fbpx

آباء وأبناء، زوجات وأصهار

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد ثورة إيران، ومع الانتخابات الأولى لاختيار رئيس للجمهوريّة، أشار آية الله الخميني بيده إلى أبو الحسن بني صدر، وقال: “هذا ابني”. العبارة المقتضبة والمتشاوفة التي وصف بها شيخ الثورة أحد شبّانها، حوّلها الأخير إلى برنامج سياسيّ.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد ثورة إيران، ومع الانتخابات الأولى لاختيار رئيس للجمهوريّة، أشار آية الله الخميني بيده إلى أبو الحسن بني صدر، وقال: “هذا ابني”. العبارة المقتضبة والمتشاوفة التي وصف بها شيخ الثورة أحد شبّانها، حوّلها الأخير إلى برنامج سياسيّ. فهو بالكاد تناول السياسة والاقتصاد، الذي هو موضوع تخصّصه، مركّزاً على ما قاله عنه آية الله. هكذا حقّق فوزاً صارخاً بوّأه رئاسة الجمهوريّة الأوّلى في إيران الجمهوريّة.بني صدر لم يكن أكثر من أستاذ جامعيّ عاديّ وواحد من معارضين كثيرين للشاه يعيش في فرنسا، فعندما نفي الخميني إليها، بعد سنوات نفيه إلى العراق، توثّقت علاقة “الابن” بـ “أبيه”، حتّى صارت تنوب عن كلّ تعريف آخر.وإذ انقضى نحو من أربعة عقود، علّق ميشال عون على استقالة سعد الحريري من السعوديّة، فقال إنّ رئيسَ حكومته “ابنُه”، دخلا معاً إلى الرئاسات ومعاً يخرجان منها. ومعروفٌ أنّ عون، بحسب لقب بات شائعاً، هو “بيّ [أب] الكلّ”، يستطيع أن يسمّي أيّ لبنانيّ “ابني”. وفي ترسانتنا سوابق كبرى ذائعة الصيت في أبوّة السياسيّين: فمصطفى كمال عُرف بالاسم الذي فاقت شهرتُه شهرةَ الاسم الأصليّ: “أتاتورك”، أو “أب الأتراك”، أمّا جوزيف ستالين، “الأمميّ”، فغدا “أب الشعوب” قاطبة.والأبوّة سلكت، في عصرنا، طرقاً شتّى، استند أحدها إلى خلفيّة كاثوليكيّة لا يخطئها البصر. فقد تغلّبت، في التقليد هذا، صورة الأب – الزوج على صوره الأخرى، فيما تُرك للأمّ الطاهرة، التي تستأنف النموذج المريميّ، أن تسلّط الضوء على القدرات الخارقة للزوج – الأب. ولم يكفّ الزعماء – الآباء، الفاشيّون منهم والشعبويّون والعُظاميّون والبين بين، عن تقريب الدولة من عائلة كهذه. فبنيتّو موسوليني رفع زوجته راشيل إلى مصاف المثال الذي ينبغي أن تقلّده الإيطاليّات، مع أنّه لحظة القبض عليه وإعدامه في 1945 كان مصحوباً بعيشقته كلاريتّا بيتاتشي، لا بزوجته. وكان الزعيم الأرجنتينيّ خوان بيرون مبكّراً في نوع من التوريث المضبوط انتخابيّاً: فبعد أن فشلت محاولة ترشيح زوجته “الأسطوريّة” الأولى إيفا، عام 1951، لتكون نائبته في رئاسة البلد، نجحت المحاولة في 1974 مع زوجته الثانية إيزابيل، ما جعلها تتولّى الرئاسة لسنتين بعد رحيله في 1976. وبدرجة أدنى من الضبط الانتخابيّ للتمدّد العائليّ، تأثّر الحبيب بورقيبة، ذو الثقافة الفرنسيّة، بهذا المنحى، مسمّياً زوجته وسيلة “الماجدة” بين التونسيّات ومفوّضاً إيّاها أدواراً ومهمّات بارزة. أمّا في الفيليبين، فمن دون ضبط، منح فرديناند ماركوس زوجته إيميلدا “حقّ” التحكّم شبه المطلق بالفيليبينيّين.