fbpx

صحافي فلسطيني في غزة يصرخ يائساً: “يا الله ارحمنا”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“نفسيتنا سيئة جداً وأعصابنا تعبانه ولا نستطيع تحمل شيء… نعيش في توتر وخوف كل الوقت. كل ليلة نقول يا رب تعدي الليله على خير وما نسمع خبر سيئ. الواحد حاطط يده على قلبه دائماً وخايف يفقد حدا”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تحبس المراسلة المستقلة وفاء أبو حجاج، 40 عاماً، أنفاسها لبضع لحظات في كل مرة تصل فيها سيارة إسعاف إلى مستشفى شهداء الأقصى، المرفق الطبي الوحيد في الجزء الأوسط من قطاع غزة.

وتتسائل: هل سيكون أحد أحبتها داخل السيارة هذه المرة؟

تتنفس الصعداء عندما تجد أن سيارة الإسعاف لا تحوي أحد أفراد أسرتها أو شخصاً قريباً من قلبها.

لكنها راحة قصيرة الأجل، فشبح الموت يلاحقها كل لحظة.

قالت أبو حجاج في مقابلة مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود OCCRP: “إن مشهد جثث الأطفال القتلى التي تصل الى المستشفى مروّع. حتى الحجارة تبكي عليهم”. 

وأضافت، “نفسيتنا سيئة جداً وأعصابنا تعبانه ولا نستطيع تحمل شيء… نعيش في توتر وخوف كل الوقت. كل ليلة نقول يا رب تعدي الليله على خير وما نسمع خبر سيئ. الواحد حاطط يده على قلبه دائماً وخايف يفقد حدا”.

ترسل أبو حجاج تقارير إعلامية عن الحرب في غزة لموقع “فلسطينيات” الإعلامي في الضفة الغربية ومنصة تركية في الخارج. 

بدأت بتغطية تداعيات الحملة العسكرية من مستشفى الشفاء، وهو أكبر مجمع علاجي في القطاع. ثم نزحت مع أهلها من شمال القطاع الى وسطه بعدما تعاظم الخطر الذي انتهى باقتحام القوات الإسرائيلية المستشفى بحجة أن “حماس” حفرت أنفاقاً في أسفله، وهو ما تنفيه الحركة. معظم نشاطها يتركز على توثيق حالات الجرحى والوفيات التي تصل الى المستشفي، ومقابلة سائقي سيارات الإسعاف لمعرفة آخر مستجدات الدمار الشامل ورقعة القتال الحالي بناء على ما شاهدوه أثناء عملهم في مناطق القصف.

حُطِّم جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بها وجهاز الآيفون iphone الذي كانت تستخدمه لتصوير من تقابلهم عندما تدمّر منزل العائلة. الآن، عادت لاستخدام هاتف قديم عثرت عليه، لكنه لا يوفر خاصية التقاط صور عالية الجودة كما كانت تعمل سابقا. فأصبحت تستعين بمصوّر يرافقها.

تسألني أبو حجاج خلال المحادثة عما إذا كنت أعرف جهة “قادرة على تقديم بعض المساعدة للصحافيين لاستبدال الكاميرات وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية التي دُمِّرت” في القصف. 

وتضيف، فكرة توفير جلسات علاج نفسي للصحافيين للتعامل مع أثر الصدمات حسبما حاولت منظمة دولية أن تقوم به ليس مجدياً الآن. “بعد ما تنتهي الحرب ونطلع منها إن شاء الله سالمين سينفع علاج اضطراب ما بعد الصدمات”.

يعيش الآن مئات النساء والأطفال، الذين دُمرت منازلهم، في المستشفى، ويتقاسمون ثلاثة مراحيض. 

تقول أبو حجاج: “تخيلي… عليكي أن تصطفي لمدة 20-30 دقيقة إن لم يكن أكثر كل مرة لاستخدام أحد هذه المراحيض، وفي حال كان هناك أطفال تطول فترة الانتظار”.  تستحم فقط كلما زارت منزل أختها في مخيم المغازي، حيث لجأت عائلتها. تستقل عربة يجرها حمار أو حصان للوصول إليهم، لأن التنقل بالسيارات بات مرتفع الثمن بسبب شحّ المحروقات.

تتقاسم الصحافية خيمة صغيرة أقيمت داخل حرم المستشفى مع خمس زميلات. ينمن على ثلاث بطانيات ويغطين أجسادهن بثلاثة أغطية تقيهن بعض الشيء من برد ليالي غزة. وضعها أفضل بقليل من آلاف تهجروا من بيوتهم ويفترشون الأرض في العراء من دون بطانية أو سقف مصنوع من أكياس البلاستيك.

“الخيمة التي ننام فيها صغيرة كثيراً. الحمد لله أن زميلاتنا الأخريات يعدن إلى المنزل كل يوم للنوم. بخلاف ذلك، سيكون من المستحيل أخذ قسط من الراحة، “كما تقول وفاء لـ OCCRP. وتتابع قائلة: كل ليلة، قبل أن نذهب إلى النوم ، نصلي من أجل عائلتنا وأحبائنا لكي يروا طلوع الشمس صباح اليوم التالي”.

