك المادة “سيئة السمعة”، تم العمل بها أثناء حكم الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، ” المادة دي زقها السادات بعد أحداث الزاوية الحمرا ضد الأقباط، ففي الحقيقة هي كانت فعلًا مادة لحظر لخطاب الكراهية وفق ضوابط القانون الدولي، فالمادة ببساطة بتجرم استخدام الدين في التحريض على الناس والطوائف أو إثارة الفتنة والإضرار بالوحدة الوطنية، لكن الإشكالية هي جملة “تحقير أو ازدراء أحد الأديان” وهي كمان مش غلط بشكل كامل، لأن ازدراء دين الأقليات، بالفعل قد يعتبر تحريض عليهم… بس مش العكس، ليه؟ لأن مستحيل الأقليات يقدروا يمارسوا التمييز ضد الأغلبية، أو يوقعوا عليهم عنف أو يشهروا العداء ضدهم، لأنهم أضعف ومايملكوش القدرة على كده”.

يتابع لحظي قائلاً، إن الأزمة الحقيقة بدأت مع توافق تنبؤات وتخوفات المجتمع الدولي والمدافعين عن حرية الاعتقاد، إذ أصبحت تُستخدم لحماية دين الغالبية فقط والتنكيل بالأقليات والمختلفين في الدين والمنشقّين.

يضيف لحظي، “المادة تستخدم بشكل أساسي ضد المسيحيين وضد أي حد على غير دين الحاكم، اللي هو سني مسلم بالضرورة، فبتستخدم برضه ضد الملحدين والشيعة والقرآنيين، ولما بتيجي تطبق على مسلمين سنة، تطبق على اللي بنسميهم “التنويريين””.

ما يمكن أن يدلّل على حديث لحظي، هو معاقبة الدكتور مبروك عطية بغرامة ألف جنيه، في مقابل حكم صدر ضد ماركو جرجس، بالحبس خمس سنوات بتهمة استغلال الدين في ترويج أفكار متطرفة، وازدراء الدين الإسلامي والتعدي عليه، والاعتداء على قيم اﻷسرة المصرية.

تعود أحداث الواقعة، حينما أُلقي القبض على جرجس في حزيران/ يونيو 2021، أثناء أدائه الخدمة العسكرية في معسكر قوات الأمن بالجبل الأحمر في مدينة نصر، التابع لوزارة الداخلية، وذلك خلال حملة روتينية بالمعسكر لتفتيش هواتف العساكر، إذ أُخذ هاتفه المحمول للتفتيش، فوُجدت عليه صور جنسية عليها آيات قرآنية.

يختم لحظي حديثه لـ”درج” قائلاً، إن ما تفعله الدولة من ممارسات تحت غطاء المادة 98، يبدو محاولات إصلاح، لكنه في واقع الأمر، عكس ذلك، إذ لا يوجد توجه حقيقي لفتح هذا الملف، والوصول إلى حلول فعلية تقضي على التمييز الحقيقي من دون تطبيق نصوص تدعم هذا التمييز.