fbpx

أبانوب ليس الأول… محاكم تفتيش العقيدة تهدّد مستقبل طلاب مصريين 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يعرف أحد مصير أبانوب عماد الآن، أو كيف ستنتهي أزمته؟ لكن المؤكد أن أبانوب لن يكون الضحية الأخيرة لمحاكم التفتيش في مجموعات التواصل الاجتماعي الخاصة بالطلاب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يكن أبانوب عماد، الطالب في كلية طب الأسنان في جامعة الزقازيق، يعلم أن نقاشاً مع زميله على أحد تطبيقات المراسلة سيقلب حياته رأساً على عقب، وأنه سيصبح مهدداً بإنهاء مسيرته التعليمية والحبس وحتى القتل، بعد تصدّر وسم #محاسبة_أبانوب_عماد وسائل التواصل الاجتماعي.

أبانوب واحد من 4 طلاب جامعيين مصريين تعرضوا لمحاكم التفتيش حول آرائهم الدينية داخل مجموعات التواصل الاجتماعي الخاصة بطلاب الجامعات، رصدهم “درج” منذ بداية العام الدراسي الحالي في أيلول/ سبتمبر الماضي.

بحسب مواقع قبطية، فإن أبانوب خاض نقاشاً مع طالب مسلم حول الأديان، وتطرق النقاش إلى ما يعرف بنشيد الإنشاد، وهو جزء من الكتاب المقدس لدى المسيحيين، “الإنجيل”، فسخر منه، ليردّ عليه أبانوب بتعليقات مسيئة الى الدين الإسلامي، وكانت المحادثة بالكامل خاصة على تطبيق المحادثة “ماسينجر” وليست متاحة سوى للطرف الآخر، الذي نشرها بعد ذلك على مجموعات طلاب الجامعة التي ينتمي إليها أبانوب، مع تحريض واسع على معاقبته والانتقام منه، ووصل بعض المحرضين إلى أن قتل أبانوب هو الرد الوحيد المقبول، وأن اعتذاره أو حبسه، عقاب غير كافٍ. 

ضمن محاولات التحريض، نشر الطلاب رقم هاتف أبانوب، ورقم والدته، وحسابات شقيقته وأمه وأخته وعمه وقريبة له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع التحريض على الاتصال بهم جميعاً، والرد على الإهانة الموجّهة الى الإسلام من أبانوب.

حاول “درج” التواصل مع أبانوب وأسرته، إلا أن شقيقته وعمه أغلقا حسابيهما على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، كذلك أغلق أبانوب نفسه هاتفه المحمول ووالدته أيضاً، وتم وسم اسم أبانوب وأمه بعبارات مسيئة على تطبيقات إظهار هوية الاتصال، بحسب ما رصد “درج”.

في المقابل، نشر طلاب صورة منشور منسوب الى أبانوب يعتذر فيها عما كتبه، ويستعطف المحرضين ضده بأن والدته قد تموت إذا تعرض لسوء، كما نشر منشوراً آخر يقول فيه إن حسابه اختُرق، ويعتذر لكل من أساءت إليهم المحادثة المنشورة.

وبرغم التحريض الواضح ضد أبانوب، إلا أن جامعة الزقازيق تعاملت معه باعتباره الجاني لا الضحية، إذ نشرت عقب كتبت الوسم منشوراً على صفحتها في مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب فيه كل من لديه معلومات عن أبانوب، الذي وصفته بالمتطاول، بتقديم شكوى للجامعة للتحقيق فيها، أعقبه بيان لكلية طب الأسنان بالجامعة أعلنت فيه تحويل الطالب الى مجلس تأديب.

في المقابل، تداولت حسابات على مواقع تواصل اجتماعي خبر القبض على أبانوب، إلا أن هذه المعلومة نفاها أحمد ماهر، المحامي الذي أعلن تطوّعه للدفاع عن أبانوب.

بحسب ماهر، فإن أبانوب لم يتم القبض عليه، إلا أنه يمكن أن يحدث ذلك قريباً، نظراً إلى تقديم أحد المحامين بلاغاً ضده أمام النيابة، التي من سلطاتها حفظه أو إحالته إلى التحقيق في أي وقت، وهو ما سيتضح بعد إجازة العيد.

