fbpx

من هي نرجس محمدي الإيرانية الفائزة بجائزة نوبل للسلام؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نرجس محمدي، هي أشهر سجينة سياسية في إيران، ويصفها أبناء وطنها بأنها ذات عزيمة لا تُقهر، وأنها هزمت الزنازين والسجون والسجّانين بصبرها وثباتها. فما هي أبرز محطات حياة هذه الناشطة التي لا تزال سجينة؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أعلنت لجنة نوبل النرويجية فوز الصحافية والناشطة في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة في إيران نرجس محمدي، بجائزة نوبل للسلام لعام 2023.

وذكرت اللجنة في بيانها أن “الجائزة مُنحت لنرجس محمدي، تقديراً لكفاحها ضد اضّطهاد المرأة في إيران، ومن أجل تعزيز حقوق الإنسان والحرية للجميع”.

نرجس محمدي، هي أشهر سجينة سياسية في إيران، يصفها أبناء وطنها بأنها ذات عزيمة لا تُقهر، وأنها هزمت الزنازين والسجون والسجّانين بصبرها وثباتها وتمسكها بقناعاتها، ففي حوزتها منذ العام 1998 أكبر عدد من قرارات التوقيف والاعتقال والإدانات وأحكام الجلد وسنوات السجن، في تاريخ النضال النسوي الإيراني ضد النظام الإسلامي.

نرجس محمدي من مواليد 21 نيسان/أبريل 1972 في مدينة زنجان في شمال غرب إيران، حاصلة على إجازة تعليمية في الفيزياء، متزوجة من الكاتب والأستاذ الجامعي والسجين السابق تقي رحماني ولديهما ابن اسمه علي وابنة اسمها كيانا، صدر لها كتاب في جزئين بعنوان “التعذيب الأبيض”، تناولت في جزئه الأول، قضية الاعتداءات الجنسية والعنف الجسدي ضدّ السجينات في إيران، فتحدّثت عن تجربتها الشخصية وعن تجارب زميلاتها: آتنا دائمي، نازنين زاغري، هنكامه شهيدي، ريحانة طباطبايي وشكوفه يداللهي، وذكرت أسماء عدد من المعتدين، وأفردت الجزء الثاني لمقابلات أجرتها مع 15 معتقلاً سياسياً، خرجوا أحياء من تحت التعذيب. 

بدأت نشاطها السياسي خلال المرحلة الجامعية، حيث أسّست مع رفاق لها مجموعة عُرفت باسم “الجامعيون المتنورون” واعتقلت بسببها مرتين.

في المرحلة الجامعية أيضاً، انتمت إلى أسرة مجلة “بيام هاجر” وتركّزت مقالاتها حول حقوق المرأة وقضايا الطلاق والحضانة وحقوق الإنسان بشكل عام، فبرز دورها المؤثر، في مجال الدفاع عن حقوق المهمّشين في المجتمع الإيراني، وسرعان ما أصبحت عضوا في “مركز الدفاع عن حقوق البشر” في إيران، الذي ينشط على ثلاثة محاور: الدفاع عن السجناء السياسيين وسجناء الرأي، متابعة حالات انتهاكات حقوق الإنسان وحماية ذوي الناشطين السياسيين المعتقلين، وهي اليوم نائبة رئيسته المحامية شيرين عبادي، الحاصلة بدورها على جائزة نوبل للسلام في العام 2003.

انتخبت في العام 2008، رئيسة تنفيذية “للمجلس الوطني للسلام”، بعد سنة من تأسيسه، من قبل 83 شخصية سياسية وثقافية معارضة في إيران.

بدأت حياتها السياسية، كمعارضة للنظام، في صفوف الإصلاحيين، فنشطت ضمن تحالف الإصلاحيين في “منظّمة خريجي إيران الإسلامية”، المنظّمة الأكاديمية التي تأسست لتشكّل إطارا تنظيميا وسياسيا لخريجي الجامعات المعارضين للسياسات القمعية للنظام الإسلامي، وسرعان ما تحوّلت إلى حزب سياسي شبابي، في عهد الرئيس محمد خاتمي وبرعايته، ثم قُضي عليها بعد انتخابات 2009 بسبب الاعتقالات الواسعة في صفوف كوادرها.

وعملت أيضاً، ضمن الفريق الانتخابي لمحمد خاتمي، وناصرت قضية زعماء “الحركة الخضراء” مير حسين موسوي وزهرا رهنورد ومهدي كروبي، المعتقلين في الإقامة الجبرية منذ 12 عاما، وشاركت في كل الدورات الانتخابية التي أتت بإصلاحيين إلى الرئاسة، وانتخبت قائمة “الأمل” الإصلاحية وهي في السجن، لكنها انسحبت من الأجواء الإصلاحية، بعد تجربة حسن روحاني الفاشلة، في الدورة الرئاسية الأولى، فقاطعته انتخابياً في الدورة الثانية، واستمرت مقاطعتها للانتخابات حتى الدورة الأخيرة، التي فاز بها ابراهيم رئيسي. 

