fbpx

داعشية إسرائيل ودواعشها الذين أوصلونا الى هنا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عدا الأرواح التي فُقدت، أدت تلك الهجمات إلى نزوح المئات من فلسطينيي الضفة من مزارعهم وقراهم وبيوتهم. ذلك كله بدعمٍ صريح من الحكومة الإسرائيلية القائمة منذ تشرين ثاني/ نوفمبر  2022 حتى هجوم “حماس” الأخير، الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ دولة مشروعها القومي قائم على حقوق أتباع دين بعينه دون غيرهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أي عاقل كان ليتوقع رد فعل، فماذا لدى الغزاوي الأسير داخل أكبر سجن على وجه البسيطة ليحرص عليه حتى يخاف الموت؟ أو عند ابن الضفة الغربية الذي يتهدده  الموت كل يوم على يد المستوطنين وجيشهم؟ أو عند المقدسي الذي يسعى الاحتلال بكل السبل الى طرده وتهديد مقدساته، مسلمة ومسيحية على حدٍ سواء، مرارا وتكراراً.  

في حسابات المنطق البارد، هناك الكثير مما يُخشى منه، مما بدأ يتجسد فعلاً حصاراً وموتاً ودماراً مرعباً (وما رأيناه حتى الآن ليس سوى البداية). لكن، يبقى مفهوماً تماماً أن يحتفل الفلسطينيون، بل وعربٌ ومسلمون لا حصر لهم، بما جرى. فمشاعر الغل والمهانة والإحساس بالعجز  تتحين فرصةً للانفجار في مشهدٍ تحكمه رغبةٌ جارفة في رد الفعل، أي رد فعل، حتى يبدو المنطق ترفاً بعيد المنال. 

قضيّة غير قابلة للتصفية

ما حققته حركة “حماس” كان أكثر إيلاماً للإسرائيليين مما توقعه أي مراقب. فخلال الخمسة أيام الأولى من عملية “طوفان الأقصى”، تخطى عدد القتلى الإسرائيليين الـ1200، ناهيك بعشرات الرهائن والأسرى. هناك الكثير لنقرأه هنا، لكن الدرس الأهم أو الحقيقة الأساس التي بُذلت جهودٌ هائلة لتجاهلها، هي أن القضية الفلسطينية غير قابلة للتصفية، وطالما بقي الظلم الفادح واقعاً على ملايين الفلسطينيين فلا بد من انفجار تلو الآخر، وكلما زادت محاولات التناسي والدفن في غلوّها، فمنطقي أن يكون هناك رد فعل، كما تقول قوانين الطبيعة، مضاد في الاتجاه مساو في القوة، أما أين وكيف ومتى يأتي رد الفعل، بخاصة أن فلسطين لا تعني الفلسطينيين وحدهم، فهذه أسئلة سيصعب دوماً الرد عليها.

هناك واقع كالح السواد عمره عقود، زاد سوءاً وعنفاً أخيراً، وصولاً الى السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. في الأشهر الأخيرة، قُتل عشرات الفلسطينيين، بخاصة في الضفة الغربية حيث هجمات المستوطنين بلغت حدّ الانتظام (والصفة الأدق أنهم “مُستعمرون” لا مستوطنين، جزء من مشروع إحلال تامٍ للسكان في أرضٍ محتلة طبقاً للقانون الدولي)، تحت حمايةٍ فعلية من “جيش الدفاع الإسرائيلي” (كما يُسمى رسمياً). 

عدا الأرواح التي فُقدت، أدت تلك الهجمات إلى نزوح المئات من فلسطينيي الضفة من مزارعهم وقراهم وبيوتهم. ذلك كله بدعمٍ صريح من الحكومة الإسرائيلية القائمة منذ تشرين ثاني/ نوفمبر  2022 حتى هجوم “حماس” الأخير، الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ دولة مشروعها القومي قائم على حقوق أتباع دين بعينه دون غيرهم. علماً أن هذه العدوانية الاستعمارية-الاستيطانية هذه، وإن كانت زادت في الوتيرة والعنف أخيراً، فهي ليست بجديدة.

