fbpx

“صبراً” لـ الشامي: عن صوت الجيل السوري الجديد  

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الشاب الذي كان منذ أقل من ثلاث سنوات يجلي الصحون، بات اليوم من أشهر المغنين في العالم العربي وحول العالم، ينافس شاكيرا في عدد المشاهدات ويغدو “تريند” في أوروبا وحول العالم. وهو قصة كل طفل وشاب سوري من الجيل والأجيال القادمة، يريد أن يجد له مكاناً في عالم تلتهمه الصراعات والكوارث، لكنه لا يعرف إلا نفسه وتجاربه الفردية التي يحاول من خلالها التلويح للعالم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حين صعد الشامي على مسرح حفل “جوي أووردز” لاستلام جائزة أفضل أغنية عربية، لم يجد عبارة يقولها أفضل من كونه شاباً كان يجلي الصحون في أحد المطاعم، واليوم هو يقف على مسرح أهم الجوائز العربيّة المُحدّثة. تختصر عبارة الشامي معاناة الجيل السوري الجديد، الذي ولد وعاش طفولته في الحرب، جيلٌ يمتلك قصة عميقة تبدو غائبة عن المشهد السوري اليوم.

بدأتُ قبل كتابة هذا المقال بمشاهدة مقابلات عبد الرحمن، الملقب بـ”الشامي”، المغني السوري الذي لم يتجاوز الـ 21 عاماً. لم أتوقع الكثير، ظننت أنه سيتحدّث عن أغانيه، نجاحه، حياته الفنية، لكن ما سمعته كان عكس المتوقع، ما جعلني أعيد التفكير بعلاقتنا مع الجيل الجديد في سوريا والحياة التي عاشها، والأهم ماذا يريد أن يقول لنا.

الجيل الذي ينتمي إليه الشامي شبّ وكبر بعد عام 2011، سواء في سوريا أو مهجّراً خارجها، لكن هل نسمع هذا الجيل حقاً؟ أم نكتفي بأخبار خرابه وما يعانيه في مخيمات اللجوء ودول الشتات؟ الشامي نموذج عن الجيل السوري الجديد، الذي بدأ صوته يتبلور خارج سوريا، يستفيد من تقنيات العصر والقدرة على الانتشار لتقديم صوته المغاير، بعيداً عن المؤسسة الأكاديميّة التقليدية في سوريا، وعن نماذج الإنتاج الموسيقي المستقل، وهذا بالضبط ما يجعل تجربته مثيرةً للاهتمام، خصوصاً أن اسمه يتردد على الألسن، سواء سخريةً أو احتفاءً.

تعرض الشامي لهجوم كبير بعد إصدار أغنيته “صبراً”، وهي ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها للهجوم، بقصد التقليل مما يقدمه، سواء على مستوى الكلمات أو المقدرات الصوتية، أو حتى طبيعة الموضوعات الميلودرامية التي يتناولها، لكن منحه جائزة “جوي أووردز” عن أفضل أغنية عربية، زاد الانتقادات ووضعه في دائرة الحكم من الجمهور وحتى الفنانين.

وجد البعض أن كلمات الأغنية غير مفهومة، ولهم الحق في انتقادها، بل والسخرية منها. لكن الجدل هذا دفعني الى التفكير بلغة هذا الجيل، وأقصد اللغة المحكية نفسها، لا الخطاب، الإشكالية التي يشير إليها كثيرون. إذ يتحدث الشامي عن إتقانه الكثير من اللهجات ورغبته في دمجها، وأجد ذلك ذكياً، فهو خلق لغة خاصة به، يطوّع بها اللهجات ويخلق مساحة تعبر عن معاناته وأحلامه. ألم توجد اللغة لنطوعها حسب تجاربنا؟ ولا يعني هذا أن ينجح من المرة الأولى، ولا يمكن أن يجرب إن لم يسمع الجمهور تجربته ويقيّمها.

تأثير الحرب ورحلة اللجوء واضحة في أعمال الشامي، إذ يقول في إحدى أغنياته: “أنا معروف لاجئ \ لا وطن \ ما شافوا الي شفتو انا \ غريب برا البلاد \ عشت العمر برا \ سميت الشام بشوارع عمان”.

خروج عن الأغنية المعتادة؟

يعكس ابن دمشق حالة من الغموض والشتات التي يعيشها الجيل الجديد ويريد التعبير عنها، وجاء هذا الشاب حاملاً أغنيات تعكس بطريقة غير مباشرة حالة من القلق والأسئلة التي ترتبط بالوطن والرحيل والأهم، الحلم. يقول الشامي في إحدى مقابلاته: “الشخص الآتي من ماض يعد تحت خط المستوى العادي، من الصعب أن يطير ويحلق بسماء الشهرة وينسى معاناته”.

تأثير الحرب ورحلة اللجوء واضحة في أعمال الشامي، إذ يقول في إحدى أغنياته: “أنا معروف لاجئ \ لا وطن \ ما شافوا الي شفتو انا \ غريب برا البلاد \ عشت العمر برا \ سميت الشام بشوارع عمان”.

