fbpx

الخلاف بين الإمام والرئيس في مصر… توتّر سياسي قديم بمزاج ديني

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الخلاف بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وشيخ الأزهر، أحمد الطيب، يكاد لا يهدأ أو يتوقف.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لكل منهما رؤية مختلفة تماماً حول الموقع الوظيفي للدين، والدور الذي ينبغي أن يؤديه، وبطبيعة الحال المؤسسة الدينية في المجال العام.

وبخلاف سابقيه، لا يجد الرئيس المصري الدعم والمؤازرة من جانب شيخ الأزهر، ومؤسسته التي لها أدوار مؤثرة في سياسات مصر الحديثة، وبخاصة مع الرئيس جمال عبد الناصر الذي اعتبر الدين ضمن الدوائر الثلاث (الإفريقية والعربية والإسلامية) التي تنطلق منها مصر نحو عمقها الاستراتيجي حسبما ذكر في كتابه “فلسفة الثورة”.

صحيح أن محمد الخضر حسين، شيخ الأزهر،آنذاك، انزعج من قبضة الدولة التي تقوم بهندسة المجال الديني، فتنحى من دون صخب أو مقاومة، لكن عبد الناصر واصل سياساته للهيمنة على النخب الدينية من دون التخلص منها، باعتبارها قوة اجتماعية لها تأثيراتها. بالتالي، صدر قانون تطوير الأزهر، عام 1961، والذي أضاف كليات علمية مدنية، مثل، الطب والهندسة والتربية، إلى جانب الكليات التقليدية الخاصة بالعلوم الشرعية.

ظل الدين سلاحاً نظرياً في يد الأنظمة العربية لمواجهة خصومها، المحليين والإقليميين. وبينما كانت دعاية الإخوان المسلمين وبعض القوى الإقليمية، مثل السعودية، تصطف لمهاجمة سياسات عبد الناصر وتعتبره “ملحداً” لتطبيقه الاشتراكية، كانت النخب السياسية والدينية تتولى الدفاع عنه من خلال تأويلات دينية توفر المظلة الشرعية لممارسات السلطة وانحيازاتها الاجتماعية. ففي أزمة عام 1954، أو ما يعرف بـ”أزمة الديمقراطية” بين الإخوان ومحمد نجيب، من جهة، والرئيس عبد الناصر، من جهة أخرى، حسم شيخ الأزهر موقفه بفتوى ينقلها المفكر المصري رفعت سيد أحمد في كتابه “من سرق المصحف”، مفادها أن “الزعيم الذي يتعاون ضد بلاده ويخذل مواطنيه، فإن الشريعة تقرر تجريده من شرف الوطن”.

كما أن هيئة علماء الأزهر أوضحت في العام ذاته، على خلفية الأزمة المحتدمة بين الطرفين، “انحراف هذه العصابة (أي تنظيم الإخوان) عن منهج القرآن في الدعوة”. وتابعت: “كان منهم من تآمر على قتل الأبرياء وترويع الآمنين وترصد لاغتيال المجاهدين المخلصين وإعداد العدة لفتنة طائشة لا يعلم مداها في الأمة إلا الله”. فيما يعد عبد الناصر أول من جمع المصحف مرتلاً (ووفر نسخاً مترجمة بكل اللغات)، بل جعل الدين مادة أساسية في التعليم المصري، فضلاً عن تدشين مدينة البعوث الإسلامية، وأول إذاعة للقرآن، وهناك موسوعة للفقه تحمل اسم جمال عبد الناصر.   

سبق للسيسي أن لمّح الى هذه المفارقة عندما قال في إحدى خطبه عام 2014: “يا بخت عبد الناصر بإعلامه”. وفي ما يبدو، أن الإمام الطيب المنتمي الى الطريقة الأحمدية الصوفية، بل هو شيخها في صعيد مصر، وكان عضواً في لجنة سياسات الحزب الوطني الحاكم في فترة ما قبل ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، يقف على النقيض، في غالبية الأحيان، من مطالب الرئيس الملحة بخصوص قضايا عدة تتعلق بتجديد الخطاب الديني، منها الطلاق الشفهي الذي كانت مطالب جمّة بعدم الأخذ به وضرورة توثيقه. لكن الأزهر رفض ذلك وأكد وقوعه، وكذلك رفض الأزهر “تكفير” تنظيم “داعش”. 

الخلافات والنزاعات بين الإمام والرئيس سياسية رغم أنها تتخفى في الدين. مع الأخذ في الاعتبار أن الطيب لا تخلو سيرته من السياسة، منذ احتفظ بعضوية في الحزب الحاكم حتى مع اندلاع الثورة، ومطالبته، في بيان رسمي باسمه يوم 3 شباط/ فبراير 2011، المتظاهرين بـ”التعقل”، بينما اتهم الاحتجاجات بميدان التحرير بأنها “الأحداث التي يراد بها تفتيت مصر وتصفية حسابات وتنفيذ أجندات خارجية”. 

“أزمة” الطلاق الشفهيّ

تباعد المواقف والتوترات بين الإمام والرئيس شأن ليس بالجديد، وله محطات عدة ولافتة. وعاود الجدل، مرة أخرى، أخيراً، حول قضية الطلاق الشفهي. ووفق معهد “كارنيغي”، فإن الإمام والرئيس “لا يخوضان حرب مناورات تكتيكية بقدر ما يخوضان معركة تكسير عظام على مستوى المواقف الفعلية”. وتابع: ” فكرة الصدام، بمعناه الواسع، ليست مطروحة؛ لأن المؤسسة الدينية تستمد قوتها من السلطة نفسها، التي تطلب منها الوقوف إلى جانبها في مواجهة التيارات الدينية المعارضة، سواء الجهادية أو السلفية”.

