fbpx

كامران قره داغي شاهد على ثورة الكرد(3): انطلاق “صوت كردستان” تحت قصف الطائرات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كان عدد المنتسبين يتنامى مع وصول المزيد من ذوي الاختصاصات الملتحقين بالثورة الكردية. في الأيام الأولى في ناوبردان، كان الخبز الذي نشتريه من ذلك الفرن، يكاد يكون طعامنا الوحيد..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يواصل“درج” نشر مقال اسبوعي للكاتب والصحافي الكردي العراقي كامران قرة داغي، هو عبارة عن شهادة لرجل كان شاهداً ومساهماً في معظم حقبات الصراع الذي خاضه أكراد العراق مع السلطات العراقية ومع دول الجوار. عاصر كامران حقبة الملا مصطفى البارزاني في مراحل دقيقة من مراحل التفاوض والنزاع، وعمل كصحافي وكمترجم، ثم انتقل إلى الجبال، وغادر بعدها إلى أوروبا من دون ان ينقطع عن الأدوار التي استمر بتأديتها دعماً للقضية الكردية، سواء من موقعه كصحافي في جريدة الحياة اللندنية، أو كمدير لراديو صوت أوروبا الذي كان يبث من العاصمة التشيكية براغ، أو كوسيط بين القيادة الكردية وبين الأوساط السياسية الأوروبية.وبعد سقوط نظام صدام حسين عاد كامران إلى العراق ليعمل مستشاراً ومديراً لمكتب رئيس الجمهورية العراقية الراحل جلال طالباني.

 

زرت ناوبردان أول مرة كانت في حزيران/ يونيو 1970، عندما كنت أعمل في مكتب وكالة “تاس” السوفياتية للأنباء، مرافقاً لمدير المكتب أناتولي ماتيوشين، الذي دعي ومراسلون أجانب آخرون إلى حضور الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الثامن للحزب الديموقراطي الكردستاني. كان ذلك أول مؤتمر للحزب بعد اتفاق الحادي عشر من آذار/ مارس، وكانت بين المدعوين وفود عراقية وعربية وأجنبية، منها وفد من القيادة القومية لحزب البعث. وبعد الجلسة التي افتتحها ملا مصطفى بارزاني عدنا في اليوم ذاته إلى بغداد. وها أنا بعد أربع سنوات أعود إلى ناوبردان لأعمل مع فريق الإعلام في مكان على بعد أمتار من الموقع الذي عقد فيه المؤتمر.

فريقنا بقي في بناية صغيرة في ناوبردان طوال آذار ومطلع نيسان/ أبريل. كنا ننحشر في غرفة صغيرة واحدة تجاور غرفة أصغر شغلها “الأمين العام للاعلام والثقافة والشباب” دارا توفيق أو “كاكا دارا”. لقب “كاكا” يعني الأخ الكبير وأيضاً “سيد” في المخاطبة عموماً. في الأيام الأولى ونحن في ناوبردان، كانت السلطات الكردية تواجه مشكلات كبيرة لاستيعاب الأعداد المتزايدة للملتحقين بالثورة. في أمانة الإعلام كما في الأمانات الأخرى، كان يتعين عليها إيجاد حلول للمشكلات المعيشية، كتوفير أماكن للنوم وأخرى للعمل، فيما كان عدد المنتسبين يتنامى مع وصول المزيد من ذوي الاختصاصات الملتحقين بالثورة ليتوزعوا على الأمانات ذات الصلة باختصاصاتهم. كان قرب مقرنا في ناوبردان فرن للخبز، خصص أساساً لعناصر البيشمركة الذين كانوا يحرسون مقرات لمسؤولين هناك. وفي الأيام الأولى في ناوبردان، كان الخبز الذي نشتريه من ذلك الفرن، يكاد يكون طعامنا الوحيد، وكنا نتناوله مع الشاي. ولأن الفرن كان قريباً جداً من مقرنا، فالخبز كان يصلنا ساخناً، فتنتشر في الغرفة رائحته الشهية.

