fbpx

من “الاختيار” إلى “الحشاشين”… دراما  التاريخ المُزيّف

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منذ مسلسل “الاختيار” بأجزائه الثلاثة إلى مسلسل “الحشاشين”، ثمة ما يدفع الى تأمّل نتاج احتكار السُلطات الإنتاج الفني وتقديمها سردية للتاريخ قائمة على الطاعة فقط، سردية تخبرنا أن على الواحد منا الاختيار بين أن يكون على طرف السلطة، أو على الطرف المعادي لها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يعد التاريخ الذي تريد تصديره السلطات في العالم العربي معنياً بالحقيقة أو بالزيف، ولم تعد حتى كلمة التاريخ تحمل دلالة على حدوث شيء في الماضي القريب أو حتى البعيد. المهم الآن بالنسبة الى الأنظمة العربية هو استدعاء التاريخ بوصفه منقسماً بين الخير أو الشر، والخير في اتّباع السُلطة، والشر هو تاريخ آخر وليكن اسمه تاريخ الخراب.

 “تاريخ الخراب” نتاج العصيان والتمرد على أي سُلطة، وإن  كان هناك زمن خاص، وتاريخ خاص قد ينجّي من المهالك، فهو تاريخ الأمر والطاعة، تاريخ ربما لم يكن موجوداً بالأساس أو ربما وُجد لكنه يحثّ على الأمر والطاعة فقط.

 منذ مسلسل “الاختيار” بأجزائه الثلاثة إلى مسلسل “الحشاشين”، ثمة ما يدفع الى تأمّل نتاج احتكار السُلطات الإنتاج الفني وتقديمها سردية للتاريخ قائمة على الطاعة فقط، سردية تخبرنا أن على الواحد منا الاختيار بين أن يكون على طرف السلطة، أو على الطرف المعادي لها، والذي لا يتبعه سوى هلاك الفرد وما يؤمن به، لذا لا تبحث هذه المسلسلات عن التنكيل بالإسلام السياسي فقط، بل أي طرف يقف معادياً للسُلطة.

سردية الزمن الخاص

من مسلسل “الاختيار” بأجزائه الثلاثة إلى مسلسل “الحشاشين”، ثمة إشارة الى ما يجب أن نعرفه من التاريخ، إذ لا تناقش هذه المسلسلات أزمة وجود الإسلام السياسي أو بمعنى أكثر دقة وجود الجماعات الإسلامية.

هذا الـ”لا نقاش” يعني أن ما يجب معرفته من التاريخ والإيمان به من دون أي مقاومة، هو أن السُلطة على مر التاريخ كانت هي التي تلمّ الشمل، شمل التفتت والفتنة التي تحركها مجموعة صغرت أو كبرت، تمثل الطرف الذي لا يجب الانضمام إليه.

هذا الطرف بما أجراه من تمرّد وعصيان، ألزم السُلطة على صناعة تاريخ خاص، تاريخ بالتبعية يعرف نفسه على إنه زمن عام يخص الجماهير، لكنه في الحقيقة زمن خاص للغاية، يتعلق بالسُلطة وحدها.

الزمن الخاص الذي تقدمه السُلطة على أنه زمن عام يهمه شيء واحد بعينه، وهو الزمن التالي للحدث، ليس زمن الحدث نفسه، لذا لا يهم تقديم التاريخ بما كان عليه، بل بما يجب أن يكون عليه في المستقبل في وعي الجماهير.

من الموقف السابق، يمكن قراءة الجملة المكتوبة على ملصق مسلسل “الحشاشين”، والتي تقول” أباطيل وأبطال… من وحي التاريخ” تعبر تماماً عن هذه الرغبة، واللافت أن أحد معاني كلمة “الوحي” في معجم المعاني هو “كلُّ ما أَلقيتَهُ إِلى غيرك ليعلَمَه”.

 ما تريد السُلطة أن نعلمه من التاريخ هو أن أي وقوف ضدها يعد عصياناً للأمان والعدل، أو كما قيل في الحلقة الثانية من “الحشاشين” على لسان حاكم سمرقند: “أنا مهمتي إن الناس تعيش في عدل وأمان بس”، بالتالي أي مطالبة بما هو أبعد من العدل والأمان ستكون امتداداً لتاريخ الخراب. 

ما يؤكد رغبة السُلطة في ذلك، هو تحييد شكل الجوار والصراع، والتركيز على  ثنائية الخير والشر، والشر هو الوقوف على الطرف المقابل للسُلطة والخير مكانه معروف بالضرورة، وهو الوقوف بجوار السُلطة، والتسليم بأن واجبها هو العدل والأمان والإطعام، وأي مطالبة لحياة فيها حرية أو فكر تعد شراً وانفلاتاً.

