fbpx

إسرائيل والغسيل الوردي… القتل “باسم الحبّ”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

صورة الجندي الذي يحمل علم قوس قزح في غزة والآخر الذي يقبّل شريكه، جزء من بروباغندا إسرائيل لإعادة تعريف “الحبّ” بوصفه سلاحاً يقُتل باسمه الفلسطينيون.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

باسم الحب” عبارة كُتبت بالإنكليزية والعربية والعبرية على علم “قوس قزح”، رفعه جُندي إسرائيلي فوق ركام غزة. أعادت الصورة إلى ذاكرتي، أطياف 1.1 مليون مدني عراقي قُتلوا عندما احتلت أميركا العراق، وحصلت على موافقة شعبية كبيرة من الأوساط الكويرية وقتها بحجة تحرير المثليين العراقيين.

الجيش الأميركي في العراق لم يكن يُرحب بالمثليين، متّبعاً سياسة “لا تسأل، لا تتحدث”، لكن ذلك لم يمنع السفارة الأميركيّة في بغداد عام 2009، من تنظيم حفلة “فخر مثليّ”، ولم تغسل من ذاكرة أحد فضيحة سجن أبو غريب عام 2004، وما كشفته من عنف نفسي وجنسيّ تعرض له السجناء، في صور ما زالت إلى الآن تطارد الذاكرة.

تعود إسرائيل اليوم لممارسة الغسيل الورديّ المُتقن في محاولة لإعادة “واحة الديموقراطية” إلى صورتها السابقة، تلك التي نراها في صورة الجندي مع علم قوس قزح، والتي تعتبر جزءاً من الصورة التي بنتها لسنوات، عبر غواية المثليين من شمال أفريقيا مثلاً، بالمال والشهرة للقدوم إلى إسرائيل، ورسم صورة الفانتازم المثلي المشرقي الذي يغوي مثليي “الغرب”.  

كشفت التحقيقات الصحافيّة، أن شعار “بحر وجنس ومتعة” ليس إلا إعلاناً يخفي وراءه تمييزاً وهوموفوبيا، وعنصرية تتكشف حين تبتعد الكاميرات ويعود المثليون العرب أو ذوو الأصول العربية إلى مكانتهم ضمن إسرائيل كـ”مواطنين درجة ثانية”.

بدأت إسرائيل عام 2005 استراتيجيّة الغسيل الوردي تحت شعار “واحة الديموقراطية الشرق أوسطية”، تلك التي تقبل التنوع الجنسي والجندري، ضمن  مجموعة سياسات تسعى الى غسل أيدي إسرائيل من الدماء، لكن سرعان ما مارست إسرائيل إذلالاً في إنكارها المساواة بين من تدعوهم لزيارة هذه الواحة وأفراد مجتمع الميم عين الفلسطينيين/ات.  فالآخر الذي تُجرده إسرائيل من إنسانيته وتربطه بـ”الحيونة”، يملك ثقافة مختلفة ولغة مختلفة  وديانة مختلفة وحتى عرقاً مختلفًا، بالتالي ليس لهذا “الآخر” الحق في التفكير بمكانة متكافئة مع المواطنين مثله.

كويريون في إسرائيل… “شواذ” في غزّة

الآخر الفلسطيني ليس ضمن مقاييس إسرائيل لتعريفات الإنسان، فلا يمكن تخيّله سوى خاضع وذليل خاضع للوصاية، ولا يمكنه الحصول على حقوق، لكن في المقابل يمكنه الخضوع للعقوبات، وهو ما يجعل الميديا الإسرائيلية تصف المثليين في غزة بـ”الشذوذ”، وتتساءل عن رأي حكومة غزة، أي حماس، بوجودهم بينما ترحب هي بالمثليين/ات في جيشها  على الرغم من عدم اعتراف سلطتها الدينية بالزواج المثلي. 

 لم تكتفِ إسرائيل بذلك، فهي في تفرقتها تنتج منظومة قيم أخلاقية مختلفة عن تلك التي تدعو إليها مؤسساتها، وهي في ذلك تبحث عن الدور الأيديولوجي لحماس الإخوانية في حفاظها على القيم الإسلامية وتسلّحها لصالحها ولأذيّة المثليين والمثليات، بل تشير بعض التقارير إلى أن الجيش الإسرائيلي لطالما هدد المثليين في غزة “بفضحهم” في حال لم يتعاونوا معه.

عبارة “ليس باسمنا” الآن هي محاولة تبريرية لإبعاد سياسة العنف الانتقامي الذي تمارسه إسرائيل عن هويتنا كأفراد كويريين، لكن فعلت إسرائيل ما فعلته حتى الآن باسم اليهود، الذين رفع الكثيرون منهم الشعار ذاته.