الحق أن وصول ذلك العدد الهائل من الأكراد إلى مناطق الثورة، شكل تحدياً كبيراً لسلطاتها. الوافدون بنية حمل السلاح والقتال في الجبهات كانوا يلتحقون بمقرات قوات البيشمركة، ليوزعوا على الجبهات بحسب حاجاتها القتالية واللوجستية وهذه كانت مهمة أكسبت قيادات البيشمركة خبرات واسعة في التعامل معها، نتيجة سنوات طويلة من الكفاح المسلح. لكن المهمة الأصعب تمثلت في استيعاب الملتحقين من المدنيين، ومنهم كثيرون قدموا مع عائلاتهم، بينهم أطفال ومراهقون وشيوخ، اعتبروا أن الحياة في المناطق المحررة، على رغم الصعوبات والمخاطر، أفضل وأهون من البقاء تحت رحمة النظام الحاكم في بغداد. واستغرق الأمر وقتاً قبل أن تتوصل قيادة الثورة إلى اتفاق مع الهلال الأحمر الإيراني على إقامة مخيمات داخل الأراضي الإيرانية للاجئين المدنيين، الذين وصل عددهم إلى بضع مئات الآلاف، خصوصاً بعدما أقدمت السلطات العراقية قبل حلول الصيف على ترحيل آلاف العائلات التي كانت بقيت في المناطق الحكومية، بعد التحاق رجالها بالثورة. هكذا أصبح الدعم الشعبي الواسع المتمثل بتدفق أعداد هائلة من المدنيين وبينهم نساء وأطفال وشيوخ، ثم عبر ترحيل آلاف العائلات من المناطق الكردية الخاضعة للحكومة، عبئاً كبيراً على القيادة الكردية. أدى ذلك إلى اعتمادها المتزايد على إيران لاستيعاب اللاجئين، ناهيك بدعمها العسكري والمالي والغذائي وتداعيات ذلك كله. بعبارة أخرى، أصبح الدعم الشعبي نعمة ونقمة في آن. لكن سنتحدث عن إيران في حلقة مقبلة.    

في الأثناء، كنا نواصل العمل على إعادة البث من الإذاعة التي كان يدير معداتها التقنية ببراعة مشهودة، المهندس عبد الخالق معروف، الذي اغتالته اجهزة امنية حكومية بعد سنوات بسبب نشاطاته السياسية. قبل توقف البث إثر اتفاق آذار 1970، كانت الإذاعة تبث بواسطة جهاز بسيط متنقل، كانت موجاته تشمل مساحة صغيرة من كيلومترات مربعة عدة. لكن عام 1974، كانت أجهزة البث ثابتة ومتطورة، وتصل إلى معظم مناطق العراق على رغم صعوبة التقاط البث، بعدما استهدفتها السلطات الحكومية بأجهزة تشويش قوية. مقر الاذاعة كان في ملجأ منيع حفر عميقاً، تحت سفح جبل صخري في مكان إلى شمال جومان، يقود إليه طريق غير معبد يتفرع من طريق هاملتون. وأنشأ في محيطه الذي كان يحرسه عناصر من البيشمركة مجمع صغير، يتالف من أبنية متواضعة وخيام انتقل إليها لاحقاً العاملون في “صوت كردستان”. الأجهزة والمعدات التقنية كانت في الواقع ملكاً للإيرانيين الذين نصبوها وأنشأوا مقرها تحت الجبل في وقت سابق وسلموها لقيادة الثورة ليصبح المهندس عبد الخالق معروف مديرها الفني. لاحقاً، بعد توقيع اتفاق الجزائر (السادس من آذار 1975)، مباشرة أرسل الإيرانيون فريقاً من المهندسين قاموا بتفكيك الأجهزة ونقلها إلى إيران.

قبل بدء العمليات العسكرية على نطاق واسع، سعت شخصيات كردية معروفة في بغداد، إلى القيام بمحاولة أخيرة لتجنب القطيعة النهائية بين القيادة الكردية والنظام الحاكم، فوصل وفد رأسه العميد السابق في الجيش العراقي فؤاد عارف الذي كان قريباً من القيادة الكردية، وتحديداً من بارزاني شخصياً. وكان بارزاني رشحه غير مرة ليشارك ممثلاً عن الأكراد في حكومات سابقة منذ عهد عبد الكريم قاسم. ضم الوفد أيضاً خسرو توفيق الشقيق الأكبر لدارا توفيق. وكان خسرو عضواً سابقاً في قيادة الحزب الديموقراطي الكردستاني من تيار يساري خاض بعد 1958 معركة للسيطرة على المكتب السياسي، لكنها انتهت بالفشل فترك الحزب. الوفد التقى ملا مصطفى، وعاد إلى بغداد دون اي نتيجة. وبعد فترة قصيرة التحق كلاهما، فؤاد عارف وخسرو توفيق، بالثورة.

