fbpx

“أوامر قضائيّة” لقمع حرّية التعبير والرأي في العراق 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قضية الجبوري دفعت بمزيد من الأصوات المدنيّة والسياسيّة، للتنبيه إلى “المسار الخطر” الذي تواجهه حرية التعبير والنشر، بل ومنظومة الحريات والديمقراطية والحقوق الدستورية بكاملها في العراق، على يد من يعدّون أنفسهم من ضحايا استبداد النظام السابق، عقب سلسلة من الملاحقات القضائية حصلت خلال أسابيع قليلة، بعضها لشخصيات إعلامية معروفة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صباح الاثنين 26 شباط/ فبراير 2024، اعتقلت قوة تابعة لجهاز المخابرات الصحافي والناشط المدني ياسر الجبوري في مطار بغداد الدولي، حين كان في طريقه ليستقل الطائرة متوجهاً إلى إيرلندا حيث يقيم مع عائلته. الجبوري عراقي الأصل يحمل الجنسية الإيرلندية، عُرف بآرائه المنتقدة للأوضاع السياسية القائمة في العراق.

على الرغم من التزام الجهات الرسميّة الصمت إزاء عملية الاعتقال، أشار ناشطون الى أنها “تمت من دون أوامر قضائية كما يقتضي القانون”، ونوهوا إلى أن التهمة الموجّهة الى الجبوري تتمثل في “ارتباطه بشبكة ابتزاز كبيرة” من دون تحديد الجهة المشتكية، وطالبوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بالتدخّل لإطلاق سراحه. 

ناشدت عائلة الجبوري في إيرلندا عبر بيان، الرئاسات العراقية الثلاث (الجمهورية ورئاستا الوزراء ومجلس النواب) مطالبة بإطلاق سراح الجبوري. وذكرت أنه قصد العراق لزيارة والدته المريضة في المستشفى، وأن عملية الاعتقال تمت من “جهة مجهولة من دون أمر قضائي وعدم وجود شكوى بحقه”. وأشار بيان العائلة الى أن القوة المنفّذة للاعتقال “أهانت ياسر واعتدت عليه بالضرب وعصبت عينيه وقيّدته وتمت مصادرة هاتفه الجوال وجواز سفره ومبلغ مالي كان بحوزته”. 

بعد إثارة موضوع الاعتقال على شبكات التواصل الاجتماعي، وانطلاق حملات للمطالبة بإطلاق سراحه وكشف مكان احتجازه والأسباب الكامنة وراءه، كُشف عن إيداع الجبوري في مركز شرطة الصالحية بالعاصمة بغداد، وتسجيل شكوى ضده من الفريق القانوني لمكتب رئيس الوزراء، وفقاً للمادة 226 من قانون النشر.

ذكرت عائلته في بيانها، أنه مضرب عن الطعام منذ اعتقاله، احتجاجاً على ما تعرّض له، ومنعه من مقابلة أي من أفراد عائلته أو أصدقائه في موقفه بمركز الشرطة، وأنه “أحيل إلى محكمة الأمن الوطني، إلا أن القاضي هناك طلب تحويله الى محكمة النشر باعتبار أن قضيته جنحة تتعلق بقانون النشر، والتي يمكن تكفيل المتهم بها وإخراجه بكفالة. لكن ما حدث وفاجأ الجميع، هو أنه تم تمديد مدة التوقيف إلى يوم الخميس 29 شباط، وهو اليوم الذي حُدِّد لمحاكمته” حسب ما جاء في البيان.

لكن بدلاً من محاكمته، أصدر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني توجيهاً بالتنازل عن جميع القضايا المرفوعة ضد الجبوري، في انعطافة مفاجئة فسّرها مطلعون أنها أتت لتجنب مواجهة دبلوماسية بين إيرلندا التي يحمل الجبوري عراقي الأصل جنسيتها، والعراق، لا سيما بعد تدخّل وزير الخارجية الإيرلندي مايكل مارتن، وتكثيف جهود سفارة البلاد في عمان لإجراء اتصالات مكثفة مع بغداد، والتي يبدو أنها أفضت في النهاية إلى تراجع السلطات العراقية عن متابعة الإجراءات القضائية ضد الجبوري، وإدانته. 