استعانت إسرائيل بالاستعارات الدرامية في محاولة إبراز تحقيقها العدالة الإنسانية، إذ يتصدى الجندي المثلي صاحب الهوية الليبرالية الفريدة، لـ”المتوحّشين رافضي القيم الإنسانية”، هو بطل يحارب الشر الكوني المطلق، ما يبرر عنفه و”انتصاره” حين يأخذ صورة فوق ركام المباني، والتي غالباً ما توجد تحتها جثث لمدنيين، الصورة التي تزامنت مع قرار وزارة الدفاع اعتبار الشركاء المثليين للجنود ينضوون تحت تعريف “عائلة”، لأنه من دون ذلك، لن يتمتعوا بالمزايا والمنافع ذاتها في حال قُتل أحدهم/ إحداهن.

لجأت إسرائيل أيضاً الى حلول أوقعت المركزية الأوروبية في مأزق أخلاقي، لكنها في الوقت نفسه تُظهر عنف هذا البطل المدافع عن الحرية الفردية والقيم الإنسانية على أنه ضروري للتخلص من “الشر”، وهذه الوحشية المبررة تأتي ضمن سيناريو مشحون عاطفياً، وهو تجسيد عدمي للبطولة الانتقامية، كما أن طابعها العاطفي هو شكل من أشكال العنف الجيد و/أو المبرر، لأن جريمة حماس كانت بشعة يجب أن تتحقق العدالة بصورة أبشع.

القتل باسم الحبّ

صورة الجندي الذي يحمل علم قوس قزح في غزة والآخر الذي يقبّل شريكه، جزء من بروباغندا إسرائيل لإعادة تعريف “الحبّ” بوصفه سلاحاً  يقُتل باسمه الفلسطينيون، صورة توظّفها أيضاً الدولة واللادولة العربية لقمع الأقليات الجندريّة، لتظهر حرب إسرائيل بوصفها دفاعاً عن الحريات الفردية، والتي بالنسبة الى المجتمعات الإسلاموية-الأبوية هي مشروع مرتبط بالغرب لانتزاع “القيمة الإنسانية” و”فطرة الله”، والآن أصبحت مرتبطة بإسرائيل التي تراها من المجتمعات العربيّة كـ”عدو”، ويمكن إدراك ذلك من خلال تصريح الجندي نفسه بأن كلمة “باسم الحب” جاءت رداً على “بسم الله” الموجودة على ما تبقى من جدران المنازل.

المقارنة السابقة أعطت للعَلَم والكلمة شكلاً من أشكال العدالة، بوصفهما “انتصاراً” وتطبيقاً لـ”العدالة” باسم الهوية، هوية طابعها مدني يخدمُ هيمنة المؤسسة العسكريّة باسم “الواجب” و “الحرية الفرديّة”.

الحجة الواضحة الآن في سياق رفع علم قوس قزح، هي أن العنف المرتَكَب  في غزة، يطبَّق باسم “المحبة”، أي من أجل السلامة العامة و إقصاء/منع الشر من ارتكاب جرائم أكثر عنفاً، وهو أمر يبدو أخلاقياً لكنه يبرر أيضاً “إبادات جماعية”، إذ أصبح ارتكاب مثل هذه الجرائم أمراً عادياً، يُلطف عنف إسرائيل، مقابل “الشر” الذي ارتكبته حماس، والذي صوّرته البروباغندا على أنه “نهاية العالم”.

بين الغسيل الوردي وأيديولوجيا حماس

عبارة “ليس باسمنا” الآن هي محاولة تبريرية لإبعاد سياسة العنف الانتقامي الذي تمارسه إسرائيل عن هويتنا كأفراد كويريين، لكن فعلت إسرائيل ما فعلته حتى الآن باسم اليهود، الذين رفع الكثيرون منهم الشعار ذاته.

أظنّ أنه لن يصعب على إسرائيل تشكيل بطل خارق ينقذ الضحية التاريخية من العنف الإسلاموي الهمجي الذي يهدد سلمها، تأثير إسرائيل علينا كأفراد مجتمع ميم عين وإن كان بصورة غير مباشرة هو حاجة انتقامية وإذلالية أيضاً، تخدم مصالح صورتها النمطية حول الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، إلا أن هذا العنف يمسّنا بجوانب مختلفة، إذ كنا في العراق أو في لبنان، البلدين اللذين يعجان بميليشيات مسلّحة جوهر وجودها هو “تحرير فلسطين” ومحاربة أميركا وكل ما يرتبط بها أو كأفراد نرفض الاضطهاد على أساس الهوية، وهو ما يحدث للكويريين الفلسطينيين/ات خصوصاً والفرد الفلسطيني بعامة.

 رفضنا تحويل العلم الذي تاجروا به كثيراً هو حاجة ضرورية ليس على مستوى الحرب والإبادة القائمة الآن، بل على مستوى أكثر توسعاً يشمل رفضنا سياسات الاحتلال في استغلال هويتنا المضطهدة في بلداننا ضمن “الغسيل الوردي”، لتصبح ستاراً يخفي وراءه القمع.

لا يعني ما سبق أبداً أن حماس لم ترتكب جرائم بحق الكويريين الغزيين/ات، إذ إن أيديولوجية حماس الإخوانية والتي تحث على “الحفاظ على القيم والعادات الإسلامية”، تشرح بحدّ ذاتها المعاناة الفعلية للكويريين الغزيين/ات، الضائعين بين غسيل إسرائيل الوردي و أيديولوجية حماس.