fbpx

“حكم قضائي مُبرم”… نظام الأسد يتملّك أراضي سوريين بعد تجريمهم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“لم يعد لدينا أمل بالعودة الى المنزل والعيش فيه مجدداً، بخاصة بعد ما سمعته عن نية نظام الأسد إصدار قانون يتيح لحكومته استملاك كل من صدر بحقه حكم قضائي مبرم مثل حالتي”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يمعن نظام الأسد بالاستيلاء على أراضي ومنازل المهجرين قسراً من بلداتهم ومدنهم، وتأجيرها لقيادات الميليشيات والشخصيات النافذة خلال السنوات الماضية. بيد أن الشهر الأخير من عام 2023، شهد تحوّل الاستيلاء المؤقت إلى تمليك دائم، والاعتداء على الملكية الخاصة، في انتهاك صارخ لحقوق الملكية للأفراد التي تكفلها الشرائع والقوانين العالمية.

قتل الأمل

وسط خيمة صغيرة تتسرّب مياه الأمطار إلى داخلها ويعشعش وسطها البرد، تسكن عائلة محمد الحسين في مخيمات حارم، بعدما كانت تسكن منزلاً تزيد مساحته عن 180 متراً مربعاً، وسط قطعة أرض تقدر بنحو 58 دونماً. هذه الأرض يتنعم بمحصولها اليوم أحد قيادات ميليشيات الدفاع الوطني، بعدما استولى عليها نظام الأسد تحت اسم قانون الاستثمار السنوي خلال السنوات الأربع الماضية، لتتحول إلى استملاك دائم بعد موافقة مجلس الشعب على مشروع قانون يتيح لحكومة الأسد استملاك عقارات وأراضي كل مواطن سوري صدر بحقه حكم قضائي مبرم.

اعتقلت قوات النظام محمد الحسين من بلدته بريف حلب الجنوبي في شتاء العام 2014، ليبقى في  سجون الأفرع الأمنية تسعة أشهر، قبل أن يتم تحويله الى محكمة الميدان في دمشق، والتي أصدرت بحقه حكماً مبرماً قطعياً لا عودة فيه بالسجن ست سنوات، أمضاها في سجن صيدنايا. خرج  محمد الحسين من السجن في العام 2020، وعاد الى بلدته التي تمركزت فيها قوات النظام واحتلّت منزله، لينتهي المطاف به وعائلته في مخيمات حارم.

يقول الحسين: “لم يعد لدينا أمل بالعودة الى المنزل والعيش فيه مجدداً، بخاصة بعد ما سمعته عن نية نظام الأسد إصدار قانون يتيح لحكومته استملاك كل من صدر بحقه حكم قضائي مبرم مثل حالتي، إذ عادت الى أذهاني الجملة التي سمعتها من القاضي في محكمة الميدان بدمشق، بسجني لمدة ست سنوات وتجريدي من حقوقي العسكرية والمدنية، وهو حكم قضائي مبرم. وكل ما أخشاه اليوم، أن يتحول ما جمعته وتعبت به في حياتي لصالح النظام وتصبح أملاكي ملكية عامة وأبقى أنا وعائلتي في هذه الخيمة الحقيرة”.

قانون بصنيعة مخابراتيّة

أقر مجلس الشعب التابع لنظام الأسد في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر2023، بالأكثرية، مشروع القانون المتعلق بإدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم، وأصبح قانوناً، وتتولى وزارة المالية بموجبه إدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المذكورة، عدا الأراضي الواقعة خارج المخططات التنظيمية، وتكون إدارتها واستثمارها لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي.

ويبيّن المشروع أنه في حال كانت الأموال عبارة عن شركة أو أسهم أو حصص في شركة، تبقى هذه الشركة خاضعة لأحكام قانون الشركات، وتتم إدارتها واستثمارها من وزارة المالية وبما لا يتعارض مع قانون الشركات

وبحسب وكالة “سانا” الناطقة باسم نظام الأسد، التي نقلت وقائع الجلسة: “الأملاك المصادرة تُنقل بقرار من رئيس حكومة النظام بناء على طلب الوزير المختص، وفقاً للمشروع، بنقل ملكية الأموال المذكورة سابقاً إلى الجهات العامة ذات الطابع الإداري من دون مقابل، ومن دون أن يترتب على ذلك أي ضريبة أو رسم، وبمقابل يؤول إلى الخزينة العامة في حال نقل الملكية إلى الجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي”.

