fbpx

ثنائية الإسلام الراديكالي والديكتاتورية العسكرية (3): مصر «السادات» وحركة «الجهاد» الإسلامي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تترافق ثنائية الإسلام المتطرف مع الديكتاتورية العسكرية بشكل منسجم للغاية، حيث كل واحد منهما يعمل على إثبات نفسه عن طريق نعت الطرف الآخر بأوصاف يريدها، عوضاً عن أن يعرّف كل طرف عن نفسه بطريقة مفهومة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في المقال السابق كان الإخوان المسلمون في سوريا قد احتجّوا على سلطة حزب البعث (باعتباره علمانياً!) وسياساته القمعيّة والاشتراكية الراديكالية بالسلاح في مدينة حماة عام (1964)، وبدأت مع ذاك الاحتجاج بذور التطرف الإسلامي بالنمو على يد (مروان حديد) الذي تأثر بأفكار سيّد قطب وأراد تطبيقها في سوريا… الأمر الذي دفع الحزب الحاكم إلى الرد بقوّة، دافعاً الجماعة للاحتشاد أكثر بغية إبرازها وتصفيتها فيما بعد، ومشيراً إلى الحد الذي بإمكانه الذهاب إليه في مواجهة الخصوم.

في هذا المقال سنعود إلى مصر مجدداً، حيث الرئيس المصري أنور السادات، سياسة الانفتاح التي انتهجها، وما رافقها من انتشار لأفكار سيد قطب التي أخذت شكلاً متطرفاً بالفعل… ثم اتفاقية السلام مع إسرائيل التي دفع ثمنها غالياً، حيث نختتم المرحلة الأولى (البداية) ونمهّد للمرحلة الثانية (حيّز التطبيق) التي تترافق فيها ثنائية الإسلام المتطرف مع الديكتاتورية العسكرية بشكل منسجم للغاية، حيث كل واحد منهما يعمل على إثبات نفسه عن طريق نعت الطرف الآخر بأوصاف يريدها، عوضاً عن أن يعرّف كل طرف عن نفسه بطريقة مفهومة.

مصر «السادات» و حركة «الجهاد» الإسلامي

خلال العقد الأول من سبعينيات القرن المنصرم، كانت مصر قد تغيرت؛ ظاهرياً كانت تبدو كدولة حديثة ذات سَمْتٍ متقدّم، بانفراج على مستوى السياسة والحريات العامة، وبطبقة متوسطة ميسورة الحال، تستفيد من تدفّق رأس المال الغربي المستثمر فيها.

كان «أيمن الظواهري» حينها طبيباً شاباً في بداية حياته العملية، رجلاً أرستقراطياً يَعتقد أنه يحمل فكراً ورؤية للمستقبل، وهو من عائلة سعودية مصرية كبيرة وشهيرة، كان والده طبيباً وأستاذاً في الجامعة، جده لوالده كان شيخاً في الأزهر، جده لوالدته كان أديباً، وأخو جده كان أول أمين عام للجامعة العربية (عبد الرحمن عزام)، وخاله أمين المجلس الإسلامي الأوروبي، وخاله الآخر نائب رئيس حزب «العمل» المصري… حاز الظواهري فيما بعد على الماجستير في الجراحة من جامعة القاهرة، ثم الدكتوراه، وقد كان من النوع الذي يعمل وفقاً للقواعد، وشخصاً منضبطاً جداً، ما أهّله ليكون قائداً لخلية إسلامية سرية أنشأها حين كان طالباً، استلهَم أفكارها من سيد قطب.

كانت أفكار قطب خلال تلك الفترة تنتشر في مصر بحرّية، خصوصاً بين الطلاب، لأن نبوءته بـ «الفساد القادم من الغرب» بدت لأولئك الطلبة كما لو أنها تحقّقت… كانت حكومة السادات تحت سيطرة مجموعة صغيرة من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة المدعومين من البنوك الغربية التي تعمل حسبما أسماه الأخير آنذاك «سياسة الانفتاح».

كان السادات ينكر للإعلام الغربي أيّ وجود للفساد في بلاده، فيما كان المصريون يعلمون آنذاك بأنها مجرد كذبة؛ خلال مقابلة معه عام 1977 يقول: «مَن استفادَ من سياسة الانفتاح؟ سائقو الأجرة استفادوا… الليبراليون جميعهم استفادوا، ليس صحيحاً ما يقولون أن لدينا مليونيرات هنا، هذه دعاية سوداء من جانب الاتحاد السوفييتي وعملائه في هذا البلد». (كانت الولايات المتحدة تصوّر في ذاك الوقت الاتحاد السوفييتي على أنه الشر المُطلق في العالم).

