fbpx

قمة بريكس .. هل هي بداية تشكل الجنوب العالمي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هناك فوارق هائلة بين دول بريكس وهذا يتطلب وضع برامج عاجلة من أجل إحداث توازن اقتصادي بين الدول الأعضاء. وهذا التحدي لن يكون سهلا ويحتاج فترة طويلة في وقت يحتاج فيه التكتل للظهور سريعاً في ثوب المجموعة القوية القادرة على منافسة الجبهة الغربية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انتهت قمة بريكس، التي عقدت في جوهانسبرغ بين 22 و24 آب/أغسطس الماضي، معلنة مرحلةً جديدة في مسيرة هذا التجمع بعد موافقتها على ضم ست دول جديدة، للمرة الأولى منذ ضم جنوب أفريقيا إليها في العام 2011. 

خطوة قد تشكل على المدى القريب نقطة تحول فارقة بالنسبة لمستقبل الاقتصاد العالمي، نظراً لحجم الدول المؤسسة له وأهمية الدول التي انضمّت مؤخراً والقادمة من ثلاث قارات، بعضها محمل بثروات طاقة هائلة، وبعضها دول صاعدة اقتصاديا وأخرى وازنة ديمغرافيا.

ترجح التقييمات الأولية أن مخرجات هذه القمة كشفت جدياً عن تشكل “الجنوب العالمي”، على رغم وجود بعض المطبات كتوتر العلاقات بين عدد من أعضاء بريكس. 

تضمن إعلان جوهانسبرغ دعوة ست دول جديدة للانضمام إلى تجمع بريكس، وهي السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا، على أن تبدأ عضويتهم في الأول من كانون الثاني/يناير 2024. في حين رفضت طلبات دول أخرى أبرزها الجزائر التي كان فشلها في دخول بريكس مفاجئ في ظل التطمينات التي سوقها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بشأن يقينه من قبول بلاده. 

مصطلح أو فكرة “بريك” مفهوم ولد علي يد الاقتصادي الكبير، والرئيس السابق لشركة غولدمان ساكس لإدارة الأصول، جيم أونيل، وذلك أثناء دراسته للأسواق الناشئة في الدول الأربع المؤسسة للمجموعة، التي كانت تحقق معدلات نمو كبيرة على مستوى الإنتاج العالمي في الفترة ما بين سنتي 2000 و2008.

ميلاد “بريكس” وتغير الأهداف

بدأت أولى المفاوضات لتشكيل “بريك” في سبتمبر/أيلول 2006 على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسنة 2009 عقدت أول قمة لها، كان أعضاء المجموعة حينها الصين وروسيا والهند والبرازيل تحت اسم “بريك”، ثم انضمت جنوب أفريقيا بمناسبة القمة الثالثة للمجموعة، التي عقدت في الصين في الـ14 من أبريل/نيسان 2011، حينها غيرت المجموعة اسمها إلى “بريكس” عوضا عن “بريك”. وكلمة “بريكس” بالإنجليزية عبارة عن اختصار يضم الحروف الأولى لأسماء هذه الدول. ومن المنتظر أن يتغير هذا الاسم مجددا بعد أن تقرر ضم ست دول جديدة في الأول من كانون الثاني/يناير 2024 ويصبح “بريكس بلس”.

كانت الأهداف المعلنة  لتأسيس بريكس هي تعزيز وحماية مجموعة من الاقتصاديات الناشئة ،القادرة على تحقيق أسرع معدلات نمو في العالم آنذاك، ولم يتم تداول فكرة تحدي النظام العالمي القائم، وبناء نظام موازٍ للنظام العالمي الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. 

تدريجيا بدأت تتوضح الأهداف التي لم تصرح عنها مجموعة بريكس، وبات جلياً أن هذا التجمع يتطلع لخلق جبهة اقتصادية كبيرة، قادرة على مواجهة وتحدي المؤسسات الدولية الغربية، ولا سيما مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى وتقويض هيمنة الدولار الأمريكي. 

يبدو أن مجموعة بريكس اليوم، (خاصة الصين وروسيا) أكثر حماساً واندفاعاً لتحقيق هذه الأهداف في ظل تسارع طلبات الانضمام لهذا التجمع، والثقل الاقتصادي للأعضاء الذين التحقوا به والمرجح التحاقهم. فقبل انعقاد قمة جوهانسبرغ أبدت أكثر من 40 دولة رغبتها بالانضمام إلى بريكس بينها 23 دولة فعلت ذلك رسميا، على غرار الجزائر والمغرب وإثيوبيا ومصر والسنغال ونيجيريا، والأرجنتين وتركيا والسعودية والإمارات وإيران وإندونيسيا.