ويقول ماهر، إنه “يقدّم بتطوّعه الصورة المثالية للإسلام، فالطرف المسيء هو المسلم الذي بدأ بالإساءة إلى دين أبانوب، ما اضطره إلى الإساءة، ولم يكتف هذا الطرف فقط بالإساءة بل نشرها أمام العموم، وبذلك هدّد أمن أبانوب”.

ويلفت الى أن “ميزان العدالة في مصر بكفة واحدة فقط، هي كفة الإسلام والمسلمين، ولا يرى الإساءات التي توجه ليلاً نهاراً الى المسيحيين، والتي تهدد نسيج المجتمع المصري، فالمتطرفون ومنهم شيوخ يسيئون إلى الدين المسيحي، وسبق أن انسحبت مرتين من لقاءات إعلامية أمام عبد الله رشدي الذي يصنف نفسه كعالم ومتحدث باسم الأزهر، المؤسسة الدينية الأكبر في مصر، بعد وصفه المسيحيين بأنهم كفرة، وللأسف فإن الأزهر يتبنى الخطاب نفسه، وقد حاول شيخ الأزهر الترقيع أو التجميل بقوله إن المقصود هو أنهم كافرون بعقيدة الإسلام، كما أن المسلمين كافرون بالعقيدة المسيحية”. 

الترصد هو السائد

يرى اسحق إبراهيم، مسؤول ملف حرية المعتقد في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن الطلاب المسيحيين في الجامعات يتعرضون للترصد، ومحاولة جرّهم إلى محاكم التفتيش عبر الإساءة إلى معتقداتهم ثم مهاجمة رد فعلهم، وهذا ما حصل مع أبانوب الذي خاض نقاشاً على تطبيق غير متاح للعامة، فهو تطبيق محادثة بين طرفين فقط، واستُدرج فيه للرد على الإساءة الموجّهة الى معتقده، ثم نشر هذا الرد أمام العامة للحشد ضده، وهو ما حصل قبل ثلاثة أعوام مع الطالب هاني يوسف، الذي رد على إساءة زميلة له، وأحيل إلى التحقيق، وبعد مواجهة النيابة بأن هناك إساءة الى الدين المسيحي من الطالبة المسلمة، تم التحقيق معها وإخلاء سبيل الاثنين، ليتم بعدها الحكم على هاني غيابياً بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وتم تخفيض العقوبة بعد المعارضة الى الحبس مدة عام واحد، فيما لم تتم إحالة الطالبة المسلمة إلى المحاكمة، برغم أن المادة 98 من قانون العقوبات المعنية بازدراء الأديان لم تحدد الجريمة بالإساءة إلى الدين الإسلامي وإنما إلى الأديان السماوية كافة.

يضيف ابراهيم، “الأزمة تجاوزت شخص أبانوب، فقد نُشرت بيانات أسرة أبانوب على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعرّض أسرته للخطر، وهو ما حصل مع طالبة جامعة سيناء أيضاً، وهي من سكان محافظة الشرقية، أي أن هناك تسريب بيانات من شركات الاتصالات، ولم تواجه السلطات المعنية هذا التسريب أو تقف ضده، كما أن الجامعة نفسها لم تقف ضد التحريض من طلابها ضد أبانوب والتهديدات التي وُجهت له، وإنما شاركت في محاسبة الطالب الذي لم ينشر أي تعليق على العلن ضد الدين، بل الطرف الذي اقتص المحادثة الخاصة هو من نشرها على العلن، ولم تحاول الجامعة معرفة شخصيته أو محاسبته، وكذلك السلطات”.

يتابع إبراهيم، “لا يمكن مناقشة أزمة أبانوب بعيداً من السياق السياسي، فتأميم النشاط السياسي وانخفاض سقف الحريات بشكل عام، جعلا معارك الدفاع عن الدين معارك سهلة للتيار الديني والشباب أيضاً، فهي معارك لا تغضب الدولة أو أي سلطة، وتعطي لمن يشنّها فرصة الظهور تحت الضوء، ويمكن القول إن هذه المعارك انتشرت بصورة كبيرة بعد عام 2011، حين استخدمها التيار الديني لمغازلة جمهوره المتعطش لفرض سيطرة الدين، وزادت من حدتها حالة التشبع التكنولوجي، وسيطرة التكنولوجيا واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي على مناحي الحياة كافة، فأصبح من السهل الحشد ضد أي شخص، وبرغم وجود قضايا ازدراء أديان قبل 2011، إلا أن الحشد والتحريض ضد شخص معين لم يكن متاحاً كما اليوم”.