في ذلك الوقت كان الظواهري على قناعة بأن الوقت قد حان لتحقيق رؤية سيد قطب، وأنّ علىى «الطليعة» التي أسسها أن تنهض وتطيح بالنظام الفاسد؛ أما الرجل الذي سيتيح للإسلاميين هذه الفرصة فقد كان وزير الخارجية الأمريكية آنذاك «هنري كيسنجر».

كجزء من محاولته خلق عالم مستقر ومتوازن، أقنع كيسنجر السادات ببدء مفاوضات السلام مع إسرائيل؛ بالنسبة له كـ براغماتي صارم لم تكن للانقسامات أو الأحقاد الدينية أية أهمية، كان كل ما يهم لدى كيسنجر هو خلق عالم أكثر أمناً، وامتثالاً لمطلبه سافر السادات في العام 1977 إلى القدس لبدء عملية السلام … بالنسبة للغرب كان عملاً بطولياً، وبالنسبة للإسلاميين كان خيانة عظمى أكّدت أن الغرب قد أفسد عقل السادات حتى سيطروا عليه تماماً، ووفقاً لنظريات سيد قطب كان هذا يعني أنه لم يعد مسلماً، وبذا يتوجّب قتله.

الثورة الإسلامية في إيران

بعدها بعامين (العام 1979) أثبتَ «آية الله الخميني» بالنسبة للظواهري أن حُلمه في إنشاء دولة إسلامية قابل للتحقيق؛ كان الخميني مصدر إلهام للثورة ضد شاه إيران الذي -حسب الخميني- هو أحد القادة الذين سمحوا للبنوك الغربية بإفساد بلاده.

كان الخميني قد دفع بفكرة الدولة الدينية المشابهة لأفكار قطب بشكل ملحوظ، وإقراراً بفضله قام بوضع وجه قطب على أحد طوابع بريد الجمهورية الإسلامية الجديدة آنذاك !.

في أول خطبة له وجّه الخميني حديثهُ للغرب قائلاً: «نعم، نحن رجعيّون، وأنتم مثقّفون مستنيرون، أنتم يا من تريدون الحرية في كل شيء، الحرية التي ستفسد بلادنا وشبابنا، والحرية التي ستمهّد الطريق للطاغية، الحرية التي ستهوي ببلادنا إلى الحضيض».

حركة «الجهاد الإسلامي»

في مقابل ما جرى في إيران، عبّر السادات إبان ذلك عبر لقاء صحفي عن استياءه الشديد قائلاً: «إن ما يسمونه بالثورة الإسلامية في إيران هي محض جريمة، جريمة ضد الإسلام في المقام الأول»، مُبدياً استعداده لإحضار الشاه المخلوع بطائرته إلى مصر.

في نهاية العام 1980 كان أيمن الظواهري وعدد من أتباع قطب الذين كانوا قد كوّنوا عدداً من الخلايا قد تضامنوا معاً، وقاموا بتأسيس حركة أسموها «الجهاد الإسلامي» تحت قيادة «محمد عبد السلاح فرج» الذي دعا إلى قتل السادات بطريقة لافتة تثير صدمة الجماهير، وتجعلهم يرون حقيقة الفساد الذي يحيط بهم، ليثوروا ويُطيحوا بالنظام.

كان جيل الظواهري مختلفاً عن الجيل الذي تربى في المرحلة الليبرالية.. جيلاً أكثر تعبيراً عن الحالة الجهادية منه عن الحالة الوسطية أو حالة التهادن مع ما يجري، ولجيل الظواهري طبيعة فيها جانب من الاستعلاء على الواقع الذي يتوجب تغييره بغض النظر عن الوسائل، كـ لينين أيضاً «الثورة في بلد واحد، أو الثورة في جميع أنحاء العالم».

توصّل الظواهري إلى ما مَفَاده أنك ما دمت تعتقد بهدفٍ سامٍ، فلتكن الوسائل من أقبح ما يمكن أن تكون…

الإسلام الصحيح

اغتيل السادات في العام 1981، ومن قاموا بعملية اغتياله هم مجموعة من ضباط الجيش من أعضاء حركة «الجهاد الإسلامي»، وقد تم اعتقالهم على الفور، وشن النظام حملة واسعة لمطاردة الضالعين في المؤامرة؛ لكن تأثير الاغتيال على الشعب المصري لم يكن كما يتمنى الظواهري، ففي تلك الليلة ظلت القاهرة هادئة، تقاعست -حسب الظواهري- الجماهير عن «الثورة».

