fbpx

رحلات “أوبر” في الأردن غير آمنة…تسجيلات صوت وصورة تنتهك خصوصيّة الركاب 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يوثّق التحقيق خرق شركة “أوبر” العالميّة القوانين الأردنيّة، نتيجة انتهاك السائقين العاملين لدى الشركة خصوصيّة الركاب، بتركيب كاميرات داخل مركباتهم وتصويرهم، من دون الحصول على موافقتهم أو إعلامهم بالتصوير. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تالا أيوب – سلام فريحات – ممدوح حناحنة

يتفقّد الهاتف المُثَبّت أمامه، بعدما لحظ إشعاراً بوجود عميل قريب منه بانتظار سيارة. اضطر محمد (اسم مستعار)، سائق أجرة يعمل على تطبيق شركة “أوبر”، إلى وقف اتصاله بالإنترنت لإجراء مقابلة مع فريق التحقيق. تحت مرآة السيارة بقليل، توجد كاميرا مُثَبّتة على زجاج السيارة. يقول محمد: “هذه الكاميرا تسجّل 24 ساعة… كل شيء مُسجّل”. 

يبيّن محمد أنه عندما اشترى سيارته، كانت مزوّدة بهذه الكاميرا؛ لكنّه ركّب أخرى مشابهة في مركبات أصدقائه، بعد مشكلات تعرض لها، مؤكداً أنهم جميعاً اضطروا -في نهاية المطاف- إلى تركيب الكاميرات. 

رحلات مُسرّبة

 انتشرت في دول مختلفة، عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، مواد مصوّرة عدة لركاب “أوبر” أثناء رحلاتهم، بعضها مُوثّق بالصوت والصورة؛ الأمر الذي أزعج كثيرين من مُستخدمي التطبيق. لكنّ “دافع” محمد لاستخدام الكاميرا، كان جملة من المواقف التي تعرّض لها وشعر فيها بالخطر، وفق قوله.

ذات ليلة، عند العاشرة مساءً، تلقى محمد طلباً لوجهة بالقرب من منطقة سحاب، التي يصفها بـ “المقطوعة”، جنوب شرقي عمّان. أثناء الرحلة، اشتبه في أن الراكب يحمل سلاحاً. طلب من الراكب النزول عند نقطة معينة؛ بعدما تملّكه الخوف من مواصلة الرحلة إلى منطقة غير مأهولة، تبعد نحو 11 كيلومتراً من مركز العاصمة عمّان. الراكب الذي رفض النزول بداية، انهال بالشتائم على السائق، لكنّه نزل أخيراً وانسحب محمد بسرعة من المكان، من دون حتى الحصول على أجره، وفق قوله.

أرسل محمد الفيديوات التي سجلتها كاميرا السيارة إلى “أوبر”، ويضيف: “الفيديوات عبارة عن تصوير الطريق وأنا ماشي عالمنطقة والشوارع اللي أنا مشيت فيها، والباقي عبارة عن حديث صوتي”. بحسب محمد، كانت هذه المرة الوحيدة التي حصل فيها على تعويض من “أوبر” لثمن الرحلة.

محمد واحد من بين خمسة آلاف سائق يعملون لدى “أوبر”، يتشاركون قضاياهم وتساؤلاتهم من خلال مجموعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ لعدم وجود مظلة رسميّة تجمعهم.

نفّذ فريق التحقيق مئة رحلة باستخدام تطبيق “أوبر”، شملت مناطق العاصمة، والزرقاء، والسلط، ومادبا، تركزت معظمها في عمّان” تبيّن أن 12 بالمئة من السيارات مزودة بكاميرات داخليّة، بالإضافة إلى وجود سيارت أخرى مزودة بكاميرات خارجيّة، لكنّها في الوقت ذاته تسجّل ما يدور داخل السيارة من أصوات.

في رحلة من السلط إلى عمّان، التقينا جميل أحمد (اسم مستعار)، وهو لا يخفي استخدامه كاميرا داخليّة. وعن خوفه من احتجاز سيارته أو إيقافه من الأمن، يقول إنه يُفضّل ذلك على أن يتمّ إيقافه بتهمة “التحرش”. 