كما أن النفوذ والثقل الاقتصادي للدول الأعضاء ببريكس باحتساب السداسي الملتحق مؤخرا، بات يجذب دول الجنوب المستاءة من النظام العالمي السائد الذي يهيمن عليه الغرب وتحفزها على الانضمام.

فحسب إحصاءات البنك الدولي، تستحوذ دول البريكس على 26 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي ويبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لهذه المجموعة أكثر من 23 تريليون دولار، وتمثل 42 بالمئة من سكان العالم. وتذهب التوقعات بما وخاصة وكالة “بلومبرغ إيكونوميكس” أن يشكل التكتل نصف الإنتاج العالمي بحلول 2040، أي ضعف ما ستوفره مجموعة السبع (G7) المتكونة من القوى الصناعية العالمية الكبرى الولايات المتحدة، ألمانيا، إيطاليا، كندا، اليابان، فرنسا، والمملكة المتحدة. 

من المتوقع أن تضم مجموعة بريكس نحو نصف سكان العالم في ظل التقديرات بأن يصل عدد السكان فيها أربع مليارات شخص بحلول 2050. هذا دون أن ننسى وجود ثلاث قوى نووية هي روسيا والصين والهند، وأربعة من أقوى الجيوش في العالم، تتصدرها الصين والهند وروسيا.

هذه المعطيات تشير إلى أن العالم مقبل على ولادة قطب “الجنوب العالمي”، الذي  يملك مبدئيا مقومات منافسة “الغرب العالمي”، لا سيما وأنه يظهر في فترة تتزايد فيها مساعي العديد من الدول للتخلص من هيمنة الدول الغربية على المنظمات الدولية، والمؤسسات الاقتصادية والتجارية والمالية الدولية التي تفرض شروطا مجحفة مقابل القروض والمساعدات المالية، وتتطلع للانعتاق من الإملاءات الغربية. 

هل نحن أمام”تعاون عمليّ” ؟

يشير الخبير السياسي الأمريكي سارانج شيدور، في مقال في صحيفة “نيويورك تايمز” إلى  “إن توسع دول بريكس يعد علامة أكيدة على عدم رضا العديد من القوى عن النظام العالمي القائم ودليل على رغبتها في تحسين وضعها في هذا النظام.(…) وهذا يشكل تحديا كبيرا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، التي تضعف هيمنتها العالمية تدريجيا، والجاذبية المتزايدة لمجموعة بريكس هي أكبر إشارة إلى أن الهيمنة الأمريكية العالمية آخذة في التلاشي”.

ودعا واشنطن لاعتبار بريكس فرصة للتغيير بقوله “تمنح مجموعة البريكس الولايات المتحدة فرصة لإعادة تعلم التعاون العملي، وكذلك التخلي عن بعض الالتزامات البعيدة والتخلص من الأفكار الحصرية الخاصة بها والتي تتعارض مع المصالح الوطنية للولايات المتحدة”.

يبدو الدول المؤسسة لبريكس، لا سيما الصين وروسيا، تدرك هذا التحدي، ولهذا كان عملية التوسع الأولى التي أقدموا عليها مدروسة اقتصاديا وماليا وديموغرافيا وجغرافيا أيضاً. 

“ميزات” الدول المقبولة 

من بين 23 دولة تقدموا رسميا بملفاتهم للانضمام إلى تجمع بريكس قبل ست دول هي السعودية والإمارات وإيران ومصر وأثيوبيا والأرجنتين. دول تتمتع بجملة من المزايا الهامة على أصعدة مختلفة. بالنسبة للسعودية والإمارات تتمتعان بقدرات مالية هائلة عبر صناديقهما السيادية الضخمة، والتي يحتاج لها التكتل من أجل توسيع نشاط وفاعلية بنك البنية الأساسية لتكتل بريكس، الذي ظلت قدرته التمويلية محدودة، ليكون قادرا على منافسة صندوق النقد والبنك الدوليين.

حسب الأرقام المنشورة عن أصول الصناديق السيادية عام 2023 يمتلك صندوق أبو ظبي أصولا تقدر بـ853 مليار دولار، ويحتل المرتبة الرابعة بين أكبر 10 صناديق على مستوى العالم، في حين يحتل الصندوق السعودي في المرتبة السادسة بذات القائمة بأصول مالية تقدر بـ776 مليار دولار.