 في العام 2009، واجهت أول أحكام السجن الطويل، قبلها كانت تدخل وتخرج خلال مدّة لا تتعدّى السنة.

بدأت القصة بطردها من قبل الأجهزة الأمنية، من عملها في “شركة الدراسات الهندسية”، على خلفية مشاركتها في المظاهرات، التي شهدتها إيران، اعتراضا على تزوير الانتخابات الرئاسية، وتنصيب محمود أحمدي نجاد رئيسا غصبا عن شعبه، ولعضويتها في “مركز الدفاع عن حقوق البشر”.

بعد مرور أشهر قليلة على عملية الطرد، أُحضرت إلى المحكمة الثورية، وتمّ توقيفها على ذمّة التحقيق، وبعد عدة جلسات، أُخلي سبيلها بدفع غرامة مالية، لم يمضِ يومان على القرار، حتى صدر أمر باعتقالها مجدّدا، وجرت محاكمتها بتهمة الدعاية ضدّ النظام الإسلامي، وتهم تلفيقية أخرى، ووصل مجموع سنوات سجنها إلى 11 سنة، خُفّفت إلى ست سنوات، مع الشغل والنفاذ.

خلال فترة اعتقالها هذه، أصيبت بمرض تخدّر الأطراف، إضافة إلى أمراض عصبية ونفسية، نتيجة الحبس الانفرادي، ونُقلت عدّة مرات إلى المستشفى للمعالجة، وأُعيدت إلى السجن قبل استكمال فترة النقاهة الطبية، مما أدى إلى إصابتها بنوع من الشلل العضلي، فخضعت إدارة السجن لرأي الطبّ وأطلقت سراحها.

بعد مرور أقلّ من سنتين، أُعيدت إلى السجن، بتهمة “التعاون مع داعش”، التي وجّهها إليها جهاز الاستخبارات المركزية، في هذه الفترة، كانت قد نشطت في قضية إلغاء عقوبة الإعدام، وتبنّت الدفاع عن عدد من المعتقلين السنّة، الذين حُكم عليهم بالإعدام بتهمة الانتماء إلى “داعش”، فعاقبتها المحكمة الثورية، بتلبيسها تهمة من تدافع عنهم، وحكمت عليها بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة “التواطؤ بقصد ارتكاب عمل إرهابي ضد أمن البلاد”، وسنة بتهمة “النشاط الدعائي ضد النظام”، وبتهمة إدارة حملة “لجام” لإلغاء عقوبة الإعدام، حكم عليها بالسجن 10 سنوات، أي ما مجموعه 16 سنة. 

في هذه الأثناء، أصدرت المحكمة الثورية في إيران قراراً بقطع جميع أنواع التواصل والاتصال بين السجينات السياسيات وعائلاتهن، كانت نرجس محمدي تُمضي أولى سنوات عقوبتها هذه، في سجن إوين بطهران، وكانت تعاني من أمراض وأوجاع نفسية وجسدية، أضيف إليها وجع حرمانها من التواصل مع ولديها، فكتبت إلى المدعي العام في محكمة طهران، تطلب منه إعادة النظر بالقرار كرامة للإنسانية والنساء والأمهات، وقالت: “أطفالنا مثل أطفالكم، مثل ملايين الأطفال على هذه الأرض، يحتاجون إلى الحب والحنان الأمومي”، وفي رسالة أخرى كتبت: “أكاد أنسى ملامح طفليّ”، وظلّت الرسالتان بلا أجوبة.

علاوة على الظروف غير الإنسانية، التي كانت تخضع لها في سجنها، كان عليها أن تواجه افتراءات وكيديات، حاكتها لها إدارة السجن، حيث رفعت عليها دعوى في قضية “نشر بيانات سياسية وإقامة دورات تدريبية واعتصام احتجاجي في سجن إوين للنساء”، وشكوى قدمها رئيس السجن ضدّ ما أسماه “ادعاء بالتعذيب والضرب”، وتهمة “تعطيل أمر السجن من خلال الغناء بصوت عالٍ”.

فرفضت كل التهم الموجهة إليها، وامتنعت عن المثول أمام المحكمة، باعتبار هذا النوع من الإجراءات “انتهاكا واضحا للدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان“.

من إوين نُقلت إلى سجن زنجان، تحت سيل من العنف الجسدي والإهانات، وشهدت سجينات معها، أنها تعرّضت للتحرّش الجنسي، بسبب مقاومتها لعناصر الأمن أثناء نقلها.

بعد فترة قصيرة، تمكّن والدها كريم محمدي من زيارتها، فصُعق بكمية الكدمات، التي تغطي جسدها، فطالب في عريضة موقّعة من قبل ناشطين سياسيين ومدنيين، السلطات القضائية، بالتحقيق في قضايا التعذيب في السجون، وتمنّى أن يتوقّفوا عن تعذيب ابنته وإهانتها.

