fbpx

العراق… فتيات يواجهن انعدام خدمات المياه بالصمت

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إن البنات في مدارس الأرياف والمناطق النائية في العراق هن أشد ضعفاً من بين جميع الفئات الاجتماعية الأخرى، وعرضة للحرمان من حقوق النجاح ومتابعة الدراسة، ذاك أنهن يجبرن على نقل المياه بدل توفيرها لهن في مدارسهن… ونسأل تالياً، ما وضع النساء في الخطة الألفية، أين ذهبت كل تلك الأموال التي قدمها الاتحاد الأوروبي في نطاق اتفاقية الشراكة مع العراق بعد عام 2008، من أجل تحسين قطاع المياه والصرف الصحي؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كانت طالبة من طالبات الصف السادس الابتدائي في إحدى المدارس الابتدائية في قرية في كُردستان، تعاني من آلام حادّة في البطن، اصفرّ لون وجهها ولم تستطع مواصلة الدرس. اكتشفت معلّمتها أنها تنزف دماً، وعرفت ما حدث لها وما هي أسباب تلك الآلام المفاجئة، رافقتها إلى المرافق الصحية في جامع القرية، ووفّرت لها ما يلزم لتفادي إحراج فتاة في عمرها، لأن المدرسة تفتقد إلى المراحيض، المياه والكهرباء، ناهيك بخلوّها من مشرفة اجتماعية تهتم بمثل هذه الحالات.

تكرّرت هذه الحالة بين بنات مدرسة قرية (عازَبان)، 14 كلم شمال شرقي مدينة السليمانية، وأصبحت المعلّمة التي تفضل عدم ذكر اسمها، إضافة إلى عملها التدريسي مشرفة اجتماعية أيضاً، توفّر ما تحتاجه طالباتها وترافقهن إلى “الجامع” لمساعدتهن. إنها مفارقة من مفارقات الواقع التعليمي في العراق، تفتقد المدارس إلى خدمات المياه والصرف الصحي والكهرباء، ويلجأ التلاميذ في أوقات الحاجة إلى الجوامع التي تتمتّع بكل تلك الخدمات.

أين ذهبت كل تلك الأموال التي قدّمها الاتحاد الأوروبي في نطاق اتفاقية الشراكة مع العراق بعد عام 2008، من أجل تحسين قطاع المياه والصرف الصحي؟

لا تشكّل هذه القصة، سوى جزء جد بسيط من واقع تعليمي مثقل بأزمات المياه المتمثلة بشبكات التوزيع والصرف الصحي القديمة، أو عدم وجودها في المناطق الريفية؛ إذ تدفع النساء والفتيات في العراق ضريبتها غالباً. وفي بعض مناطق جنوب العراق، يقطعن مساحات كثيرة بغية جلب المياه للأسرة، أو الذهاب إلى ضفاف الأنهر والساقيات في أحسن الأحوال من أجل غسل الأواني والملابس. كل ذلك بسبب افتقاد معظم القرى لشبكات توزيع المياه وشبكات الصرف بطبيعة الحال.

لا حرج في الحديث عن وسائل بدائية في ما خص شبكات الصرف الصحي وتوفير مياه الشرب للمدارس والمرافق العامة في الأرياف والمناطق النائية. ولا حرج كذلك في الحديث عن لجوء الفتيات إلى المنازل المجاورة لمدارسهن بحثاً عن المياه للتنظيف وقضاء الحاجة. هذا ما نقله لي معلّم في مدرسة ابتدائية في إحدى القرى التابعة لقضاء الحمزة الشرقي في محافظة الديوانية. ما زال الوصول إلى المياه النظيفة والصالحة للشرب لجميع سكان البلد، والذي يحتل موقع رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم، ضرباً من الخيال.

تعاني عشرات القرى في قضاء الحمزة الشرقي وريف الشافعية وناحية سومر والدغارة في محافظة الديوانية، وهي من محافظات الفرات الأوسط، من أوضاع صحية بائسة بسبب الافتقاد لشبكات صرف المياه شتاءً وشح المياه صيفاً. ففي ناحية سومر جنوب شرقي مركز الديوانية، يبتلع الوحل اللزج أقدام المواطنين في الشتاء. وكان المشهد مؤلماً حين رأيت الخريف الماضي (تشرين الثاني/ نوفمبر 2018) فتيات صغيرات وهن يقطعن مسافات مبلطة بالطين اللزج في طريقهن إلى المدارس، وذلك بسبب انعدام شبكات الصرف وتكوّم برك المياه في الأحياء وعلى الطرقات.