“ميزان العدالة في مصر بكفة واحدة فقط، هي كفة الإسلام والمسلمين، ولا يرى الإساءات التي توجه ليلاً نهاراً الى المسيحيين”

الطرف الأضعف 

“الإسلاميون يريدون مكايدة النظام، والأقباط هم الحلقة الأضعف لأنهم لا يستطيعون مواجهة الدولة”، بهذه العبارات فسّر المفكر القبطي كمال زاخر حادثة أبانوب.

وبحسب زاخر، “فإن الطلاب المحرضين ضد أبانوب هم أيضاً ضحايا لفكر الجماعات الإسلامية التي وجدت في هذه المعارك ضالتها في مكايدة النظام، على أمل أن تكسب أرضاً جديدة تؤهلها للعودة مجدداً، وتختار لذلك صغاراً في السن لم يتشكل فكرهم بعد، وتسيطر عليهم العاطفة لخوض هذه المعارك، لا سيما أن سقف الحديث بحرية عن أي قضية تضاءل بصورة كبيرة إلا في شيئين اثنين هما الدين والرياضة. وتدعم الدولة ذلك بتحويل مادة ازدراء الأديان من مادة لمحاسبة كل من يسيء إلى الأديان السماوية إلى مادة لمحاسبة من يسيء إلى الإسلام فقط، اعتماداً على النص القرآني “إن الدين عند الله الإسلام”، وهو النص الذي يشكل عقيدة الكثير من ممثلي السلطة التنفيذية والقضائية أيضاً”.

معاقبة الاختلاف

على مدار ثلاث سنوات، تحولت الحياة الجامعية لطالبة جامعة الفيوم رانيا رشوان الى جحيم، فالطالبة وجدت نفسها أمام تهديدات مستمرة على مجموعات التواصل الاجتماعي للجامعة، لا سيما بعد ترصد أحد الطلاب حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها “كلاب هاوس”، والذي اقتطع جزءاً من حديثها ونشره على مجموعات الجامعة، متهماً إياها بالإلحاد تحت وسم “#محاسبة_رانيا_رشوان”.

تروي رانيا ما حدث معها قائلة، “أنا الطالبة المسلمة الوحيدة في الجامعة من دون حجاب. في البداية، ارتديت قبعة، وتعرضت للتنمر بسبب ذلك، وحين قررت الظهور بشعري، تلقيت وابلاً من الشتائم والتهديدات بالاغتصاب والضرب. وعقب حادث نيرة أشرف، تم تهديدي بالذبح مثلها أمام الجامعة، وقاموا بتتبع رقم هاتف أخي وتهديده باغتصابي في الجامعة إذا حضرت إلى هناك”.

تقدمت رانيا بشكوى لرئيس قسمها في الكلية، ووكيل الكلية لشؤون الطلاب من دون جدوى، وكذلك للإدارة المعنية بجرائم الإنترنت بوزارة الداخلية، التي لم تهتم لقضيتها، لا سيما أن الضحية امرأة. ورغم خوفها ونوبات القلق التي كانت تنتابها، إلا أنها قررت عدم الاستسلام والذهاب الى الجامعة بشكل طبيعي، إلا أن الهجوم عليها اتخذ مساراً آخر، إذ نشر طلاب رقم هاتفها على مجموعات ومواقع جنسية، فأصبحت تتلقى رسائل ذات محتوى جنسي، كما طردوها من كافة المجموعات المعنية بالجامعة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تنشر عليها التفاصيل الخاصة بالامتحانات والمحاضرات، في ما يعدّ إعاقة لدراستها، فأي تغيير أو إعلان طارئ لا تعرف به إلا مصادفة.

لم يكتفِ الطلاب بذلك، بل تتبعوا هذا العام حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل “فيسبوك” و”إنستغرام” و”كلاب هاوس”، وهنا وجدوا ضالتهم باقتطاع جزء من حديث لها من سياقه، ونشره على مجموعات الطلاب على “فيسبوك” مع اتحاد بالإلحاد، والإساءة الى الدين الإسلامي، مع وسم يدعو الى محاسبتها، وتحت هذا الوسم، وُجهت تهديدات بقتلها انتقاماً للدين الذي أساءت إليه على حدّ زعمهم.