بعدها بأسابيع قليلة (23 أكتوبر/ تشرين الأول 1981) أُلقيَ القبض على الظواهري ومتآمرين كثيرين معه، وحُوكم القتلة على الفور بالإعدام، وتم تقديم ما يقارب 300 شخص من الإسلاميين بمن فيهم الظواهري للمحاكمة في أحد أجنحة حديقة «معرض القاهرة الصناعي»، واتفق المعتقلون على أن يكون الدكتور الظواهري آنذاك هو المتحدث باسمهم.

خلف القضبان -كما يوضّح ذلك مقطع فيديو- ألقى الظواهري كلمة باللغة الإنكليزية قال فيها: «الآن… نريد أن نتحدث إلى العالم بأسره عن هويّتنا… لماذا جاؤوا بنا إلى هنا… وماذا يريدون منا أن نقول… في الحقيقة نحن مسلمون، نحن مسلمون يؤمنون بدينهم بمعناه الواسع فِكراً وممارسة… ومن ثّمّ فقد بذلنا جهدنا لأن نؤسس هذه الدولة الإسلامية وهذا المجتمع الإسلامي».

تذكر قناة الجزيرة على موقعها أنه أُلقيَ القبض على الظواهري لحيازته سلاحاً غير مرخّص، علماً أن شهادته في الفيديو تؤكد عكس ذلك، كما أنه اعترف بقيادته آنذاك لمجموعة سريّة عام (1968)، وأنه كان مُشرفاً على التوجيه الفكري لأعضائها، والمستمَد من كتاب (في ظلال القرآن) لـ سيد قطب؛ كما تصفه القناة على استحياء بأنه ينتمي إلى «ذاك التيار الإسلامي الذي يوصف في وسائل الإعلام بالمتطرف»!!!.

حُكم على الظواهري بالسجن 3 أعوام مع العديد من أعضاء منظمة الجهاد الإسلامي، واقتيد إلى زنزانات خلف «متحف الشرطة القومي» الذي تعرّض فيه قطب للتعذيب وخرجت منه فتوى «إحلال دم القادة» لأنهم منحلون وفاسدون، وهو ما أسلفنا الحديث عنه.

تحت وطأة التعذيب داخل متحف الشرطة، بدأ الظواهري في تفسير نظريات قطب بشكل أكثر تطرّفاً ستكون تبِعاته الأشد دموية فيما بعد؛ كانت المعضلة بالنسبة له آنذاك: «لماذا لم يتمكن الشعب المصري من رؤية الحقيقة والثورة ضد السلطة؟، لابد وأن عدوى (الأنانية الفردية) قد تغلغلت في عقول الناس حتى أصبحوا فاسدين مثل قادتهم»، واتّضح للظواهري ماكان مبهماً في أراء قطب، وهو أن القادة من أمثال (السادات) ليسوا غير مسلمين فحسب، إنما الناس أنفسهم كذلك؛ كان الظواهري على ثقة بأن هذا يعني جواز قتلهم هم أيضاً للهدف «النبيل»، لأن ما سيثيره العنف في عقول المسلمين العاديين من خوف ورهبة سيُصيبهم بصدمة تُريهم الواقع بشكل مختلف، وتكشف لهم «حقيقة الديموقراطية» التي شجّعت الحكّام على اعتبار أنفسهم مصدر كل السلطات، وبذلك أنكروا السلطة العليا للقرآن، وهذا يعني ضمناً أنهم لم يعودوا مسلمين، ما يعني أيضاً أنه يجوز قتلهم وقتل من يُساعدهم، والمؤيدين لهم حتى لو على سبيل الصمت. وأن كل من يشارك في أي برلمان أو حزب سياسي، أو يذهب إلى الانتخاب، أو يدعو الناس إلى ذلك، أو أي من هذه النشاطات هو منكر تماماً للقرآن، يتوجب قتله.

توصّل الظواهري إلى ما مَفَاده أنك ما دمت تعتقد بهدفٍ سامٍ، فلتكن الوسائل من أقبح ما يمكن أن تكون… لك أن تقتل من الناس ما تشاء لأن الهدف النهائي «نبيل»؛ كانت حجّته مع جماعته: «نحن الطلائع، إننا نتبع الإسلام الصحيح، والآخرون جميعم على خطأ، ليسوا فقط على خطأ، بل إنهم ليسوا مسلمين أيضاً، والوسيلة الوحيدة المتوفّرة لدينا اليوم هي أن نشقّ طريقنا بالقتل نحو الكمال».

إقرأ أيضاً:

ثنائية الإسلام الراديكالي والديكتاتورية العسكرية (2):  سوريا «البعث» و “الإخوان المسلّحون”

 

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.