سوق رائج للكاميرات

يلفت يوسف الجعبري، الذي يعمل في محل بيع أكسسوارات سيارات، الى تنوّع استخدام هذه الكاميرات؛ فمنها ما يُصوّر الطريق الأماميّ، ومنها ما يصور خلفيّة السيارة، بالإضافة إلى الكاميرات التي تُسجّل بالصوت والصورة ما يدور داخل السيارة، مشيراً إلى أن بعضها يصعب اكتشافه لصغر حجمه، وأن جميعها تُسجّل الأصوات الداخليّة، حتى الكاميرات الخارجيّة منها.

أما محمود اليازوري، الذي يعمل في بيع الكاميرات عبر صفحته على “فيسبوك”، فيؤكد زيادة إقبال السائقين على شراء الكاميرات وتركيبها بشكل عام، لكنّه يقول إن سائقي التطبيقات هم الأكثر إقبالاً على شرائها وتركيبها، تجنباً لحدوث سرقات من جهة، ولتوثيق أيّ سلوك مخالف يصدر من السائق أو مستخدم التطبيق من جهة أخرى.

انتهاك الخصوصيّة

قضية واحدة سُجّلت ضد أحد سائقي “أوبر”، الذي صوَّر فتيات أثناء تنفيذ إحدى الرحلات، ثمّ أرسل الفيديوهات إلى مجموعة من السائقين عبر تطبيق واتساب. تمكّنت السلطات بعدها من ضبط السائق، الذي كان يُعلق بألفاظ غير أخلاقيّة أثناء تصوير الفتيات بهاتفه الخلوي. 

يقول المحامي صلاح جابر، إن التصوير داخل المركبات فيه انتهاك للخصوصية؛ إذ ينص القانون على أن استراق السمع والبصر جريمة تستوجب العقوبة: “الشخص عندما يركب وسيلة نقل، يشعر أنه في مكان خاص وآمن، قد يقوم بإجراء اتصال مثلاً أو يُجري حديثاً مع شخص معه ولا يجوز لأيّ أحد تسجيله أو توثيقه أو حتى نشره، والقانون يعاقب كل من ينشر أو يُسجّل”.

قانون العقوبات 348 مكرر

“يعاقب بناء على شكوى المتضرر بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبالغرامة مائتي دينار كل من خرق الحياة الخاصة للآخرين باستراق السمع أو البصر بأي وسيلة كانت، بما في ذلك التسجيل الصوتي أو التقاط الصور أو استخدام المنظار، وُتضاعف العقوبة في حال التكرار”.

يوضح المحامي صلاح جابر الفرق بين سيارات التطبيقات ووسائل النقل العام، في استخدام الكاميرات داخل المركبات وخارجها بالقول: “في وسائل النقل العام، وتحديداً الباص السريع، تثبّت الدولة كاميرات داخلها؛ لكنّ الكاميرات الموجودة في باصات النقل العام هي ملك للدولة، والأخيرة تراقب وتنظم عمل السائقين وفترات عملهم، ومسار رحلاتهم، ولا يملك السائق حق التصرف في تلك الكاميرات، عكس الكاميرات الموجودة في سيارات التطبيقات الذكية”.

امتثال مثير للجدل

بحسب عبلة وشاح، الناطقة الإعلاميّة باسم وزارة النقل، فإن هناك أربعة تطبيقات مُرخّصة لنقل الركاب حالياً، تضيف قائلة: “نمط التطبيقات أو نقل الركاب بواسطة التطبيقات الذكية، هو نمط جديد في المجتمع الأردني، هذا النمط مارس نشاطه بطريقة غير مشروعة في البداية”. 

دخلت أوبر الشارع الأردنيّ منذ عام 2015، ومارست نشاطها على رغم عدم حصولها على ترخيص للعمل حتى عام 2018. بحسب وشاح، فإن الطلب المتزايد على هذا النمط من التوصيل، دفع السلطات الأردنية إلى الاستجابة لترخيص تلك التطبيقات لتسهيل نقل الركاب. فوضع المُشرّع الأردني نظام النقل البري للتطبيقات الذكية، في حين تقول “أوبر” إنها مُشغِّل المنصة الرقميّة التي تربط بين السائقين والركاب، وليست شركة نقل. 

