fbpx

‏6 أشهر من حرب الإبادة على غزّة… انتصار اصطناعيّ لا يصدقه أحد! 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

اعتقل آلاف الفلسطينيين والفلسطينيات منذ 6 أشهر إلى الآن، وطبق بحقهم إجراءات قاسية تصل حد الإذلال والتعذيب، كما عُدلت القوانين على مقاس الأمن، ناهيك بقتل نحوالى 20 معتقلاً في ظروف غير إنسانية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ستة أشهر مضت ونحن في قطاع غزة نعيش ‏هذا الإحساس القاتل بانتظار الأسوأ، نغرق في الوحدة والعجز عن التفكير، ستة أشهر  من الخوف والفراغ خلال أيام طويلة لا تنتهي،  يرافقها ليلاً أرق وخوف ومحاولات النوم باكراً هرباً من القادم.

ستة أشهر مضت وزبيدة (20 عاماً) تعيش معنا في البيت نازحة وحيدة، فوالدها ووالدتها وإخوتها وأخوالها قُتلوا جميعاً بصاروخ دمّر حياتها قبل أن يدمّر بيتهم. زبيدة هي الناجية الوحيدة من العائلة. تعافت زبيدة من إصابتها، وعادت تمشي بواسطة جهاز ببطئ، زبيدة تبكي من دون أن تنام ليلاً.

يوم الأحد، أكملت الحرب شهرها السادس، لكن أهوالها ما زالت قائمة، لا أعرف كيف مضت الأيام والأشهر، نصف سنة مضت من حرب الإبادة والقتل والتدمير والتجويع. 

التجويع الجماعي باعتباره محظوراً أخلاقياً قبل أن يكون قانونياً، هو أحد أركان الإبادة الجماعية، ومن  المفروض أنه يقوّض حجج إسرائيل في “الدفاع عن النفس”، والتي زعمت أن الغاية تبرر الوسيلة، وهو للمناسبة ادعاء خبيث وغير صحيح. 

تناولت عشرات الدراسات والمناقشات حول فلسفة الأخلاق، مسألة حدود المسموح من الناحية الأخلاقية والنفعية أثناء “الحرب”، وحتى لو لم يكن هناك اتفاق نظري حول مكان وجود الحدود، فهناك اتفاق على وجود حد يُختصر بعدم التسبّب بمعاناة الإنسان.

كل الحجج والنقاشات تبقى نظرية ومن دون تطبيق واقعي، وبعيدة من تقييم أخلاقية إسرائيل، وسياسات الاحتلال القائمة على المحو والطرد والتهجير القسري، والعنصرية ونظام الأبارتهايد والسيادة والفوقية اليهودية.

اليوم، انتهت “المناورة البرية العسكرية” في غزة، بعدما أنهى الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية في خان يونس، التي استمرت لـ4 أشهر من التدمير والخراب والقتل، وإجبار أكثر من نصف مليون فلسطيني على النزوح الى رفح ومغادرة بيوتهم.

يرى بعض المحلّلين الإسرائيليين أن الانسحاب من خان يونس يعني انتهاء القتال الكبير الذي استمر  6 أشهر، كما سيواصل نتانياهو  وغلمانه تسويق  “الدخول إلى رفح”، و”الضغط العسكري المستمر لعودة المختطفين”، و”النصر المطلق” و”تفكيك حماس”. لكن معظم الجمهور الإسرائيلي يفهم بالفعل أن الأمر قد انتهى. 

لن تتمكّن حكومة نتانياهو بعد الآن من تحقيق أهداف الحرب التي وضعتها لنفسها. والأسوأ من ذلك، أنها تخرب إنجاز هذه الأهداف عن عمد.  هي تعرقل صفقة الرهائن، وتخلق أزمة عميقة مع الولايات المتحدة والعالم أجمع، ناهيك بأنها غير قادرة على الإطاحة بحكومة حماس واستبدالها بحكومة أخرى خاضعة لها، شرعية وفعالة. يمكن القول إن الحكومة منخرطة في عملية مصطنعة.

 إطالة أمد “الحرب” تحوّلت إلى سياسة ضارة كما أشار بعض المحللين الإسرائيليين، وتحولت إلى  كذبة لممارسة الضغط العسكري على قطاع غزة، لكن لم تعد تنطلي على أحد هذه الدعاية.كما أن مصطلح القضاء على حماس لم يعد له رصيد.

خروج آخر الفرق العسكرية من القطاع وزيادة المساعدات الإنسانية وكثرة التباهي غير الواقعي بأن الضغط العسكري سيعيد الأسرى، ذلك كله يدلّل على أن حماس لم تنهار وأن نتانياهو غير قادر على تغيير صورة الواقع في غزة.

بدأت حرب الإبادة قبل ستة أشهر، إذ قتل الجيش الإسرائيلي خالتي وغالبية أفراد أسرتها، وابن أختي، وأقاربي وأصدقائي وعائلاتهم، وارتكب مذابح مروعة.

كما اعتقل آلاف الفلسطينيين والفلسطينيات منذ 6 أشهر إلى الآن، وطبق بحقهم إجراءات قاسية تصل حد الإذلال والتعذيب، كما عُدلت القوانين على مقاس الأمن، ناهيك بقتل نحوالى 20 معتقلاً في ظروف غير إنسانية.