الشامي مُنفتح موسيقياً، وهذه أهم ميزة في أعماله. على سبيل المثال، يعلم أن أغانية تلامس المراهقين، لكنه قرر في أغنيته “يا ليل ويا عين” التوجه إلى فئة أكبر، فدمج الموسيقى الغربية مع الدبكة (ويقال أحياناً اللطمية)، التي تعتبر تراثاً في المنطقة، فتمكن من الوصول إلى أجيال أكبر، لتصل الأغنية الى عدد مشاهدات تخطى الـ 108 ملايين مشاهدة على قناته على يوتيوب.

خرج الشامي من  الموسيقى التي اعتدنا عليها، ليقدم ما يمكن وصفه بـPop بعيداً عن الاحتكارات القديمة، وصنع خليطاً شرقياً -غربياً، ليزاوج بين الـ”دريل” الفرنسي، والراب مع الكلام العربي على سبيل المثال.

تسربت مشاعر الحزن والقلق وعدم الانتماء الى الطفل الذي خرج من سوريا بعمر 9 سنوات، وهو يراقب عائلته تنتقل من سوريا إلى الأردن وبعدها إلى تركيا. يشاهد والده يحاول استخراج أوراقهم الرسمية، ثم أجبر على العمل ليتمكن هو وعائلته من العيش، فعمل كصبي توصيل وفي جلي الصحون، لا بل كتب إحدى أغنياته “ليلى” وهو واقف أمام المجلى ينظف الصحون.

موسيقى تشبه الشتات

الشامي هو “الطفل” الذي لم تدعمه عائلته في البداية لأنهم غير مستقرين، ولا يمتلكون رفاهية الوقت ويجب أن يحصلوا على المال ليتمكنوا من الحياة. إنه من الجيل الذي لم تتح له فرصة لعيش حياة طبيعية أو آمنة أو كافية. على رغم ذلك تمكن من النجاح وتطوير نفسه بطريقة أو بأخرى.

انطلاقاً من الحالة الاستثنائية لسوريا والسوريين، صنع الشامي موسيقى تشبه الشتات، يقول: “فيكي تقليلي إذا في عيلة سورية عايشة بمكان واحد؟ مستحيل. فيكي تقليلي انو سوري عاش 11 و12 سنة برات بلدو موعايش ازمة انتماء؟..أنا عشت ببلد ما حسيت بالانتماء الها 100 في المية وطلعت من بلدي عمري 9 سنين ووراقي ما بتسمحلي فوت لكتير أماكن وعندي أزمة الانتماء هي، أنا لمين أو وين أو شو بدي أعمل هلق… هي اللخبطة هي الي خلقت المشروع أساساً”. ولم يخف أيضاً سخريته من الإعلامية نضال الأحمدية حين تناولت موضوع “الشوكولا مو” في إهانة السوريين، فالشامي ينتمي إلى فئة “مُستضعفة” لا يمكن تجاهل ما تتعرض له.

يفهم اليوم الشامي حالة الموسيقى في العالم العربي، وأن إدخال “أصوات” جديدة يحتاج منه وقتاً ليدخل موسيقته و”موده” كما يقول في أحد لقاءاته، بخاصة أن ما يقدمه يختلف عن الموسيقى المستقلة المنتشرة في العالم العربي، أو تلك المفرطة في شعبيتها كما في أغاني المهرجانات.

يغيب عن الجيل الأكبر أو حتى جيل الثلاثينات اليوم، أن للجيل الجديد لهجة ولغة جديدتين حتى مزاحهم ونكاتهم ورؤيتهم للحياة جديدة، بخاصة أنهم جيل عصر السرعة والمشاركة الآنية، ما يجعل طريقة تفاعلهم مع الحياة والمشاكل التي يتعرضون لها مختلفة تماماً عن رؤية الأجيال الأخرى.

هذا لا يعني دفاعاً أو تبريراً لأغنيات الشامي، وكغيري قد أجد بعض العبارات غير مفهومة ويمكن تحسينها. نعم قد لا تكون كلمات أغنياته التي يكتبها بنفسه أفضل كلمات أو موسيقته مناسبة لكل الأذواق، لكن الشامي يشبه حالة التعافي السورية وآلاف الشباب، يحتاج الى الوقت لينضج ويتعلم أكثر، وهو ما لا يخفيه في مقابلاته، إذ يؤكد أنه لا يزال يتطور.

يقول الشاب العشريني: “ومن عاش ماضياً فيه الكثير من المعاناة لن يقبل، بالتأكيد، العودة إلى ذلك الكابوس مرة أخرى. ولذلك أتمسك جداً بما وصلت إليه، ولن أتخلى عنه وسأستمر في القيام بالمزيد من الجهد والتطور”.

الشاب الذي كان منذ أقل من ثلاث سنوات يجلي الصحون، بات اليوم من أشهر المغنين في العالم العربي وحول العالم، ينافس شاكيرا في عدد المشاهدات ويغدو “تريند” في أوروبا وحول العالم. وهو قصة كل طفل وشاب سوري من الجيل والأجيال القادمة، يريد أن يجد له مكاناً في عالم تلتهمه الصراعات والكوارث، لكنه لا يعرف إلا نفسه وتجاربه الفردية التي يحاول من خلالها التلويح للعالم.