عبر موقعها، تشجع “أوبر” السائقين على تركيب الكاميرات، وهو إجراء -بحسب الشركة- يجعل الرحلات أكثر أماناً ويساعد في تسوية المنازعات، إلا أنها أيضاً تطلب من السائقين الامتثال للتعليمات واللوائح في بلدانهم. 

تحدثنا إلى “مصدر خاص” عمل في “أوبر” لثلاث سنوات -وكان حينها مطلعاً على عمل الشركة في عشرات الدول- فأخبرنا أن امتثال “أوبر” للقانون يُعدّ أمراً مثيراً للجدل؛ فهي تبدأ بشكل مخالف للقانون، ثم تتوسع وبعدها تمتثل للقانون بحده الأدنى، وفق المصدر.

وبحسب “المصدر الخاص” أيضاً، تَعِد أوبر السائقين في البداية بفرص عمل جيدة وبدخل أكبر، لكن مع حصولها على الترخيص في الدولة التي تعمل بها، تبدأ هذه الأحلام بالتلاشي؛ فترتفع نسبة اقتطاع الشركة من أجر السائق، ويواجه مستقبلاً مجهولاً، مضيفاً: “على رغم تحفّظي على تركيب الكاميرات، إلا أنني أتفهّم قيامهم بذلك، السائقون لا صوت لهم، لا منبر يتحدثون من خلاله ولا أحد يراهم”.

حجب تعسّفي وحماية هشّة

سائقون كُثر ممَن قابلناهم أثناء العمل على التحقيق، أكّدوا أن “أوبر” لا توفر لهم أيّ نوع من “الحماية”، فوجدوا في توثيق الكاميرا سلاحاً يحميهم. لا تقف مخاوف السائقين عند النزاعات القضائيّة أو الادّعاء وخسارة الأجر المادي؛ بل إن خوفهم الأكبر من فقدان العمل مع الشركة، بعدما دفعوا رسوم الترخيص، والتزم بعضهم بقروض طويلة الأمد لشراء سياراتهم. 

حسين (اسم مستعار)، سائق بدأ بالعمل مع “أوبر” بعدما حصلت على ترخيص العمل عام 2018، إلا أنه تعطّل عن العمل لأكثر من عام، إثر شكوى بالتحرش قدمتها إحدى الراكبات؛ فحجبته الشركة (بلوك) مباشرة، وفق روايته.

الشركة بحسب حسين، تُقدّم مصلحة الراكب على السائق: “يعني بشكل عام، أيّ راكب بشكي على أيّ سائق، بيوقفوه بأسهل ما يمكن، يعني ما بيرجعوا للكابتن، مباشرة بيصدقوا العميل وبينهوا عمل الكابتن”.

الناطق باسم اللجنة المُوحدة للتطبيقات الذكيّة، لورنس الرفاعي، يمثل نحو خمسة آلاف سائق من “أوبر”، ونحو 13 ألف سائق يعملون على التطبيقات المختلفة. عمل الرفاعي مع “أوبر” قبل حصولها على الترخيص، يتحدث عن تلك الفترة بالقول: “كانت تلك أيام المصيدة، وقعنا في الفخ”.

 يشير الرفاعي إلى العائد المادي المرتفع للسائقين في بداية الأمر، بالإضافة إلى انخفاض نسبة اقتطاع الشركة وقتها، عمّا هي عليه الآن؛ عوامل دفعته إلى الاقتراض من البنك لشراء سيارة. لكن سرعان ما انتهت “أيام العسل” مع الشركة، بعد وصول عدد مُقدمي الخدمة إلى خمسة آلاف لكل شركة، وفق الرفاعي.

يحاول الرفاعي، الناطق باسم اللجنة المُوحدة للتطبيقات الذكيّة، إيصال صوت السائقين بشكل غير رسميّ الى الجهات المعنية، مطالباً بتخفيض نسبة الاقتطاعات التي وصلت إلى أكثر من 20 في المئة من قيمة ما يحصل عليه السائق، وزيادة العمر التشغيليّ للسيارات. 

وعن مسألة حجب السائق، يقول الرفاعي إن الشركة لا تتحقق أبداً من شكوى العميل، وتوقف السائق مباشرة عن الخدمة، على الرغم من الأعباء الماليّة التي يتحملها من أقساط البنوك وغيرها.