التباس القانون الدولي أمام 30 ألف قتيل 

التقيتُ الأسبوع الماضي، مع كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في قطاع غزة، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، السيدة سيغريد كاغ، في مركز عمليات وكالة الغوث بمدينة رفح. تمحور الحديث مع كاغ حول انعدام الأمن والأمان والتهجير القسري وازدواجية المعايير وعدم تطبيق قرارات الأمم المتحدة. والمضحك المبكي هو تشتّت منظومة القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في ما يخص الفلسطينيين، وظهور التفسيرات المختلفة لأحكام القانون الدولي، فكل طرف يفسر القانون حسب رغباته!، لكن ما لا شك فيه، أن أكثر من 30 ألف غزيّ قتلوا.

 وما زال آلاف الفلسطينيين والفلسطينيات معتقلين بشكل غير قانوني، وهناك أحاديث عن تعرض بعض  النساء المعتقلات للتحرش الجنسي والاغتصاب وسوء المعاملة والتعذيب بناءً على شهادات المعتقلين المفرج عنهن. 

لا يمكن تبرير جرائم إسرائيل المروّعة بأي شكل من الأشكال، فمنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر،  دمّرت إسرائيل قطاع غزة المحاصر، وأعادت حصاره مرة أخرى، وقصفت بوحشية عائلات بكاملها مُسحت من السجل السكاني وعشرات الآلاف من الفلسطينيين داخل منازلهم، مستخدمة عن قصد برامج الرقابة والقتل بالذكاء الاصطناعي.

6 أشهر وأكثر من 30 ألف قتيل، لم تغيّر الموقف العالمي من إسرائيل بصورة حازمة. لكن  ‏بعد استهداف 7 من متطوعي منظمة “المطبخ المركزي العالمي” بصورة مباشرة، بدأ العالم الغربي يشعر بالقلق، إذ قتل 6 “أجانب”، وهنا بدأ الضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات، وقرر مجلس الأمن لحقوق الإنسان تعليق بيع السلاح لإسرائيل.

ثلاثة من المتطوعين الـ6، يحملون الجنسية البريطانيّة، ما دفع رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، إلى  المطالبة بوقف الحرب والتوصل إلى وقف إطلاق النار بشكل عاجل، ووضع حد للقتل الجماعي والمجاعة في غزة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. 

يشكّل موقف سوناك وإصراره مفارقةً، كونه مصدوماً من إراقة الدماء في غزة، والتي لم تحركه إلا عندما اغتالت ماكينة الحرب الإسرائيليّة 3 من مواطنيه،  الماكينة التي تُعتبر بلاده شريكة في “عمله”.

الجيش الإسرائيلي يحقّق مع نفسه!

أصبح من السخيف تكرار  حل الدولتين بعد حرب الإبادة وجعل حياة الفلسطينيين في غزة مستحيلة، وخلق واقع غير قابل للحياة.

‏ما حصل خلال  الأشهر الستة الماضية مرعب، ولا أحد يهتم، إلا أن “العالم” أصابته الدهشة وأدان قتل موظفي الإغاثة من “المطبخ العالمي المركزي”، وطلب من إسرائيل الإسراع في تحقيق محايد ومستقل. “العالم” ذاته الذي بقي يتفرج بعدما أُطلقت أيدي الجيش للقتل في غزة من دون أي حساب لحياة البشر. المفارقة الثانيّة أن “العالم” يطالب بالتحقيق في مقتل عمال المطبخ، لكن الجيش يحقق مع نفسه.

ذكرت صحيفة هارتس عن مصادر في الجيش والاستخبارات، أن متطوعي المطبخ العالمي قتلوا بسبب عدم التزام الضباط والجنود بالتعليمات، وليس بسبب غياب التنسيق، وكأن الجميع يعمل وفق ما يحلو له.

‏يتساءل كثيرون، لماذا قتلت إسرائيل موظفي الإغاثة في غزة؟ الإجابة واضحة، إسرائيل ثور هائج تُرك ينطح في كل مكان من دون رادع ولا محاسبة، وهو  السبب ذاته الذي ترك لقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين بوصفهم “أضراراً جانبية”. 

هدف الجيش الإسرائيلي من حرب الإبادة هو تدمير حماس، ‏والجميع في إسرائيل وفي مقدمهم السياسيون والخبراء والباحثون والمعلقون العسكريون والسياسيون، يؤيدون ويتحدثون بصراحة ومن دون خجل عن ضرورة الحرب. وبهذه الطريقة من سيُجبر إسرائيل على التحقيق في مقتل 33 ألف فلسطيني واستمرار حرب الإبادة بأشكال مختلفة؟ ومن الذي سينصف الفلسطينيين والضحايا ومحاسبة مرتكبي الجرائم؟

أدرك صعوبة السؤالين السابقين في ظل عالم غير متجانس، وازدواجية المعايير والدعم المطلق لإسرائيل، وقد يبدو من السخافة تكرارهما والحديث عنهما، لكن على العالم ألا يصمت.