fbpx

عامان على انفجار التليل: سلطة 4 آب مستمرّة بتعطيل العدالة 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“تأجيل جلسات المحاكمة أكثر من مرة دليل واضح على التدخلات في القضاء لمنع تحقيق العدالة. يريدون لنا أن نمل ونتوقف عن المطالبة بحق أولادنا، لكن مطلبنا الوحيد سيبقى محاسبة القتلة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في 15 آب/ أغسطس 2021، أدى انفجار صهريج للوقود في التليل العكارية شمال لبنان، إلى وقوع 36 ضحية، وعشرات المصابين من العسكريين والمدنيين من الذين تحلقوا حوله محاولين الحصول على بضع ليترات من البنزين، في ظل أزمة وقود خانقة عاشها اللبنانيون حينها.

يحيي الأهالي هذا الأسبوع، ذكرى مرور عامين على المأساة التي أودت بحياة أبنائهم، فيما يُتركون وحيدين في مواجهة مسار قضائي يحكمه التأجيل، وضغط سياسي لإسقاط حقوقهم، ودولة تفشل مرة جديدة في تحمّل مسؤولياتها، لا في الحؤول دون وقوع الجريمة فقط، بل حتى في احتواء تبعاتها ومحاسبة مرتكبيها. 

عامان مرا على الانفجار، ولا يزال أهالي الضحايا ينتظرون عدالةً مغيّبة. 

تقول سوسن محمد، وهي والدة ناجي عبدالله، أحد العسكريين الذين قضوا في الانفجار، لـ”درج”: “الانفجار كان تفجيراً إرهابياً. أُحرق أولادنا عمداً وهم أحياء. ذهب الناس لتعبئة البنزين المقطوع واطمأنوا لوجود عناصر من الجيش هناك… خلال التحقيق، حُيِّد ضباط المؤسسة العسكرية الذين كان من واجبهم حماية المواطنين. ليش المجرمين الصغار اليوم بالحبس والكبار بعدهم برا؟”.

تحمّل سوسن محمد جزءاً من مسؤولية وقوع الجريمة لسياسيي المنطقة الساكتين والمستفيدين من التهريب والاحتكار، اللذين أديا إلى انقطاع مادة البنزين بشكل كبير منذ عامين، الأمر الذي دفع بأهالي المنطقة إلى السعي لتأمينه بأي طريقة لتسيير شؤون المنطقة. “لماذا لا تتم محاسبة من تغاضى عن التهريب والاحتكار؟ لماذا يُسمح أيضاً لسياسيين بالتدخل في القضاء لمنع تحقيق العدالة؟”.

تضيف سوسن محمد: “تأجيل جلسات المحاكمة أكثر من مرة دليل واضح على التدخلات في القضاء لمنع تحقيق العدالة. يريدون لنا أن نمل ونتوقف عن المطالبة بحق أولادنا، لكن مطلبنا الوحيد سيبقى محاسبة القتلة”.

جريمة التليل تحمل تقاطعات عدة مع جريمة انفجار مرفأ بيروت، لجهة عرقلة العدالة وتمييع المسؤوليات. وهنا يبرز مجدداً فشل الدولة اللبنانية من خلال تقصيرها الفادح في تأمين الحاجات الأساسية لمواطنيها بحجة شح الأموال، وتقاعسها عن ضبط تهريب مادة البنزين واحتكارها، ما دفع الناس إلى المخاطرة بحياتهم للحصول عليها. 

على صعيد الجيش اللبناني الذي تولى الإشراف على عملية التوزيع، فهو فشل في تأمين الحماية للمتهافتين على تعبئة البنزين في تلك الليلة. الأخطر، هو تعطيل مسار العدالة والمماطلة في محاسبة مرتكبي الجريمة، التي حُولت إلى نموذج مصغر عن جريمة انفجار المرفأ في 4 آب 2020، والتعاطي الرسمي والقضائي معها. 

عامان مرا على الانفجار، ولا يزال أهالي الضحايا ينتظرون عدالةً مغيّبة. 

الجرحى منسيّون

“التقصير في حق الضحايا كان واضحاً منذ لحظة وقوع الجريمة” يقول حامد زكريا، وهو ناشط متابع لملف جرحى التليل، لافتاً الى “أننا كشهود عيان، كنا موجودين في مكان حصول الانفجار، لاحظنا التأخير الكبير في إسعاف الجرحى، فلا طوافات ولا سيارات إسعاف حضرت بسرعة لنقل الجرحى وبعض الضحايا الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة إلى مستشفيات المنطقة، وكان الأهالي ينقلون ذويهم بما توافر لهم من وسائل نقل”.

