fbpx

لماذا نحب أغاني سارة زكريا وريم السواس؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يمتلك هذا النوع من الموسيقى جاذبية ما تتبدى من خلال استدراجها أجسادنا الى التمايل عند سماعها. نوعٌ آخر من النشوة يختبره الفرد عندما يتملّكه هذا المحتوى الشعبي، حتى وإن كانت له ذائقة موسيقية “عالية” وفق التصنيف الثقافي، وهو ما جعلنا نطرح سؤال: لماذا نحبّ هذه الأغاني؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يبدو خفيّاً إعجاب كثر، وإن بنسبٍ متفاوتة وأوقاتٍ متفرّقة، بأغاني ريم السواس وسارة زكريا وحمو بيكا وغيرهم من فناني الأغنيات الشعبية، الذين حوربوا باسم “قيم الأسرة” و”تشويه الذوق العام”. 

“إلى حبيبي المستقبلي… تجي نتجوز بالسرّ” تغني سارة زكريا، التي مُنعت من الغناء في مصر والأردن أخيراً. الكلام يشبه اللغة المتداولة، إذ لا مواربة فيه واللحن متكرر ومُتشابه في غالبية هذه “الأغنيات”. 

مع ذلك، يمتلك هذا النوع من الموسيقى جاذبية ما تتبدى من خلال استدراجها أجسادنا الى التمايل عند سماعها. نوعٌ آخر من النشوة يختبره الفرد عندما يتملّكه هذا المحتوى الشعبي، حتى وإن كانت له ذائقة موسيقية “عالية” وفق التصنيف الثقافي، وهو ما جعلنا نطرح سؤال: لماذا نحبّ هذه الأغاني؟ 

لم تكن الإجابة عن هذا السؤال بسيطة بالقدر المُتوقّع، إذ تتداخل عوامل تاريخية وسيكو- اجتماعية معقّدة في تفسيرها. فـ”الفن الهابط” الذي يُنعت به هذا اللون الموسيقي، سبق ولاحق ألواناً أخرى من الأعمال التي لا تقتصر فقط على الموسيقى والغناء، وإنما تشمل المسرح والأدب والسينما والفنون التشكيلية وغيرها، وطاول الأمر أيضاً الأوبرا نفسها، فن البلاطات الأوروبيّة.

“الفن الهابط” في أحد تعريفاته هو ذلك المُرتبط بالخلاعة أو الإباحية، أي بالحديث عن الجنس أو تمثيله. بمعنى آخر، يُصنّف المجتمع الفن على أنه “هابط” من منظور أخلاقي، فكل عمل فيه بُعد إباحي هو عمل فني “هابط”، فيما لا يقترب “النُقّاد” المجتمعيون من معايير تصنيف الفنّ الرديء، أو الفن غير المخلص للنوع الذي يقدّمه، كمعيار الجودة أو التنفيذ أو السذاجة الموسيقية. 

“الهبوط” تهمة قديمة

“الفن الهابط” ليس تهمة جديدة. ففي بدايات القرن العشرين، اتُّهمت الطقطوقة المصرية بـ”الهبوط”، وشُنّت عليها حملات صحافية ورقابية هائلة. حتى أنها كانت جزءاً من تأسيس مبدأ الرقابة في مصر. لم يتقبّل المعنيون حينها خروج هذا اللون من غرف البيوت والأعراس إلى مرحلة التسجيل على الأسطوانات، فكان عرضة للمنع والمصادرة. وهو تماماً ما حصل في لبنان وسوريا في الستينات والسبعينات مع الألوان الفنيّة الخفيفة. 

تلك المصادرة لم تطاول الموسيقى والغناء فقط، وإنما امتدت لتشمل الأعمال السينمائية والمسرحية. ففي السبعينات، طاولت تهمة “الهبوط” مسرحية “مدرسة المشاغبين”، كونها خرجت من “أدب المسرح” وكسرت “تابو” اجتماعياً بحديثها عن عقوق التلاميذ. حتى أن “الهبوط” لاحق الأدب، ففي أواخر القرن العشرين، قوبل بعض الكُتّاب بالتهمة ذاتها حين حاولوا كسر التقليد السائد عبر استخدام اللغة العاميّة أو المحكية في الروايات، على اعتبار أن الأدب لا يُقدّم بالعامية، حتى على مستوى الحوار. 

إحياء اللون البدوي/ النواريّ… عن غير قصد؟

سهّل “تيك توك” انتشار ريم السواس وسارة زكريا وغيرهما من مغنيات اللون البدوي/ النواريّ، فتخطين الحدود، وحقّقن أرقام مشاهدات بالملايين على منصات التواصل الاجتماعي، وباتت بعض العبارات من أغانيهنّ متداولة بين الناس بشكل كثيف، مثل زكريا التي اشتهرت بلازمتها المعتادة “سكسكيوزمي من الجميع”، و”إسمَع” باللهجة البدوية، وعبارة “يا بيبي”. حتى أن صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية نشرت، في كانون الثاني/ يناير الماضي، تقريراً يتحدّث عن انتشار أغنية زكريا “بيبي” بين المستخدمين الإسرائيليين، وهم يغنون ويرقصون على إيقاع الأغنية، علماً أن “بيبي” هو لقب رئيس وزراء حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل بينيامين نتنياهو. 

لا يلقى هذا اللون الغنائي انتشاراً على منصات التواصل وحسب بل في وسائل النقل العام والباصات وبين سائقي الشاحنات أيضاً. وتعود تسمية هذا النوع من الغناء بـ”النّواري”، الى قبائل وعشائر النور أو الغجر التي تنتشر في منطقة الشام، وتُعرف بلونها الموسيقي الجميل الذي يُستخدم فيه البزق والطبلة، ويُشبّهه البعض باللون الموسيقي الذي قدّمته فنانات سابقات، منهن سميرة توفيق ونجاح سلام اللتان حوربتا في زمنهما أيضاً. 