ما حققته حركة “حماس” كان أكثر إيلاماً للإسرائيليين مما توقعه أي مراقب.

وجود غير قانوني

بحسب تقريرٍ لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، نُشر في آذار/ مارس الماضي، زاد عدد المستعمرين في الضفة الغربية والقدس الشرقية في الفترة من 2012 إلى 2022، من 520 ألفاً إلى 700 ألف (علماً أن وجود الـ520 ألفاً قبل 2012 هو أصلاً غير قانوني على أرضٍ محتلة). وأشار  التقرير نفسه، الى علاقةٍ طردية بين توسّع الاستيطان والعنف ضد الفلسطينيين، ففي الفترة نفسها وُثقت 3372 حالة من هجوم المستعمرين على الفلسطينيين، جُرح فيها 1222 فلسطينياً. لكن في 2023، هذا العام الذي لم ينقضِ بعد، تذوق الفلسطينيون مراً وذلاً ربما لم يعرفوا لهما مثيلاً منذ النكبة. 

طبقاً لتقرير نشرته “فرانس برس” في 6 تشرين الأول/أكتوبر (عشية بدء عملية “طوفان الأقصى”)، وبعد خبرٍ عن مقتل الشاب الفلسطيني لبيب ضميدي، ابن الـ19 عاماً، برصاصة في القلب خلال اشتباكات في قرية حوارة المحتلّة القريبة من نابلس في الضفة، حيث تحصل صدامات متكررة بين الفلسطينيين والمستعمرين، قُتل، حتى تاريخ نشر التقرير، خلال العام الحالي 247 فلسطينياً مقابل 32 إسرائيلياً (وأوكرانية وإيطالي)، أي أنه مقابل كل إسرائيلي قتل، سقط ثمانية فلسطينيين تقريباً، علماً أن بين القتلى الإسرائيليين ثلاثة من “الأقلية العربية”. ومن بين القتلى الفلسطينيين الـ247، حسب تقرير نشرته “هيومان رايتس واتش”، قتل المستعمرون والجيش الإسرائيلي، حتى آب/ أغسطس 2023، 38 طفلاً.  

هذه الزيادة المطردة لم تكن جديدة تماماً، فبحسب تقريرٍ لوكالة “رويترز” منشور في آذار الماضي، وثّق مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية 849 هجوماً للمستوطنين على الفلسطينيين خلال عام 2022. وفي تصريحٍ نادر، صرّح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستين، في زيارة لإسرائيل أوائل العام الحالي، بأن الولايات المتحدة “منزعجةٍ بشدة” من عنف المستوطنين. كذلك، عبّر ضباط في الجيش الإسرائيلي عن انزعاجهم من سلوك المستوطنين، بل وصل الأمر بأحد كبار قادة الجيش الإسرائيلي (حسب تقرير رويترز نفسه المنشور في آذار/مارس الماضي)، بأن وصف هجوماً دامياً للمستوطنين على قرية حوارة في أواخر شباط/ فبراير 2023، بأنه مذبحة، مستخدماً تحديداً تعبير pogrom المقتصر عادةً على وصف ما عرفه اليهود من تنكيل وقتل وطرد في روسيا وشرق أوروبا في القرن التاسع عشر. من جهة أخرى، صرّح وزير المالية الإسرائيلي آنذاك بتسلئيل سموتريتش، بأن قرية حوارة حيث الكثير من الاشتباكات بين المستوطنين المُحتلين وأهل الضفة، يجب أن “تُمحى”، ثم تراجع عن تصريحه هذا وإن لم يتغير شيءٌ على الأرض (هو نفسه من سكان المستعمرات، سموتريتش محسوب على أقصى اليمين الإسرائيلي وسنعود له و لتصريحاته لاحقاً). 