تخاذل الدولة عن القيام بواجباتها ينسحب أيضاً على تعاطيها مع الجرحى، الذين لا يزالون يتابعون علاجهم، خصوصاً أن الانفجار تسبب لعدد كبير منهم بتشوهات وإعاقات جسدية. “بدايةً، تلقى بعض الجرحى العلاج على نفقة جهات مانحة، ولكنهم مضطرون إلى استكمال علاجاتهم على نفقتهم الخاصة، وهم غير قادرين على تحمّل تلك الأعباء بمفردهم”، يشير زكريا مؤكداً أن الجرحى منسيون على الرغم من إقرار القانون رقم 289 الصادر في 12 نيسان/ إبريل 2022، والذي ألزم وزارة الصحّة بمتابعة علاج جميع الجرحى مع تغطية نفقات الأدوية مدى الحياة، إلا أنه لم يُنفّذ بعد.

ولا يخفي زكريا اعتقاده أيضاً بوجود محاولات حثيثة للفلفة القضية وحماية المرتكبين، “نسأل أيضاً، لماذا لم يتم استجواب العدد الأكبر من الجرحى باعتبارهم شهوداً؟”. 

تفاصيل الجريمة بحسب القرار الاتهامي

بحسب وقائع القرار الاتهامي الذي أصدره المحقق العدلي علي عراجي بتاريخ 25 تموز/ يونيو 2022، فإنّ المدعى عليه جورج إبراهيم عرض شراء 3 خزانات عائدة الى المدعى عليه الآخر علي الفرج، ونقلها إلى البورة، ومن ثمّ قام بتعبئتها والإتجار بها. تشارك المذكوران في تعبئة المحروقات في الخزانات والإتجار بها، وبدأ علي بشراء المازوت ونقله بواسطة آليات “بيك آب” عائدة له لتفريغها في الخزانات الثلاثة، ومن ثمّ بيعها في السوق السوداء. وحقّقا بداية أرباحاً تقارب الـ 18 مليون ليرة، تقاسماها مناصفة. 

وبحسب القرار، فإنّه في الأيام التي سبقت 14 آب 2021، وردت تعليمات إلى مخابرات الجيش في عكار بأن تقوم مع الجيش بفتح المحطات التي تحتوي على مخزون بهدف الاحتكار، وقد ورد اتصال إلى فرع المخابرات يفيد بوجود كميات كبيرة من المحروقات المخزّنة. 

في ليلة الحادثة، شهدت التليل حالة من الفوضى، إذ حضر المئات لتعبئة البنزين وتجمهروا حول الصهاريج، وفتحوا سكر أحدها، ولم يتمكّن عناصر الجيش من ضبط الوضع. حاول الناس ملء البنزين بواسطة دلاء ماء بعدما صعدوا على ظهر الخزان، ومنهم من أخذوا يجمعون البنزين الموجود على الأرض بواسطة قمصانهم، بحسب الشهادات التي استند إليها المحقق في قراره. 

وقعت مشادات كلامية بين المتظاهرين وعائلة جورج إبراهيم، وساد جو مشحون أدى إلى تضارب بين أحد الشبان والمتظاهرين، فتدخل أحد أقرباء هذا الأخير للدفاع عنه. مع تزايد التوتّر، قام الموقوف ريتشارد جورج إبراهيم بإعطاء قدّاحة إلى الموقوف جرجي إلياس إبراهيم الذي يعمل لدى جورج، وأمره بـ”إحراق المتجمهرين”، فقام جرجي على الفور بـ”إشعال النار قصداً في البنزين المتدفّق من أحد الخزّانَين المكشوفَين إثر خلاف مع المتجمهرين”.

بحسب “المفكرة القانونية“، خلص القرار إلى اتهام ريتشارد إبراهيم وجرجي إلياس إبراهيم، بالجناية المنصوص عليها في المادة 314 من قانون العقوبات المتّصلة بالأعمال الإرهابية، التي ترمي إلى إيجاد حالة رعب وتُرتكب بوسائل كالأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة وغيرها، معطوفة على المادة السادسة من قانون الإرهاب الصادر في العام 1958، والمادة 549 من قانون العقوبات التي تعاقب بالإعدام على القتل القصد إذا وقع “على موظف في أثناء ممارسته وظيفته أو في معرض ممارسته لها أو بسببها”، و”باستعمال المواد المتفجرة”.

كما اتّهم القرار كلّاً من جورج إبراهيم وعلي الفرج بجناية المادة 550 من قانون العقوبات، أي التسبّب بموت إنسان من غير قصد بالقتل بالضرب أو العنف أو الشدة أو بأي عمل آخر مقصود.