في ربيع العام 2019، أعلن محاميها محمود بهزادي راد، رفض طلبه بالإفراج المشروط، عن موكلته،  كونها محتجزة في سجن زنجان، مع سجينات بجرائم خطيرة، خلافاً لمبدأ الفصل بين الجرائم، مما يشكّل تهديدا مباشرا على حياتها.  

في العام نفسه، أُطلق سراحها بعد أن أمضت خمس سنوات من مدّة محكوميتها، ما لبثت الأجهزة الأمنية أن أعادتها إلى السجن مجدّدا، وحكمت عليها بالسجن لمدة ثلاثين شهرا، مع تنفيذ عقوبة بالجلد تصل إلى 80 جلدة ودفع غرامتين ماليتين، مع تكرار ممل للتهم ذاتها.

في تموز العام 2020، ظهرت أعراض فيروس كورونا على نرجس محمدي وسبع سجينات أخريات، لكن إدارة سجن زنجان، حرمتهن من تلقي العلاج في الخارج، وأبقت عليهن في زنازينهن.

بعد انتشار الخبر، وتخطّيه الحدود نحو العالم، وتحوّله إلى قضية رأي عام محلي ودولي، عبر هاشتاغ 

#صداى_نرگس_باش، أي “كن صوت نرجس”، اضطر النظام الإيراني، إلى الاستعانة بمخرجي التلفزيون الحكومي، لتركيب فيلم يُظهر نرجس محمدي، تتلقّى العلاج في عيادة السجن، وهي بحالة صحية جيدة، لكنهم صوروا بدون صوت لإخفاء سعالها المستمر، كما تجنّبوا تصوير المصل الذي في يدها، كما قالت لاحقا. 

وأعلنت، حينها، والدتها عذرا بازركان، عن خوفها على حياة ابنتها، وقلقها بشأن الحالة الصحية والنفسية التي تمرّ بها، والتهديدات الجنسية التي تتعرّض لها، وحذّرت من تفاقم مرضها الرئوي، بسبب انعدام التهوئة وعدم وجود نوافذ في زنزانتها، وناشدت السلطات لإنقاذ ابنتها، لكنها لم تستجب لمناشدتها، كما لم تستجب لمناشدات الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان في إيران والعالم.

كانت نرجس محمدي قد أبلغت عن اعتداءات جنسية تعرّضت لها، وسجينات أخريات، في سجن إوين وفي سجن زنجان، ووثّقتها في كتابها “التعذيب الأبيض”.

وقبل ثلاث سنوات كتبت نصا عن البلاغ، الذي قدّمته للقضاء، وشرحت فيه كيفية تعرّضها لاعتداء جنسي في السجن: “لقد أرفقت البلاغ، الذي لم يصل، بصور الطبّ الشرعي، التي أظهرت وجود كدمات عميقة فوق 24 مكانا في جسدي، على عنقي وصدري وذراعيّ وفخذيّ وقدميّ وظهري، لقد تعرّضت للاعتداء الجنسي والعنف الجسدي، من قبل رئيس السجن وعدد من الحرّاس”.

وأكدت أن “أطباء السجن شاهدون على أن رجال الأمن، قد اعتدوا عليّ ومزقوا لحمي، من الكتف نزولا حتى الصدر والذراعين والفخذين، وأنا بدوري كنت شاهدة، على جرائم جنسية، بحقّ نزيلات في سجني إوين وزنجان، يرتكبها رجال الجمهورية الإسلامية، كنت أسمع صراخهن واستغاثاتهن في الليالي السوداء، في زنازينهن الانفرادية والجماعية، ولم يكن بحيلتي إلا البكاء”.

في مواقفها السياسية تعتبر نرجس محمدي أن النظام الإسلامي غير قابل للإصلاح، وعليه الرحيل، وهي ركن أساسي من الحملة المدنية، التي ضمّت شخصيات سياسية معارضة وناشطين مدنيين وحقوقيين وسجناء رأي وغيرهم، ودعت إلى إجراء استفتاء شعبي، تحت إشراف الأمم المتّحدة، من أجل تأمين انتقال سلمي للسلطة السياسية، من النظام القمعي الديني الحالي، إلى نظام ديمقراطي علماني. 

وهي تعارض الحجاب الإجباري المفروض على المرأة الإيرانية، وتؤيّد كل أنواع الاعتراض ضدّه، والجهود النسوية المبذولة في هذا المجال، ومن سجنها، أرسلت رسائل الدعم والتقدير والحبّ لحركة “المرأة الحياة الحرية”، ولأهالي الضحايا، خاصة عائلة الشابة مهسا أميني، وتمنّت لو تكون في صفوف المتظاهرين، لتشهد على سقوط هذا النظام المجرم. 

عدا جائزة نوبل للسلام، حصلت نرجس محمدي، على 14 جائزة أخرى، تنوعّت ما بين الصحافة وحقوق الإنسان والفيزياء والكتابة الإبداعية، وفي سنة 2021 ورد اسمها في قائمة المئة امرأة الأكثر تأثيرا في العالم.