كما أن كلتا الدولتان نفطيتان وهذا مهم على أكثر من صعيد، فالصين قائدة قاطرة بريكس، هي أهم عميل نفطي للمملكة، وروسيا المحرك الثاني للتجمع تعتبر السعودية مهمة جدا بالنسبة لها للمساعدة في دعم أسعار النفط الخام من خلال أوبك+. في حين تستحوذ الإمارات على شبكة موانئ في 40 دولة وعبر القارات الست كما تشكل دبي مركزا إقليميا في قطاع العقار والخدمات.

 زد على ذلك أن فكرة بريكس تتوافق مع مساعي دول الخليج خاصة السعودية والإمارات للانضمام لأكبر عدد ممكن من التكتلات التجارية العالمية لتوسيع علاقاتها التجارية. إلى جانب العلاقات القوية التي تجمع البلدين بالولايات المتحدة الأمريكية، والقيام بهذه الانعطافة صوب خصوم واشنطن (الصين وروسيا) هي بمثابة رسالة يرغب كلا البلدين في توجيهها لأمريكا وحلفاءها الغربيين.

بالنسبة لمصر وإيران يبدو قبول طلبات انضمامهما غريباً للوهلة الأولى في ظل الأزمة الاقتصادية في كلا البلدين، لكن هناك اعتبارات أخرى على غاية من الأهمية تتوفر لكليهما. فمصر رغم أزمتها المالية الخانقة وديونها الكبيرة، هي أكبر خزان مستهلكين في الوطن العربي من حيث القدرة البشرية،كما أنهى تحظى بأحد أهم الجيو-سياسيّة، المتمثلة أساسا في قناة السويس التي تجعل مصر دولة رئيسية في الطرق البحرية لنقل النفط من الخليج إلى الصين والهند. 

تدرك دول البريكس أن مستقبل اقتصادهم لن يكون مضمونا دون وضع اليد على الطرق البحرية وضمان أمنها ولهذا كان ضم مصر أساسا من أجل هذا الرهان. 

الوضع السابق ينطبق على إيران التي يعاني اقتصادها وضعا صعبا هو الآخر بسبب العقوبات المفروضة عليها، لكنها تطل على أحد أبرز المضائق المائية، مضيق هرمز الذي يمثل بدوره طريقا بحريا رئيسيا لنقل الإمداد الطاقية والنفطية من مصادرها في الشرق الأوسط إلى أماكن استهلاكها في الهند والصين وشرق آسيا عموما. 

هذا فضلا عن كون إيران أحد أكبر المنتجين للنفط في العالم وتملك احتياطات نفطية هائلة ولديها آفاق كبيرة لزيادة الإنتاج، وانضمامها إلى جانب السعودية والإمارات سيتيح لهذا التجمع وضع اليد على منابع النفط والطاقة عموما. كما أن اجتماع السعودية وإيران والإمارات مع روسيا في مجموعة واحدة من شأنه أن يجعل هذه الدول تتفق في مجال تصدير النفط، بدل أن تنافسها كما يرغب في ذلك الغرب.

انضمام أثيوبيا يمكن اعتباره مكافأة صينية لشريكها الإفريقي في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، التي ستفتح الباب أمام بكين لمزيد من التوسع داخل أفريقيا عبر طريق الحرير. دون التغاضي عن موقع أثيوبيا المطل على مدخل البحر الأحمر، الذي يقود إلى قناة السويس الطريق التجاري بالغ الأهمية إلى نسق نمو اقتصادها السريع.

في حين كان انضمام الأرجنتين مرتبطا هو الآخر بعامل اقتصادي مرتبط أساسا بحقول فاكا مويرتا للصخر الزيتي، التي تقول مجمل التقديرات بأنها تتجه لتكون قوة كبيرة في أسواق الغاز الطبيعي العالمية في غضون السنوات القليلة القادمة.

“عدم قبول الجزائر في البريكس قرار سياسي”

قبلت ملفات ست دول، بينما رفضت آخرى، أبرزها الجزائر التي كان انضمامها مرجحاً جداً لا سيما بعد الزيارات الأخيرة التي قام بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى كل من روسيا، منتصف يونيو/حزيران الماضي، والصين منتصف يوليو/تموز الماضي، فضلا عن العلاقات الممتازة التي تجمع الجزائر بجنوب أفريقيا. 