فسّر آخرون تنازل السوداني عن الدعوى بأنه نتيجة حملات الدفاع الواسعة عن الجبوري والتذكير بالحق في حرية التعبير، ووجوب قبول المسؤولين بالانتقادات التي توجّه إليهم، وخطورة العودة الى ممارسات الاعتقال والترهيب التي انتهجها نظام حزب البعث وأدت الى تدمير البلاد. 

يعتقد البعض أن رئيس الوزراء أراد من خلال التنازل، “تلميع صورته وإظهار نفسه متسامحاً مع الآراء المنتقدة لحكومته أو أجهزة الدولة عموماً”، لكن الإجراء الصحيح برأيهم، كان يتمثل في أن “تقرر المحكمة المتخصّصة إسقاط التهم عن الجبوري إن كان بالفعل بريئاً، ولم تكن التهم ملفّقة”.

قضية الجبوري دفعت بمزيد من الأصوات المدنيّة والسياسيّة، للتنبيه إلى “المسار الخطر” الذي تواجهه حرية التعبير والنشر، بل ومنظومة الحريات والديمقراطية والحقوق الدستورية بكاملها في العراق، على يد من يعدّون أنفسهم من ضحايا استبداد النظام السابق، عقب سلسلة من الملاحقات القضائية حصلت خلال أسابيع قليلة، بعضها لشخصيات إعلامية معروفة.

وتتحدّث منظمات معنيّة بحقوق الإنسان وحرية التعبير، عن أن الحكومة العراقية صعّدت من حدة الاعتقالات الموجّهة ضد المعارضين لها أو لأحزاب تشكّلها، لمنع مساهمتها في تشكيل رأي عام يؤسّس لاحتجاجات شعبية كالتي حدثت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، والتي أدت إلى سحب الثقة بالحكومة الاتحادية وإلغاء مجالس الحكومات المحلّية في المحافظات. 

كما يتّهم ممثلو بعض تلك المنظمات، جماعات مسلّحة مرتبطة بقيادات حزبية بارزة، باغتيال معارضين للسلطة (مدنيين وسياسيين) أو اعتقالهم وإخفائهم قسراً أو تهديدهم وإجبارهم على الرحيل عن البلاد أو التزام الصمت، مشيرين بنحو متكرر الى اغتيال الكاتب والمحلل السياسي هاشم الهاشمي، من دون أن تصدر الى اليوم أحكام بحق مرتكبي الجريمة. 

مجلس النواب يهدّد منتقديه

لم يكن مضى على اعتقال الناشط ياسر الجبوري بسبب رأي عبّر عنه، سوى ساعات قليلة، حتى أعلنت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب في بيان صدر عنها يوم الثلاثاء 27 شباط 2024، توجيه رئيس المجلس بالنيابة محسن المندلاوي، الدائرة القانونية لرفع دعاوى قضائية “ضد أي مؤسسة أو فرد يسيء الى البرلمان ونوابه”. وهو ما دفع تحالف الدفاع عن حرية التعبير في العراق إلى إصدار بيان استنكارٍ يصف توجيه المندلاوي، بأنه “غاية في الخطورة لأنه استخدم مفردة – يسيء-  وهي فضفاضة مطاطية، ستُستخدم بالضد من كل شخص ينتقد أو يعبر عن رأي لا يعجب المتنفذين”.