هجمات لمطاردة “إرهابيين”

بالتزامن مع هذا كله، شنّ “جيش الدفاع” هجماتٍ متكررة خلال العام الماضي على المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية. كالعادة، الهدف المعلن هو مطاردة “إرهابيين”، لكن القتل والتدمير أوسع من ذلك بكثير. مثلاً لا حصراً، قتل الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين (حيث تعيش أسر  من اللاجئين منذ النكبة عام 1948)، خلال شهر حزيران/ يونيو الماضي، تسعة فلسطينيين، بينهم طفلان. ثم في مطلع الشهر التالي، تموز/ يوليو، وبعد حصار المخيم نفسه وفي هجمات عليه، قتلت القوات الإسرائيلية ثمانية فلسطينيين وجرحت خمسين شخصاً. و في مخالفة فاجرة لكل قانون وعرف، عطلت عمل طواقم الإسعاف و أخّرت إسعاف الجرحى حسب تقرير نشرته جمعية “الدعم الطبي لفلسطين” في بريطانيا. وطبقاً للجمعية نفسها، شهدت الطواقم الطبية الفلسطينية 149 اعتداءً عليها وعرقلة لعملها خلال الستة أشهر الأولى من 2023(زيادة مرتين ونصف المرة عن العام السابق)، ما اضطر الطواقم الطبية العاملة إلى ارتداء سترات واقية من الرصاص. 

وفي الخلفية من ذلك كله، غيرُ كافٍ أن نصف حكومة نتانياهو التي كانت في السلطة صبيحة السابع من الشهر الحالي، بأنها من أقصى اليمين الإسرائيلي، فهذا لا يفي المشهد حقه. وزير المالية سموتريتش (مولود 1980)، زعيم حزب الصهيونية الدينية، قال في آذار الماضي، في حفل تأبين حضره في العاصمة الفرنسية، إنه لا يوجد شيء اسمه “الفلسطينيون”، فالفلسطينيون الحقيقيون، حسب قوله، هم فقط اليهود، أما العرب فدخلاء غرباء. كما قال الكثير عن الدعم الإلهي لإسرائيل وتفوقها على الدول العربية الأخرى، في لغةٍ تشي بالعنصرية، وهو يتحدث من على منصة عليها علم لإسرائيل يضم إليها، لا كامل الضفة وغزة والقدس فحسب، بل كل المملكة الأردنية الهاشمية. سموتريتش كان صرح قبل ذلك أن فلسطينيي الداخل مواطنون إسرائيليون “حتى الآن”.  كذلك قال إن بن غوريون، عند تأسيس الدولة اليهودية، “لم ينهِ المهمة”، إذ ترك عرباً في الداخل الإسرائيلي كان يجب أن يُطردوا منه. سموتريتش، وهو من سكان المستعمرات على أرضٍ فلسطينية (طبقاً للقانون الدولي)، بالإضافة الى منصبه كوزيرٍ للمالية، ومنصبه في وزارة الدفاع، مُنح، بالاتفاق مع نتانياهو، دوراً في  إدارة التوسع الاستيطاني في الضفة ودعمه، حسب تقرير نشرته “رويترز” في شباط الماضي. الهدف المعلن، طبقاً لتصريحات سموتريتش، أن تُماثل إجراءات البناء والتملك في “إسرائيل الصغرى” (أي داخل الخط الأخضر، حدود 1948) إجراءات البناء في المستعمرات (في إشارة إلى أن هذه تقع في “إسرائيل الكبرى” التي يؤمن بها سموتريتش رغم أنف القانون والشرعية الدوليتين). 

في الوزارة نفسها، ثمة اسم نسمع به كثيراً لأن تاريخه أكثر فضائحية: إيتمار بن غفير، زعيم حزب القوة الدينية ووزير الأمن القومي. بن غفير (وُلد في 1976)، وكما وثّق بالتفصيل تقرير منشور في مجلة الـ”نيويوركر” الأميركية في شباط الماضي، بدأ نشاطه السياسي تابعاً لحركة الحاخام المتطرف مائير كاهانا. وفي أول لقاء لبن غفير مع من أصبحت زوجته، “تبركا” بزيارة قبر باروخ غولدشتاين، مرتكب مذبحة الحرم الإبراهيمي الشهيرة في تسعينات القرن الماضي (يقال أيضاً أن صورةً لغولدشتاين “زينت” غرفة المعيشة في بيت بن غفير حتى أنزلها قبل بضع سنوات مع تقدّم مساره السياسي). 

