fbpx

لبنان: جريمة اغتصاب في بيئة حاضنة للابتزاز

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عشرات حوادث العنف الجنسي أُعلن عنها في لبنان في الأشهر الفائتة، إلا أن هذا العدد يمثل رأس جبل الجليد لأن النسبة الأكبر من الاعتداءات تبقى طي الكتمان بفعل بيئة حاضنة تنتصر للمجرم تحت مبررات واهية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تعرضت طفلة تبلغ من العمر 14 عاماً للعنف الجنسي في شقة مهجورة في منطقة صبرا. استدرجتها سيدة إلى هذه الشقة حيث ضربتها وعذّبتها، ومن ثم تركتها فريسة لرجل ليغتصبها بشكل وحشي. ظهر ذلك كله في فيلم فيديو سجّله رجل شهد على عملية الاغتصاب بهدف الابتزاز.

 تم التداول بالفيديو بشكل مموّه، منعاً لأن يتعرف أحد إلى الضحية بشكل مباشر، لكنه أتاح التعرف على المجرمين ومن ثم إلقاء القبض على هذه المجموعة من الأشرار بحسب بيان صادر عن المـديريّة العـامّة لقـوى الأمـن الـدّاخلي ـ شعبة العـلاقات العـامّـة. إذ قامت والدة الطفلة بتقديم بلاغ ضد مجهولين بجرم الضرب والتعنيف والاعتداء الجنسي على ابنتها القاصر، “بعدما نشر المعتدون مقاطع فيديو تُظهِر ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي العائدة للضحية”.

جريمة مروعة خضت الرأي العام بعد سلسلة من التعديات الإجرامية بحق الأطفال والطفلات والنساء في لبنان، جريمة تفتح الباب على الكثير من الأسئلة الأخلاقية، ولعل أولها يتعلق ببيئتنا الحاضنة لعنف جنسي لا قعر له. نسأل هنا:

كيف يصبح تداول فيديو اغتصاب قاصر (وهو بحد ذاته انتهاك على رغم إخفاء وجه الطفلة) محركاً للقضاء؟ 

ماذا لو لم يتم توثيق الاعتداء، هل ستصدّق عائلة الطفلة ومن بعدها القضاء الضحية؟ 

لماذا تعرضت الطفلة للضرب بوحشية قبل الاغتصاب؟ 

وما علاقة العنف الجسدي بالعنف الجنسي؟ 

هل توثيق الجريمة بهدف الابتزاز يغذّي ثقافة التلصص وما تحمله من انتهاك واستثارة قد تدفع إلى العنف الجنسي؟

هل كانت الجريمة وتوثيقها بغرض الابتزاز ممكنين لو لم يكن هناك مزاج عام يجنح إلى تذنيب الضحية واعتبارها مصدر عار للعائلة؟ 

تشير دراسة بعنوان “أنواع التطفل: الاستثارة والتلصص” صادرة عام 2016، إلى العلاقة بين التلصص والتشييء الذي يقتضي تحويل الضحية إلى كائن لا روح فيه ولا إحساس، والأهم كائن منزوع الكرامة. طبيعة التلصص قائمة على عنف ضمني إثر مشاهدة شخص ما يتعرض للانتهاك من دون علمه/ا أو موافقته/ا، أي تحويله/ا إلى” شيء” عبر استلاب الحق بالموافقة أو التحكم بالذات.

 أشارت الدراسة إلى أن نسبة كبيرة من المجرمين الذين يرتكبون اعتداءات جنسية أدمنوا التلصص أو الاستثارة عبر إدمان مشاهدة أفلام العنف الجنسي المتضمنة مشاهد جديّة تحوي ضرباً واغتصاباً وتعذيباً، وهنا نسأل، أليس تداول هذا التسجيل من دون تجريم من ينشره ويتداوله تغذية لمخيّلة هؤلاء القادرين على العبور إلى الجريمة؟

عشرات حوادث العنف الجنسي أُعلن عنها في لبنان في الأشهر الفائتة، إلا أن هذا العدد يمثل رأس جبل الجليد لأن النسبة الأكبر من الاعتداءات تبقى طي الكتمان بفعل بيئة حاضنة تنتصر للمجرم تحت مبررات واهية.