ما لا شكّ فيه أنّ في الأبوّة هذه، على تعدّد صيغها، إفراطاً في الفصاحة يراهن على سذاجة المتلقّي. فالخميني، بعد سنة ونصف السنة فحسب، غضب على “ابنه” بني صدر الذي هرب تحت جنح الظلام من جمهوريّة “يرأسها”، كي يحفظ رأسه في فرنسا. ونعرف أنّ أهمّ تحالفات عون السياسيّة تحالفُه مع الطرف الذي يتّهمه الحريري بقتل أبيه البيولوجيّ. ولئن صادرت أبوّةُ أتاتورك ألسنةَ البنين الأتراك وطرقهم في الحياة واللباس والعبادة، فإنّ أبوّة ستالين قايضت حياة البنين السوفيات بأبخس الأثمان.ومع كلّ زغل الأبوّة، يبقى إفراطها في الفصاحة إنسانيّاً جدّاً، وبالتالي صلباً جدّاً، بعضه يقيم في ضعف البشر الأبناء وبعضه في جبروت الزعماء الآباء. فالأبوّة، عَـرْضاً لها وطلباً عليها، صورة مكرورة وشائعة على مستويات لا حصر لها، أعلاها علاقة الله بنا، هو الذي ترسمه الأديان عموماً، والمسيحيّة خصوصاً، أباً أعلى.والحال أنّ النظام المَلَكيّ، قبل أن يغدو دستوريّاً، كان الأصدق والأدقّ في هذه الأبويّة، أي في المماثلة الصريحة بين الملك الأب، واستطراداً الله وقد صُغّر حجمه، وبين الرعيّة الأبناء. فهذه الأبوّة المطلقة إذ تستضعف الأب البيولوجيّ تلبّي هواية الحكم المطلق في الاحتكار المطلق. ذاك أنّ الصلة البيولوجيّة إنّما تُزاح لتحلّ محلّها صلة مفادها التبعيّة “السياسيّة” التي يتحكّم بها طرفها الأقوى. لكنْ، في المقابل، يُحتَفّظ في العلاقة السياسيّة المذكورة بثوابت التركيبة العائليّة وهندستها، كما يُحتفَظ بدلالات بسيكولوجيّة باتت معروفة جدّاً. فالأب القويّ يستطيع ما لا يستطيعه الأب البيولوجيّ الضعيف من توسيع العازل بين الأمّ والابن الذي ينافس الأب عليها. وما الأمّ، والحال هذه، إلاّ الأمّة والشعب. هكذا لا يعود الفرد – المواطن يتّصل بشعبه وأمّته، أو يتواصل معهما، إلاّ عبر وساطة الأب الكلّيّ القدرة.على أنّنا في العقود الأخيرة بدأنا نشهد الآباء يرتدّون عن المعنى الأتاتوركيّ – الستالينيّ إلى المعنى الذي قصدتْه المَلكيّات المطلقة البائدة، كما إلى صورة العائلة التي حافظ عليها التقليد ذو الخلفيّة الكاثوليكيّة. فالأبناء، أي “الشعب”، لم يعودوا مجازيّين بأيّ معنى من المعاني. لقد صاروا الأبناء البيولوجيّين إيّاهم: فمن جهة، تقلّص ذاك “الشعب” إلى فئات وشرائح أضيق وأشدّ منظوريّة يعود عليها وحدها الانتفاع بالبنوّة، ومن جهة أخرى، لم يعد رفاق درب عقائديّون كعصمت إينونو ونيكيتا خروتشيف يرثون أتاتورك وستالين، إذ ورّث كيم إيل سونغ، في 1994، ابنه الذي هو من لحمه ودمه، كيم جونغ إيل. وكيم الأوّل، كما نعرف، سبق أن خصّ كلّ واحد من أقاربه بوظيفة في صنع التاريخ. أمّا نجله كيم الثاني فبدوره ورّث نجلَه كيم جونغ أون ليصير كيم الثالث. وإذ فعل حافظ الأسد الشيء نفسه بتوريثه ابنه بشّار، فقد حاول ذلك صدّام حسين بتوريث عديّ، ومعمّر القذّافي بتوريث سيف، وحسني مبارك بتوريث جمال، وعلي عبد الله صالح بتوريث أحمد، غير أنّ الموت أو سقوط النظام أو الحدثين معاً حالا دون ذلك. وإلى هذا تصاحب الارتداد مع تحوّل آخر، فلم يعد مطلوباً من الأب أن يكون حائزاً على انتصار كالذي حقّقه أتاتورك وستالين. صارت الهزيمة تكفي، شرط نجاح المهزوم في تعليبها انتصاراً. لقد غدا التوريث البيولوجيّ المطلق يتعايش مع عدم مطلق في الإنجاز، عدمٍ لا يملأ فراغه إلاّ الترويج الإعلاميّ للمنتفعين. وبالطبع بدت الصحافة والتلفزيون المؤمّمان، وكذلك المؤتمرات الحزبيّة، على أتمّ الاستعداد.