مخيمات كردية قرب الحدود الايرانية – 1974

كنا ما نزال في ناوبردان عندما بدأت القوات العراقية عملياتها العسكرية في الجبهات وشن غارات جوية تصاعدت باطراد ولم تقتصر على مواقع البيشمركة، بل امتدت إلى أهداف مدنية في المناطق المحررة. كان الوقت صباحاً عندما تعرضت ناوبردان إلى أول غارة جوية. كان هناك ملجأ قرب مقرنا حفر على شكل هلال كنفق مفتوح من طرفيه تحت سفح جبل صخري. دخلت إلى الملجأ فرأيت كاكا دارا برفقة صحافي بريطاني، كان يجري لقاء مع سيدة كردية ومعها زوجها، كانا وصلا إلى ناوبردان من إحدى المدن الكردية بعد مسيرة شاقة كاد سيل من مياه الفيضانات في احد المناطق الجبلية يجرفهما، لكنهما نجيا ووصلا بعد معاناة إلى ناوبردان. الزوجة كانت حاملاً وجاءها المخاض وأنجبت في ملجأ ناوبردان وبقيت فيه بضعة أيام. الصحافي البريطاني كان ديفيد هيرست، الذي كان مراسلاً بارزاً لصحيفة “غارديان”، وخبيراً في شؤون الشرق الأوسط، جاء إلى كردستان ليتابع تطورات الأوضاع فيها، إثر انهيار المفاوضات النهائية بين القيادة الكردية وبغداد.

هيرست كان يعرف ممثلين أكراداً، خارج العراق وداخله، منهم دارا توفيق الذي كان يترجم له حديثه مع السيدة في الملجأ. كان هيرست زار العراق في 1971 وتجول في بعض مناطقه منها مدينة تكريت، ونشر بعد مغادرته في “الغارديان” مقالاً، بتاريخ 26 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام ذاته، عنوانه “الإرهاب القادم من تكريت”، لاحظ فيه صعود نجم صدام حسين الذي اشتهر وقتها بلقب “السيد النائب”. في ذلك المقال قارن هيرست صدام بزعيم لمافيا تكريتية وتنبأ أنه سيقود البلد مستقبلا ويديره كزعيم مافيوي وهو ما حدث بالفعل. لاحقاً بعد انهيار الحركة المسلحة وعودتي إلى العراق في ربيع 1975، التقيت هيرست على هامش مؤتمر دولي نظمته القيادة البعثية تحت شعار معاداة الصهيونية أو ما شابه ذلك. وكان وفد سوفييتي ضمن الوفود المدعوة وكنت بين مترجمين عراقيين آخرين نرافق الوفود. كانت وزارة الإعلام العراقية كلفت مترجمين لمرافقة المراسلين الصحافيين الأجانب فكانت ترافق هيرست كمترجمة الصديقة سلوى الجراح، التي كانت تعمل وقتها في قسم البث الإنكليزي في إذاعة بغداد، وأصبحت في سنوات لاحقة مذيعة معروفة في القسم العربي لـ “بي بي سي”، وكاتبة صدرت لها روايات عدة. أشير إلى أن السلطات العراقية أدرجت هيرست لاحقاً في “قائمة سوداء”، ضمت صحافيين أجانب حظرت عليهم زيارة العراق. خلال تبادل الحديث بيني وهيرست تطرقنا إلى لقائنا في ملجأ ناوبردان فانتبهت سلوى بفطنتها إلى أنه كان يتحفظ عن التطرق أمامها إلى مواضيع تتعلق بالوضع الكردي، فاختلقت عذراً لتركنا وحدنا لفترة من الزمن. كان هيرست يسعى إلى جمع معلومات عن ترحيل آلاف الأكراد العائدين من الجبل وإيران بعد آذار 1975 من مدنهم في كردستان إلى مناطق نائية في الجنوب والفرات الأوسط. قلت له إن العدد بحسب مصادر كردية يقدر بأكثر من 100 ألف، لكن طبعاً لا توجد إحصاءات موثقة. وزدت أنني شخصياً أعرف عائلات وأصدقاء بينهم عدد من رفاق الجبل، تم ترحيلهم إلى قرى نائية. بالمناسبة كان بين المرحلين إلى مدينة السماوة في جنوب العراق القاضي أحمد صالح والد رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح وكان التحق بالثورة. ومن رفاق الجبل أذكر المرحلين الشاعر شيركو بيكه س، والصحافي والكاتب المعروف مصطفى صالح كريم وغيرهما كثيرون. لاحقاً كتب هيرست عن مأساة المرحلين الأكراد، وهي مأساة استمرت نحو سنتين قبل إلغاء القرارات المتعلقة بالترحيل وعودتهم إلى مناطقهم الاصلية.