تقدمت رانيا للمرة الثانية إلى الجامعة بشكوى حول التهديدات التي تتلقاها من دون جدوى، ما اضطرها للجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشرت ما حصل معها عبر حسابها على “فيسبوك”، وهو ما دفع برئيس الجامعة الى التدخل، وخُصصت لها لجنة لخوض الامتحانات، وبوابة لدخولها وحدها، ورجل أمن يرافقها داخل الجامعة.

تقول رانيا، “الأزمة في رأيي، لا تكمن في عدم قبول الآخر، فطلاب الجامعة لا يتقبلون أي شخص مختلف، إذ لا بد أن يكون نسخة منهم ليلقى القبول، أما إذا اختلفت معهم فأنت مهدد بالقتل، لا سيما إذا كنت أنثى أو من الأقليات كالمسيحيين مثلاً”.

الجامعة ليست طرفاً

يعتبر مصطفى شوقي، الباحث في شؤون الجامعات، أن محاكم التفتيش في مجموعات الجامعة ترجع إلى حالة التتبع والمراقبة الأمنية التي تقوم بها الجامعة على الطلاب، الأمر الذي يفتح الباب لباقي الطلاب لمراقبة بعضهم البعض، لا سيما أن المنشورات التي لا تمس أي أمور سياسية، لا تعرّض صاحبها للخطأ.

وأضاف شوقي ألا علاقة مباشرة بين تأميم النشاط الطلابي في الجامعات المصرية وبين هذه الوقائع، والفارق الوحيد بين الأمس واليوم هو عدم وجود مواقع تواصل اجتماعي توسّع دائرة النشر والتحريض، وترصد آراء النساء المختلفة وتحرّض ضدهم، وهذا جزء من تنامي ظاهرة العنف الإلكتروني ضد النساء، الذي يجب أن تتصدى له الدولة.

وبحسب شوقي، فإن ما يزيد من الأزمة هو تدخل الجامعة كطرف في الأزمة عبر التحقيق مع الطالب أو تحويله الى مجلس التأديب، لأن النقاش دار بين اثنين من طلابها، فيما إذا كانت هناك جريمة قانونية فالسلطات هي المعنية بها وليس الجامعة.

ما قاله شوقي ينطبق على حالة مينا السيد، وهو طالب في كلية الطب البشري بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وهي جامعة خاصة. ففي أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت الجامعة فصل الطالب نهائياً بسبب ما وصفته إساءة إلى الدين الإسلامي.

وبحسب بيان الجامعة، فإن الطالب المذكور أقرّ بما ورد منه، وقام بتقديم اعتذار للجامعة ولزملائه المسلمين، إلا أن مجلس التأديب قرر فصله نهائياً من الجامعة. لكن في هذه الحالة، لم يتم التحريض ضد مينا أمام العامة، وإنما اكتفى الطلاب بتقديم شكوى إلى الجامعة التي اتخذت إجراءاتها.

وفي شباط/ فبراير 2023، كانت مي عماد، الطالبة في كلية طب الأسنان بجامعة سيناء، هدفاً لمحاكم التفتيش، إذ تعرضت لهجمة إلكترونية من مجموعة من طلاب الجامعة على “فيسبوك”، بعد تعليق لها على “الحور العين” وتصوير الجنة على أنها مكان جنسي، ما عرّضها للتكفير والاتهام بازدراء الأديان، الأمر الذي استجابت له الجامعة، فحوّلتها الى التحقيق، ما دفع بمنظمات نسوية كثيرة إلى التضامن معها.

في المقابل، اشتعلت مجموعات طلاب الجامعة بتهديدات بقتل مي، وإباحة دمها، كما نشرت بياناتها وبيانات أسرتها، من عنوانها وأرقام هاتفها وهواتف أفراد أسرتها، على قنوات تلغرام المتخصصة في ترصّد النساء، مثل “دشمل”، وهو ما دفعها إلى تقديم بلاغات لقسم الجرائم الإلكترونية في وزارة الداخلية المصرية.

يتضمن قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972، المعدل بالقانون رقم 1 لسنة 2022، نظام تأديب لطلابها، منصوص عليه في المواد من 123 وحتى المادة 127.

وبحسب المواد المذكورة، يعاقب الطالب على 9 حالات، أهمها الغش في الامتحان، لا تتضمن التحريض على العنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى الإساءة الى الأديان، إلا أن إحدى هذه الحالات جاءت صياغتها فضفاضة، إذ تنص المادة 125 على أن من حق الجامعة معاقبة الطالب على ” كل فعل يتنافى مع الشرف والكرامة أو مخل بحسن السير والسلوك داخل الجامعة أو خارجها”، وتعتمد الجامعة على هذه الحالة في محاسبة الطلاب المتهمين بالإساءة الى الأديان.