الثنائية السابقة تتضح من ظهور “عمر الخيام” بشكل أقرب إلى الكوميديا بعيداً من المأساة التي اختبرها نتيجة موقفه من السلطة، في انعكاس لصورة المنتقدين “المُباحة” بوصفهم غير جديين، ولا يعوّل على انتقادهم.

يتّضح موقف منتقدي الزيف “الكوميدي” في تجاهل المشاكل الحقيقية النابعة من خضوع الإنتاج الثقافي للسُلطة، والاكتفاء بالقول إن هذا التاريخ زُيِّف، والصراخ بوجه هذا التزييف، والوقوف عند لحظة ماضية، والاكتفاء بالحنين الى تلك الأيام بشكلٍ رومانسي، من دون أي محاولة للتحرك للأمام والاشتباك، أو حتى النظر إلى التاريخ نفسه، وعدم محاولة فهم لماذا أضحت الكفة التي يطب لها الميزان هي كفة السُلطة.

الحنين إلى الزمن الضائع

عندما تذاع هذه الأعمال التاريخيّة المزيّفة أو ينوه بها، تجد كتيبة من “الثوار القدامى” يصرخون ويبكون على تزييف التاريخ، أو يكتفون بالتنويه بأنهم حاولوا وفشلوا.

 تعاملهم مع الزمن الخاص الناتج من السُلطة  نتاج الحنين لما فعلوه، الحنين إلى اللحظة من دون أي محاولة لفحصها عن قرب، ومعرفة الأسباب التي وصلت بهم إلى أن أصبحوا مرتبطين بتاريخ الخراب فقط.

الأكثر رعباً هو أن “الثوار” الذين شاركوا في الحدث لا يحاولون إدراك أن هذه الأعمال موجهة لهم تحديداً دون غيرهم، البعض منهم يحتفي بمستوى عمل مثل “الحشاشين” ويدافع عن كاتب السيناريو بأن من حقه أن يتلاعب بالتاريخ كما يريد.

هذا الاحتفاء يأتي في لحظة تكشف عدم وعيهم بأثر الخطاب الرسمي نفسه على ما فعلوه، ذاك الذي يسعى الى صنع زمن خاص لمعاداة زمن لحظتهم الخاصة.

 تكشف هذه الأعمال رغبة السُلطة في السيطرة، وهذا طبيعي. لكن الأزمة تكمن في ما تظهره هذه الأعمال من رد الفعل من جانب الطرف المعني بهذه الرغبة، إذ تجد “الثوار القدامى” يكتبون منوهين بأهمية عمل مثل “الحشاشين”، وهو عمل على المستوى الدرامي والفني ضعيف للغاية، أما على مستوى الخطاب بالتبعية كما أشرنا سابقاً، فلا يبحث إلا عن صنع زمن خاص ليؤثر على المستقبل.

يأتي ذلك فيما تكتفي النخب الثقافية بأن تغشي عينها عن الماضي وحتى عن المستقبل الذي تصنعه السُلطة عبر سيطرتها على الإنتاج الثقافي، وتكتفي فقط بالحنين والصراخ والبكاء على اللبن المسكوب.

سلط عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (1930- 2002) في كتابه “عن التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول”، الضوء على الشرعية التي تضفيها السُلطة عبر احتكارها الإنتاج الثقافي وبث أيديولوجيا بعينها، تقتصر على ما تفعله السُلطة، من دون الالتفات إلى ما يجب أن تفعله الجماهير إيذان رغبة السُلطة.

 ربما ما يجب فعله  من جانب هذا الطرف، المُنتقد، هو التمعن في اللحظة وما آلت إليه، وإنتاج مقابل لهذا الاحتكار الثقافي الذي سيستمر إلى عقود ما دام التعامل معه يتم تبعاً لمنطق الرومانسية والحنين، وليس المستقبل.

جلبير الأشقر - كاتب وأكاديمي لبناني | 06.05.2024

بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قضيّته 

ظهور حركة جماهيرية متعاطفة مع القضية الفلسطينية في الغرب، لا سيما في عقر دار القوة العظمى التي لولاها لما كانت الدولة الصهيونية قادرة على خوض حرب الإبادة الراهنة، يشكّل تطوراً مقلقاً للغاية في نظر اللوبي المؤيد لإسرائيل.