fbpx

من الخاسر عندما تشتري الإمارات لمواطنيها البدون جنسيات من جزر القمر؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

جزر القمر، دولة صغيرة تقع في شرق أفريقيا وتتميز بشواطئ بيضاء مذهلة، وبركان نشط كبير وعدد سكان يقرب من 800,000 نسمة. ويعيش حوالي 150,000 من سكان جزر القمر في نطاق المتروبوليتان الفرنسي، التي سيطرت على الحكم في جزر القمر حتى عام 1975.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

جزر القمر، دولة صغيرة تقع في شرق أفريقيا وتتميز بشواطئ بيضاء مذهلة، وبركان نشط كبير وعدد سكان يقرب من 800,000 نسمة. ويعيش حوالي 150,000 من سكان جزر القمر في نطاق المتروبوليتان الفرنسي، التي سيطرت على الحكم في جزر القمر حتى عام 1975. ويعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة، ما يقدر ب 40,000 شخصاً يحملون أيضاً جوازات سفر دولة جزر القمر. غير أن المواطنين القمريين الذين يعيشون في الإمارات لا يتكلمون لغة بلدهم، ولا يشبهون سكان الجزيرة جسدياً أو ثقافياً. فهم لم يولدوا هناك، ولم يقوموا بزيارتها من قبل أبداً. والواقع أن هؤلاء القمريين كانوا حتى وقت قريب عديمي الجنسية من الناحية القانونية، أو من البدون.
كلمة البدون تعني في اللغة العربية غير محددي الجنسية، أو عديمي الجنسية، وهم ينتمون أساساً إلى العائلات التي تعيش في المنطقة ولكن لم يُدرجوا أبداً في الإحصاءات السكنية، لعدة أسباب منها: انتماؤهم القبلي، ومستوى إلمامهم بالقراءة والكتابة، وأصولهم العرقية أو علاقاتهم بمسؤولي الدولة. وعلى الرغم من أن الحكومة الإماراتية لم تصدر بيانات توضح أعداد السكان البدون، إلا أن التقديرات تتراوح من 20,000 إلى 100,000 نسمة.
لا تعتبر الإمارات البدون مواطنين إماراتيين حقيقيين، لأن ذلك سيعني منحهم الجنسية وحصولهم على نفس مزايا الرعاية الاجتماعية السخية التي يتمتع بها المواطنون. ولذلك، وقبل تسع سنوات توصلت الإمارات إلى حل وهو: بدلاً من إعطاء البدون الجنسية الإماراتية، بدأت الامارات تدفع لحكومة جزر القمر مئات الملايين من الدولارات لإصدار جوازات سفر لهم.
وقد ذكرتُ مبيعات جواز السفر في كتابي الصادر عام 2015 “اللاقوميون  The Cosmopolites”. وحتى ذلك الحين، كان البرنامج محاطاً بالسرية. وقد دفع تقريري برلمان جزر القمر للتحقيق في هذا المخطط. ولم تصدر الحكومة النتائج التي توصلت إليها، ولكن الوثائق المسربة توضح نطاق برنامج “المواطنة الاقتصادية” بالشكل الأدق.
تُعتبر هذه المبالغ النقدية كبيرة جدًا، لمثل هذا البلد الصغير. إذ يُدفع حوالي 4 آلاف يورو على كل جواز سفر، مما كلف الإمارات ما لا يقل عن 200 مليون يورو منذ عام 2008، وهو ثلث الناتج المحلي الإجمالي السنوي لدولة جزر القمر. وقد أرسل الإماراتيون في البداية الأموال من خلال وسطاء تعهدوا ببناء البنية التحتية للجزيرة. وعندما لم ترق هذه الخطط التنموية إلى مستوى التوقعات، بدأ الإماراتيون تحويل الأموال مباشرةً إلى المصرف المركزي لجزر القمر، من حساب تسيطر عليه وزارة الداخلية في أبو ظبي. وعلى الرغم من المخاوف الموثقة توثيقاً جيداً بشأن عمليات البيع غير القانونية لجوازات السفر وتبييض الأموال والاستيلاء على الأموال العامة من قِبل الوسطاء والمسؤولين الحكوميين، استمرت مبادرة المواطنة الاقتصادية منذ ما يقرب من عقد من الزمان. وفي الخامس والعشرين من شهر أبريل/ نيسان الماضي، أرسلت سفارة جزر القمر في أبو ظبي رسالة إلى وزارة الداخلية تفيد بأن 830 طفلاً دون سن الثامنة قد سُجلوا كمواطنين.