بهذا ازدادت الفصاحة ركاكةً. فالارتداد من التوريث الحزبيّ – الجهازيّ إلى التوريث العائليّ المحض نمّ عن تراجع التعويل على “القضيّة” التي يُفترض بها الجمع بين الأب وأبنائه – شعبه. هكذا بات من السهل استبدال حصر الثروة والسلطة بالحزب والجهاز الحاكمين، “الممثّلين” للشعب والقضيّة، بحصرهما بالعائلة القرابيّة. فوق هذا، تراجعت الحاجة، لدى أنظمة العسف، إلى التظاهر باحترام الشعب والوقوف على رأيه. فعلى مدى سنوات السحق والاستهانة بالمحكومين بات يُنظر إلى هؤلاء كما لو أنّهم حشرات لا تملك بالأصل رأياً ولا حاجة بالتالي لافتعال الوقوف على رأيها.بيد أنّ الارتداد إيّاه شابَهُ فساد ثقافة الدم وإفسادها، ولن تكون إلاّ الرثاثة، وهي غالباً عنيفة، حصيلة استعادة المَلكيّة المطلقة في زمن الدمقرطة والحداثة. في جوّ موبوء كهذا ناجم عن عقود من تحطيم السياسة والاجتماع، والتعامل مع المواطنين كحشرات، لم يعد ثمّة خجل يُذكر في إتيان ما كان سبباً للخجل، فإذا القوميّ والاشتراكيّ السابقان محاميا قبيلتهما بالمعنى الذي قصده الجاهليّون في الشاعر. وفي كونٍ راحت تنسجه ثقافة القرابة، ومع تعديل هنا وتكييف هناك، بات جائزاً لأفراد آخرين في الأسرة أن يطمحوا، هم أيضاً، بالكعكة، وإلاّ فبشطر كبير منها، إن لم يكن بالتساوي مع الابن البيولوجيّ ففي مرتبة تلي مرتبته.وتدلّنا أواسط السبعينات إلى محطّة على هذا الطريق: ففي 1976 حاولت جيانغ كوينغ، زوجة ماو تسي تونغ الدمويّة والمهووسة، الاستيلاء على نظام زوجها الراحل للتوّ، متعاونةً على هذا مع رفاقها الثلاثة في “عصابة الأربعة”. وفي العام نفسه سُـمّي راؤول كاسترو نائباً أوّل لشقيقه حاكم كوبا فيديل (ثمّ لاحقاً، في 2006، بدأ إعداده ليحلّ محلّ شقيقه المتداعي).وهذان كانا نظامي حدّ أقصى في الأدلجة والحزبيّة يُعيَّر السوفيات بعجزهم عن اللحاق بهما. إلاّ أنّ ذلك بات نهجاً للراديكاليّين وأنصاف الراديكاليّين من كلّ صنف ونوع. فالزعيم النيكاراغويّ والساندينيّ دانيال أورتيغا ما لبث أن أحلّ زوجته روزاريو موريّو على لائحته الانتخابيّة كنائبة له. وكان النصف الأوّل من الثمانينات زمن الانشغال السوريّ بمحاولة رفعت الأسد وراثة شقيقه حافظ، المريض يومذاك. ثمّ مع الثورات التي عصفت بأوروبا الوسطى والشرقيّة، سُلّط ضوء كثير على إلينا تشاوتشيسكو التي كانت نائبة رئيس حكومة رومانيا في ظلّ رئاسة زوجها نيقولا. أمّا مع الثورات العربيّة، فاستعيدت على نطاق واسع سيرة ليلى طرابلسي بن عليّ ومناوراتها للحصول على تزكية زوجها زين العابدين كوريثة له. وهي صورٌ لنساء استحضرتهنّ، قبل أسابيع قليلة، غرايس موغابي التي طمحت لوراثة زوجها المسنّ روبرت، قبل أن يطيح الاثنين انقلابٌ نفّذه ضبّاط زيمبابوي.