fbpx

مصر: معضلة “سر الزيجة” في المسيحية في ظل استعصاء الطلاق 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تشريعات كنسية جامدة وقوانين لا تستوعب خصوصية الأقليات. بين هذين الحدّين تجد النساء القبطيات في مصر أنفسهن عالقات في قوانين أحوال شخصية معقدة وظالمة..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ عام 2014 لم تهدأ النقاشات والحوارات المفتوحة حول قانون موحد للأحوال الشخصية، تتفق عليه الكنائس الثلاث بمصر (الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية). 

القانون من المفترض أن ينهي التباينات العديدة المرتبطة بالزواج والطلاق في ظل اختلاف اللوائح حسب كل كنيسة.

يعد الطلاق في المسيحية، وبالأخص الحصول على رخصة للزواج الثاني، أمراً معقداً لما فيه من تفاصيل وملابسات دينية وكنسية مُعقدة في المسيحية. فالزواج مقدس وأحد الأسرار السبعة للكنيسة. وينحصر الطلاق في “شرط الزنى” والذي يجري إثباته على الطريقة الإسلامية بوجود أربعة شهود!.

هذا التشريع الكنسي الجامد يرجع لتأويل ما ورد في الإنجيل على لسان السيد المسيح: “وأما أنا فأقول لكم أن مَنْ طَلَّق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني”. ويقول أيضاً: “وأقول لكم أن مَنْ طلق امرأته إلا بسبب الزنى وتزوَّج بأخرى يزني”. 

مقولات عديدة جرى تأويلها التعسفي من قبل الكنيسة الأرثوكسية، تحديداً عام 2008، ومن خلال البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وسائر بلاد المهجر، وقد ألغى ما يعرف بلائحة عام 1938 المعمول بها حتى هذا التاريخ، بينما وضعت ثمانية شروط للطلاق، وانتهى إلى إقرار شرط الزنى. 

عقب على “التفسير” السابق مفكرون إصلاحيون وناشطون مسيحيون، منهم هاني عزت، مؤسس حركة منكوبي الأحوال الشخصية، والذي لمّح إلى أن مقولة: “لا طلاق إلا لعلة الزنا”، لم تنسب لأي من البطاركة قبل البابا شنودة الذي ألغى جميع اللوائح التي أباحت الطلاق لأسباب منها الجنون و”الشذوذ الجنسي” والسجن واستحالة العشرة واستحكام النفور.

يكاد لا يختلف ما قاله الناشط الحقوقي المسيحي عما أثاره وذكره البابا تواضروس الثاني، الذي خلف شنودة الثالث على الكرسي البطريركي، بأن هذه المقولة المنسوبة للبابا للأخير تخصه وحده، ولا تتعلق بما ورد في الإنجيل. لكن عزت أشار إلى خلط نتيجة ترجمة الآيات القريبة من المعنى المماثل لمقولة البابا شنودة الثالث بالإنجيل. فالترجمة الحقيقية لكتاب الطلاق، بحسب ما جاء في الإنجيل في زمن النبي موسى، إنما تتعلق بكتاب “عفة الزوجة” وليس الهجر أو الطلاق.

أجازت الكنيسة تاريخياً الزواج الثاني من دون أدنى اعتراض، بل إن هناك علماء لاهوتيين أقروا صحة هذا الزواج فى أبحاث منشورة وموثقة، لعل أبرزها بحث للدكتور الأسقف الانبا غريغوريوس، اسقف البحث العلمى والمعاهد اللاهوتية بالكنيسة القبطية الارثوذكسية. وقد أجاز البابا الراحل الأنبا كيرلس السادس الأمر ذاته.

لكن  منذ تولي البابا شنودة الثالث في مصر كانت هناك صدامات عنيفة على خلفية المطالبات بتصاريح للطلاق أو الزواج الثاني. ومع شح المعلومات حول أعداد وحالات الطلاق، فإن الكاتبة المصرية كريمة كمال، في كتابها: “طلاق الأقباط”، الصادر عام 2006، تشير إلى 300 ألف قضية منذ عام 1971.