وتتضمن المادة 126 خمس عشرة عقوبة تأديبية، بداية من التنبيه الشفهي أو الكتابي، وحتى الفصل النهائي من الجامعة الذي يمنع الطالب من الالتحاق بأي جامعة من جامعات جمهورية مصر العربية، وتنص المادة 127 على أحقية الأشخاص أصحاب سلطة معاقبة الطلاب، إلا أنها تترك العقوبات القصوى في اللائحة لمجلس التأديب في الكلية.

الحسبة “الديجيتال”

يفسر د. سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في القاهرة، هذه الظاهرة بقوله، “تجارة الدين هي الرائجة حالياً، شباب صغار لا دور لهم ولا يشعرون بأن لهم قيمة، يبحثون عن بقعة تحت الضوء لا تكون متاحة إلا بالتطرف، والمتاجرة بالدفاع عن الدين ضد المسيئين، فيتحوّلون الى زعماء لهم داعمون ودور يقومون به”.

ويضيف، “في تسعينات القرن الماضي، أقام المتطرفون دعوى الحسبة ضد د. نصر حامد أبو زيد، وكان الأمر محرجاً للدولة، بعدها تم إلغاء دعاوى الحسبة، وهذه هي الموجة الديجيتال منها، لأن المجتمع نفسه داعشي لا يقبل أي اختلاف، والاتجاه الى وسائل التواصل الاجتماعي هدفه الأساسي إحراج الجامعة التي ستُتهم بأنها تشجع الإلحاد، ولا يمكن أن ننسى أن هناك أعضاء هيئة تدريس متطرفين أيضاً”.

يتابع صادق، “الدولة نفسها تشجع على ذلك لسببين، الأول الإلهاء، إذ ينسى المصريون أزمة الغلاء والدولار ويناقشون إساءة أبانوب أو غيره الى الدين، وكذلك استخدام سلاح الخوف، فإذا تعرضت فتاة لمضايقات أو تهديد إلكتروني كما جرى في حالة طالبة سيناء أو الفيوم، تتخوف بقية النساء من سيطرة الإسلاميين، ويعتقدن أن النظام الحالي يحميهن من الأسوأ، وكذلك المسيحيون الذين سيرون في حالة أبانوب جزءاً مما يمكن أن يحدث لهم في حال أصبح من يطالبون بقتلهم هم الحكام.

جرائم الإنترنت 

يقول المحامي ياسر سعد، “إن الأزمة ليست في القانون، لأن القانون العام، وكذلك قانون جرائم الإنترنت، يصنّف التحريض الذي يتم على أبانوب ورانيا ويضع له عقوبات، إلا أن الأمر ما زال محدوداً، فهناك تطبيقات لا تستطيع الدولة تتبّع ما يجري عليها، مثل “تلجرام”. أما مواقع التواصل مثل “فيسبوك”، فإن إغلاق الحسابات يحول دون تتبّع المحرّض، وهي الخدعة التي تعلّمها المحرضون، فيستخدمون حسابات وهمية يقومون بإغلاقها بعد إتمام المهمة، إلا أن هناك جزئية تتعلق بسلطة الإبلاغ، إذ يخاف من يقع ضحية للتحريض من التقدم ببلاغ خوفاً من القبض عليه بتهمة ازدراء الأديان مثلاً، لكن بإمكان الجامعة أن تبلّغ عن جرائم التحريض التي تقع في نطاقها حتى ولو إلكترونياً، ولا يقتصر دورها على إحالة ضحايا التحريض الى التحقيق فقط”.

لا يعرف أحد مصير أبانوب عماد الآن، أو كيف ستنتهي أزمته؟ لكن المؤكد أن أبانوب لن يكون الضحية الأخيرة لمحاكم التفتيش في مجموعات التواصل الاجتماعي الخاصة بالطلاب، فرغم أن هذه المجموعات تمثّل قمة سلم العملية التعليمية في مصر، إلا أن الطلاب في داخلها ما زالوا كأنهم يعيشون في القرون الوسطى، حيث يتم التفتيش في معتقدات الشخص، وقتله لمجرد الاختلاف.