وعدّ البيان توجيه المجلس خرقاً دستورياً وصفه بـ”الكبير” للمادة 38 من الدستور العراقي النافذ لسنة 2005، “وإشارة واضحة إلى وجود محاولات ممنهجة لتقويض حرية التعبير عن الرأي”. وأكد أن “التهديدات وحملات التشهير التي تقوم بها قِوى سياسية بالضد من أصحاب الرأي والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، لا يمكن اعتبارها إلا محاولات تُهدد أسس الديمقراطية في عراق ما بعد الديكتاتورية”.

ودعا البيان الحكومة العراقية إلى “منع أية اعتقالات تعسفية من دون أوامر قضائية، واطلاع الرأي العام على التهم الموجّهة لصُناع الرأي والمدوّنين والصحافيين”.

تواصلت ردود الأفعال الغاضبة على ما يعتقده ناشطون وسياسيون وممثلو منظمات معنية بالدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، تنسيقاً مشتركاً بين الرئاسات الثلاث لقمع حرية التعبير، واتهموها بإصدار قرارات واتخاذ إجراءات كثيرة مخالفة للمادة 38 من الدستور المتعلقة بحرية التعبير. 

وسط الصراع بين مناصري “حق حرية التعبير” وبين الساعين الى تقييدها، من خلال استخدام قوانين سارية من حقبة حزب البعث ولم تعدل، ظهرت منشورات في وسائل التواصل الاجتماعي تدعم ملاحقة من وصفتهم بالمسيئين الى “العراق ورموزه الوطنية”، ويُعتقد أن مصدرها هو ما يُعرف عراقياً بـ”الذباب الإلكتروني”، وهي منصات يديرها مدوّنون مرتبطون بشخصيات وجهات سياسية في السلطات الحاكمة. 

يروي الناشط والباحث سعود غازي، أن بوادر ما يصفه بـ”خنق حرية التعبير في البلاد” ظهرت بنحو خطر ومكشوف في العام 2023، عندما تم الإعلان عبر مجلس القضاء الأعلى، عن محاربة ما سُمي بـ”المحتوى الهابط في الإنترنت”، وتمت على أثره ملاحقة صانعي المحتوى بتهمة “إساءتهم الى قواعد الأخلاق المتّبعة في المجتمع العراقي”.

يقول:”لكن ذلك كان مجرد غطاء، إذ تم تهديد العشرات من المدونين الذين ينتقدون الحكومة المركزية والجهات والشخصيات السياسية، وصدرت أحكام قضائية عدة ضد متهمين، واضطر المئات إلى المغادرة إلى إقليم كردستان أو إلى خارج البلاد”.   

منع رأي بأمر قضائي!

في سياق متصل لما يراه ناشطون تنسيقاً بين السلطات لتقييد حرية التعبير، وجهت المحكمة الاتحادية العراقية في 18 شباط 2024 هيئة الإعلام والاتصالات، بمنع ظهور واستضافة المحلل السياسي يحيى الكبيسي في وسائل الإعلام كافة المرتبطة بها، وتحميل الجهات المخالفة التبعات القانونية في حالة المخالفة. 

حمل كتاب المحكمة الرقم (32/ت.ق/2024/438)، وأُلحق في اليوم التالي، 19 شباط، بكتاب من رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، عبر فيه عن دعمه الكامل لقرار المحكمة الاتحادية لـ”التصدي لكل الظواهر التي من شأنها المساس بالأمن المجتمعي والاستقرار المؤسساتي، فلن نتوانى عن محاربة ظاهرة الابتزاز عبر وسائل التواصل الاجتماعي”، حسبما جاء في الكتاب، الذي وصف الظاهرة أي”الابتزاز عبر وسائل التواصل الاجتماعي”، بأنها “ظاهرة باتت تمسّ بسمعة العراق ومؤسساته والقائمين على إدارتها”.