   تسجيلات “أوبر”: حماية للسائقين أم إدانة؟

صلاح جابر، الخبير القانوني، يقول إن السائق بإمكانه تقديم التسجيلات كبيّنة أمام المحكمة، شريطة أن تكون قد تمّت بطريقة قانونية، ويُستدعى خبير لتفريغ تلك الكاميرات. يضيف جابر: “لكن على الرغم مما توفره هذه الأدلة في هذه القضية، إلا أنها لا تمنع الطرف الآخر لاحقاً من تقديم شكوى”.

تصنف “أوبر” السائقين كشركاء، تقوم بدور الوسيط بينهم وبين الركاب، وليس كموظفين لديها؛ وبالتالي تتنصل من مسؤولية ما ينتج منهم من تصرفات وسلوكيات. لكنّ الخبير القانوني صلاح جابر، يؤكد أن الشركة تتحمل قدراً من المسؤولية، إذا علمت بتركيب السائقين كاميرات داخل سياراتهم، ويجب عليها تنبيه السائقين بضرورة وقف هذه الكاميرات.

توجّه فريق التحقيق إلى هيئة النقل البريّ لمعرفة دورها الرقابي على مقدمي خدمات التطبيقات الذكية. الدكتورة عبلة وشاح، الناطقة الإعلاميّة باسم هيئة النقل، قالت إن الهيئة غير معنية بـ “سلوكيات وأخلاقيات السائقين”، مؤكدة أن الهيئة معنية فقط بوجود مستوى خدمة لائق، من خلال النظام الرقابّي لدى الشركات.

وحول تركيب الكاميرات داخل السيارت، ذكرت وشاح أن الهيئة لا يوجد لديها تشريع يمنع تركيب الكاميرات الداخليّة: “هذه سياراتهم الخاصة، تقدم الخدمة، والسائق قد يصطحب نحو عشرة ركاب أو خمسة عشر راكباً يومياً، ولكل راكب سلوكيات مختلفة، وقد يتعرض السائق للتبلي من الراكب، لذلك فهو يحمي نفسه”. 

وأكدت وشاح أن الهيئة لم يصلها أيّ شكوى في ما يتعلق بتركيب الكاميرات، مشيرة إلى أنه في حال وصول شكاوى، ستُراجع مسألة وجود الكاميرات داخل السيارات من الناحية التشريعيّة.


وضعت هيئة النقل البرّي في نهاية عام 2017، تعليمات تنظيم نقل الركاب باستخدام التطبيقات الذكيّة، لتلزم المادة الخامسة بعد تعديلها إلى مسؤولية الشركة المُرَخّص لها عن سلوك وأخلاقيات مقدّمي الخدمة؛ فتكون الشركة مسؤولة عن “متابعة أداء مقدّم الخدمة وتتحمل المسؤولية عن أعماله وسلوكه، والأضرار الناشئة عنها خلال مدة تقديم الخدمة”.


توجهنا إلى مقر شركة “أوبر” بالعاصمة عمّان، لمواجهة الشركة بما توصل إليه التحقيق بشأن اختراق خصوصية الركاب، عن طريق الكاميرات الخارجيّة والداخليّة التي يستخدمها سائقو أوبر. أخبرنا المسؤول هناك بأن المكتب في الأردن هو مكتب تقديم دعم فقط، وأنه غير مخول للإجابة عن استفساراتنا، لكنه زودنا بمعلومات الاتصال بمكاتبهم في مصر.

السائق خارج الحسابات وخصوصية الراكب مهددة

يقول الناطق باسم اللجنة المُوحدة للتطبيقات الذكيّة، لورنس الرفاعي، إنهم طالبوا مراراً بتركيب كاميرات داخليّة؛ إلا أن طلبهم قوبل بالرفض. ويرى الرفاعي ضرورة السماح بتركيب الكاميرات، على أن يصل إشعار لكل راكب بوجود “كاميرا مراقبة”، متهماً الشركة بتجاهل مطالب السائقين وعدم الاهتمام بتوفير الحماية لهم.

عبر البريد الإلكتروني، أرسلنا لشركة أوبر خطاباً، نسأل مسؤولي الشركة عن استخدام سائقيها للكاميرات داخل سياراتهم، ما يُعدّ انتهاكاً لخصوصية مستخدمي هذه التطبيقات؛ لكن لم نتلقَ رداً حتى تاريخ نشر وبث هذا التحقيق.