في آذار/ مارس عام 1883 أصدر الخديوي توفيق قراره بتشكيل المجلس الملي وصدرت لائحته التنفيذية من مجلس النظارة (الوزراء) حالياً برئاسة شريف باشا. وقد تكونت اللائحة من أربعة أبواب تتضمن 38 مادة. وفي المادتين 16و17 اللتين تحددان إنشاء المجلس الإكليريكي واختصاصاته، تمت الإشارة إلى أمور الأحوال الشخصية ومسائل المواريث، وفق ما يذكر هاني لبيب في كتابه: “الكنيسة المصرية.. توازنات الدين والدولة”.

ووفق هذه اللائحة، فإن أسباب وعوامل الطلاق أو شروطه، كانت علة الزنا، أو إذا خرج أحد الزوجين عن الدين المسيحي، وانقطع الأمل فى رجوعه. كما سمح بالطلاق بناء على طلب الزوج الآخر لذلك، وإذا غاب أحد الزوجين خمس سنوات متتالية بحيث لا يعلم مقره ولا تعلم حياته من وفاته وصدر حكم بإثبات غيبته، فيجوز للزوج الآخر المتضرر أن يطلب الطلاق.

فضلاً عن الحكم على أحد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة، أو السجن لمدة سبع سنوات فأكثر يجوز هنا الطلاق. وإذا أصيب أحد الزوجين بجنون مطبق أو مرض يُخشى منه على سلامة الآخر يجوز طلب الطلاق. وإذا اعتدى أحد الزوجين على الآخر أو قام بإيذاءه، مادياً أو معنوياً، وإذا ساء سلوك أحد الزوجين وفسدت أخلاقه وانغمس في حياة الرذيلة.

واصل المجلس الإكليريكي القيام بأدواره ومهامه التي تم تحديدها له، وفق لائحة 1883، حتى اندلاع ثورة تموز/ يوليو عام 1952، ثم صدور قانون رقم 461 لعام 1955. وهذا القانون الأخير ترتب عليه إنهاء وجود المحاكم الشرعية والملية بحيث تتولى المحاكم المدنية النظر في كافة القضايا مع مطلع عام 1956. وبذلك انتقلت سلطة المجلس فى مسائل الأحوال الشخصية إلى المحاكم المدنية عدا اختصاصين ظلا من اختصاص المجلس الإكليريكي وحده، وهما: النظر في  أمر التصاريح بالزواج لمن حكمت لهم المحاكم المدنية بأحكام بطلان الزواج أو التطليق، والتاكد من شرعية أحكام الأنجيل في هذا الخصوص.

يختص المجلس أيضاً بالفصل والتحقيق في الشكاوى التى تقدم على الإكليروس بحسب قوانين الكنيسة، كما يقول صاحب: “الكنيسة المصرية توازنات الدين والدولة”. ومع تولى البابا شنودة الثالث البطريركية إثر وفاة البابا كيرلس السادس صدر القرار البابوي رقم 7 بتاريخ 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 1971 وينص على: “عملاً بوصية الرب فى الإنجيل المقدس، لا يجوز التطليق إلا لعلة الزنا”. ثم إن كل طلاق يحدث لغير هذه العلة لا تعترف به الكنيسه المقدسة وتعتبر أن هذا الزواج الذي حاول الطلاق أن يفصمه لا يزال قائماً.

تفاقمت الأوضاع أكثر فأكثر مع القرار البابوي، وتوثق المعارك القضائية التي خاضها مسيحيون باشروا في الحصول على حقوقهم الشخصية، رغم تشدد الكنيسة، حالات عديدة من الصدام بين الكنيسة والقانون المدني. ففى العام 2010 أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمين فى دعوتين منفصلتين تلزمان البابا شنودة الثالث بالتصريح لاثنين من الاقباط المطلقين بالزواج مرة أخرى. رفض حينها البابا شنودة الثالث حكم محكمة القضاء الإداري وصرح بأن الكنيسة ستتخذ كافة الإجراءات القانونية المُمكنه باللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا، مشيراً إلى أن الحكم الصادر هو مجرد “حكم مدني” في حين أن الزواج تحكمه “شرائع دينية”.

يمكن القول إن معضلة الطلاق فى الكنيسة المصرية ترجع  لعام 2008، مع تعديل البابا شنودة الثالث لائحة عام 1938 التى كانت تتيح الطلاق بناء على 8 شروط واستبدل الشروط بسبب واحد: “لا طلاق إلا لعلة الزنى”، وهو ما ترتب عليه احتجاج راغبي الطلاق فى الكاتدرائية، أكثر من مرة. 

