fbpx

حبس باتريك جورج زكي للمرة الثانية: ممن ينتقم النظام في مصر؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

بالنسبة إلينا في “درج”، فقضية باتريك جورج هي إحدى أولوياتنا، وليس أمامنا في ظل استيقاظ الأنظمة القمعية سوى أن نواصل المهمة التي شاركنا بها جورج والمتمثلة بصحافة نقدية تتولى توثيق الانتهاكات، وتحرص على ان لا تنجر وراء تلك اللغة الخشبية التي تعتمدها الأنظمة في مواجهتنا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 ما الذي دها عقل القاضي في “محكمة أمن الدولة والطوارئ” في مصر، لكي يصدر حكماً بسجن الباحث باتريك جورج زكي ثلاث سنوات بسبب مقال وثق فيه 3 وقائع تكشف تمييزاً يتعرض له الأقباط في مصر؟ المقال نشر في “درج” عام 2019، وهو بالمناسبة مقال منسوب السياسة فيه منخفض لمصلحة المادة التوثيقية، والأفعال التي استعرضها باتريك في مقاله هي التي تصلح لكي يتحرك القضاء لمحاسبة من يقف وراءها. القاضي قرر أن باتريك “يشيع أخباراً كاذبة تسيء لمصر في الداخل والخارج”، ولم يكشف الحكم ما هي “الأخبار الكاذبة”!

مصر المختنقة بأزمة اقتصادية هائلة، والتي بدأ يشعر النظام بموازتها بأن القمع وحده لم يعد كافياً لضبط نتائجها فبادر إلى “حوار وطني”، مصر هذه قرر القضاء فيها إنتاج تراجيديا ثانية موازية لتراجيديا حبس الناشط علاء عبد الفتاح. إنه الشاب باتريك جورج زكي، الذي كان أمضى في السجن 22 شهراً بالتهمة ذاتها وعقاباً على المقال ذاته! باتريك يعاقب مرتين على المقال ذاته من دون أن يفند القاضي الأسباب الموجبة للحكم! هل من ظلم يوازي هذا الظلم؟ وأي ضغينة وراء إصدار الحكم؟

وكم من باتريك يقبع خلف السجون!

ثم إن النظام في متاهاته “الاستثمارية” العقيمة وفي الوحدة التي يقبع فيها بعدما خذلته دول الخليج، ماذا يريد أن يقول من وراء معاودة سجن باحث شاب، للمرة الثانية، على مقال نشره قبل ثلاث سنوات؟ الأرجح أننا أمام تخبط لا يعرف في ظله النظام نفسه أن يجيب عن هذا السؤال، باستثناء أن الحكم هو امتداد لمزاج استبدادي وانتقامي لا داعي لتفسيره.

لكن سجن باتريك جورج هو أيضاً جزء من عملية الانقضاض التي باشرتها أنظمة “الثورات المضادة” على المنجزات الطفيفة التي حققها الربيع العربي، وهو حكم لا يمكن فصله عن مشهد القمة العربية الأخيرة في الرياض، وتلك الصورة البائسة التي جمعت الديكتاتوريين العائدين إلى مقاعدهم في القمم الموسمية. الوجوه نفسها التي انتفض شباب الساحات بوجهها. حل قيس سعيد محل زين العابدين بن علي وحل عبد الفتاح السيسي محل حسني مبارك، وبشار الأسد محل بشار الأسد.

ليس مبالغة القول بأن الحكم هو جزء من عملية انقضاض النظام القديم، والتي كانت السلطة في مصر أول من باشره، ويشهد على ذلك علاء عبد الفتاح، والفضيحة المدوية وراء الحكم عليه، علماً أنه ليست مصر وحدها ما يشهد فصولاً من هذا الانقضاض. ثمة حكم قضائي خرافي صدر في لبنان قضى بسجن الإعلامية ديما صادق لسنة كاملة عقاباً على تغريدة نشرتها قبل ثلاث سنوات أيضاً. وراء الحكم أيضاً نظام “الثورة المضادة” في لبنان. وراءه جبران باسيل الذي وان غاب عن قمة الرياض إلا أنه كان ممثلاً ببشار الأسد وبأصدقائه الخليجيين.

الأرجح أننا بصدد عملية تزخيم هائلة للمزاج القمعي بعدما التقطت الأنظمة أنفاسها، ويمكن رصد هذا التزخيم في تونس وفي مصر وفي لبنان، وأيضاً في الأردن الذي قرر راهناً حجب موقع “الحدود” للصحافة الساخرة.

أما بالنسبة إلينا في “درج”، فقضية جورج هي إحدى أولوياتنا، وليس أمامنا في ظل استيقاظ الأنظمة القمعية سوى أن نواصل المهمة التي شاركنا بها جورج والمتمثلة بصحافة نقدية تتولى توثيق الانتهاكات، وتحرص على ان لا تنجر وراء تلك اللغة الخشبية التي تعتمدها الأنظمة في مواجهتنا. 

جورج باتريك زكي كتب عن انتهاكات موثقة، وعرض لقصص حقيقية، والأرجح أن الحكم الجائر بسجنه مرتين صدر لهذا السبب تماماً، فهو واجه المنظومة الحاكمة في مصر بوقائع. قدم في مقاله قصصاً نخلص عبرها إلى أنواع من الانتهاكات التي يتعرض لها أقباط مصريون. والأرجح أن القاضي الذي قرأ المقال عاقب جورج لأنه قال الحقيقة، فهل يعقل أن يجرؤ مصري على قول الحقيقة بعد كل ما حصل؟