fbpx

العقل العربي العاجز عن محاورة امرأة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
يارا دبس

المجتمع الذكوري لا يتقبّل فكرة أن المرأة العربية يمكن أن تنجح من تلقاء نفسها أو بجهودها الشخصية، لذلك فإن الأحكام جاهزة مسبقاً وتطرح أسئلة من نوع، ماذا فعلت بجسدها كي تصل؟ من دون دعم زوجها لما وصلت! أو لولا تنازلاتها لما حقّقت طموحاتها…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أنتِ قبيحة”… بهذه العبارة وبنبرة حادة أنهى محمد العربي زيتوت، ضيف الإعلامية ملاك جعفر، مقابلته على “بي بي سي” العربية، لأنّها حاولت أن تقوم بعملها وأن تفسح المجال للاستماع إلى ضيوفها كلّهم، في حلقة حوارية حول آخر التطوّرات في الجزائر.

ماذا لو لم تكن المحاورة امرأة؟ ماذا لو كانت رجلاً لا يُعتبر مظهره وصمة عار أحياناً؟

“كل ما هو شخصي… هو سياسي”

إنّ محمد العربي الذي لم يجد سوى هذه الوسيلة للتنفيس عن غضبه، استُضيف في الحلقة ممثلاً المعارضة الجزائريّة، التي انتفضت على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لأن ترّشحه لدورة رئاسية خامسة تشكل إهانة للشعب الجزائري. وللمفارقة أنّه وفي شتّى الحركات الاعتراضية التي تحصل في العالم العربي، تتكرّر المواجهات بين القوى التغييرية نفسها عندما تصل الأمور إلى التمييز الجنسي وإلى إقصاء الدور النسائي.

ترى نساء أنّ النّضال السياسي لا ينفصل عن النضال الاجتماعي، بل يكملان بعضهما بعضاً، فيما يرى البعض الآخر أن هذا النضال النسوي ثانوي، ويضرّ بالمطلب الأساسي الذي يحرّك التظاهرات محاولاً فرض الأولويات. وهذا ما حصل خلال تحرّكات كثيرة، منها حراك لبنان عام 2015 اعتراضاً على أزمة النفايات المستفحلة، حين دار نقاش حول أحقيّة النساء بالاعتراض على التحرّش الجنسي الذي يتعرّضن له في هذه التحرّكات. اتُهمت النساء حينها بمحاولة إفشال الحراك وتشويه صورته وبالـ”قوطبة” على القضايا وتسلّقها، مع تأكيد المنظمّين أن المطلب الأساسي هو حلّ أزمة النفايات، أمّا القضايا الأخرى، فلها وقت آخر.

وضع شعار “كل ما هو شخصي هو سياسي” في نهاية عقد الستينات في الولايات المتحدة للتأكيد أن العلاقات الشخصية بين النساء والرجال تصبّ في البنية السياسة وليست بعيدة منها، وأن المشكلات الشخصية التي تعاني منها النساء هي مشكلات مشتركة، لذلك فهي مرتبطة بشكل وثيق بالبنى الاجتماعية التي تمهّد للتمييز، وما ينتج عنه من معاناة، لذلك فهي مشكلات سياسية بالدرجة الأولى.

لا شكّ في أن محمد العربي زيتوت هو من أولئك الذين يفصلون النضال السياسي عن النضال ضدّ التمييز الجنسي، وبقدر ما تعتبر إهانته ضرباً من العفوية، فإنها تحمل في طيّاتها ترسبّات المجتمع الذي يضع الجمال في موضع الإدانة الذي تتحمّله المرأة. فأن تكون المرأة قبيحة بالنسبة إلى الرجل يعني أن يسمح لنفسه بإهانتها بدلاً من الردّ عليها في الفكرة التي تتم مناقشتها. لكن، ما هي معايير الجمال؟ وما هي القباحة؟ ومن يضع هذه المعايير التي تقيّد النّساء وتسجن حرياتهنّ؟

ثمّ ماذا إذا استطاع رجل كمحمد العربي زيتوت أن يُسقط عبد العزيز بو تفليقة، وأن يستمرّ بردّه على امرأة بهذه العبارات وبذلك الصوت المرتفع… إن الثورة في العالم العربي وفي هذا الوقت تحديداً، تحتاج إلى ثورات أو أكثر، وإلى أصوات حرّة لا يلاحقها الشعور بالخزي- إذا اعتبرت أن التحرّر من الصورة النمطية تجاه المرأة هو جزء أساسي لكل نضال.

