fbpx

مُعضلة  اسمي”الإسرائيلي”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منتصف السبعينيات بدأت أدرك أن لقب عائلتي كان مميزاً، نوعاً ما. كان والدي يمسك المذياع طوال الوقت منصتاً إلى الأخبار، التي تنقلت ما بين حرب أكتوبر/تشرين الأول وحوادث اختطاف الطائرات. وفي خضم كل هذه الأحداث برزت دولة بعيدة تحمل (ومواطنوها) الاسم نفسه. لا بد أنها دولة مميزة!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

سُجلت النسخة الأميركية من لقب عائلتي عقب وصول جدي اللاتفي إلى “جزيرة إليس”، حيث دوّن الموظفون اسم “آذرائيلي” (أو Azriely) حسبما نطقه أجدادي، لينتهي به الحال إلى “إسرائيل” (Israel) أو “إسرائيلي” (Israeli) عند بعض الأقرباء الآخرين، بينما حصلت عائلتنا على الاسم بحرفِ “y” في آخره، ليصبح “إسرائيلي” (Israely). لم يخض والدي نقاشاً معي مطلقاً حول لقبنا في حد ذاته، لكنني اكتشفت ذلك بنفسي.

وبدلاً من ذلك، كنت أسمعه على مدار السنين يتحدث كثيراً عن ديننا وشعبنا. لم أرغب دائماً في الاستماع إليه، ولم نتشارك يوماً الشعور ذاته. ربما بسبب اختلاف الأجيال، ينتمي أبي لجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية والهولوكوست، لذا فقد نشأت خلال فترة ما بعد حركة الحقوق المدنية. يؤمن والدي بِتفرد التجربة اليهودية، ومسؤولية صونها. خشيتُ أن ينقلب هذا الانتماء إلى نوعٍ من التعصّب، وفي نهاية المطاف، لم أكترث مطلقاً بِحقوق البشر، باعتباري واحداً منهم. 

ثمة اختلافٍ ما

مع ذلك، لا يمكنني إنكار أن كوني يهودياً جعلني مختلفاً بشكلٍ أو بآخر. أحد البراهين على ذلك كان عدد الأشخاص (اليهود وغير اليهود على حدٍ سواء) الذين يرغبون في معرفة بعض التفاصيل…. ربما يسأل البعض مباشرةً، في حين يرى الآخرون أن بإمكانهم معرفة هوية الفرد من شكله أو طريقة تعامله، ربما يكون هذا صحيحاً. لكن غالباً ما تعطي الأسماء فكرة أفضل، فأفراد عائلات مثل روزنبرغ وكوهين وليفي الموجودين في مختلف أرجاء العالم يشتركون معي في أحد محددات الهوية البارزة.

لكن، مثلما قلت سابقاً، اسمي تحديداً كان مميزاً… 

بالانتقال سريعاً إلى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة في روما، بدأت العمل في مجلة أخبار أميركية. ما يعني أن اسمي أصبح يُكتب أيضاً أعلى مقالاتي. (إليكم أحد أسرار المهنة المعروفة: قراءة الناس لاسمك الأدبي هو – على أقل تقدير – أحد الأسباب التي تدفع الكُتّاب إلى وضعه في أعلى المقالة من الأساس، حتى لو لم يلحظه معظم القراء. معظمهم وليس كلهم….).

ذات يومٍ، خلال محاولة أميركية قصيرة الأمد لإحياء مباحثات السلام المتوقفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، دُعيت إلى برنامج إخباري إيطالي على افتراض أنني معلق خبير. كنتُ متردداً، لأني لا أملك أيّ خبرة خاصة حول الموضوع، قبل أن أستنتج أن هذا كان جزءاً من مسؤولياتي المحلية بوصفي مراسل أميركي في الخارج. 

حسناً، لا مشكلة في ذلك!

لم أجد سوى ضيفاً واحداً آخر في الاستوديو، وهو صحفي فلسطيني، كان أوسع اطلاعاً وأكثر حماساً مني في هذا الموضوع. وكان يتحدث الإيطالية أفضل مني أيضاً. وقد طرح القضية الفلسطينية ببلاغة فائقة، منتقداً المفاوضين الإسرائيليين والأميركيين ومقدماً استعراضاً دقيقاً للتاريخ المعاصر والماضي القريب.

نهاية حتمية سيئة لأول ظهور تلفزيوني

ملتزماً بموقفي الصحفي الأميركي الحيادي ومحاولاً الحفاظ على صحة تواريخي – وكذلك تصريفات الأفعال – انصب تركيزي على السياق الحالي لموقف البيت الأبيض والجولات الدبلوماسية المكوكية لوزير الخارجية كولن باول.

لكن ظهوري التلفزيوني في ذاك اليوم كان لا بد أن ينتهي نهايةً كارثية. ففي تعليقه الختامي، أومأ زميلي الفلسطيني لي قبل أن يقول: “بالنسبة لي ولِزميلي، هذه ليست مجرد قصة إخبارية. حياتنا وشعوبنا على المحك”.

لم تتوفر لي لا الفرصة ولا الرغبة في الرد على تعليقه بشكلٍ أو بآخر، ربما الدفاع عن نفسي قائلاً إنني إسرائيلي بحرف “y” لا بحرف “i”، أو إنني ولدت ونشأت في الولايات المتحدة، ولا يوجد لدي أيّ أقارب أو أصدقاء يعيشون في إسرائيل أو فلسطين، وصحيح أنني يهودي ولكنني..