بناءً على ذلك، دعت هيئة الإعلام والاتصالات وسائل الإعلام كافة، بكتاب رسمي رقمه 3907 في 20 شباط 2023، حمل توقيع رئيس الجهاز التنفيذي د.علي حسين المؤيد، الى منع ظهور الكبيسي واستضافته، وذلك استناداً إلى الصلاحيات المخوّلة للهيئة بموجب الأمر (65)لسنة 2004، واعتماداً على اللوائح المنظِّمة للعمل الإعلامي في العراق. 

ووفقاً لمعلومات تم تداولها صحافياً وأكدتها مصادر مقربة من هيئة الإعلام والاتصالات، فإن قرار المحكمة الاتحادية المسنود رئاسياً، جاء بعد تصريحات أدلى بها الكبيسي في وقت سابق خلال استضافته في برنامج سياسي يُبثّ على قناة فضائية محلّية.

دعا الكبيسي أعضاء مجلس محافظة ديالى إلى عدم التصويت لصالح أحد أبناء رئيس المحكمة الاتحادية القاضي جاسم العميري، وهو شاب يبلغ 28 سنة، رشّحه تحالف سياسي يحمل اسم (نبني) ليشغل منصب محافظ ديالى، شمال بغداد. 

وفي الخصوص ذاته، قدم رئيس المحكمة الاتحادية جاسم العميري، شكوى إلى رئاسة الجمهورية، ضد مصطفى كامل، مدير قناة المركز الخبري على تلغرام، متهماً إياه ومجموعة أخرى من الناشطين، باستخدام “عبارات غير أخلاقية!”.

في المقابل، أصدر مصطفى كامل، في 27 شباط 2024 توضيحاً بشأن شكوى رئيس المحكمة الاتحادية، ذكر فيه بأنها جاءت على خلفية “انتقادنا ترشيح ابنه محمد لمنصب محافظ ديالى”، ثم تساءل: “ما مدى ملاءمة تقديم قاض شكوى بهذا الشكل، وما هو أساس الاتهام؟”.

ونفى مصطفى كامل أن يكون المركز الخبري جهة استغلالية أو انتفاعية، قائلاً: “الحكم الصادر ضدنا وضد المركز في هذه الشكوى لا يعكس قيمنا”.

إجراءات المحكمة الاتحادية أثارت جدلاً واسعاً في العراق، إذ عدّها البعض انتهاكاً للدستور العراقي الذي يكفل حرية التعبير، وأن هنالك محاولات حثيثة لإسكات الأصوات المنتقدة الفساد والمخالفات الإدارية والقانونية، وبما يؤدي عملياً الى ترسيخ ظاهرة الفساد السياسي والإداري في العراق، وقمع أي ردود فعل شعبية إزاءها من خلال استخدام السياسيين سلاح القضاء وتسخيره لمصلحتهم. 

في حين يجدها مقربون من السلطة، ضرورة ملحّة لمنع من يصفونهم بالمبتزّين السياسيين الذي يثيرون عبر تصريحاتهم في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي قضايا بهدف تسقيط شخصيات أو جهات سياسية معيّنة، ويدعون إلى فرض رقابة صارمة على الإعلام وتشريع قوانين لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي. 

ويرى الكاتب عادل كمال، أن توجيه المحكمة الاتحادية كتاباً رسمياً إلى هيئة الاتصالات لمنع شخص من الظهور في وسائل الإعلام، وقيام الأخيرة بتعميم قرار بهذا الشأن على وسائل الإعلام العراقية، “سابقة خطيرة تؤكد بما لا يقبل الشك، أن القضاء العراقي أداة يحركها الساسة كما يريدون، خصوصاً أن سبب منع ظهور الكبيسي الإعلامي، هو انتقاده ترشيح ابن رئيس المحكمة الاتحادية لمنصب محافظ ديالى”.

يؤكد كمال أنه بعد مرحلة داعش “ووأد الاعتصامات والاحتجاجات الشعبية”، تعمل أحزاب السلطة على “إخضاع جميع المعارضين لها أو إسكاتهم، لكي تستمر في إدارة إمبراطورية الفساد عبر سياسة المحاصصة وأذرعها في السلطات الثلاث”.