في هذه الخانة لا يندرج “التقليد الآسيويّ” الذي يتمثّل بقائمة طويلة من السيّدات اللواتي ورثن آباء أو أزواجاً، كأنديرا غاندي (وابنها رجيف) في الهند، وحسينة واجد وخالدة ضياء في بنغلاديش، وسيريمافو باندرانيكه (وابنتها شاندريغا كوماراتونغا) في سري لانكا، وبنازير بوتو (وزوجها آصف زرداري وابنها بيلاوال) في باكستان، وإلى حدّ ما كورازون أكينو (وابنها بنينو) في الفيليبين وأونغ سان سو كيي في بورما. فهؤلاء، وإن استندن إلى ميراث عائليّ راسخ ووطيد، ونهلن من ثقافة تقليديّة تحتلّ العائلة صدارتها، خُضن انتخابات جدّيّة خسرن بعضها وكسبن بعضها الآخر. والاستثناء نفسه يسري، ولو اختلفت الأسباب والتعابير، على عائلتي بوش وكلينتون في الولايات المتّحدة، أو بيار وجوستين ترودو في كندا، وما قد يماثل هذه العيّنات في البلدان الديمقراطيّة الغربيّة.لكنّ أغلبيّة التجارب تُظهر أنّ إثقال السياسة بالرابط العائليّ، وصولاً إلى التوريث، يلازم الأنظمة المغلقة والاستبداديّة، من غير أن يختفي في الأنظمة الديمقراطيّة وشبه الديموقراطيّة حين تفتك بها شعبويّة تنمو على حساب الرقابة والشفافيّة. وليس بلا دلالة أنّ التراكيب الناشئة عن عمل نضاليّ، على اختلاف إيديولوجيّاتها، غنيّة بمثل هذه التعابير. فنحن نراها اليوم في التركتين الكرديّتين، الطالبانيّة والبارزانيّة، وهما عائليّتان أصلاً، إذ خلّفت الأولى الزوجة هيرو والابنين بافل وقباد، كما خلّفت الثانية ابن الأخ نيجيرفان والابن مسرور. أمّا في التجربة الفلسطينيّة، وإن لم يُترجم الأمر حتّى الآن إلى موقع سياسيّ واضح، فالمؤكّد أنّ ثروة ياسر وطارق، ابني الرئيس محمود عبّاس، ليست خارج السياق هذا. ولا تزال حركة طالبان تكيّف هيئاتها القياديّة بما يوفّر للملاّ يعقوب، نجل المؤسّس الملاّ عمر، موقعاً قياديّاً ملائماً. أمّا مريم رجوي فتبقى علامة فارقة، هي التي جعلها الزواج بـ “المناضل” مسعود رجوي زعيمة لـ “مجاهدي خلق” و”رئيسة مقبلة لإيران” إذ “انتخبها” لهذا المنصب “مجلس المقاومة الوطنيّة الإيرانيّة”. وهو عالم لا تستطيع ديمقراطيّة ضعيفة كتلك الباكستانيّة أن تطوّع دمويّته ونزوعه العنفيّ، بدليل المصير الذي انتهى إليه مرتضى بوتو، شقيق بنازير الذي اغتيل في 1996. وهذا، بالطبع، فارق آخر عنالتنافس داخل العائلة الواحدة في بلد ديمقراطيّ وطيد، حتّى لو كانت المعنيّة بالأمر عائلة كعائلة لوبن الفرنسيّة.في الأحوال كافّة، لم يقتصر الانتقال من الحزبيّ – الجهازيّ إلى العائليّ على تمرير الزوجات والأخوة إلى ذروة السلطة ودوائر النزاع عليها. فالأصهار ما لبثوا، بدورهم، أن دلفوا. وإذا كان أشرف مروان، صهر جمال عبد الناصر، تمثيلاً مبكراً في منطقتنا على هذه العلاقة، فنظاما صدّام حسين وحافظ الأسد قدّما للعالم أصهاراً بارزين، كحسين كامل وصدّام كامل في الحالة الأولى، وآصف شوكت في الحالة الثانية. وبعد تجربة بائسة في عهد بوريس يلتسن رمزت إليها الابنة تاتيانا دياشنكو وزوجها، الصهر، فالنتين يوماشيف، ما لبث الكرملين أن زها بصهر فلاديمير بوتين، رجل الأعمال كيريل شامالوف، ابن نيكولاي شامالوف، أحد مالكَي بنك روسيّا. وفي الولايات المتّحدة، ومع انتخاب دونالد ترامب رئيساً، لمع اسم صهره جارِد كوشنر، فتباهى العونيّون في لبنان بأنّ اللبنانيّين، هنا أيضاً، يجارون العصر من خلال جبران باسيل، صهر ميشال عون. فبعد تمرينين أوّليّين للياس الهراوي مع صهره فارس بويز، ولإميل لحّود مع نجله إميل الصغير، جاءت الثالثة ثابتة ومتينة.