وصل الأمر ذروته داخل المجتمع المسيحي بعد أن قام أربعة أشخاص بمقاطعة عظة البابا تواضروس الثاني داخل الكاتدرائية، مطالبين بتطبيق قانون مدني للأحوال الشخصية للأقباط، فاضطر البابا لإلغاء عظته، والانصراف غاضباً. 

في نهاية عام 2014 وعلى وقع ضغوط حقوقية للمطالبة بتفعيل أو العمل وفق لائحة 1938، شرعت الكنائس “الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية والروم الأرثوذكس والأسقفية” في إعداد وصياغة مشروع قانون موحد للأحوال الشخصية وبعثت به لوزارة العدالة الانتقالية ثم عرضه على لجنة الإصلاح التشريعى بمجلس الوزراء، وإرساله لرئيس الجمهورية من أجل إقراره بقرار جمهوري، أو رفعه لمجلس النواب.

وفق مسودة مشروع القانون الذي نشرتها الصحف المصرية، وقتذاك، نصت المادة “112” على: “يجوز لأى من الزوجين طلب التطليق إذا ترك أحدهما الدين المسيحى إلى الإلحاد أو إلى دين آخر، أو مذهب لا تعترف به الكنائس المسيحية بمصر كالسبتيين، وشهود يهوه، والبهائيين، والمرمون”.

وفي المادة “113” أتاح القانون سببا آخر للتطليق: “فيما عدا المذهب المسيحي الكاثوليكي يجوز لكل من الزوجين أن يطلب التطليق بسبب زنى الزوج الآخر”.

وشرحت المادة “114” ما يسمى بـ”الزنى الحكمي”، موضحة أن: “هروب الزوجة مع رجل غريب ليس من محارمها أو مبيتها معه بدون علم زوجها أو العكس، وجود أوراق أو مستندات أو مكاتبات مادية أو إلكترونية صادرة من أحد الزوجين لشخص غريب تدل على وجود علاقة آثمة بينهما، وجود رجل غريب مع الزوجة بحالة مريبة أو العكس، تحريض أحد الزوجين الآخر على ارتكاب الزنى أو الفجور، إذا حبلت الزوجة فى فترة يستحيل معها اتصال زوجها بها لغيابه أو مرضه، والشذوذ الجنسي”.

وتم استحداث بنود جديدة منها “جواز التطليق بسبب الهجر لمدة خمس سنوات متصلة لمن لديهم أطفال، وثلاث سنوات لمن ليس لديهم أطفال، وبعد الحصول على حكم من المحكمة، يتوجه صاحب الحكم للكنيسة مرة أخرى، التى بدورها تنظر فى الحكم لمنح صاحبه تصريح زواج ثان أو لا”.

يعكس ما سبق التخبط حالة الفراغ التي نتجت عن القطيعة في السلطة منذ 2011 في أعقاب خروج الرئيس السابق حسني مبارك ومجموعته القانونية والسياسية. فيبدو أن العناصر الجديدة في جهاز الدولة منذ 2013 وكذلك البرلمان لم تتمكن بعد من ملأ هذا الفراغ، خاصة مع ميل النظام الحالي للاعتماد على كوادر غير مسيسة من التكنوقراط. فانتهى الأمر بالنظام لترك القيادة في هذا المشروع لأطراف حديثة العهد بالتشريع لسد هذه الفجوة، حسبما يوضح مركز كارنيغي.

فيما يبدو مأزق نظام السيسي في هذا القانون في وقوعه في شبكة من المتناقضات، أولها التناقض بين عدم إمكانية تجاوز الدين في هذا الملف، في الوقت الذي يروج فيه النظام أنه يدعم حقوق المرأة وأن له تصورات تقدمية في هذا المجال. 

والتناقض الثاني مرتبط بالميل لجمع ودمج كافة المبادئ المنظمة لشؤون الأسرة في نمط أقرب لدليل ارشادي مفصل، بحيث يمكن للقضاة والعاملين بنيابات الأسرة العودة إليه. أدى هذا لجمع ودمج عدد من المبادئ الجدلية، مثل النص المتعلق بحق الولي في طلب فسخ عقد زواج المرأة من “غير الكفء”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.