مساء الثلاثاء، هطلت أمطار كثيفة وأغرقت خيم النازحين بما فيها الخيمة التي تأويها. أصيبت بالرشح وتحول الوضع السيئ أصلاً  في المستشفى الى حال يرثى له”.

مثل أي شخص آخر من بين 2.3 مليون نسمة محشورين في القطاع الصغير المحاصر، يكافح الصحافيون للعثور على المياه العذبة والطعام ومكان للنوم ومرحاض ونقاط كهرباء لشحن أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف وحتى أبسط وسائل النقل.

فقدت أبو حجاج ثمانية كيلوغرامات من وزنها منذ اندلاع الحرب، إذ تتناول وجبة واحدة في اليوم إذا كانت محظوظة. لقد تضاعفت أسعار المواد الغذائية بسبب النقص في المخزون وشحّ عمليات النقل بسبب عدم توافر المحروقات. علبة التونا تكلف 11 شيكلاً اليوم إن وُجدت مقابل 4 شيكلات سابقاً. 

تبرعت إحدى المنظمات بفوط صحية تستخدمها الفتيات أثناء الدورة الشهرية لتأمين نظافتهن الشخصية. لكن الفوط شحيحة في الجنوب. وتحاول بعض النساء الحصول على حبوب تأخير الدورة الشهرية أو يستعملن قطع قماش قديمة لحماية أنفسهم.

تقدر نقابة الصحافيين الفلسطينيين أن هناك حوالى  1,400 صحافي يغطون الأخبار من غزة، منهم  1200 منتسب الى النقابة في غزة من أصل 3200 في عموم البلاد. وتقول إن عدد الصحافيين المستقلين في غزة والضفة 150، بينما هناك 150صحافياً مقرباً من “حماس”.

منعت إسرائيل المراسلين الأجانب من الدخول عبر معبر إيريز منذ اندلاع المعارك، وقلة منهم ممن دخل لا يُسمح لهم بالتغطية إلا برفقة القوات الإسرائيلية. ما يعني أن أمر تغطية الحرب ملقى على كاهل غالبية الصحافيين الفلسطينيين ممن شُردوا وأسرهم بعد تدمير منازلهم. كما يتعرض الصحافيون المستقلون لضغوط من “حماس”.

ومثل أي شخص آخر من بين 2.3 مليون نسمة محشورين في القطاع الصغير المحاصر، يكافح الصحافيون للعثور على المياه العذبة والطعام ومكان للنوم ومرحاض ونقاط كهرباء لشحن أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف وحتى أبسط وسائل النقل. وهو مهددون بالمجاعة وانتقال الأمراض، حالهم حال غالبية السكان.

ومع ذلك، فإنهم يغطون الحرب المحتدمة بحد أدنى من سترات الأمان أو الشواحن أو شرائح المحمول. 

وتقول منظمات غير حكومية إن إسرائيل تحظر دخول جميع معدات السلامة إلى غزة، وبخاصة السترات الواقية والكمامات، بحجة أنها قد تُستعمل لأغراض أخرى.

وبحلول 11 كانون الأول/ ديسمبر، أكدت لجنة حماية الصحافيين (CPJ) مقتل 63 صحافياً وإعلامياً منذ أن شنت “حماس” هجومها غير المسبوق على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ما أدى إلى انتقام كامل من إسرائيل.

تقول اللجنة إن ذلك الشهر كان الأكثر دموية على الإطلاق للعاملين في مجال الإعلام منذ أن بدأت في التوثيق في عام 1992.

وكان من بين القتلى 56 فلسطينياً وأربعة إسرائيليين وثلاثة لبنانيين قتلوا على الحدود الجنوبية لبلادهم مع إسرائيل. لكن الرقم يمكن أن يكون أعلى. إذ تشكك إسرائيل في وضع الصحافة الفلسطينية في غزة، ما يعقد عملية الإحصاء.

يطلب المحررون من المراسلين غالباً ألا يصبحوا جزءاً من القصة التي يغطونها.

لكن ذلك صعب في غزة، حيث يعيشون الحياة والموت والجوع والمرض والتشرد حال أولئك الذين جاؤوا لرواية قصصهم. 

يشتكي بعض الصحافيين المستقلين من أن زملاءهم المسجلين في مكتب “حماس” الإعلامي في قطاع غزة أو أعضاء نقابة الصحافيين الفلسطينيين يحصلون على بعض الدعم بخلافهم.

لكن منتصر حمدان، رئيس لجنة سلامة الصحافيين في النقابة يخالفهم الرأي. إذ قال في مقابلة مع occrp، إن الحرب العسكرية التي تشنّها إسرائيل على غزة والضفة منذ 7 تشرين الأول ساهمت في إزالة الحواجز بين مجموع مكونات القطاع الإعلامي الفلسطيني، الذي عاش تأثيرات الانقسام السياسي بين حركتي “فتح” و”حماس” طيلة 16 عاماً.