للوهلة الأولى، يبدو هذا الاتفاق الغريب مثل ما يسميه الاستشاريون الإداريون؛ فوزاً للجانبين، فمن لا جنسية لهم حصلوا على جوازات سفر تساعدهم على العيش والعمل والسفر. في حين حصلت جزر القمر، ذلك البلد الفقير، على المال الذي يمكن أن يساعدها. ويُمكِّن الاتفاق دولة الإمارات من الادعاء بأنها تساعد على إنهاء حالات انعدام الجنسية، والتي تؤثر على 10 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم، وتسعى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للقضاء عليها بحلول عام 2024. إلا أن ثمة أمراً خبيثاً يجري من خلال هذا الاتفاق. فقد مكنت عملية استصدار جوازات السفر الإمارات من التخلص من مشكلة انعدام الجنسية دون التوقيع على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، أو منح حقوقها المدنية أو السياسية للمقيمين فيها، إذ أن القمريين الحاليين الذين لم يكن لديهم جنسية في السابق، والمقيمين طيلة حياتهم في الإمارات، انتهى بهم الأمر كمواطنين أجانب. ومما يبعث على القلق أيضاً، هو الاختيار المحدود الذي واجهه الأشخاص من عديمي الجنسية في هذه المسألة. ووفقاً للمقابلات التي أجريتها مع مسؤولين في جزر القمر، ومحامين وناشطين في مجال الهجرة، فإن الإمارات لا تدفع ثمن الأوراق فحسب، بل تساعد أيضاً المسؤولين في جزر القمر على استدعاء وتوثيق البدون. ومن المعروف أيضاً أن المسؤولين في وزارة الداخلية الإماراتية يضغطون على مقدمي الطلبات ليصبحوا مواطنين قمريين، وذلك عن طريق رفض منحهم تراخيص القيادة وتهديدهم بعدم السماح لأطفالهم بالتسجيل في المدرسة. وقد عرضت مؤخراً دول صغيرة عديدة، مثل فانواتو ومالطة، جوازات سفر للبيع. وقد مهد سوق المواطنة هذا الطريق لسيناريو القمريين، من خلال تحويل جوازات السفر إلى شيء يمكن شراؤه مثل أي سلعة أخرى. ولكن معظم تلك الدول تسوق جنسيتها للأثرياء الذين يسعون للحصول على جواز سفر آخر لتسهيل السفر أو الخدمات المصرفية الدولية. ولكن الأمر يختلف بالنسبة لجزر القمر لأن الدولة الإماراتية تدفع الأموال لدولة أكثر فقراً مقابل أمر تختار عدم تقديمه بنفسها.
ويساعد جواز السفر الصادر من جزر القمر الأشخاص عديمي الجنسية على السفر والتعامل بسهولة أكبر مع الأجهزة الإدارية الحكومية بشكل يومي، ولكنه يمثل أيضاً سابقة مخيفة. من السهل تصور سيناريو تضطر فيه جماعات كبيرة من النازحين أو الأقليات في دولة تتمنى أن يرحلوا عنها قريباً، إلى الحصول على جنسية دولة أجنبية أخرى بالإكراه، ثم يتم ترحيلهم بعيداً، وإعفاء وطنهم من أي مسؤولية قانونية.
وما هو أخطر من ذلك، أن حجم البرنامج هو مسؤولية أمنية. ووفقاً لتقرير جديد أعده أعضاء برلمان جزر القمر، فعمليات التحقيق اللازمة حول المتقدمين بطلب استخراج جواز السفر تتم دون عناية كافية، وقد قُبض على بعض المسؤولين الذين يبيعون جوازات سفر في الخفاء، بالإضافة إلى بيع آلاف من الوثائق عبر الشبكات الموازية. وتشير وثائق أخرى إلى أن مستلمي جوازات السفر الصادرة من دولة جزر القمر، ليسوا مجرد أشخاص عديمي الجنسية ولدوا في الإمارات بل أيضاً أفراد من بورما وبنغلاديش وإيران ودول أخرى، فضلاً عن عدد قليل من الغربيين. (ومن غير الواضح ما إذا كانوا قد وقعوا سراً على أنهم بدون في إطار البرنامج الإماراتي أو اشتروا أوراقاً جديدةً لأنفسهم من خلال الوسطاء).
ومما يبعث على مزيد من القلق هو عدم اليقين بشأن ما إذا كان للقمريين الجدد الحق في الاستقرار في بلدهم، إذا ما احتاجوا إلى ذلك. وعندما صوت أعضاء البرلمان في جزر القمر لصالح قانون المواطنة الاقتصادية المثير للجدل في عام 2008، افترضوا أن المواطنين الحاصلين على الجنسية بموجب هذا القانون لن ينتقلوا فعلياً إلى الجزر. وحتى الآن، لم يقم أحد بذلك. ولكن حقهم في العودة يصبح هاماً إذا ما سعى هؤلاء الأفراد إلى اللجوء خارج الإمارات.
وفي عام 2012، طرد رجل يدعى أحمد عبد الخالق من دولة الإمارات بسبب نشاطه في الدفاع عن حقوق الأشخاص عديمي الجنسية. وكان يحمل جواز سفر صادر من دولة جزر القمر ولكنه مُنح في النهاية حق اللجوء في كندا، بدلاً من أن يُرسل إلى “وطنه” في جزر القمر. في هذه الحادثة الفردية، لم تقف المواطنة “الاقتصادية” في طريقه، ولكن لا يوجد حكم قضائي لتحديد كيفية التعامل مع المواطنين “المغتربين” القمريين من قبل الدول الأجنبية والمحاكم. كما أنه لا يوجد أي قانون دولي حاسم بشأن هذه المسألة.