غير أنّ طرق الزوجات والأصهار ليست معبّدة كطرق الأبناء. فبالقياس إلى ثقافة الدم، مع استيلاء العالم الصغير للقرية والدين على المخيّلة السياسيّة، تبقى الزوجة والصهر غريبين. وإذا راجعنا مصائر النساء الوارثات والطامحات وجدنا أنّ معظمها ينتهي بالفواجع، فهنّ قد يسبقن الزوج إلى الإبعاد والتبعيد، كما حلّ بوسيلة التي طلّقها بورقيبة ونزع عنها لقبها قبل عام على إزاحته. وقد تفضي محاولتهنّ بعد رحيل الزوج إلى موتهنّ غير مأسوف عليهنّ، كما حلّ بأرملة ماو، وقد يهربن مع الزوج كما حصل لليلى بن علي، أو يُقتلن معه على النحو الذي اختُتمت به حياة إلينا تشاوتشيسكو. فهنّ، بالتالي، يعانين نقصين، واحداً في “أصالة” الدم إبّان فورة الثقافة الدمويّة كمرجع وبوصلة، وآخر في أنّهنّ نساء يعشن ويمتن في فيء الأزواج، سيّما وأنّ ثقافة الدم إيّاها تستحضر الذكورة والذكوريّة بقوّة وإلحاح.أمّا الأصهار فوضعهم قد يكون أصعب. فهم، كالزوجات، “غرباء”، متّهمون سلفاً بانشطار الولاء بين العائلات التي جاؤوا منها والعائلة التي استقرّوا فيها. لهذا قد يجهد الصهر كي يبدو منتمياً أصليّاً إلى العائلة الجديدة، مزايداً أحياناً في إبداء هذا الانتماء وفي كونه “سند الظهر” لأهل الزوجة. بيد أنّ محاولاته قد لا يُكتب لها التوفيق لأسباب عدّة: فالعائلة الحاكمة والمالكة قد لا ترضى بأقلّ من تذويب الصهر على نحو يُمحى معه كلّ ماضٍ له وكلّ هويّة سابقين، “وصهرَ الشيء فانصهر، أي أذابه”، بحسب “مختار الصحاح”. وقد يشعر الأب الذي تنطبق عليه بعض ترسيمات علم النفس المدرسيّ بأنّ الصهر ينافسه على ابنته، فلا يتعاطف معه إلاّ إذا كان يعاني تهديداً أكبر من الابن الذي يريد “قتله”. وقد تشعر الأمّ “الغريبة” أنّها تحجب غربتها عن الأنظار بأن تذكّر بغربة صهرها الأحدث عهداً والأكثر قابليّة للتذكّر. أمّا النجل الأكبر فقد يشعر بأنّ الصهر منافس محتمل على السلطة التي يملكها الوالدان وقد يورّثانها، لا سيّما متى اندرج المتنافسان في خانة عمريّة واحدة، على ما هي حال جارِد كوشنر ونجلي دونالد ترامب، دونالد الابن وإريك. وكان ترامب الأب نفسه قد أسرّ لاستراتيجيّه السابق ستيف بانون بأنّ كوشنر يزوّده “نصائح سياسيّة سيّئة”، كما لامه على تسريح مستشاره السابق للأمن القوميّ مايك فلِن والمدير السابق لـ أف بي آي جيمس كومي.وهذه تبقى صفحة بيضاء قياساً بالصفحات السود والحُمر الكثيرة في ما خصّ علاقة الحاكم وابنه بصهرهما. فالأخير قد لا يحتمل قوّتهما وفحولة هذه القوّة التي تتبدّى له عدواناً عليه وعلى فحولته. وهو ما يُضعف “ولاء الزوجة” التي لا ترى زوجها، الصهر، مصدراً للنجاح، بل ترى في نجاحاته براهين أخرى على قوّة الأب المُعطي. وفي غابة الأحقاد المخبّأة هذه تبيّنَ، ولو في وقت متأخّر، أنّ أشرف مروان كان يتجسّس على “عمّه” عبد الناصر، وبعدما قتل صدّام حسين صهريه “المتآمرين”، نسجت الألسنة والتقديرات علاقةً لبشّار الأسد بمقتل آصف شوكت الذي سبق لأخيه باسل أن مقته.وإذ تفحّ رائحة المافيا من هذا كلّه، والمافيا عائلة بعد كلّ حساب، فالخوف الأكبر هو أن تستمرّ طويلاً هذه “الشرعيّة” العائليّة، وسط هذا الانحطاط الطاغي، وأن يصدق أولئك الذين يتهدّدوننا اليوم بحافظ بشّار الأسد.[video_player link=””][/video_player]

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.