يختلف المشهد في الصيف وتتحوّل الأمكنة ذاتها إلى منبع للغبار، فيما تبقى معاناة النساء والفتيات هي ذاتها، إذ عليهن إحضار المياه من العيون والساقيات البعيدة، أو الانتظار أمام قاطرات توزيع المياه في أحسن الأحوال. ولا يختلف واقع القرى والمناطق الريفية التابعة للمحافظات الجنوبية الأخرى عما رأيته في محافظة الديوانية. إنه واقع منسي لا تتصل معالم بؤسه بادّعاءات الحكومات العراقية المتعاقبة، في ما خص توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وادّعاءات حكومة إقليم كُردستان بطبيعة الحال؛ وتتحمّل النساء والفتيات آثاره على صحتهن ومستوى تعليمهن وحياتهن.

فقط 39 في المئة من السكان يستطيعون الوصول إلى المياه الصالحة للشرب في مساكنهم. وتعتبر المياه النظيفة والوصول إلى الصحيات وممارسات النظافة الصحية الجيدة ضرورية لضمان بقاء كل طفل ونموه في العراق

يروي لي شخص من مدرسة قضاء الحمزة الشرقي، لا يريد الكشف عن هويته، عن كيفية تعبئة خزانات مدارس تلك القرى ومثيلاتها في المناطق الريفية الأخرى قائلاً: “تتم تعبئة خزّان المدرسة مرة كل أسبوع عبر قاطرات المياه، وعندما تنفد المياه، تتوجه البنات تحديداً، إلى البيوت المجاورة للمدرسة بغية الحصول على المياه للغسل والتنظيف. وبسبب وجود مرافق صحية موحدة في المدارس وتخصيصها للأولاد أثناء فرص الاستراحة، لا يسمح للبنات بالذهاب إلى المرافق سوى أثناء الدروس”.

المشكلة الرئيسية التي تواجه البنات في مثل هذه الحال، هي الخجل من طلب الإذن بغية التوجه إلى المراحيض وقضاء الحاجة أثناء الدرس، ناهيك ببلوغ بعضهن وحدوث الدورة الشهرية أثناء الدراسة، وبخاصة بين بنات المرحلة الأخيرة، أي الصف السادس. يفتقد الواقع التعليمي في مدارس الجنوب، كما هي الحال في مدارس المناطق الريفية في إقليم كُردستان، إلى وجود مشرفات اجتماعيات للاهتمام بالبنات اللواتي يمررن بمرحلة البلوغ، وهن بأشد الحاجة للإرشاد والمساعدة، في ما خص وضعهن الانتقالي نفسياً وجسدياً. يضاف إلى ذلك جهل الأولياء بهذا التحول الذي تمرّ فيه البنات وعدم اهتمامهم بصحتهن في هذه المرحلة الحساسة.

في أحدث تصريح لها حول المياه في العراق نُشر على صفحتها على “فيسبوك”، تقول منظمة اليونيسيف، “فقط 39 في المئة من السكان يستطيعون الوصول إلى المياه الصالحة للشرب في مساكنهم. وتعتبر المياه النظيفة والوصول إلى الصحيات وممارسات النظافة الصحية الجيدة ضرورية لضمان بقاء كل طفل ونموه في العراق”. وقال ممثل المنظمة في العراق بيتر هوكينز، “تشير البيانات، وهي أحدث وأوضح مؤشر، إلى أن فئات الأطفال الأشد ضعفاً في العراق هم الأكثر عرضة للحرمان من حقوقهم”.

تالياً، وبناءً على هذه المعلومات، والقصص المذكورة بطبيعة الحال، يمكن القول إن البنات في مدارس الأرياف والمناطق النائية في العراق هن أشد ضعفاً من بين جميع الفئات الاجتماعية الأخرى، وعرضة للحرمان من حقوق النجاح ومتابعة الدراسة، ذاك أنهن يجبرن على نقل المياه بدل توفيرها لهن في مدارسهن، كما أنهن ضحايا افتقاد البلد للصرف الصحي والخدمات الأساسية الأخرى. ونسأل تالياً، ما وضع النساء في الخطة الألفية، أين ذهبت كل تلك الأموال التي قدمها الاتحاد الأوروبي في نطاق اتفاقية الشراكة مع العراق بعد عام 2008، من أجل تحسين قطاع المياه والصرف الصحي؟

هذا الموضوع تم انجازه بدعم من مؤسسة Rosa-Luxemburg-Stiftung’s Beirut Office 

إقرأ أيضاً:
العالم فوق درجة مئوية… إننا نلتهم الحرّ
كراهية بلا ضفاف… في عراق ما بعد “داعش” مثلاً

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.