أول المبررات هو لوم الضحية وأحد السلوكيات العامة التي تعزز بشكل سلبي العنف الجنسي. فكم من مرة واجهت ضحايا العنف الجنسي أسئلة مثل “شو عاملة تصار هيك؟ شو كنت لابسة؟ ليش كنت ماشية لحالك؟ ليش متأخرة بالليل؟ مين قلك تروحي لهونيك أصلاً؟”، هكذا ينقل المزاج العام، في كثير من الأحيان، من دون علم أو ربما بعلم، المسؤولية إلى الناجيات عبر الإيحاء المبطن بأنهن استدعين العنف  من خلال أفعالهن أو ملابسهن أو اختياراتهن. نشهد انزلاق الكثير إلى أسئلة كهذه يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يشكل ضغطاً إضافياً على الضحايا فيمتنعن أو تمتنع العائلة عن التبليغ خوفاً من هذا الظن المبطن.

ضمن بيئات لا تحوي محاسبة، تتحول نكات الاغتصاب إلى  شأن إشكاليّ، كونها ممارسة مسيئة تساهم في عملية تطبيع العنف وإحالته إلى مجرد دعابة ضمن بيئة لا تُحمى فيها الضحايا ولا يؤخذن على محمل الجدّ، غياب نظام للمحاسبة يحول قضية جدية إلى تفاهة تستجلب ضحكاً أصفر مخيفاً، ما يعزز تشكل بيئة معادية للناجيات اللاتي لا يجدن مساحة لإدانة المعتدين، وما يشكل أيضاً عائقاً كبيراً أمام التبليغ وعملية العبور إلى النجاة.

سوء استخدام السلطة هو ممارسة يقوم عبرها الأقوى وصاحب السلطة أو الشهرة بتبرير الاعتداء أو السلوك الجنسي المسيء. ويعد ذلك رسالة واضحة بأن من لديه سلطة، على أشكالها ودرجاتها، يمكنه ممارسة العنف الجنسي من دون عقاب. وتاريخنا القريب والبعيد في لبنان شاهد على ممارسات كهذه، ليس آخرها التستر على معتدين أو الامتناع عن تسليمهم للعدالة كقضية منصور لبكي على سبيل المثال لا للحصر.

تطبيع تبادل فيديوات الجرائم وعدم إدانة من يشاهد ويتبادل هذه الفيديوات الخاصة بالأطفال خصوصاً، كما في الولايات المتحدة وأوروبا، يطبع انتشارها، يحولها إلى جزء من الاستهلاك الإباحي والإخباري المسموح، ما يتجاوز الفضول نحو تزكية مخيّلة عنيفة تجاه الممارسة الجنسية.

تروي لي إحدى الناجيات من العنف الجنسي، أنها لطالما شهدت على إدمان زوجها على مشاهدة أفلام قائمة على عنف جنسي مجاني. وعلى رغم إدراكها أن هذا الإدمان لا بد أن ينعكس يوماً عليها، إلا أنها آثرت الصمت إلى أن امتدت يد الزوج عليها. تقول لي الناجية إنها عندما صارحت أمها بالمشكلة جاءتها الإجابة، “قبل ما تحاسبي زوجك شوفي وين انت مقصرة بواجباتك الزوجية؟ معليش رجال واستحلى وبعدين شو عاملة حتى ضربك؟”. يمكن القول من دون تردد، إن بيئتنا حاضنة للعنف الجنسي على أشكاله وبدرجاته المتفاوتة، وفي كل زاوية “معتدٍ” ينتظر فرصة الانقضاض على “فريسته”، وفي الوقت المستقطع أضعفنا من الأطفال والطفلات هم\ن ضحية تسطيح المزاج العام الحاضن للـ”مجرم”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.