fbpx

من “ضرب بالكرباج” إلى “دهس” أسرة: من يحاسب جموح الضباط والنافذين في مصر؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعنوان “الظلم مستمر”، رصد التقرير “استمرار الانتهاكات المنهجية لرجال الشرطة، الذين يظلون فوق القانون محصّنين من المساءلة الجنائية”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مضت 24 ساعة من التكتّم الأمني وتضارب المعلومات، قبل أن يظهر للعلن أول فيديو مصوّر ومسرّب، للجريمة التي ارتكبها طبيب برتبة نقيب في الجيش المصري، حين دهس أسرة مصرية، ماتت إثرها الزوجة وأصيب الزوج والأبناء الثلاثة بجروح وكسور شديدة. 

الفيديو الذي سرّبه مصري لموقع “صحيح مصر”، كان الدليل العيني الوحيد الذي يوثّق الجريمة، كاسراً حائط العزل والتكتم الشديد الذي فرضته وزارة الداخلية المصرية والنيابة العسكرية. تسريب الفيديو كان كاشفاً للحقيقة وربما لهذا جرت جهود سريعة لسحبه من التداول من المواقع التي نشرته.

كثرت الروايات غير الموثوقة حول الحادث المروع، وجاءت غالبية المعلومات المتداولة بعد منشور استغاثة على صفحة مجمع أو كومباوند “مدينتي” على “فيسبوك”، نشرته جارة الضحية، تصف فيه واقعة مشاجرة حدثت بين الضابط والأسرة الضحية، بعد خدش أحد أبناء العائلة سيارة الضابط، ما دفعه إلى ركوب سيارته، وقيادتها بأقصى سرعة باتجاه الأسرة، التي غطت دماء أفرادها مقدمة السيارة بالكامل.

مدينتي مكان تاني

“أول ما بدخل مدينتي بحس إني دخلت في مكان تاني في دنيا تانية، ممكن أنزل في أي وقت وأنا مطمنة. هنا الحياة حلوة مفيش تلوث. محمد صلاح الجديد جاي من هنا“.

وردت الجملة السابقة في إعلان ترويجي لمجمع “مدينتي” 2020، لإغراء الأغنياء بالسكن في فقاعة محميّة ذات مستقبل واعد وحياة آمنة، وربما الأسرة المجني عليها، هي إحدى الأسر التي جذبها هذا الإعلان الترويجي وذهبت لتشتري الأمان المزعوم، لكنها لم تعلم أن دماء أفرادها ستسفك في “مدينتي الدنيا التانية”.

أطلبوا البوليس بيموت العيال “، هكذا كان يصرخ أحد شهود العيان على دهس الضابط الأسرة، وتعمّده ترويع البقية من الشهود، فهذا الكومباوند الذي يعد من أبرز المجمعات بسبب كلفته الباهظة، محاط بأسوار عالية لحماية  سكانه من “شرور” الطبقات الأدنى المنهكة اقتصادياً، وعلى رغم الحرس المتيقظ طوال الوقت لحماية ساكني الفردوس الأرضي، فإنهم أمام واقع صادم الآن، الشرور تأتي أكثر من النافذين وأصحاب السلطة وبشكل متعاظم.

“شيماء. ج” تسكن “مدينتي” في حي العمائر، لا في حي الفلل والقصور الذي شهد الجريمة، تقول في حديث لـ”درج”، إن أمن المدينة أبلغ السكان بعد ساعات من الجريمة بعدم الخوض في حادث القتل، وطُلب منهم حذف كل المنشورات على مجموعات الكومباوند على “فيسبوك”. وبالفعل، حين زيارة هذه الصفحات على “فيسبوك”، نجدها خالية (في غالبيتها) من التحديثات الغاضبة التي بدأت في ساعات الجريمة الأولى، وخمدت واختفت تماماً قبل انتهاء اليوم.

3 أسطر من وزارة الداخليّة

اكتفت وزارة الداخلية المصرية ببيان من ثلاثة أسطر، تنفي فيه أن يكون مرتكب جريمة القتل ضابطاً في وزارة الداخلية، ولم تنفِ المعلومات التي تم تداولها عن كونه ضابطاً بالجيش، ولم تقدم الوزارة، رغم أنها الجهة الأمنية المسؤولة في البلاد، أية معلومات تخص القاتل ولا ملابسات القتل ولا عن إن كان تم القبض عليه بالفعل ويتم التحقيق معه، أم قام بتسليم نفسه، وكأن المواطن المصري والإعلام ليس لديهما الحق في تداول المعلومات الموثوقة من جهاتها الرسمية.

تعيد قصة ضابط مدينتي إلى الذاكرة، قصة ضابط قويسنا الذي استخدم الكرباج لضرب طاقم تمريض في مستشفى عام، ودهس وجه إحدى الممرضات بحذائه، وتسبب بإجهاض أخرى، ولولا الفيديو الذي تم تداوله على نحو واسع، كان سيتم التكتم على الاعتداء، وحتى الآن ورغم مرور أكثر من سبعة أشهر، لم يتم الإفصاح عن مجريات التحقيق مع هذا الضابط، ولا نعرف إن تمت محاسبته أو أفلت من العقاب.

المدافعون عن براءة “الدولة”

دافع اليوتيوبر المصري لؤي الخطيب عن وزارة الداخلية المصرية والجيش المصري، قائلاً إن حادث القتل لا يمس سلطتي البلاد، لأن القاتل لم يكن يقتل وهو يرتدي بدلة عسكرية. 

مثل هذا الدفاع شائع بين أوساط ترفض أي مساءلة أو انتقاد لتمدد سطوة الجيش ورجالاته بشكل مخيف، لكن يتناسى الخطيب وكل من امتلكوا هذا التبرير، أن سلطة وسطوة أن تكون منتمياً الى جهة أمنية وعسكرية في مصر، تمنحانك امتيازات لا محدودة وجرأة على رفع الصوت والتخويف وربما استغلال السلطات.

الانحياز الى الشرطة ولو “أذنبت”

في تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعنوان “الظلم مستمر”، رصد التقرير “استمرار الانتهاكات المنهجية لرجال الشرطة، الذين يظلون فوق القانون محصّنين من المساءلة الجنائية”.

كما رصد أداء النيابة العامة والقضاء في القضايا المتهم فيها رجال شرطة بالقتل أو التعذيب، ووجدت انحيازاً واضحاً للنيابة العامة الى صالح رجال الشرطة والعمل لإفلاتهم من العقاب. 

على سبيل المثال، رصدت المبادرة المصرية التمييز في أداء النيابة العامة في ما يتعلق بقضايا العنف الشرطي ضد مواطنين، وعلى عكس أداء النيابة في القضايا المتماثلة والتي يُتهم فيها مواطنون، “تمتنع النيابة العامة عن توجيه الاتهام، وأحياناً لا توجه حتى السؤال إلى رجال الشرطة، وتعتمد فقط على تحريات الجهة الأمنية المتهمة، لكي تحفظ القضية أو تحال إلى المحاكمة من دون أن يكون أي من رجال الشرطة من ضمن قائمة المتهمين”.