دعاوى واتهامات بالجملة

واجه بن غفير 51 دعوى قضائية ضده داخل المحاكم الإسرائيلية. ومن جملة الاتهامات التي وُجهت إليه، التحريض على قتل رئيس الوزراء الأسبق  اسحق رابين.

وبينما ادعى في مواقف كثيرة التبرؤ مما نسب إليه، أو أن كلامه أسيئ فهمه، فالرجل معروف عنه دعواته الى قتل العرب أو في الحد الأدنى طردهم، بمن في ذلك حاملو الجنسية الإسرائيلية. وهو يرفض تماماً أي دعوة الى التعايش المشترك معهم، بل من “إنجازاته ” إيقاف برامج دعم حكومي للمناطق الفلسطينية داخل الخط الأخضر. الحل للصراع العربي – الإسرائيلي عند أمثال بن غفير بسيط: طرد الفلسطينيين من كل “إسرائيل الكبرى”. ومع ذلك، أو في سبيله، وعد بن غفير أوائل العام الحالي، بمضاعفة عدد تراخيص حمل السلاح للإسرائيليين (طبعاً، المقصود هنا سكان المستعمرات قبل غيرهم) خمس مرات (من 2000 إلى 5000 رخصة سلاح شهرياً). وبعد هجوم “حماس” الأخير، أعلنت وزارة الأمن القومي التي يترأسها، أنها ستوزّع عشرة آلاف قطعة سلاح آلي على “أطقم الحماية المدنية” في مناطق الحدود و المستعمرات ومناطق التماس العربي-اليهودي داخل الخط الأخضر. 

 لكنّ مشهداً عمره بضع سنوات أبلغ من غيره، سجلته كاميرا فيديو حسب تقرير مجلة “نيويوركر” السابق ذكره: “في عام 2015، مرتدياً اللون الأبيض، حضر بن غفير حفل زفاف في القدس لشخصين من دائرته الضيقة. بعد مراسم عقد القران، صدحت الموسيقى وانخرط الرجال في الرقص. لم يرفعوا فقط العريس [على أكتافهم]، بل أيضاً سكاكين، ومدافع رشاشة، وما بدا زجاجات مولوتوف… ثم رفع أحد المدعوين صورةً لرضيع بينما أخذ آخر في طعن الصورة مراراً بسكين. اسم الطفل [صاحب الصورة] كان علي الدوابشة”. قبل هذا المشهد بخمسة أشهر، وتحديداً في قرية دوما بالضفة الغربية بمحافظة نابلس، أشعل مخربون من المستعمرين اليهود منزلاً فلسطينياً، فقتلوا حرقاً كلاً من الطفل الرضيع علي ابن الـ18 شهراً وأبيه وأمه، بينما أصيب أخو علي الأكبر( 4 سنوات) بحروق خطيرة. فاعلو هذه الجريمة كانوا مقربين من الحضور في ذلك الزفاف، ومحامي المتّهم الرئيسي فيها كان بن غفير، الذي تخصّص في الدفاع عن المتطرفين اليهود في المحاكم الإسرائيلية. من ثم تصفه مقالة “نيويوركر” حرفياً بأنه “محامي الشيطان”. في الفيديو، يُشاهد بن غفير مبتسماً، علماً أنه ادعى أنه لم ير  مشهد الطفل الرضيع القتيل، الذي وصفه بأنه “غباء”. 

لكلٍّ من سموتريتش وبن غفير قاعدة من أشباههم، بمن فيهم سيدة سبعينية تُدعى دانيلا فايس، ناشطة قديمة في دعم التوسع الاستعماري -الاستيطاني في الضفة، وكما الوزيرين المذكورين، هي تُنكر أي حقوقٍ للفلسطينيين. يتركز نشاط فايس في محيط مدينة نابلس الفلسطينية. ومع تكرار الصدامات الدامية بين المستعمرين والفلسطينيين، استُدعيت فايس للحديث في أيار/ مايو الماضي على إحدى القنوات الإسرائيلية الناطقة بالإنكليزية، وسئلت إن كانت تدين حرق بيوت الفلسطينيين بمن فيها من نساء ورجالٍ وأطفال (هكذا سألها المذيع)، فأجابت بكل وضوح: “أنا أدين فقط قتل اليهود”. فايس أسست مستعمرة وقادت مجتمعات من نازليها، وهي تبقى زعيمةً بارزة بينهم. 