يسمح المشروع لرئيس حكومة النظام، بتخصيص جزء من الأموال المذكورة لأي من الجهات العامة بناء على طلب من الوزير المختص، ويصدر بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري المالية والزراعة والإصلاح الزراعي، نظام خاص يتضمن قواعد إدارة واستثمار ونقل ملكية وتخصيص هذه الأموال المنقولة وغير المنقولة، وتطبق أحكام هذا القانون على الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم سواء صدر الحكم قبل نفاذ هذا القانون أم بعده.

يقول المحامي والخبير بالقانون الدولي عبد الناصر حوشان، إن نظام الأسد لم يقف عند الاستيلاء على ممتلكات المهجرين قسراً بسبب حربه على السكان، وتأجيرها بشكل سنوي ضمن مزادات علنية، بل استكمل جريمته اليوم بصبغة قانونية لاستملاك تلك الممتلكات وضمّها الى أملاكه. ويضيف: “هذا كله يأتي في سبيل تحقيق هدفه بالتغيير الديموغرافي، إضافة الى فرض العقاب الجماعي على السوريين في أموالهم وأنفسهم وحرياتهم وممتلكاتهم، بالاعتماد على القرارات الصادرة من محاكم الميدان ومحاكم الإرهاب التي أصدرت أحكاماً حضورية وغيابية ضد مئات الآلاف من السوريين خلال السنوات التي أعقبت اندلاع الثورة السورية”. 

أثر رجعي

يؤكد حوشان أن  القانون الجديد مخالف للدستور السوري، لا سيما المادة 15 منه التي تحظر مصادرة الأموال، إذ يجب التفريق بين المصادرة كعقوبة أصلية وكعقوبة فرعية، حيث تكون كعقوبة أصلية في حال استخدمت كأدوات جريمة مثل السلاح والمخدرات وما نتج من جرم، ولا تجوز المصادرة العامة مثل الأموال المنقولة وغير المنقولة لأنها عقوبة إضافية  للعقوبة الأصلية، وحتى قانون مكافحة الفساد أو ما يسمى قانون العقوبات الاقتصادي الذي استند إليه أعضاء مجلس الشعب في اقتراح قانون المصادرة، لم يذكر أو يتطرق الى المصادرة بين طياته.

يضيف حوشان أن “نظام الأسد سيعمل على إنشاء الهيئة العاملة لإدارة أملاك الدولة، ويسند إدارتها الى شخص من المقربين من هرمه، وتكون مهمة تلك الهيئة إدارة أملاك المهجرين قسراً والمحكومين بأحكام قضائية وضمّ تلك الأموال العائدة من الأملاك الى خزينة الأسد”.

يبدي وائل السنون (اسم مستعار) والقاطن في شمال غربي سوريا والمنحدر من مدينة بانياس في ريف اللاذقية، خوفه من مشروع قانون الاستيلاء على المحكومين، بخاصة أن كل ممتلكات العائلة من بيوت وأراضٍ مسجلة باسم شقيقه المعتقل منذ العام 2021، والذي أصدرت محكمة الإرهاب في دمشق حكماً بسجنه 5 سنوات بتهمة النيل من هيبة الدولة. ويضيف قائلاً :”إذا مضت حكومة النظام بتنفيذ القانون، فإن أشقاءه ووالديه المقيمين في بانياس سيكون مصيرهم الشارع بعد أن يضع النظام يده على جميع الممتلكات”. 