أعود إلى ناوبردان. أقرب بلدة صغيرة اليها هي كَلالة وكانت فيها اسواق وبعض الخدمات كمحال للخياطة التي كان يقصدها ملتحقون جدد لخياطة الزي الخاكي الذي يرتديه البيشمركة، وكان مفضلاً للمقاتلين وغير المقاتلين، كونه مريحاً في ظروف العيش في الجبل. ذهبت إلى كَلالة برفقة أخي محمود، وفما كنا أمام محل أحد الخياطين، فوجئت برفيق عربي قديم في زي البيشمركة يقف أامام محل مجاور. اكتشفت من الحديث معه أنه كان ينتمي إلى الحزب الشيوعي العراقي – القيادة المركزية، وهو جناح انشق عن الحزب الأم في 1967، وكان أبرز قائد الجماعة المنشقة، وعضو المكتب السياسي آنذاك عزيز الحاج الذي قاد حركة الانشقاق عندما كان يقيم في العاصمة التشيكوسلوفاكية براغ قبل أن يعود إلى بغداد ليواصل مع آخرين قيادة الانشقاق.

أهم حدث قامت به القيادة المركزية تمثل في إعلان الكفاح المسلح من أهوار الجنوب ضد النظام ذي التوجه القومي، وكان رئيس الجمهورية وقتها عبد الرحمن عارف. خالد أحمد زكي الذي كان ناشطاً حزبياً بارزاً في الحركة الطلابية الشيوعية العراقية في بريطانيا، عاد إلى العراق سراً وانتقل إلى الأهوار ونظم مع مجموعة صغيرة تألفت من مثقفين منشقين مثله كان بينهم الشاعر مظفر النواب، حركة مسلحة على غرار الحركة التي قادها الكوبي الارجنتيي الاصل تشي (الرفيق) غيفارا في بوليفيا وانتهت كما هو معروف بالهزيمة واعتقاله وقتله. وكانت المجموعة العراقية تأمل كما كان غيفارا يأمل بأن ينضم الفلاحون إلى الحركة وتنتشر المقاومة إلى بقية العراق. لكن مصير خالد أحمد زكي كان كمصير غيفارا، إذ قتل في عملية عسكرية شنتها القوات الحكومية بطائرات هليكوبتر، فيما استسلم رفاقه فاعتقلوا وسجنوا ولاحقاً عندما استولى حزب البعث على السلطة في انقلاب 1968 واستطاع جهازه الأمني اعتقال عزيز الحاج ايضاً، أجبر المعتقلون على الظهور على شاشات التلفزيون للادلاء بـ”اعترافاتهم”، وبعدما أمضوا في الاعتقال فترة أخرى أطلقوا من السجن.

لاحقاً لجأت فلول القيادة المركزية إلى كردستان، وسمحت لهم القيادة الكردية باتخاذ مقر لهم في مكان غير بعيد من تلك البلدة وامتلاك تشكيلات مسلحة خاضت بعض المعارك مع قوات البيشمركة ضد القوات الحكومية. وكان فاروق مصطفى رسول أحد أبرز زعماء القيادة المركزية في كردستان آنذاك. لكنه بعد سنوات تخلى عملياً عن النشاط السياسي وأصبح رجل أعمال ناجح، وأنشأ بعد 1991 شبكة اتصالات خليوية في السليمانية تحت اسم “آسياسيل” تغطي حالياً العراق كله. وما زال يقيم في السليمانية، ويدير مشاريعه المؤلفة من سلسلة فنادق ومستشفى مدينة للطب ومشاريع أخرى، منها خيرية لمنفعة ذوي الدخل المحدود ودعم طلبة متفوقين في جامعات أهلية.  