يقول كمال إن حرباً غير معلنة تخوضها الحكومة ضد المعارضين لها، فـ”قناة العراقية التابعة لشبكة الإعلام العراقي التي تسيطر عليها الحكومة وأحزابها النافذة، لم تعد تستضيف في برامجها الحوارية ونشراتها الإخبارية غير الموالين للسلطة، فتم حجب الصوت الآخر حتى الحيادي، على رغم أن المؤسسة تموّل من المال العام”، مشيراً إلى أن كل اسم يخضع “للموافقة من مراجع حكومية قبل الظهور، في إجراء يذكّر بحقبة البعث”. 

ملاحقة أصحاب الرأي وترك الفاسدين!

في كانون الثاني/ يناير2024، اعتقلت مجموعة من الأشخاص بثياب مدنيّة، الأكاديمي والمحلل السياسي د.محمد نعناع، في منزله بالعاصمة بغداد، بموجب أوامر قبض قضائية بسبب دعوى كان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد أقامها ضده في 9 أيلول/ سبتمبر 2022، وكان السوداني آنذاك مرشح قوى الإطار التنسيقي لمنصب رئاسة الوزراء، وأقام الدعوى بسبب انتقادات تلقاها من نعناع في برنامج بُثّ على قناة دجلة الفضائية. 

وجاء في حيثيات شكوى السوداني، أن نعناع قال: “محمد شياع السوداني شخصية غير وطنية ومتخلف وتفكيره كلاسيكي مرتبط برؤى لا تخدم بناء الدولة”، وأنه “رهين لأربعة قادة في الإطار التنسيقي لا يمكنه الخروج عنهم”.

https://www.youtube.com/watch?v=5lQanhu6R8A\

وقبل اعتقال نعناع بساعات قليلة، كان قد ظهر في نشرة الأخبار لقناة فضائية، أكد فيها صدور أمر قبض بحقه، وحين سأله مقدم البرنامج عن سبب قيام السلطات بملاحقة أصحاب الرأي، أجاب بأن على المرء أن “يطيع مثل الآخرين، ويدخل في نظام قائم مضحك ومقيت، حتى يتركونه”. وأضاف أنهم، أي السلطة، يجربون كل الطرق لإخضاع وكسر من يعارضها، والنتيجة إما أن يطأطئ لهم أو يترك البلاد”. 

وكما حدث مع الاعتقالات والملاحقات التي أصبحت ظاهرة سائدة في البلاد ضد صناع الرأي، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المستقلّة بالتعبير عن رفض اعتقال نعناع، وتصاعدت المطالبات بإطلاق سراحه. إذ عبّر مركز النخيل للحقوق والحريات الصحافية، في بيان أصدره في 15 كانون الثاني 2024، عن القلق البالغ بشأن مصير د.محمد نعناع، وأن “محكمة التمييز قررت تشديد العقوبة بحقّه وعدم الاستدلال بأحكام إيقاف التنفيذ، وذلك إثر اعتراض المشتكي (السوداني) على قرار حكم نعناع بالحبس لمدة ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ” حسب ما جاء في البيان.

وحذّر المركز في بيانه، من “استمرار ملاحقة المعارضين وأصحاب الرأي الآخر وترك الفاسدين ومهدّدي الأمن القومي والسلم الأهلي، فذلك يعطي رسالة سلبية عن وضع الحريات وأمن المواطنين”.

الطريق إلى الدكتاتورية

“انتبه، قد يكون رأيك مميتاً أو يفضي بك إلى السجن”، هذا ما يقوله ناشط مدني من بغداد طلب الإشارة إلى اسمه بحرفي (غ، ب)، ويعلق على عدم إفصاحه عن اسمه قائلاً: “لا أعرف متى ستوجَّه إليّ فوهة مسدس أو تأتي مجموعة لاعتقالي إن عبّرت عن رأيي باسمي الصريح”. يتابع: “هكذا يريدون الأمر، أن نشعر بالخوف ونلوذ بالصمت، حتى يتمكنوا من سرقة ثروات البلاد، وتمتين جذور في كل مفاصل السلطة”.

