fbpx

هل بدأت تركيا تطوي صفحة أردوغان؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

ينطوي القول في أن تركيا في طور تجاوز أردوغان على بعض الاستعجال، لا سيما وأننا أمام انتخابية محلية أقل سياسية من الانتخابات التشريعية أو الرئاسية. لكنها انتخابات حملت المؤشر الأول على انتكاسة أردوغان

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قال الصحافي التركي البارز روسان كوكر عن نتائج الانتخابات المحلية في تركيا: ” إنها إعلان عن أن الصفحة التي فُتحت منذ ٢٥ عاماً بدأت تُطوى”! هذا التوقع، اذا ما صح، يعني أننا بدأنا نشهد مرحلة أفول مرحلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وهو ما يعني أيضاً تحولاً هائلاً بدأت تركيا تعيشه، ذاك أن رئيسها، الذي انتقل من رئاسة بلدية إسطنبول إلى رئاسة الحكومة ثم إلى رئاسة الجمهورية، بعد أن تم تعديل الدستور من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي بما ينسجم مع رغبة الطيب في البقاء على رأس السلطة التنفيذية في أنقرة، سيواجه في المرحلة المقبلة تحديات ضعف القوة التمثيلية لحزبه، في ظل نتائج هذه الانتخابات.

خسر أردوغان المعركة في العاصمة أنقرة، ولهذه الخسارة رمزيتها الكبرى، وخسرها أيضاً في أزمير، ثالث المدن التركية، ويبدو أنه خسرها في إسطنبول، عاصمة السلطنة التي لطالما خاطبت وجدان الرئيس.

والحال أن لهذا التوقع مصادر أخرى غير نتائج الانتخابات، ولعل أولها الأزمة الاقتصادية الحادة التي تشهدها تركيا، والتي خسرت العملة التركية في ظلها نحو ثلث قيمتها. وهنا على المرء أن يتذكر أن الاقتصاد كان رافعة صعود أردوغان وحزبه، اذ تمكن في بداية عهده من تحقيق مستويات نمو غير مسبوقة في الاقتصاد التركي، وهذا ما دفع بمدن الأناضول صاحبة الأدوار الاقتصادية الأبرز في البلاد الى الإندفاع وراء حزب العدالة والتنمية، بالإضافة طبعاً إلى الطابع الاجتماعي المحافظ لهذه المدن، والذي يحاكي نموذج العدالة والتنمية في إدارة الحياة العامة.

لكن الاقتصاد لم يكن لوحده رافعة الحزب في ذلك الوقت، وهو اليوم ليس مصدر انتكاسته الوحيدة. فالتحالف الذي جمع حزب أردوغان مع تيار الداعية عبدالله غولن في بداية صعود أردوغان، مكن الأخير من الوصول إلى القواعد المحافظة لأنصار غولن، وهؤلاء اليوم بالنسبة للرئيس وحزبه “شياطين الجمهورية وارهابيوها”، ونتائج هذا الانشقاق وان لم تظهر في الاستفتاء حول التعديلات الدستورية بسبب الطابع البوليسي للسلطة في حينها، فقد وجدت متنفساً لها اليوم على ما يبدو.

وأردوغان أيضاً في مرحلة صعوده الأولى بدا أنه شرع بتسوية تاريخية مع الأكراد، وظهرت بوادر انفراجات فعلية بين أكراد تركيا وبين الحكومة، لكن سرعان ما تراجع الطيب عن وعوده وتبنى خطاباً قومياً لا يقل عنفاً وعداءً للأكراد عن خطاب الجماعات القومية التركية. ومرة أخرى خسر أردوغان معظم الكتلة التصويتية الكردية، وهي تمثل نحو ٢٠ في المئة من حجم الكتلة الوطنية. وهؤلاء لا يقتصر تأثيرهم على مناطق دياربكر، ففي إسطنبول لوحدها يعيش نحو ٤ ملايين كردي.

 

اليوم لا يمكن للرجل أن يتصرف بأنه تركيا. وصار بيد خصومه ومعارضيه وثيقة موقعة من أكثر من ٤٠ مليون تركي قالوا لا لحزب العدالة والتنمية، ولا للرئيس الواحد الأحد.   

 

وبين هذه الكتل التصويتية الكبرى ثمة هوامش ليبرالية غير قومية وغير دينية لا سيما في مدن مثل إسطنبول وأنقرة ناهيك عن أزمير والمدن الكبرى الأخرى، وهذه الهوامش سبق أن انقادت وراء العدالة والتنمية متوهمة أن الحزب صادق بخياراته لجهة انصاف الأقليات والقبول بشروط الاتحاد الأوروبي التي تفضي إلى قبول تركيا عضواً في الاتحاد، وهذه الهوامش طبعاً أحبطها تراجع الحكومات التركية عن كل هذه التوجهات. وكانت ذروة الصدام بين أردوغان وبين هذه النخب في السنوات الأخيرة خنقه الحريات وتحويله تركيا إلى أكبر سجن للصحافيين في العالم، وتضيقه على الأكاديميين وزجهم في السجون.

ولعل أبرز ما يمكن ملاحظته خلال الحملة الانتخابية الأخيرة التي تولاها أردوغان بنفسه، عجز الرجل عن تناول الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد إلا بصفتها “مؤامرة خارجية”، واستحضاره شعارات لمخاطبة جمهور العدالة والتنمية دون غيره، كوعده بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، وعرضه أشرطة مصورة عن مجزرة نيوزيلاندا، وفي هذا مؤشر إلى تصدع القاعدة المحافظة لسلطته، وحاجته لتذكيرها بالبعد الإسلامي لحزبه.

ولعل للموقع الإقليمي المتأرجح الذي حدده أردوغان لتركيا، بين التحالف مع موسكو في سوريا وضدها في الحلف الأطلسي، ومع طهران في الحرب على الأكراد وضدها في سوريا، دور في تصدع ثقة الناخب به. ثم أن ملفاً آخر من المرجح أن يباشر العالم النظر إلى دور أردوغان به، ويتمثل في تحويله المدن التركية ممراً لجماعات راديكالية متوجهة إلى سوريا، وهو ما بدأت تتكشف فصول منه بعد القضاء على “داعش”.

قد ينطوي القول في أن تركيا في طور تجاوز أردوغان على بعض الاستعجال، لا سيما وأننا أمام انتخابات محلية أقل سياسية من الانتخابات التشريعية أو الرئاسية. لكنها انتخابات حملت المؤشر الأول على انتكاسة أردوغان الذي واصل صعوده طوال ربع قرن. اليوم لا يمكن للرجل أن يتصرف بأنه تركيا. وصار بيد خصومه ومعارضيه وثيقة موقعة من أكثر  من 20 مليون تركي قالوا لا لحزب العدالة والتنمية، ولا للرئيس الواحد الأحد.   

تجنيس السوريين في تركيا.. ماهي خلفياته؟؟