fbpx

إطلاق إسرائيل يد المستوطنين المتطرّفين يهدد حلّ الدولتين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تقول حركة “السلام الآن” الإسرائيلية، إن الاستيطان في الضفة الغربية “سجل أرقاماً قياسية” في العام الأول من حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، وسُجل ارتفاع ملحوظ بالنشاطات الاستيطانية منذ بدء الحرب على غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فهل تطلق إسرائيل يد المستوطنين لنسف حلّ الدولتين؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أصبح اعتداء المستوطنين على عائلة عبد الله عودة حدثاً يومياً، فرجل الأعمال الذي يسكن في بلدة حوّارة جنوب نابلس، لاحظ تكثيف الاعتداءات كون منزله يتعرّض لـ”هجمات” متكررة من المستوطنين منذ العام 2012. 

يشير عودة في حديثه لـ “درج”، الى “أن المستوطنين كسرو شبابيك بيته والسيارات”، مضيفاً: “أي شيء قابل للكسر يقومون بكسره، ويضربون أولادي. أحياناً، يتجمع 20 مستوطناً وأحياناً يصل العدد إلى 100 مسلح ويهاجموننا بحماية الجيش الإسرائيلي ويحرقون بيوتنا وسياراتنا وممتلكاتنا”.

يقول عودة: “أسكن في منطقة كنتري حوارة، وهي الأقرب إلى مستوطنة يتسهار التي اقتصرت هجمات مستوطنيها على الضرب والتكسير والكتابة على الجدران حتى العام 2021. لكن، منذ عام 2022، بدأوا بحرق سياراتنا في كل هجوم، وتقدّر خسارتي الشخصية جراء حرق السيارات المتعمد على مدار هذه السنين، بنحو مليون شيكل. وفي شباط/ فبراير 2022، حرقوا منزلي بالكامل مع 3 شاحنات ومخزن بما فيه من بضائع”.

يكمل عودة في حديثه لـ “درج”: “تم تدمير المشاريع الخاصة بي كافة، وتحولتُ من رجل أعمال يمتلك منتجعاً سياحياً وشركة نقليات وشركة تجارة عامة، إلى شخص لا يملك شيئاً. هذه المشاريع تعيل 15 شخصاً مع عائلاتهم، وقيمة الخسائر الماديّة ما بعد 7 تشرين الأول تقدّر بنحو 10 ملايين شيكل، ولا يتم تعوضينا من أي طرف”.

اضطر عودة لاستئجار بيت في منطقة أكثر أمناً للحفاظ على سلامة زوجته وأولاده الصغار، الذين أصبحوا في حالة نفسية سيئة ويصابون بحالة هلع عند سماع أي خبر يتعلق بالمستوطنين.

يشار إلى أن مستوطنة يتسهار مقامة في منطقة سلسلة جبال نابلس على بعد نحو 10 كم جنوب المدينة، ويهدّد بعض مستوطنيها منطقة حوارة بصورة دائمة، التي تعتبر من مناطق “ب” بحسب اتفاق أوسلو، ويفترض أنها خاضعة إدارياً وأمنياً للسلطة الفلسطينية.

ومنذ بدء الحرب، تكبدت البلدة خسائر فادحة، إذ أغلقت السلطات الإسرائيلية نحو 255 منشأة اقتصادية فيها. واعتبر مدير مديرية الاقتصاد الوطني في محافظة نابلس بشار الصيفي، قرار إسرائيل بالسماح لـ45 محلاً تجارياً وصناعياً بالعمل فقط، من أصل أكثر 300 محل في الشارع الرئيس للبلدة الذي يوجد فيه أكثر من ثكنة عسكرية وحاجز، ضمن الحصار الاقتصادي وسياسة العقاب الجماعي التي تطبقها إسرائيل في الأرض الفلسطينية، إلى جانب حرب الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة.

الاستيطان يسجّل “أرقاماً قياسيّة” في 2023

تقول حركة “السلام الآن” الإسرائيلية، إن الاستيطان في الضفة الغربية “سجل أرقاماً قياسية” في العام الأول من حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، وسُجل ارتفاع ملحوظ بالنشاطات الاستيطانية منذ بدء الحرب على غزة في 7 تشرين الأول الماضي.

وتضيف الحركة أن تشكيل حكومة نتانياهو في كانون أول/ ديسمبر 2022، خلق ظروفاً غير مسبوقة لتوسيع المستوطنات بأرقام قياسية. وتشير إلى “أنه في عام 2023، أنشأ المستوطنون ما لا يقل عن 26 بؤرة استيطانية جديدة غير قانونية، منها ما لا يقل عن 10 أقيمت خلال الحرب الحالية، و18 منها على الأقل عبارة عن بؤر استيطانية زراعية”.

من جهته، يقول رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان، إن إسرائيل صادرت خلال العام 2023 ما مجموعه 50524 دونماً تحت مسميات مختلفة، بينها إعلان محميات طبيعية، وأوامر استملاك، وأوامر وضع يد مقارنة مع نحو 24 ألف دونم في عام 2022.، مضيفاً أن إرهاب المستوطنين أدى إلى تهجير 25 تجمعاً بدوياً فلسطينياً، منها 22 تم ترحيلها بُعيد الحرب الإسرائيلية على غزة.

ويتابع، “تتكون هذه التجمعات من 266 عائلة اشتملت على 1517 فرداً، تم ترحيلهم من أماكن سكنهم إلى أماكن أخرى، تتركز في معظمها شرق رام الله في السفوح الشرقية، وتحديداً الأغوار”، لافتاً الى “عدد المستوطنين في الضفة الغربية، بما فيها القدس، بلغ ما مجموعه 730330 مستوطناً موزعين على 180 مستوطنة، و194 بؤرة استيطانية منها 93 بؤرة رعوية”.