ولأن القمريين مسلمون، يريد الكثير منهم زيارة مكة، ولكن التصاريح تُخصص للحجاج المحتملين وفقاً لجنسيتهم. وفي رسالة موجهة إلى زملائه، اشتكى رئيس برلمان جزر القمر من أن “المواطنين الاقتصاديين”، يأخذون الحصة المخصصة للحجاج من دولة جزر القمر بصورة منتظمة، مما يضع حجاج جزر القمر “الحقيقيين” في وضع حرج بشأن أداء المناسك الدينية. وقبل بضع سنوات سألت متخصص زائر في شؤون الإحصاء السكاني عما إذا كان سيدرج المواطنين القمريين المقيمين في الإمارات ضمن الدراسات الاستقصائية السكانية المقبلة، ولكن لم يكن لديه إجابة. ليس هناك حتى تعبير لغوي لوصف تلك الفئة من الأشخاص.
يشير ذلك كله إلى قضية أعمق بكثير: فقد خلقت العولمة مواقف لا يخبرنا فيها جواز سفر بالضرورة عن هوية الشخص، وأين يعيش وما هو المجتمع الذي يحدد هويته. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أوضحت تسريبات مثل أوراق بنما وأوراق الجنة، كيف يستغل الأثرياء نقاط الضعف في نظام الدولة القومية عن طريق اختيار النظم القضائية الودية التي توفر لهم (ولأموالهم) حياة بلا حدود من دون مسؤولية اجتماعية أو مالية نحو الأماكن التي يعيشون فيها. وكذلك، يمكن للحكومات الاستبدادية مثل الإمارات، التي استأجرت سيادة دولة جزر القمر لحرمان المقيمين المحرومين من حقوق الإنسان الأساسية.
ولا تقتصر تلك الممارسة على المليارديرات الجشعين وملوك الخليج فقط. تستخدم أستراليا منطقاً مماثلاً بالتنصل من مسؤولية قبول المهاجرين غير المرغوب فيهم ونقل اللاجئين إلى الخارج إلى جزيرتي ناورو ومانوس. ولا يوجد دليل يوحي بأن الحكومة الأسترالية تتبع نهج الإمارات في ذلك، ولكن الترتيب اللاحق لدفع مبالغ مالية إلى كمبوديا لإعادة توطين اللاجئين يُظهر أن هذه الممارسات أصبحت أكثر انتشاراً.
ويتعرض الروهينغا في ميانمار الذين تعتبرهم الحكومة أقلية عرقية محلية غير قانونية – والتي تشكل الآن عشر عدد الأشخاص عديمي الجنسية في العالم – بشكلٍ خاص إلى التهجير القسري. في أعقاب الهجمات التي شنها الجيش الميانماري، فر 650 ألف روهينغي إلى مخيمات مؤقتة في بنغلاديش منذ شهر أغسطس/ آب. وقد أبدت حكومة بنغلاديش اهتماماً قليلاً ببقائهم على المدى الطويل. وعلى الرغم من أن الحكومة الميانمارية تقول إنها ستعيد بعضهم، إلا أنه لا توجد إرادة سياسية لمنحهم حقوق المواطنة الكاملة في أي مكان. ولذلك ليس من الصعب تصور أن يُجبر الروهينغا على أخذ جوازات سفر أجنبية.
وحتى الآن، ظل زعماء العالم بل وحتى الأمم المتحدة صامتين بشأن الاعتراف بشرعية المواطنة الاقتصادية لجزر القمر. ونظراً إلى عدم القدرة على إنكار وجود وحجم المخطط، فإن المجتمع الدولي بحاجة إلى الاعتراف بما يحدث والأخذ في الاعتبار تلك السابقة التي يمكن بموجبها أن يحدد هذا المخطط الملتوي مصير الأجيال القادمة من اللاجئين وملتمسي اللجوء والنازحين.
*المقال للكاتب آتوسا براكسيا ابراهاميان

هذا المقال تمت ترجمته عن موقع صحيفة Newyork Times و للاطلاع على المادة الأصلية، اضغطواهنا.
[video_player link=””][/video_player]

كريم شفيق - صحفي مصري | 26.04.2024

حملة “نور”: حرب “آيات الله” الجديدة على أجساد النساء

تتزامن الحرب على أجساد النساء مع إخفاقات سياسية عدة، محلية وإقليمية، لـ"آيات الله"، بداية من تأثيرات المعارضة السياسية على الانتخابات البرلمانية، والتي شهدت انحساراً شديداً، وتراجعاً لافتاً في مستوى إقبال الناخبين وتدنّي نسب المشاركة. فضلاً عن الهجوم المحدود والاستعراضي للرد الإيراني على اعتداءات إسرائيل على القنصلية، والهجوم الذي طاول قياداتها بين سوريا ولبنان.