fbpx

“سحل”محامية أمام المحكمة الجعفرية… ألم تعد الفضيحة تردع المُعنّف؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعنيف وسحل وإهانة محامية أمام المحكمة الجعفرية ليس مستغرباً، وهذه هي المشكلة. إذ أصبحت قضايا التعنيف عادية لتكرارها، ما يتركنا أمام الكثير من الأسئلة، يلخصها مشهد حرس المحكمة وهم يتأملون الاعتداء، وتبريرات “هذه زوجته”!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انتشر يوم أمس على مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو لضرب و”سحل” المحامية سوزي أبو حمدان أمام المحكمة الجعفرية في المشرفية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتبين أن  أبو حمدان، تمثل زوجة المعنف أمام المحكمة.

حصل الاعتداء على مرأى من العامة وحرس المحكمة، الذين لم يحركوا ساكناً دفاعاً عن محامية تعرضت للعنف، بل “تأمّلوا” كيف حاول المعتدي ورجل معه، سحب ملفات المحامية من يدها.

وثّقت الإعلامية نادية أحمد الاعتداء، بالإضافة إلى انتشار فيديوهات عدة تظهر ما تعرضت له المحامية، إذ تبيّن أن “السحل” استمر لبضع دقائق. لكن اللافت والمأساوي، هو  تبرير أحد الموجودين الاعتداء بكلمة “هاي مرته”، معتقداً أن المحامية هي زوجة المعتدي، أي أن الضرب مبرر لو أقدم الزوج على تعنيف زوجته. لترد أحمد على أحد الشهود: “وإذا مرته بيحقلله يعنفها؟”. 

وأكدت المحامية أنها رفعت دعوى ضد المعنف على الفور بعد تدخل النقابة، وعمل مخفر الطيونة على فتح تحقيق بالقضية.

ما الذي يحدث في الخفاء؟

تعنيف وسحل وإهانة محامية أمام المحكمة الجعفرية ليس مستغرباً، وهذه هي المشكلة. إذ أصبحت قضايا التعنيف عادية لتكرارها، ما يتركنا أمام الكثير من الأسئلة، يلخصها مشهد حرس المحكمة وهم يتأملون الاعتداء، وتبريرات “هذه زوجته”!

مشهد الاعتداء يحرك سؤالاً على شاكلة إن كان المعنف يسحل ويضرب ويهين أمام العامة، فماذا يفعل في الخفاء؟ و إن كان المعنف يبيح لنفسه ضرب محامية لأنها تدافع عن زوجته أمام محكمة تميل الى صالحه، فكيف يمكن أن يتصرف مع زوجته؟

السؤال الأهم مفاده، إن كان المعنف لا يأبه لوقوفه أمام محكمة ريثما يمضي بممارسة العنف تجاه المحامية، فكيف تحولت محكمة تبت بقضايا الأحوال الشخصية، منها قضايا العنف الأسري، إلى مؤسسة لا يهاب رجل أن يمارس العنف أمام بابها مباشرة؟  

ليس مستغرباً أن تتعرض امرأة للتعنيف أمام المحكمة الجعفرية، فالعنف خارج أسوار المحكمة يمكن اعتباره امتداداً لتطبيع العنف داخل المحكمة، لا بل والحثّ عليه في كثير من الأحيان. إذ تتخذ قرارات المحكمة الجعفرية وقوانينها، كسائر المحاكم الدينية، منحى مُطبعاً للعنف، يتغاضى عن الجرائم التي تحصل داخل البيوت المغلقة حتى انتقلت هذه الجرائم إلى الشوارع العامة المفتوحة، ألم تمنع المحكمة الجعفرية ذاتها إيمان الحاج لأشهر من السفر إلى كندا لملاقاة أبنائها؟ ألم تصدر المحكمة نفسها الكثير من الأحكام القاضية بحرمان أمهات من أطفالهن تحت طائلة السجن في حال التمنع!

المحاكم في لبنان ما زالت قاصرة عن إنصاف المرأة، مثلاً، على الرغم من إلغاء قانون “جرائم الشرف”، ففي قضية منال عاصي، حكم على زوجها بخمس سنوات في السجن، من ضمنها مدة التوقيف. صحيح أن المحكمة أثبتت أن زوجها قتلها، لكن منال اتُّهمت بـ”الزنى”، وخُفف الحكم بحجة أن الجريمة كانت إثر فورة غضب مر بها القاتل، فورة غضب استمرت 7 ساعات!