يُشار إلى أن أميركا وفرنسا وبريطانيا فرضت عقوبات على أكثر من 30 مستوطناً إسرائيلياً بسبب الاعتداءات على الفلسطينيين وبيوتهم. واللافت أن العقوبات شملت بالإضافة إلى “منع الدخول”، تجميد الحسابات البنكيّة للمستوطنين، وذلك لـ”الحد من قبول التبرعات”، التي ترسل من مختلف أنحاء العالم لدعم عمليات الاستيطان.

دولة فلسطينية ذات سيادة أمر شبه مستحيل

يوضح أستاذ القانون الدولي وعميد كلية الحقوق في الجامعة العربية – الأميركية د. رزق سلمودي، لـ “درج” أن “حل الدولتين هو عبارة عن مخطط أو مقترح من مجموعة من الدول لإنهاء الصراع الفلسطيني-  الإسرائيلي، مبني على مجموعة من القواعد القانونية وقرارات الأمم المتحدة ابتداءً من العام 1948، قرار 181، وهو القرار الأساسي، وقرار الجمعية العامة المتعلق بحل الدولتين، والذي يعني إيجاد كيانين منفصلين: كيان فلسطيني وكيان إسرائيلي، وكل منهما معترف به على المستوى الدولي. وهناك مجموعة من القواعد القانوينة والقرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وكلها تذهب في هذا الاتجاه”. ويشير إلى أن “الممارسات الإسرائيلية تحول دون الوصول إلى اتفاق أو تحقيق هذه الرؤية”.

يضيف سلمودي أنه يمكن النظر إلى شكل الدولة الفلسطينية في إطار حل الدولتين من زاويتين، الأولى القواعد والقرارت الدولية، بمعنى دولة مستقلة ذات حدود وملامح في إطار يشبه إلى حد كبير الأسس التي تقوم عليها الدول بشكل عام. ويمكن النظر إلى شكلها كما يراها الإسرائيليون، دولة ممزقة لا تتمتع بسيادة الكاملة، مع إبقاء بعض المحاور ضمن السيطرة الإسرائيلية، بما فيها الحدود والأراضي ومجموعة المسائل الحساسة، كالسيطرة على المياه الجوفية “.

يشير سلمودي إلى أن “الاعتراف بالدولة الفلسطينية له مجموعة كبيرة من المرجعيات، الأهم والمرتكز الأساسي فيها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد أصبح هنالك عرف دولي وممارسة دولية في هذا الاتجاه أسفر عن اعتراف الكثير من الدول بالدولة الفلسطينية، وأصبحت الآن ترى في هذا الكيان أنه دولة مستقلة على المستوى القانوني”.

يختم سلمودي حديثه بأن “التوسع الاستيطاني واستمرار اعتداءات المستوطنين يعيقان بشكل جوهري الوصول إلى حل الدولتين أو على الأقل وجود دولة فلسطينية مستقلة، فيما يجعل الاستيطان في الضفة الغربية الوصول إلى دولة مستقلة ذات سيادة أمراً مستحيلاً”.

لا بديل عن حل الدولتين

عند توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل” عام 1993 برعاية أميركية ودولية، اعتُبر حجر أساس يفضي إلى تطبيق “حل الدولتين” بعد الاتفاق على ما صار يُعرف بـ” قضايا الحل النهائي”، الأمر الذي وصل الى طريق مسدود منذ سنوات.

ويعني هذا الحل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود عام 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وهو حلٌّ يجب أن يبقى مطروحاً حتى وإن كان غير ممكن التحقيق على مدى قريب، لأنه يستند إلى الشرعية العربية والدولية وفقاً للكاتبة والمحللة السياسية نور عودة في حديث لـ “درج”. 

تؤكد عودة أن تثبيت الحق الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولة وفقاً للرؤية الفلسطينية – العربية، هو ضرورة حتى في ظل ما تمارسه الحكومة الإسرائيلية من تقطيع أوصال للمناطق الفلسطينية، ليبدو هذا الحل مستحيلاً. لكنّ تثبيته مهم بالتوازي مع تثبيت عدم شرعية هذه المستوطنات وهذه الممارسات الإسرائيلية وفقاً للقانون الدولي والإجماع الدولي.

وتنبّه عودة إلى خطورة الانجرار وراء محاولات “إسرائيل” ترسيخ فكرة استحالة تطبيق حل الدولتين، ما يعني فرض حل إسرائيلي يفضي إلى التطهير العرقي والتهجير، وتحقيق الرؤية الإسرائيلية التي ترى في أبجدياتها أن السيطرة على الضفة الغربية أو ما تطلق عليه “يهودا والسامرة” هي هدفها الحقيقي.

وتشدد عودة على ضرورة تثبيت الحق الفلسطيني بإقامة دولته، وهو موقف مدعوم عربياً ودولياً، واستثمار المواقف الدولية التي بدأت تظهر نتيجة الحرب الإسرائيلية غير المسبوقة على قطاع غزة، بما فيها محاكمة إسرائيل في محكمة العدل الدولية ليس فقط لارتكاب جرائم حرب وإنما جلسات علنية بشأن التبعات القانونية الناشئة عن سياسات إسرائيل وممارساتها في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، في سياق طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة الحصول على رأي استشاري من العدل الدولية حول آثار الاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من 57 عاماً.