ويلفت الى أن الناشط ياسر الجبوري “اعتُقل من دون مذكرة قضائية، مع أنه يحمل جنسية دولة أجنبية، وكان قد دخل بها البلاد بعد اتصالات مع جهات قريبة من السلطة لضمان سلامته. وعلى رغم ذلك، تعرض للضرب والإهانة، ووجهت إليه تهمة فضفاضة وهي الابتزاز السياسي، كانت كفيلة بإيداعه السجن مدة طويلة، كما حدث مع العشرات من منتقدي النظام العراقي الفاسد، لكن أُسقطت التهم الموجّهة إليه فجأة!”.

ويتساءل:”هل كان أمر اعتقاله خطأ، لماذا إذاً لا تعتذر الحكومة العراقية عنه بنحو صريح؟ وإذا كان قد اعتقل بالفعل لكونه مبتزاً سياسياً، لماذا أسقطت الحكومة العراقية التهمة عنه، هل لأن الدولة التي لجأ إليها قبل سنوات وحصل على جنسيتها ألقت بثقلها لتخليصه من النظام في بلده الأم؟”.

ويضيف الناشط المدني، أن واقع الحال يشير إلى توجه رسمي منظم لقمع الحريات “وإذا أطلق سراح الجبوري، فهنالك عشرات غيره من أصحاب الرأي ملاحقون موجودون خارج البلاد، فيما قتل آخرون في فترات سابقة”، داعياً إلى الاستعانة بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان للضغط على مجلس النواب لإلغاء القوانين التي تُستخدم لملاحقة أصحاب الرأي، وصياغة قوانين “تكفل بالفعل حرية التعبير”.

يحذر الصحافي عامر القيسي، من التآكل التدريجي المستمر للفسحة الديمقراطية في البلاد، ويقول إن الطبقة السياسية الحاكمة “ضاقت ذرعاً بالآراء الانتقادية التي تطاول سلوكها السياسي والإداري الذي أغرق البلاد بالفوضى والفساد المالي، حتى تشابهت الحكومات التي تعاقبت على الحكم منذ 2005، والتي جاءت الواحدة بعد الأخرى رافعة شعار الإصلاح”.

ويصف الإجراءات الحكومية والقضائية ضد الناشطين وصناع الرأي، بأنها “خطوات باتجاه الدكتاتورية”، مذكراً بأن القوى الحاكمة فرضت، من خلال إقصاءات متوالية، سيطرتها على مجلس النواب، وهي تمضي باتجاه تشريع قوانين تحدّ من الحريات المقرّة دستورياً باسم حماية المجتمع والنظام والمؤسسات.

ويسعى مجلس النواب، بحسب ناشطين وصحافيين، الى تشريع قانون لـ”حق الحصول على المعلومة”، تُضيّق مسودته المقترحة من حرية الوصول على المعلومات وتداولها، وتفرغه من محتواه المتعلق بالآليات الشفافة والديمقراطية، إلى جانب مقترحات لقوانين أخرى “كحرية التعبير والتظاهر”، كلها تأخذ منحى التضييق على الحريات.

ويضيف القيسي، “الدكتاتوريات لا تقوم فجأة من نومها لتستحكم برؤوس العباد والبلاد، فهي تخضع لقانون فلسفي في تحولات الكم الى كيف، أي التحول التدريجي بالقرارات الناعمة التي تشكل بمجموعها تحولاً من النظام الديمقراطي إلى النظام الدكتاتوري، تحت مظلّة صناديق الاقتراع الوهمية”.

أنجز التقرير بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية.