fbpx

“إقليم المرأة” الكردي في سوريا لم يحمِ نساءه من جرائم الشرف

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

في نهاية شهر آب/اغسطس الفائت، انتشر مقطع مصور عبر موقع التواصل الاجتماعي لشاب من مدينة الدرباسيةالسورية ذات الغالبية السُكانية الكُردية، والخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكُردية “روجآفا”. في المقطع، يشكو الشاب من قيام قواتٍ أمنية تابعة للإدارة بالبحث عن ابنة أخيه،

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في نهاية شهر آب/اغسطس الفائت، انتشر مقطع مصور   عبر موقع التواصل الاجتماعي لشاب من مدينة الدرباسيةالسورية ذات الغالبية السُكانية الكُردية، والخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكُردية “روجآفا”. في المقطع، يشكو الشاب من قيام  قواتٍ أمنية تابعة للإدارة بالبحث عن ابنة أخيه، التي قررت القاضية “شمس فرحان كلش” تطليقها من زوجها، لأنها لم تبلغ العُمر القانوني للزواج (18 عاماً)، كذلك حكمت المحكمة بسجن المأذون ووالدي العروس والعريس لمُدة عام، كما حكمت بسجن والدتها لأنها اعترضت على تنفيذ الحُكم.
ثمة الكثير من المقاطع المصورة من هذا القبيل، حيث بمجموعها ترسم ملمحاً من شكل الحياة الاجتماعية العامة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكُردية. يومياتٌ تظهرُ سطوة القوة السياسية والايدلوجية والعسكرية المُهيمنة على الحياة الاجتماعية العامة.  فتلك الحادثة، ومثلها الكثير، تجري  في مُجتمعٍ ريفيٍ تماماً، ليس بثقافته الاجتماعية فحسب، بل بظروفه الاقتصادية والحياتية، وفي وضعٍ لا تُقدم فيه  السُلطة الحاكمة أي ضمانات اجتماعية واقتصادية بديلة للطبقات التي تسعى إلى أن يُطبق عليها قانون خاص وايديولوجية اقتحامية.
لا تساهم القوانين والسياسات الاجتماعية التي تدّعيها السُلطة القائمة في منطقة الإدارة الذاتية على التقليل من حجم العُنف العائلي والأهلي، بالذات تلك الجرائم التي تدخل فيما يُسمى ب”جرائم الشرف”. فالحكايات التي تنقلها وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، تُفيد بأن وتيرة جرائم الشرف ما تزال على ما كانت عليه من قبل.
في ظلّ غياب الأرقام الرسمية والسرديات الشفافة، اجتماعياً وحكومياً، المُعلنة عن تلك الجرائم، فأغلب ما يُكشف عنه يقع في دائرة الأحاديث اليومية المُتبادلة: فموقع “كوردستريت” المحلي نقل خبراً عن جريمة نفذها والد من قرية (شوربا) التابعة لناحية (موباتا) في مدينة عفرين، حين قام بقتل ابنته البالغة من العمر خمسة وعشرين عاماً لأنها كانت على علاقة مع ابن عمها. وموقع آخر هو “ثرى” يرصد خبراً عن جريمة نُفذت في مقبرة الزيتونية في مدينة القامشلي، حيث قام الأخ بقتل أخته، بعدما اكتشف تواصلها مع حبيبها على حسب ما ورد في الخبر.
لكن أغلب الروايات عن تلك الجرائم تبقى طيّ الكتمان والإشاعات والاسقاطات الاجتماعية، وليس ثمة أي رصدٍ موضوعي “حكومي” أو من قِبل مُنظمات المُجتمع المدني للوقائع.  
عالمان مُتجاوران.
يحيا الناس الخاضعون لسُلطة الإدارة الذاتية في ظلّ عالمين مُتجاورين مُتعايشين، يتصلان وينفصلان تبعا لعلاقتهما بالايديولوجيا الحاكمة.  الأول، هو عالم لغة وخطابات وقوانين وشعارات الإدارة الذاتية. حيث تحتلّ المرأة ودورها وهويتها بُعداً تأسيسياً في كُل ذلك، فلا يخلو أي بيانٍ أو اجتماع أو خِطاب لحزب الاتحاد الديمقراطي الكُردي، أو أية مؤسسة من مؤسسات الإدارة الذاتي الكُردية، من الإشارة لحُرية المرأة وحقوقها ودورها الرئيسي في الحياة العامة، الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
ثمة تركيز بالغ من قِبل هذه الإدارة وحزبها الرئيس “الاتحاد الديمقراطي” على استثناء تجربتهم السياسية من تجارب باقي أحزاب المنطقة في هذا المجال، وبالذات التجارب السورية والكُردية. وهي مقولات ونزعات مُستمدة من علاقتهم العضوية مع حزب العُمال الكُردستاني، كحزبٍ ايديولوجي أبوي. كذلك فإن هذا المستوى العالي من “الاحتفاء” بالنساء، هو أداة الإدارة الأكثر “ربحية” في خلق أنسجة العلاقة بينهم وبين الدول الغربية.
 يُمكن رصد مؤشرات تفصيلية لذلك في كُل نشاطات وأدبيات هذا التيار. مثلاً في الجلسة التشريعية لـ “مُقاطعة كوباني” بتاريخ 29/08/2015 تم إقرار “مجموعة المبادئ والأحكام العامة الخاصة بالمرأة”. تنص في بعض موادها على نقاط من بينها:
المساواة بين الرجل والمرأة في كافة مجالات الحياة العامة والخاصة.  
من حق المرأة تشكيل تنظيمات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وتنظيمات الدفاع المشروع وغيرها من التنظيمات الخاصة بها بما لا يخالف العقد الاجتماعي.
يمنع تزويج الفتاة بدون رضاها.
يحكم بالسجن من شهر حتى ثلاثة أشهر وغرامة مالية من (100-200 دولار) إذا ثبتت حالة الخطوبة القهرية.
يحكم بالسجن من ثلاثة أشهر حتى سنة والغرامة المالية من (200-600 دولار) إذا تمّ الادعاء بعد الزواج بأن الزواج قسرياً ويحق للمرأة الادعاء بذلك خلال سنة من الزواج. ويتم إلغاء المهر باعتباره قيمة مادية هدفه استملاك المرأة ويحل محله مشاركة الطرفين في تأمين الحياة التشاركية.
تنظيم صكوك الزواج مدنيا.
منع تعدد الزوجات، اذ يعتبر الزواج بامرأة أخرى باطلاً لا ينتج أثراً ويعاقب من يخالف بالسجن سنة كاملة وبغرامة مالية قدرها (ألف دولار) وإذا كان المخالف موظفاً في الإدارة الذاتية الديمقراطية يفصل من عمله .
يحق لكلا الطرفين طلب التفريق ولا يجوز الطلاق بالإرادة المنفردة.
المساواة بين الرجل والمرأة في كافة المسائل الإرثية وينظم ذلك وفق قانون خاص بالمسائل الإرثية.
تجريم القتل بذريعة الشرف واعتباره جريمة مكتملة الأركان المادية والمعنوية والقانونية ويعاقب مرتكبها بالعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات كجريمة قتل عن قصد او عمد وإلغاء أية أعذار قانونية لارتكاب هذه الجريمة ويعاقب على الشروع بالقتل بنفس العقوبة.
فرض عقوبة متشددة على مرتكب الخيانة الزوجية من الطرفين وعقوبتها الحبس من سنة الى سنتين لمن يرتكب جريمة الخيانة الزوجية ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة إلا بناء على شكوى من الزوج أو الزوجة المجني عليه أو عليها مع وجود الدلائل.
تظهر تلك المبادئ بصفتها قوانين بالغة “الثورية الاجتماعية”، لكنها فعلياً لا تُطبق، بل تُستخدم كدعاية سياسية ايدلوجية لمواجهة الأحزاب الكُردية الأخرى، التي توصف بشكلٍ غير مباشر من قِبل دعاية الإدارة الذاتية كأحزاب رجعية مُحافظة غير ثورية اجتماعياً. كما أن الإدارة الذاتية لا تضع السياسات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية الضرورية لتطبيق هذه المبادئ التي يُنادى بها، فالادارة الذاتية ما تزال تقرأ ما تُنادي به بشكلٍ هندسي سُلطوي “مُسطح”.
ما يجري فعلياً على أرض الواقع، هو أن تلك القوانين والمبادئ يتم تطبيقها في مجال محدودٍ للغاية، وبشكلٍ انتقائي جداً، حتى أن الكثير من سُكان مناطق الإدارة يشكون بأن مبادئ وقوانين الإدارة الذاتية التي تُستخدم من قِبل مؤسساتهم ضد الطبقات والعائلات غير الموالية لهم، بشكلٍ ابتزازي فحسب.
لكن هل يعني ذلك بأن الإدارة الذاتية الكُردية لا تقوم بحماية النساء اللواتي يتعرضن للتعنيف والقسر ضمن عائلاتهن! ولا تعاقب المُدانين بارتكاب جرائمٍ الشرف!!.
تقول المُعطيات أنها تفعل ذلك، وأن الكثير من الفتيات والنساء لجأن إلى مؤسسات الإدارة، وأنه جرت حمايتهن. لكن جميع المؤشرات أيضاً تقول بأن ذلك لا يتم بشكلٍ مجاني. فجميع المحميات يُجبرن بشكلٍ أو آخر على أن يُصبحن جزءاً من مؤسسات وعناصر الإدارة الذاتية، بالذات في المجهود العسكري للقوات الأمنية والعسكرية الرديفة لها.
يرى أحد الباحثين المقيمين في مدينة القامشلي، بأن سياسات وتوجهات مؤسسات الإدارة الذاتية تُساهم في زيادة التوترات الاجتماعية. فهي توحي لحيّزٍ من المجتمع، وتحديداً اليافعات والشابات، بأنهن محميات بالقانون وسُلطة الإدارة، لكنها فعلياً تسحب هذه الشريحة من عائلاتهن الطبيعية ليصبحن جزءاً من تنظيمات الإدارة، ولكن من دون أي حماية حقيقة، فهُن يتحولن من ضحايا مُفترضات للعُنف العائلي والاجتماعي، إلى ضحايا للتنظيمات السياسية والعسكرية.  
في هذا السياق، فإن “جرائم الشرف” تبقى ضمن ذلك “العالم المُلتبس” من حيث فوقية استخدام المبادئ والقوانين التي تعتمدها الإدارة الذاتية في الحياة العامة، ومن حيث بقاء المُجتمع على أحواله وظروفه وبُناه التقليدية، حيث لم تزده الحرب إلا نكوصاً على جميع المستويات، بالذات الاجتماعية والاقتصادية..
أغلب مواقع مؤسسات الإدارات الذاتية الإلكترونية مُتخمة بعدد هائل من البيانات والقوانين والتشريعات والشعارات المؤيدة للمرأة وحقوقها، لكن دون أية أرقام أو دراسات أو تقارير استقصائية عن أحوال النساء والعُنف المُمارس ضدهن.
سُلطات مُتعددة.
على أن مسألة “جرائم الشرف” في منطقة الإدارة الذاتية لا تخضع لسُلطتها فحسب، بل ثمة ثلاث أو أربعة مستويات من السُلطات، ضمن نفس المنطقة، تتعامل كُل منها بقوانينها وآلياتها الخاصة مع نفس القضية.
فعدد غير قليل من الذين يرتكبون هذه الجرائم يلجأون لتسليم أنفسهم للسُلطات الأمنية والقضائية التابعة للنِظام السوري، التي ما تزال فاعلة في بعض المُدن، مثل القامشلي والحسكة. عمد مرتكبو جرائم إلى تسليم أنفسهم للشرطة التابعة للحكومة المركزية السورية. يظنّ هؤلاء أن القوانين النافذة لدى النِظام السوري أكثر تساهلاً وقبولاً بالأعذار التقليدية التي تُقدم عادة أثناء ارتكاب مثل هذه الجرائم، وأحكامها القضائية أخف من أحكام الأجهزة القضائية التابعة للإدارة الذاتية.
كما إن قطاعات واسعة من مُجتمع الجزيرة السورية، بالذات من مناطق الريف العربي الجنوبية، لا تخضع لسُلطة الإدارة الذاتية إلا عسكرياً، بينما تحتكم إلى قوانينها الاجتماعية العشائرية المحلية والتقليدية.
تعي الإدارة الذاتية عدم قُدرتها على التحكم والسيطرة المباشرة على تلك المناطق، لأنها مرفوضة لدى القطاع الأوسع من تلك المجتمعات، كذلك لأنها لا تملك الإمكانات الواسعة القادرة على توفير الجهاز القضائي والأمني القادر على الانشغال بتلك الأرياف البعيدة بالنسبة لما تُسيطر عليه من مُدن ومناطق ذات غالبية كُردية.
تجري التفاعلات الاجتماعية في تلك المناطق، ومنها “جرائم الشرف”، في ظل سيطرة القوانين العرفية المُحافظة للغاية، والتي لم تعد تخضع حتى للأنظمة القضائية السورية الأكثر تشدداً من تلك القوانين العُرفية، بالرُغم من حجم التساهل الذي تقدمه القوانين السورية لمثل تلك الجرائم.
ثمة إحساس مُنتشر ضمن طبقة واسعة من مُرتكبي هذه الجرائم في أن الإدارة الذاتية لن يطول بها العُمر طويلاً، وهي في أفضل الأحوال ستتحول وتدخل في أطوارٍ جديدة، سياسياً وتنظيماً، حيث ستنهار مؤسساتها القضائية والأمنية عبر تلك التحولات، وبذا ستزال أحكامها وقتئذ، ولن تُنفذ فعلياً الأحكام المُشددة التي تتخذها ضد مُرتكبي هذه الجرائم.
 [video_player link=””][/video_player]

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.