كان قرار الرفض مفاجأ في الداخل والخارج لعدة اعتبارات، أبرزها أن الاقتصاد الجزائري متحرر من الديون وهي أكبر مصدر للغاز في أفريقيا، وثالث منتج للنفط في إفريقيا وصاحبة ثالث أكبر احتياطي عالمي للفوسفات وثاني أكبر منجم للحديد، إلى جانب حيازتها لاحتياطات هامة من المعادن الأخرى كالذهب. كما أن مساحتها تفوق كل الدول التي تم قبول عضويتها باستثناء الأرجنتين، كما يتجاوز عدد سكانها سكان السعودية والإمارات. من جهة أخرى للجزائر موقع استراتيجي في غاية الأهمية فهي تتوسط دول أوروبا وشمال أفريقيا، ودول جنوب الصحراء. وهي عوامل يفترض أنها مهمة لقادة بريكس. 

الخبير الاقتصادي التونسي عزالدين سعيدان يرى أن الجزائر أن عدم انضمام الجزائر في هذه المرحلة إلى البريكس سببه أن قرار الرفض سياسي، ومن المرجح أن تنضم لاحقاً.

يقول سعيدان لـ”درج”: “المشكل سياسي بالأساس وراء عدم انضمام الجزائر لمجموعة البريكس، وتحديداً مشكل الصحراء الغربية والخلاف في وجهات النظر بين الدول المؤسسة في هذه القضية هو السبب وراء عدم انضمام الجزائر حاليا”.

يستدرك قائلاً: “هذا لا يعني أن الاقتصاد الجزائري في أفضل حالاته، فالبلاد بحاجة إلى دينامية اقتصادية أكبر من ناحية تطبيق الإصلاحات والالتفات جديا للمطالب الاجتماعية والحد من الاعتماد الكبير على مداخيل النفط والغاز”.

نقاط ضعف في بريكس

على رغم أن بريكس بثوبها الجديد باتت واقعا يثير مخاوف القوى الغربية وتشي مبدئيا ببداية تشكل قطب قوي اقتصاديا ويملك كل مقومات النجاح، إلا هناك بعض الخطوات قد تتحول من نقاط قوة مفترضة إلى نقاط ضعف على المدى المتوسط.

ضم دول متعارضة المصالح ومتصادمة مثل السعودية وإيران، ومصر وإثيوبيا، يبدو أنه متعمد من قادة التجمع، مراهنين على قدرتهم على معالجة هذه الأزمات المستعصية منذ سنوات والظهور أمام العالم في صورة التكتل القادر على احتواء الأزمات، وتقريب وجهات النظر وكسر جليد الخصومات بين الدول.

 لكن هذا الرهان يبقى مجرد فرضية في ظل التضارب الكبير في المصالح بين البلدان السالف ذكرها وعمق الصراعات فيما بينها، ولهذا من الوارد جدا أن تؤدي هذه الخطوة إلى خلق تناقضات كبيرة داخل عائلة بريكس تؤدي تدريجيا إلى إضعافه وتحول دون تحقيق التطلعات الكبرى.  

الرهان الثاني هو التوازن الاقتصادي المختل بين قادة بريكس، على رغم أهمية الثقل الاقتصادي للدول المؤسسة لبريكس وبعض الأعضاء الجدد، هناك تفاوت كبير بين أعضاء هذا التجمع على مستوى القدرات الاقتصادية والإمكانيات. فالنسبة للدول المؤسسة تتمتع الصين بناتج محلي يفوق الـ18 تريليون دولار في حين لا يتجاوز 480 مليار دولار في جنوب إفريقيا، الحال ذاته مع باقي الدول، الناتج المحلي في السعودية إلى 1.06 تريليون دولار، بينما يقدر بـ156.08 مليار دولار في إثيوبيا.

 هناك فوارق هائلة بين دول بريكس وهذا يتطلب وضع برامج عاجلة من أجل إحداث توازن اقتصادي بين الدول الأعضاء عبر دعم فعلي وسريع للاقتصادات الأضعف داخل التكتل حتى تستطيع أن تكون عضوا فاعلا. وهذا التحدي لن يكون سهلا ويحتاج فترة طويلة في وقت يحتاج فيه التكتل للظهور سريعاً في ثوب المجموعة القوية القادرة على منافسة الجبهة الغربية، والاستفادة من الوضع العالمي وحالة الإقبال الكبير على التجمع. 

الرهان الأهم يتمثل في تجاوز بريكس لدائرة الخطابات والتأكيد فعليا رغبتها وقدرتها على مساعدة “الجنوب العالمي” في تجاوز أزماته ودعمه، خاصة على مستوى الاستثمار في البنية التعليمية ونقل التكنولوجيا المتطورة إليه ليكون قادرا على مجارات نسق التطور الحاصل في العالم، لا أن تقف المساعدات في حدود تخفيف المديونية لأنها بذلك لن تكون بديلاً حقيقياً ومختلفاً عن المؤسسات الغربية.