في هذا السياق، تقول الناقدة الموسيقية المصرية فيروز كراوية، إن “التشابه بين لون سارة زكريا ولون سميرة توفيق وما تمثلانه، يقتصر على إحياء الزجل البدوي الشامي من ناحية الإيقاع. إلا أن “توفيق وسلام تمّ اختيارهما لإحياء هذا اللون وتحويله إلى فن بوب شعبي، لم يأتِ عبثاً”، وفق كراوية. إذ اختيرت كلّ من الفنانتين حينها على أسس ومعايير، منها القدرة الصوتية والقدرة على التعاون مع شعراء وملحنين قادرين على خلق لون جديد. وهو ما لا ينطبق على حالة السواس أو زكريا. “إذ لا يوجد توجيه لإذاعات مركزيّة أو مؤسسات حكومية متخصّصة مهتمة بتمثيلها غنائياً، كما كانت الحال سابقاً في اهتمام الحكومة بمهرجانات بعلبك”، وفق كراوية. وعليه، فإن صعود هذا اللون الموسيقي سابقاً كان مدروساً ومبنياً على معايير، إنما يبدو أن ذلك لا يتوافق مع صعوده حالياً. 

ترى كراوية أن سبب انتشار اللون الغنائي الخاص بسارة زكريا وريم السواس مرتبط أولاً بالملاهي الليلية، وثانياً، بمواقع التواصل الاجتماعي التي سهّلت انتشار مقاطع غنائية قد لا تتعدّى الثلاثين ثانية، “وهو ما يُعرف بالـMeme Song”، وهي نكتة في جزء من أغنية تتحوّل لاحقاً إلى “ترند”. وبالفعل، يرى الفرد، بتصفّح “إنستغرام ريلز” مثلاً، مقاطع مجتزئة يظن للوهلة الأولى أنها أجزاء من أغانٍ للسواس مثلاً، ليتبيّن لاحقاً أن المقطع المغنى لا يتعدى الثواني القليلة بنسخته الكاملة. 

ما سرّ نجاح هذا اللون؟   

وفق كراوية، لا يقتصر نجاح هذا اللون الغنائي على الملاهي الليلية والسوشيال ميديا، وإنما يتعدّى ذلك لأسبابٍ سيكو- اجتماعية عدة. يلقى هذا اللون انتشاراً لأنه “متمرّد” يكسر ما هو مفروض على الشعر الغنائي المُعقّم والمُعلّب والخاضع للرقابة، وهو ما ينطبق أيضاً على أغاني المهرجانات في مصر. ووفق كراوية، “قلصت أغاني المهرجانات الفجوة بين الكلام اليومي المحكي في مصر، الذي فيه نوع من الإباحية، وبين كلام الأغاني، وهو ما خلق مفاجأة للجمهور، والمفاجأة عنصر جذب”. 

ميزة تلك الأغاني أن المغنين الذين يؤدونها لا يأتون من عالم الاحتراف، بل من عامة الشعب في الملاهي الليلية. وعليه، فإن المؤدّين يتحدثون مع الجمهور من دون أي حدود، ويستخدمون عبارات يستخدمها الجميع في المناطق الشعبية، ومنها الإهانات، ما يمنحهم قدرة على التطرق إلى مواضيع متعدّدة لا تتناولها أغاني البوب الرائجة. وهو تفسير منطقي لإعجاب الجمهور بهذا اللون خفيف الظلّ والعفوي والصريح، خصوصاً أنّه يستعيد بعض الشتائم التي يتداولها الشارع العربي بكثافة. 

بالعودة إلى الحديث عن الملاهي الليلية وعلاقتها بهذا اللون الغنائي، تشرح كراوية لـ”درج”، أن “الطقطوقة المصرية خُلقت في أجواء الحرب وما بعدها في الملاهي الليلية، ولهذا كان انتشارها واسعاً آنذاك. أما أغاني سارة زكريا وريم السواس وغيرهما، فقد جمعت بين ما تحت الأرض وما فوقها. إذ مزجت بين عالم الملاهي الليلية وعالم السوشيال ميديا”. ووفق كراوية، الملاهي الليلية هي أماكن للتنفيس والترفيه والخروج عن الحالة المتوترة في البلد، “وهو ما يتطلّب أغاني خفيفة والجانب الإباحي فيها سهل التناول، أما عن النوع الموسيقي فهو سريع التنفيذ والاستهلاك، ويخلق نجوميّة موقتة”، ونجاح هذه الأعمال يؤكّد أنها نفّذت الغرض الذي ظهرت لأجله.  

ترى كراوية أيضاً أن هناك علاقة تناسبية بين “الوقوع تحت ضغوط هائلة وبين جرح الآداب العامة”، وتُعيد ذلك إلى حالة فقدان الفرد الثقة بالنظام العام وبالشعارات الرنّانة كالوطنية والاتحاد والتوافق وقيم الأسرة وغيرها. حينها، يُخلق لدى الفرد ميل لمعاداة الجديّة والأمل، ورغبة في التحدي والتمرّد. تلك الرغبة تتمثّل بمعارضة التيارات الوعظيّة والإصلاحية، وبتسفيه من يبدو أكثر حرصاً على قيم الوطنية والدين والأسرة من رجال دين وسياسيين وأشخاص في مناصب عليا، وهم أنفسهم من حاولوا تقويض أغاني المهرجانات في مصر، ومنعوا السواس وزكريا من الغناء في سوريا وغيرها. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.