تحييد لكبار المشتبه بهم وضغط على أهالي الضحايا

مصادر قانونية متابعة للملف قالت لـ”درج”، إن “القرار الاتهامي اكتفى بالادعاء على المتورطين الصغار في الجريمة، فيما بدا وكأنه محاولة لتحييد المؤسسة العسكرية بالكامل عن أي مسؤولية في القضية، رغم مطالبة بعض المدعين بالاستماع إلى ضباط في الجيش اللبناني. وقد تم بالفعل الاستماع إلى عدد منهم ولكن من دون الادعاء على أي منهم على مدى عامين”.

تابعت المصادر: “خلال جلسة عُقدت في المجلس العدلي، في أيار/ مايو الماضي، حرك ممثل النيابة العامة التمييزية القاضي عماد قبلان الجمود الحاصل في هذا الاتجاه، وأعلن أن النيابة العامة تحتفظ بحقها في الادعاء على أحد ضباط الجيش، وهو العميد ميلاد طعوم، لتسببه بوقوع الانفجار، وذلك بالاستناد إلى شهادات بعض الموقوفين، التي أشارت إلى أن طعوم هو من أمر بتوزيع البنزين، وتسبّب باحتمال وقوع خلاف بين الجيش والمواطنين نتيجة إقدام عناصر الجيش على سحب كمية من الخزان لصالحهم بعلم من طعوم، ما أدى إلى توتر بين الحاضرين وحالة من الهرج والمرج أدت إلى وقوع الانفجار”.

تلك الوقائع كافة كان يمكن التحقق منها من خلال الاستماع إلى العميد طعوم، إلا أن التأجيل المستمر للجلسات هذا العام، حال دون ذلك حتى الآن. وتم تأجيل جلسة كان من المفترض أن تُعقد في حزيران/ يونيو الماضي، إلى 29 أيلول/ سبتمبر المقبل، وذلك لتعذّر سوق الموقوفين واستكمال الاستجوابات. 

وتشير المصادر إلى أن المماطلة في استكمال التحقيقات، توازيها محاولات مستمرة للضغط على أهالي الضحايا للتنازل عن حقهم في القضية، وقد تنازل حوالى 20 مدعياً عن حقهم بالفعل أمام المجلس العدلي، بعد تسويات بينهم وبين وكلاء الموقوفين مقابل مبالغ مالية، إلا أن عشرات المدعين غيرهم من ذوي الضحايا والجرحى، لا يزالون يرفضون التنازل عن حقهم، رغم مساع تقوم بها فعاليات في المنطقة، تُطلق على نفسها اسم “لجان صلح” قد تكون مدفوعة من جهات سياسية وأمنية، وهي تدعي السعي إلى “الحفاظ على استقرار المجتمع في عكار، واحترام الأعراف والعادات والتقاليد، ومنع حصول أي حالات ثأرية بمباركة جهات دينية وأمنية، والاكتفاء بالحق العام مع ضمانات بعدم طمس حق الضحايا”، بحسب ما نقلت “المفكرة القانونية”.   

ضغط من نوع آخر يُمارس على أهالي الضحايا أيضاً، وفي سياق السعي نفسه الى تحييد المسؤولين داخل المؤسسة العسكرية. “يُتهم أهل الضحايا الذين يشيرون إلى أي مسؤولية للجيش في القضية، بأنهم يسيئون الى المؤسسة العسكرية ويسعون إلى تشويه صورتها، الأمر الذي قد يحرج الأهالي ويؤدي إلى إسكاتهم، خصوصاً وأن عدداً كبيراً منهم هم من أهالي العسكريين”، تقول المصادر.

“مطلبنا الوحيد محاسبة القتلة” 

عن التعويض الذي حصلت عليه عائلتها، تقول سوسن محمد: “التعويض المادي لا يعنينا بشكل أساسي. أي تعويض يكفي أماً اضطرت الى اللجوء لفحص الحمض النووي للتعرف إلى جثة ابنها؟ وأنا أيضاً خسرتُ زوجي العسكري أيضاً منذ 24 عاماً في معركة للجيش مع جماعات مسلحة”.

تشير محمد إلى أن “عدداً كبيراً من الأهالي الذين فقدوا أبناءهم المدنيين، يعيشون في أوضاع مادية صعبة، خصوصاً وأنهم فقدوا معيلهم في الانفجار. يجب التعويض عليهم، ولكن الدولة لم تلتفت إليهم حتى الآن”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.