وأضاف حمدان، أن أمام هذا الواقع الصعب ترفض نقابة الصحافيين الفلسطينيين محاولة إسرائيل وقادتها “التفريق بين الصحافيين والتمييز بينهم من حيث الانتماء السياسي والحزبي، وتؤكد أنها تقدم خدماتها لجميع الصحافيين من دون تمييز أو تفريق، كونها تعتبر نفسها أنها المظلة الجامعة لجميع الصحافيين الفلسطينيين سواء كانوا منتسبين أو غير منتسبين الى عضوية النقابة”.

النقابة بحاجة سريعة الى ملابس وجاكيتات شتوية وخوذ ومعدات حماية وخيام للصحافيين وعائلاتهم وطعام ومياه ومعدات لوجستية وأكثر من 500 أداة شحن (power bank) تساعدهم في شحن أجهزتهم الخلوية مع ضمانة إدخالها الى غزة، بعدما قصفت إسرائيل محطة الكهرباء والمياه وشبكة الكهرباء. حيث تم إرسال ثلاث خيم فقط منذ بدء الحرب بالإضافة الى وجبات طعام. 

جهد النقابة بحاجة الى الاستدامة. لكن المراسلين الفلسطينيين في غزة ليس لديهم خيار، وإذا كان الموت هو الطريقة التي ستنتهي بها حياتهم، فإن أكبر أمنية لديهم أن يكون ذلك سريعاً وفورياً. 

يقول محمد أبو شحمة، الذي يعمل مراسلاً حراً لصالح قناة “الجزيرة” القطرية من داخل خيمة مؤقتة صغيرة أقامها بالقرب من معبر رفح الحدودي مع مصر، إنه يتوقع الموت في كل لحظة، وبات يشكك في الثمن الباهظ الذي يدفعه الصحافيون لخدمة الصالح العام.

يضيف: “كل ما يشل تفكيري هو أطفالي ومادا سيحدث لهم؟ هل سيموتون؟ هل سيهجرون؟ ماذا سيكون مصيرهم؟”. 

يعمل أبو شحمة من داخل مستشفى ناصر، ويتشارك مع زميل آخر مكتباً طوله أقل من متر بلا مقعد. ويحاول سريعاً أن يستغل وجود الكهرباء في المستشفى لشحن هاتفه وجهاز اللاب توب الخاص فيه. “ولا يحالفني الحظ دائماً في إكمال العمل”.

في الأسابيع الثمانية الأولى من الحرب، نقل زوجته وأطفاله الخمسة ووالدته المسنة أربع مرات بعد تدمير منزله تدميراً تاماً بغارات جوية. ويقول إنه من المستحيل العثور على أي مأوى آمن في الجيب المكتظ بالسكان. وقد تعافت زوجته وابنته من الإصابات التي لحقت بهما في انفجار طاول أخيراً غرفة كانوا يقيمون بها.

يتابع أبو شحمة، وهو صحافي استقصائي، إن أصعب ما مر عليه استشهاد شقيقته وعائلتها وابنة أخيه وبنات عمومته. والأصعب أنني “لم أجد وقتاً للحزن عليهم بسبب الحرب المدمّرة وبحثي المستمر عن لقمة عيش”.  

“لا يوجد طعام لنشتريه. إذا لم نمت بسبب صاروخ فسنموت من الجوع. لقد بدأ الناس في ذبح الحمير، وقريباً سيأكلون القطط لأن الجوع قاتل”، بحسب ما أردف.

ويردف: “كصحافي، أشعر بالخذلان من كبرى قنوات الأخبار حين تقوم بإخلاء طواقمها إلى مناطق آمنة مع استمرارها في البحث عن صحافيين للعمل معها بالقطعة لتغطية أكثر مناطق الحرق سخونة، وكأنها تضحي بهم وتريد الحفاظ على طواقمها، وهذا أمر غير مقبول ويجب أن تعلم أن الصحافي الذي يعمل بالقطعة لديه أيضاً عائلة وحياة”.

منذ بدء الحرب وحتى الآن، قُتل حوالى 18 ألف فلسطيني وجُرح أكثر من 45,000.

ومع تشريد ما يقرب من 85 في المئة من سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة وعدم قدرتهم على الوصول إلى أي مساعدات، تقول الأمم المتحدة إن المجتمع هناك “على شفا الانهيار التام”، وإن قدرتها على حماية الناس “تتقلّص بسرعة”.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قال أخيراً، “أتوقع أن ينهار النظام العام تماماً قريباً، وقد تتكشف حالة أسوأ تشمل زيادة الأمراض الوبائية وضغطاً متزايداً من أجل النزوح الجماعي إلى مصر”.

زميل آخر لديه سبعة أطفال أجهش بالبكاء من شدة اليأس عندما اتصلت به مساء الأحد للاطمئنان عليه. سألني: “هل تعرفين أي جهة قادرة أن تزودني بمعلبات غذائية لإطعام أطفالي. صدقيني آخر مرة أكلنا فيها كانت قبل ثلاثة أيام. حياتنا لم يعد لها معنى. لقد فقدت الأمل في هذه الحياة”.

وصرخ: “… يا الله ارحمنا”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.