أما بنيامين نتانياهو (المولود 1949)، صاحب أطول فترة (متقطعة) كرئيس وزراء في تاريخ إسرائيل (إجمالي 15 عاماً منذ 1996 حتى الآن)، فهو السياسي الذي التزم دوماً بتخريب مسار السلام مع الفلسطينيين، وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، تحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مع خريطة لإسرائيل تشمل كل فلسطين التاريخية، لا مكان فيها لمناطق فلسطينية. ويبقى نتانياهو المسؤول الأول عن قتل أي احتمال لاتفاق مع الفلسطينيين، وعما آلت إليه الأمور اليوم. من جهة أخرى، يواجه “بيبي” (كما يُعرف نتانياهو) تهم فساد يحاول بكل السبل تفادي إجراءاتها القضائية، وهو ما قد يدفعه اليوم الى الاستئساد بأي ثمن لضمان “نصر” يؤمن له صفقة أو صفقات تضمن مستقبله، بما في ذلك التضحية برهائن إسرائيليين (أما الفلسطينيون، فقد وصف وزير دفاع نتانياهو الحمساويين منهم على الأقل بأنهم “حيوانات بشرية”، ناهيك بكل ما ذكرنا أعلاه).

حكومة نتانياهو القائمة صباح 7 تشرين الأول 2023، ليست إلا صورة أكثر عدوانية وفجوراً مما عهده الفلسطينيون لعقود. كذلك، يمكننا القول اليوم، بعد عقودٍ من الفشل، إن اتفاقية أوسلو وُلدت أصلاً ميتة، وإنه لم تكن لدى أي حكومة إسرائيلية نية العودة الى حدود الرابع من حزيران 1967، التي رضخت منظمة التحرير الفلسطينية لقبولها بديلاً عن المطالبة باسترجاع كامل فلسطين، علماً أننا لم نذكر حق العودة وحقوق اللاجئين أو القدس تحديداً. كان منطقياً إذاً، في وجه انسداد أفق الحل السلمي، أن تترعرع حركات راديكالية تنزع الى العدمية ولا تكترث بخسائر الأرواح (بغض النظر عن واقعية تطلعاتها من عدمها) من صنف “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، منطلقها رفض الحلول الوسط ومنطقها “النصر أو الشهادة”. لكن أليست هذه العدمية رداً، مماثلاً في الطبيعة مضاداً في الاتجاه، على أمثال بن غفير و سموتريتش  ودانيلا فايس ورئيسهم نتانياهو؟ يصف الإسرائيليون اليوم “حماس”  بالداعشية، وماذا عن الداعشية اليهودية داخل إسرائيل في سدة الحكم، التي تعيث قتلاً وحرقاً بالفلسطينيين على يد المُستعمرين في الضفة واليوم في غزة، حيث طرف أقوى من خصمه بما لا يقاس، يبرر إجرامه بأنه الضحية المظلومة؟ 

بثمنٍ قدره آلاف القتلى، وربما أكثر، وخراب هائل لشعب مُفقر محروم محاصر أصلاً، يعرف أي ذي عقلٍ اليوم أن القضية الفلسطينية لا دفن لها. 

ينطبق هذا على حدٍّ سواء على دواعش إسرائيل وعلى المطبعين العرب الذي يهرولون الى أحضان إسرائيل، على رأسها أمثال نتانياهو.  

“حماس” وأمثالها ليست خيارات جيدة، ناهيك بأن أفعالها داخل غزة وخارجها ليست مثالية ولم تكن يوماً فوق النقد والإدانة، لكن إن أردت بديلاً عن “حماس” فاسع أولاً الى بيئة يمكن فيها نشوء البديل، فحيث لا أمل، بديهي أن تسود العدمية والرغبة في الانتقام وأن يبقى المنطق مؤجلاً.