سامي شورش

المحل، أو الأصح الدكان، الذي التقيت أمامه رفيقي القديم، كان بمثابة “مكتب” للقيادة المركزية. وبينما كنت أتحدث معه انتبه محمود إلى شخص بزي البيشمركة يحمل بندقية كلاشنيكوف، كان جالساً على الأرض في زاوية من “المكتب” فعرفه وسلم عليه. كان ذلك الشخص سامي شورش الذي ربطتني به صداقة حميمة استمرت حتى رحيله المبكر قبل سنوات. وكان سامي عندما التقيته في كَلالة منضماً إلى جماعة القيادة المركزية. لاحقاً في الثمانينات، انضم سامي إلى الاتحاد الوطني الكردستاني وتعرض وهو في الجبل في الثمانينات مع عدد من رفاقه إلى التسميم بمادة الثاليوم دسها في طعامهم عميل سري لجهاز الاستخبارات العراقية في مقر كان يضمهم، فتوفي بعضهم، فيما نقل آخرون بينهم سامي، إلى ايران للعلاج ومنها إلى لندن، فعولجوا طويلاً قبل الشفاء الكامل، وبقي في لندن لاجئاً ونشط سياسياً وعمل صحافياً وكان أحد كتاب الرأي في جريدة “الحياة” اللندنية. عام 1988 انضم سامي إلى فريق إذاعة العراق الحر في براغ وكنت رئيساً لتحريرها، وبقي معي سنوات قبل أن ينتقل إلى اربيل لينضم إلى الحزب الديموقراطي الكردستاني، ثم أصبح وزيراً للثقافة في حكومة الإقليم، ثم رئيساً للحملة الانتخابية للحزب وانتخب نائباً في البرلمان الاتحادي لكنه اصيب فجأة بجلطة في الدماغ أدت إلى وفاته.

على عكس القيادة المركزية التي تعاونت مع قوات البيشمركة في تلك الفترة اتخذ الحزب الشيوعي الأصلي موقفاً أقل ما يقال فيه إنه لم يكن ودياً، كي لا يقال إنه كان عدائياً من الثورة الكردية. للتذكير عندما حدث الانشقاق في الحزب وسمي الجناح المنشق “الحزب الشيوعي – القيادة المركزية”، أطلق على الحزب الاصلي تسمية “الحزب الشيوعي – اللجنة المركزية”. وعندما استؤنف القتال بعد آذار 1974، كان الحزب الشيوعي وحزب كردي موال للبعث، انضما إلى “الجبهة الوطنية التقدمية” التي أعلنها حزب البعث في 1973 وتشكلت رسمياً في 1974. وكان الحزب الديموقراطي الكردستاني رفض الانضمام اليها. كانت الجبهة في الحقيقة صورية، إذ اعترفت أطرافها بقيادة حزب البعث وسخر منها الناس وقتها، فانتشرت عبارة “الحزب الشيوعي العراقي لصاحبه حزب البعث العربي الاشتراكي”. وعندما بدأت المعارك بين البيشمركة والقوات الحكومية وقعت في بعض المناطق اشتباكات بين البيشمركة وتشكيلات مسلحة تابعة للحزب الشيوعي فتبنى الخطاب الإعلامي للثورة الكردية في بياناتها، وعبر اذاعة “صوت كردستان” عبارة “مرتزقة اللجنة المركزية”.

بعد بدء المعارك في الجبهات وعمليات القصف الجوي، تقرر نقل مقر الإعلاميين، إذاعيين وصحافيين، منهم فريق لإعداد “نشرة انصات” يومية ترصد ما يبث عن الوضع العراقي والكردي من اذاعات خارجية، من ناوبردان إلى مكان آخر، فوقع الاختيار على موقع قريب أشبه بكهف مفتوح واسع نسبياً، يشرف على طريق هاملتون حيث نصبت خيام اتخذناها مكاتب عمل. أما النوم، فبعضنا في الخيام وبعضنا الآخر في أماكن أخرى في تشومان. فلك الدين كاكائي وأخي محمود وأنا ثالثهما وجدنا مكاناً في سفح الجبل القريب من المقر أشبه بكهف صغير مساحته لا تزيد عن ثلاثة امتار، اتخذناها غرفة نوم فرشنا فيها بطانيات ننام عليها ونتغطى بها. وفي الليالي كانت تتسلل إلى الكهف أحياناً جرذان وأفاع غير سامة تمر فوق بطانياتنا من جهة إلى جهة اخرى من الكهف. من ذلك المكان وتحت قصف الطائرات أطلقنا إذاعة “صوت كردستان”.

في حلقة مقبلة، سأتناول عملنا في هذا الموقع ثم من “قصر السلام” وبدء البث الاذاعي وتدفق العائلات المرحلة من المناطق الحكومية وقصف الجامعة التي أسسها بدعم من الإدارة الكردية أساتذة وطلاب الجامعات العراقية الملتحقون بالثورة في مدينة قلعة دزة في يوم افتتاحها و… إيران في كردستان.

 

كامران قره داغي شاهد على ثورة الكرد (2) :الطريق إلى الجبل وإلى “صوت كردستان”

 

كامران قره داغي شاهد على ثورة الكرد(١)