إن المرأة الناجحة هي صيد ثمين لكل من لا يستوعب عقله أن هناك نساء استطعن كسر الحواجز التي يضعها المجتمع في طريقهنّ في سبيل تحقيق أحلامهنّ

سوابق لإهانات ذكورية على الهواء مباشرةً

خلال السنة الماضية وفي اتصال مباشر على الهواء، سألت الإعلامية ليندا مشلب على قناة الـ “أن بي أن” الوزير اللبناني السابق معين المرعبي عن احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في فندق “الريتز كارلتون” في العاصمة السعودية الرياض، فردّ عليها حرفياً: “هيدا الأوتيل بعزمك عليه، بعزمك إنت وحدا إذا بدك”.

علماً أن ليندا لم تقم سوى بعملها، لتفاجأ بالرد الذي لا يحمل إلا إهانة شخصية بحقها لأنها امرأة، ولو كان المحاور رجلاً لما كان أتى الجواب بهذه الطريقة

تضامنت قناة “أو تي في” اللبنانية مع مشلب واستنكرت التعرّض إلى أي زميلة شخصياً ووصفت تصرّف الوزير اللبناني بالمعيب، لكن، وعلى المحطة نفسها وجّه المحلل السياسي اللبناني جوزيف أبو فاضل إهانة للنائب في البرلمان اللبناني بولا يعقوبيان في إطار دفاعه عن عهد رئيس الجمهورية اللبناني الحالي ميشال عون وتوجّه لها بعبارة جنسية، إذ قال على الهواء: “انت بتقبلي قول عنّك مرضعة الكلّ”.

المحطّة نفسها لم تسجّل اعتذاراً ليعقوبيان، ببساطة لأن الدفاع والتضامن مع الزميلات يخضع للحسابات السياسية ولا يصبّ في إطار رفض التمييز الجنسي والإهانات الذكورية.

في حادثة أخرى، عقد النائب في البرلمان اللبناني وليد البعريني مؤتمراً صحافياً خصّصه للرد على مديرة الأخبار والبرامج السياسية في قناة الجديد مريم البسام على خلفية تغريدة لها على “تويتر”، فجاء رده عليها على الشكل التالي: “إذا بتحبّ تجرّب الرجولة نحن جاهزين للتجربة بما يرضي الله”.

ومن دون تجميل، ما يرضي الله ورجال الدين في التشريعات الدينية وفي الأحوال الشخصية لا يرضي النّساء ولا يأبه لحقوقهنّ.

على أثر الحوادث السابقة، تضامن البعض مع الإعلامية لأنها تعمل في محطة تناسب توجهاته السياسية، ولأن الوزير الذي أهانها ينتمي إلى تيار المستقبل، والعكس صحيح. هناك من برّر ما حصل مع أخريات بحجّة أنها ليست اعلامية وتستحقّ ما خرج عن لسان الوزير المذكور. وقاعدة التضامن نفسها تنطبق على الحالات الأخرى أعلاه.

أصل النظرة المُهينة للمرأة الناجحة… وخصوصاً الإعلاميات

إن هذه النماذج أعلاه حديثة العهد، ما هي سوى مثال ناتج عن النظرة النمطية التي تدور حول النساء الناجحات في شتّى المجالات، لا سيّما في الحقل الإعلامي الذي يسمح أكثر من غيره بإظهار هذه النظرة علناً.

يبدو أن المجتمع الذكوري لا يتقبّل فكرة أن المرأة العربية يمكن أن تنجح من تلقاء نفسها أو بجهودها الشخصية، لذلك فإن الأحكام جاهزة مسبقاً وتطرح أسئلة من نوع، ماذا فعلت بجسدها كي تصل؟ من دون دعم زوجها لما وصلت! أو لولا تنازلاتها لما حقّقت طموحاتها، وغيرها من علامات الاستفهام. إن المرأة الناجحة هي صيد ثمين لكل من لا يستوعب عقله أن هناك نساء استطعن كسر الحواجز التي يضعها المجتمع في طريقهنّ في سبيل تحقيق أحلامهنّ، لذلك فكل أسباب النجاح جاهزة قبل البحث عنها.

والمرأة بنظر هؤلاء، هي حارسة القيم المجتمعية، لذلك فإنّ التعرّض لها في حياتها الجنسيّة هو الضربة الموجعة، في حالات كثيرة حيث يجهل الجاهلون الطريق إلى ردود منطقيّة وعقلانية. إنها قوة مستمّدة من القانون، العائلة، النظام التعليمي، مجالات العمل، السلطة، من أعلى الهرم حتى أدناه، ومن الجو الإعلامي نفسه الذي يسائل المرأة ويحاكمها على معاناتها في طروحاته أحياناً.

عن التحرش والنسوية وعن معنى حياتنا كإناث

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.