تعهُّد مهنيّ

بعد هذه التجربة، عاهدت نفسي على بذل قصارى جهدي لتجنب أي مسار مهني يتعلق مباشرة بفلسطين أو إسرائيل. لأن تناول هذه القضايا باسمي هذا، يضيف مزيداً من التعقيد على موضوعٍ معقد بما فيه الكفاية. 

بالنتيجة، أمضيت عشرة أعوام في تغطية قضايا الفاتيكان، وسأصبح خبيراً نوعاً ما في مكائد المؤسسة الكنسية الكاثوليكية. ومن حين لآخر كنت أكتب مقالات تتناول موضوعات يهودية، ومقالات كثيرة عن الأديان الأخرى أيضاً. وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، تناولت أيضاً بصورة لا بأس بها الإرهاب الإسلاموي، مع إجراء مقابلات متفرقة من وقتٍ لآخر مع زعماء إيطاليين في فترة ما بعد الفاشية.

تجول في عقلي، عند تغطيتي لموضوعاتٍ معينة،  فكرة عابرة قبل أن أقدم نفسي عبر الهاتف إلى من قد أحاورهم، أو أتساءل عمّا إذا كان القراء قد لاحظوا اسمي. لكنني تعلمت منذ فترة طويلة التعايش مع علاقتي الأبدية باسمي، ويوجد دائماً قصة جديدة لكتابتها.

المحرر لا يظهر  اسمه في المقالة

عملت لأكثر من عشر سنوات محرراً في worldcrunch الموقع الإخباري الدولي، ومهمتي هي تحديد وصياغة الأخبار التي نختار الكتابة عنها أو ترجمتها، ومن بينها قصص كثيرة تتناول الشرق الأوسط. لكن المحرر لا يظهر اسمه في المقالة، ويتعين على القارئ الذي يتساءل عن موقفنا من هذه المسألة أو تلك القضية أن يبحث بنفسه ليكتشف أن رجلاً اسمه إسرائيلي، هو من يحدد الأخبار والعناوين التي ستُنشر.

حتى تاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم أشعر أبداً أن هناك ما يستدعي الحديث علناً عن اسمي.  وحتى لو كنت أثق أن معظم القراء يتفهمون ما نقوم به – لا شأن لنا باتخاذ “المواقف” لكن،  ها أنا  أكتب هذه المقالة، التي وددت ألا أكتبها لعدة أسباب.

وما هي أهمية الأسماء؟ هذا السؤال البلاغي الشهير الذي أثاره وليام شكسبير على لسان جوليت، التي أعلنت لروميو أن أسماءهم (التي تعود لعائلات متنافسة) لا تعني في الواقع شيئاً أمام حبهم.

أسباب كثيرة معروفة

بمنتهى البساطة، يمكن اعتبار هذا الإعلان العاطفي بمثابة بديل عن أيّ خلافٍ وجد يوماً بين أعداءٍ، سواء أكانوا متنازعين بسبب مظالم تاريخية أم أرضٍ أم مالٍ أم دين، أم حتى تلك النزاعات الاستثنائية التي لا يُعرف مصدر الكراهية فيها تحديداً.

في حالة فلسطين وإسرائيل، لدينا بالطبع أسباب كثيرة معروفة. والأسماء، في كل الأحوال، مهمة. إذن، ما الذي يمكن أن يقوله رجل اسمه إسرائيلي في موقفٍ كهذا؟

اسمحوا لي أن أجرب ما يصفه عزرا كلاين – صحفي أميركي آخر يحمل اسماً يهودياً – بأنه “حيازة أفكار عديدة في وقتٍ واحد”:

*ستظل الارتباطات القومية أو الدينية جزءاً من قصة الجنس البشري على الدوام. والفشل في تجاوزها ربما يؤدي إلى موتنا جميعاً.

*سواء كنت أم لم تكن تنتمي لهذه العشيرة أو تلك، فإن تاريخ الشعب اليهودي يستحق كل اهتمامنا: بوصفه الضحية المثالية (النموذجية) للبغض العِرقي، منذ أكثر من 3 آلاف سنة، حتى يومنا هذا.

*إن هذه المكانة التي تتمتع بها  إسرائيل في عصرنا الحالي، بوصفها موطناً لليهود، جاءت إلى حدٍ ما  استجابةً لِهذا التاريخ، وعلى مدى الشهرين ونصف الشهر الماضيين (بل لفترة أطول من ذلك)، قام زعماء هذه الأمة بتدنيس ذكرى معاناة اليهود من خلال شن حربٍ مدفوعةً بالانتقام وبغضهم العرقي للفلسطينيين.

* وما هو الخطر الجيوسياسي الكبير الذي قد ينجم عن هذا؟ ربما يتوسع هذا النزاع على قطعة الأرض الصغيرة تلك، ليشعل حرباً عالمية جديدة. بل وثمة حتى خطر أكبر من هذا، فالنزاعات العرقية {أصل كل النزاعات} تُقنع البشرية بصورة قاطعة أن اختلافات الهوية والمظالم التاريخية لا يمكن تجاوزها ببساطة.

*عندما يكون لدينا قصة إخبارية مهمة، فإن إحدى وظائف المحرر هو  إتاحة المجال لما يراه ويقوله الآخرون. بعد ذلك، ربما تتاح لك الفرصة يوماً ما لقول ما تريد قوله، وكتابة اسمك أعلى المقالة وكل هذه الأمور.

سيبدو معظم ما كتبته – وليس كله – منطقياً لأبي، وكذلك لِأبنائي. لكني لا أتحدث بـاسمهم ولا بـ”اسمي”.

نشر المقال بالانكليزيّة على الرابط التالي.