جرائم كثيرة “التبست” ربما على المحكمة فداحتها، والنتيجة تأجيل المحكمة البت بقضايا تحمي النساء من العنف في مجتمعاتهن الضيقة، كقضية إخلاء سبيل زوج رلى يعقوب الذي اتهمته عائلتها بقتلها.

هل العنف ضد النساء “مؤسساتي”؟

هذا التغاضي المستمر أباح “مأسسة العنف”، التي تتجلّى في المؤسسة الأولى، وهي العائلة أو الزواج، عندما تتعرض النساء للعنف على يد أفراد من عائلاتهن.  ثم ينتقل إلى المؤسسة الثانية، وهي المحاكم التي ترفض حماية النساء اللواتي تعرضن للعنف.

النتيجة،  تصبح المؤسسات الدينية والقانونيّة مُعنِّفة بحد ذاتها، وشريكة بالعنف المباشر على النساء، إما بالتغاضي عن عنف يمارسه الرجال تفضحه جلسات المحاكمة أو بالتغاضي عن عنف يمارسه الرجال أمام المحكمة ولا يردعه أحد، كحالة سوزي أبو حمدان. 

لم يرتعد المعنّف أمام عدسة الكاميرا التي وثقت في مكان عام اعتداءه على محامية وبوجود شهود عدة، كانت “فورة غضب” لم يهدّئ من روعتها التوثيق ولا تجمُّع الناس ولا الدهشة التي أحاطت بهم. لم يخجل من فعلته. ولم يخف من تصويره واستخدام الفيديو  وتجمهر الناس حوله كأدلة ضده أمام القضاء. بل رأى أنه “رجل” يمكنه أن يعنف من دون حساب.

لا شك في أن حالات العنف ضد النساء كثيرة وتتجلى بأشكال عدة. لكن على رغم اختلاف هذه الحالات، دائماً ما يفرض الواقع وظروف التعنيف روادع أمام المعنف ليحفظ صورته أمام الناس. ليكون معنفا سرياً، لا يفضح إلّا بالشكوى، إذ يتوارى عن أعين المارة إلى حين تتلاشى التهم الموجّهة إليه خوفاً من العقاب.

 لكن المعنِّف هذه المرة لم يخش الكاميرا ولم يهرب من التوثيق. وجد نفسه مُعنفا علانيةً، “يبتسم للفلاش” بينما يضرب امرأة أمام أعين المارة. وينادي من يعينه على استكمال مخططه، فهل ولى زمن الرادع الاجتماعي للمعنف؟ 

توالت حالات العنف الأسري على مر السنوات الأخيرة في نشرات الأخبار، وارتفعت أرقام حوادث الاعتداء والقتل، لكن حرص  وسائل الإعلام على تغطية قضايا النساء، لم يهدد المعنفين أو يردعهم، حتى مع نشر صور وأسماء ومعلومات عنهم. إذ أعلنت منظمة “أبعاد” اللبنانية، ارتفاع نسبة جرائم قتل النساء في لبنان في العام 2023 بمعدل 300 في المئة، أي بمعدل امرأتين شهرياً بحسب الأرقام التي تستند الى بيانات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.

وأدى تكرار أخبار العنف بشكل شبه يومي إلى تحوّله إلى شأن عادي، وأصبح للمعنفين “أصدقاء”، لنرى أنفسنا أمام ما يشبه تكتلات المعنفين، فلم يعد فضح المعنف سلاحاً في المجتمع، ولا العار الاجتماعي رادعاً، ولم يعد هناك خوف من الإفصاح عن هويّة المُعنف، كونها ستضيع بين مئات الأسماء الأخرى. 

كذلك، لم تعد ممارسة العنف “تابو”، بل أصبحت خبراً عابراً يحدث اليوم وننساه غداً. وأصبح المعنِّف، حتى لو فُضح ووُثقت جريمته، شخصاً عادياً لا يعاقَب اجتماعيا لأنه ليس وحده، وقصته ليست متفردة وجريمته مكررة حد الملل. فلا داعي للهلع إن وثّق أحدهم تعنيفاً ما، الحياة ستستمر بكل برودة على رغم إثبات الجريمة. 

جلبير الأشقر - كاتب وأكاديمي لبناني | 06.05.2024

بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قضيّته 

ظهور حركة جماهيرية متعاطفة مع القضية الفلسطينية في الغرب، لا سيما في عقر دار القوة العظمى التي لولاها لما كانت الدولة الصهيونية قادرة على خوض حرب الإبادة الراهنة، يشكّل تطوراً مقلقاً للغاية في نظر اللوبي المؤيد لإسرائيل.