يقول المحامي حوشان في شهادته لـ”درج”: “أخطر ما ورد في مشروع القانون أنه يسير بأثر رجعي باعتباره عقوبة المصادرة عقوبة إضافية لا تسقط بالعفو أو بالتقادم أو بوفاة المحكوم، وبالتالي عمل القانون بأثر رجعي عطّل مفاعيل قوانين العفو التي تسقط عقوبة المصادرة بالأصل سواء كانت صادرة من محاكم الإرهاب والميدانية أو القضاء العادي، بيد أن تضمين القانون نصاً على أثر رجعي قبل إصداره سيطاول المحكومين السابقين الذين تم العفو  أو إسقاط العقوبة عنهم”. 

يشرعن القانون عمليات الاستيلاء، ويعطي الوزراء حرية التصرف بالممتلكات والعقارات، ويحيل الحقوق إلى ملكية شخص ثالث مشترٍ من الدولة، التي تعمل على تطهير عملية البيع وقوننتها، وبالتالي يصبح حق صاحب الملك فقط بالتعويض ولا يحق له ملاحقة المشتري، لأن البيع كان عن طريق السلطة، وبالتالي “سيكون المشتري هو الشركات الإيرانية والروسية بشكل قطعي” حسب حوشان .

آليات دوليّة صوريّة 

سعت إيران منذ تدخّلها عسكرياً لصالح بشار الأسد ضد الشعب السوري، الى تجنيس مقاتليها وإيجاد أرضية صلبة للتوطين الإيراني في سوريا بالسبل كافة، بحسب الخبير بالشأن الإيراني أيمن المحمد، إذ كان لدير الزور وحلب وريف دمشق الانتشار الإيراني الأوسع وما رافقه من معاهد ومدارس وحتى شركات، وذلك كله لم يعد يُخفى على السوريين.

ومن خلال قانون الاستثمار والاستملاك الجديد، ستعمل إيران على التوسع في المنطقة الوسطى، وبخاصة محافظة حماه وريف حمص الشمالي وريف إدلب الجنوبي، التي لم يقبل سكانها لليوم بيع عقارات للإيرانيين، بخاصة في محيط مدينة حماه الشمالي المهجر منذ العام 2019. 

واليوم، جاء قانون بيع واستثمار العقارات والأراضي من نظام الأسد للشركات والأفراد الإيرانيين، بغية توطينهم في المنطقة التي يطمحون إليها منذ زمن لتغيير ديموغرافي يقضي على آمال السوريين بالعودة الى أراضيهم وعقاراتهم.

تنصّ المبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي، على وجوب حماية ما يملكه وما يحوزه الأشخاص النازحون داخلياً وخارجياً ويتركونه خلفهم، من التدمير، أو الاستيلاء، أو الاحتلال، أو الاستخدام التعسفي وغير الشرعي.

وتضمن المعاهدات الإقليمية الثلاث لحقوق الإنسان، الحق في الملكية الخاضع لقيود يفرضها القانون من أجل المصلحة العامة، ويشكّل حرمان الأشخاص النازحين التعسفي من ملكيتهم انتهاكاً لهذا الحق.

سياسات استعماريّة

يقول الأستاذ الأكاديمي رستم كوسا، إنه منذ لحظة مغادرته منزله في مدينة دوما في العام 2017 بريف دمشق، واستقراره في مدينة الدانا شمال غربي سوريا، وهو “على يقين بأن نظام الأسد يعمل المستحيل لاحتلال منزله ومنازل أقاربه وإعطائها للميليشيات”.

ويضيف أنه سواء أصدر قانون استثمار سنوي أو استملاك، فالسيطرة والنهب والسلب أمور قائمة، فلا غرابة أن يخترع النظام قوانين بالاعتماد على شبيحته في مجلس الشعب الصوري لسلب ما يمكن من أرزاق السوريين تحت أنظار المجتمع الدولي، الذي يكتفي بإنشاء مؤسسات وآليات متعلقة بسوريا لم تقدم منفعة واحدة للمظلومين، ولم تحاسب المرتكب على انتهاكاته.

يضيف كوسا : “يبدو أن نظام الأسد، بالاعتماد على روسيا، لم يعد يلقي بالاً لكل تلك الآليات والمؤسسات، وبات يصدر تشريعات تخالف النظم والأعراف الدولية، ويتصرف بأملاك السوريين ويوزّعها لميليشياته بحسب نسبة إجرامهم”.