ففي آذار/ مارس العام الحالي، كشفت وزارة العدل المصرية عن الانتهاء من مهمتها بوضع قانون جديد للأحوال الشخصية، والذي يهدف إلى “تحقيق التوازن بين حقوق الرجل والمرأة”. وهنا عاود السيسي حديثه بخصوص ضرورة توثيق الطلاق الشفهي، مشيراً إلى أنه لن تتم من خلال ذلك أي مخالفة للشريعة الإسلامية، إلا أنه سيتم وضع نصوص للحد من هذه الظاهرة. 

وقال في خطابه أثناء احتفالية تكريم المرأة المصرية والأم المثالية لعام 2023، إن مشروع القانون الجديد يهدف إلى ضمان الأسرة والأبناء وحمايتهم، لافتاً إلى أن القانون “سيخضع لحوار مجتمعي لضمان إعداده بشكل موضوعي ومتوازن”. 

عقّب الإمام الطيب على كلمة الرئيس السيسي، بعد فترة وجيزة، بالموقف نفسه، السابق والتقليدي، قائلاً إن “تغيير حكم (الطلاق الشفهي) يحتاج إلى (إجماع شرعي جديد)”، وطالب بضرورة عقد مؤتمر دولي يشمل علماء من بلدان العالم الإسلامي كافة، للوصول إلى رأي قاطع وتام يكون إجماعاً على الموقف الجديد والمطلوب، “إذ من المعلوم أن ما ثبت بالإجماع لا يتغير إلا بإجماع مماثل”. الأمر الذي أعاد إلى الواجهة مجدداً الجدل الذي احتدم بين الجانبين على مدار ستة أعوام كاملة.

بالتزامن مع احتفالات عيد الشرطة، عام 2017، كانت الدعوة الأولى لمراجعة قضية الطلاق الشفهي، الأمر الذي اصطدم بموقف “هيئة كبار العلماء” بالأزهر، والتي رفضت الفكرة برمتها واعتبرت اللفظ من دون توثيق يقع باعتباره حكماً شرعياً. وقال السيسي، آنذاك، إن تفشي ظاهرة الطلاق تحتاج إلى مراجعة، لا سيما أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يوثق انتهاء 40 في المئة من الزيجات بالطلاق خلال الخمسة أعوام الأخيرة، ما يهدد استقرار الأسر والأطفال المصريين. وصرح بأن التشريع الجديد سيمنح الأزواج فرصة لإعادة النظر في قرار ربما اتخذوه “بدافع الغضب”. 

غير أن هيئة كبار علماء الأزهر قالت في بيان في 5 شباط/ فبراير 2017، إن الطلاق يقع عند النطق به لفظاً منذ “عهد النبي [محمد]” من دون الحاجة إلى أي شهود أو ضرورة توثيق الطلاق. 

لا مساس بالمقدسات

لم تكن قضية الطلاق المحطة الوحيدة في مسار الخلافات المتنامية بين وجهتي نظر السيسي والطيب، ففضلاً عن تجاوز الطرفين الأزمة حول طريقة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، في عام 2013، طالب السيسي الأزهر عام 2015 بضرورة إحداث “ثورة دينية”، على حد تعبير السيسي، للتخلص من النصوص والأفكار التي يتم تقديسها منذ مئات السنين، غير أن الأزهر شدد على تمسكه بثوابت الدين، قرآناً وسنّة. ورفض الطيب بشكل قاطع المساس بهما.

 وفي المحصلة، يبدو الأزهر يخوض اليوم غمار معارك مشتعلة على جبهات ثلاث، وفق كارنيغي، وهي “جبهة السلطة السياسية التي تسعى جاهدة إلى الهيمنة عليه كلياً، لأنه المؤسسة الوحيدة المستقلة حالياً، وجبهة التيارات المدنية الليبرالية التي ترفض الاعتراف بالمرجعية الدينية وتخوض ضده معارك إعلامية، وجبهة الحركات الإسلامية، السلفية والإخوانية، التي سعت سابقاً إلى اختراق الحصن من الداخل للتحكم في الخطاب الديني الرسمي إلى جانب الخطاب الديني الشعبي. أما عن مدى استفادتها من الصراع الدائر حالياً بين الأزهر والنظام السياسي، فهي لا تعدو كونها مجرد توظيف إعلامي ضمن حملات معارضتها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي”.

ومع هذا، فإن السيسي يسعى إلى مقاومة المواقف الصلبة للإمام وتنحية مؤسسته عن أي دعم له، من خلال إنشاء كيانات موازية تؤدي الدور ذاته، وقد دشن المجلس الوطني لمواجهة الإرهاب والتطرف، بهدف حشد الطاقات المؤسسية والمجتمعية للحد من أسباب الإرهاب ومعالجة آثاره. كما كلف السيسي المجلس الجديد بتجديد الخطاب الديني، متجاهلاً تماماً مؤسسة الأزهر. فيما يتولى المجلس إعداد “استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف داخلياً وخارجياً، والتنسيق مع المؤسسات الدينية والأجهزة الأمنية، وتعزيز الخطاب الديني المعتدل، ونشر مفاهيم الدين الحنيف في مواجهة الخطاب المتطرف ونماذجه المختلفة”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.