fbpx

اللجنة الدستورية السورية… هل من أجلها ثار السوريون؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل فعلاً تمثل اللجنة الدستورية الفرصة الأخيرة للحلّ السياسي في سوريا، وتحقق تطلعات السوريين وآمالهم، أم تم اختصار تضحياتهم في تعديلات دستورية أو دستور جديد؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تشكيل اللجنة الدستورية السورية، وفي تصريح له لوكالة “فرانس برس” قال: “أعتقد بشدة أن تشكيل لجنة دستورية يتولى السوريون أنفسهم تنظيمها وقيادتها، يمكن أن يكون بداية طريق سياسي نحو حل”. 

هل فعلاً تمثل هذه اللجنة الفرصة الأخيرة للحل السياسي في سوريا، وتحقق تطلعات السوريين وآمالهم، أم تم اختصار تضحياتهم في تعديلات دستورية أو دستور جديد؟ وهل كانت ثورة السوريين وتضحياتهم فقط لإقرار إصلاحات دستورية، أم للانتقال إلى دولة وطنية ديموقراطية قائمة على العدالة والمساواة والمواطنة؟

نشأة اللجنة الدستورية 

تعود نشأتها إلى مؤتمر الحوار السوري – السوري الذي نظمته روسيا في مدينة سوتشي أواخر كانون الثاني/ يناير عام 2018، وهو مؤتمر حضره قرابة 1500 شخص معظمهم من سوريا، وقاطعته قوى الثورة والمعارضة السورية، وأبرزها الائتلاف وهيئة التفاوض المعارضة. وحضره عدد محدود من وفد المعارضة السورية في آستانا، إضافة إلى شخصيات مستقلة.

تعتبر اللجنة الدستورية من أهم إضافات المبعوث الأممي السابق للقضية السورية ستيفان دي مستورا، وقد ألحقها وقدمها ضمن السلال الأربع التي تضمنها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر عام 2015، وتم الإعلان عن هذه السلال في جولة جنيف الرابعة للمفاوضات بين النظام والمعارضة عام 2016، وهي: 

– السلة الأولى: القضايا الخاصة بإنشاء حكم غير طائفي يضم الجميع، مع الأمل بالاتفاق على ذلك خلال 6 أشهر.

– السلة الثانية: القضايا المتعلقة بوضع جدول زمني لمسودة دستور جديد، مع الأمل بأن تتحقق في 6 أشهر.

– السلة الثالثة: كل ما يتعلق بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد وضع دستور، وذلك خلال 18 شهراً، تحت إشراف الأمم المتحدة، وتشمل السوريين خارج بلادهم.

– السلة الرابعة: استراتيجية مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية، وبناء إجراءات لثقة متوسطة الأمد.

تشكيل اللجنة ومرجعيتها

تتكون اللجنة الدستورية من 150 عضواً، وقسمت إلى ثلاث حصص أو أقسام رئيسية متساوية، وهي 50 عضواً من النظام و50 من المعارضة و50 عضواً ضمن قائمة مستقلة من المجتمع المدني ترشحهم الأمم المتحدة، على أن يكون على رأس اللجنة مشتركة شخص من النظام وآخر من المعارضة. وتتخذ اللجنة قراراتها بالتصويت وبأغلبية لم يتم تحديدها بعد، واستغرق الاتفاق على هذه الأسماء سنة كاملة من المباحثات بين المبعوث الأممي ونظام الأسد ودول محور آستانا.

تعود نشأة اللجنة إلى مؤتمر الحوار السوري – السوري الذي نظمته روسيا في مدينة سوتشي أواخر كانون الثاني/ يناير عام 2018

أما مرجعية اللجنة الدستورية فهي موضوع خلافي، قانونياً ودستورياً وأيضاً سياسياً، بين النظام والمعارضة والأمم المتحدة. وتعتبر أبرز النقاط الخلافية في المرحلة المقبلة بينهم، فالنظام يعتبرها لجنة إصلاح دستوري لدستور عام 2012 وما تقدمه مجرد توصيات تقدم إلى مجلس الشعب السوري الحالي لإقرارها من قبله، أما المعارضة فتعتبرها جزءاً من عملية الانتقال السياسي وقرارات مجلس الأمن، وبخاصة القرار رقم 2254، فيما المبعوث الأممي الحالي إلى سوريا غير بيدرسن رأى أن آلية عمل اللجنة وطريقة اتخاذ القرار فيها، جزء من التفاوض غير المباشر الذي يقوده بين المعارضة والنظام، مشيراً إلى أن اللجنة الدستورية والسلال الأربع للقرار الأممي 2254 جزء من حل سياسي يعمل على تحقيق بنوده بصورة متوازية.

أبرز المخالفات التي رافقت انطلاق عمل اللجنة

من المعلوم أن دساتير الدول توضع وتنشأ في أوقات الاستقرار لتحقق أعلى مستوى من المشاركة العامّة لضمان إصدار دستور توافقي يحظى بقبول مختلف فئات الشعب، ويُطرح لحوار واسع في المجتمع وفق الضوابط المعمول بها في الديموقراطيات الحديثة، ومنها إقرار مشروع الدستور بأغلبية خاصة لا تقل عن ثلثي عدد المقترعين في استفتاء لا يكون صحيحاً إلا بمشاركة نصف العدد الإجمالي للهيئة الناخبة فيه.

وفي الحالة السورية بعد الانتفاضة الشعبية عام 2011 وما نتج عنها من نزاع مسلح وتهجير ونزوح لنصف الشعب السوري، اتجهت المفاوضات السورية لتأخذ شكل التسوية الدستورية في عمليّة أكثر إحكاماً ومحدودية، مع قدر محدود من المشاورات العامّة، أو ربما من دونها على الإطلاق، لتأخذ منحى سرياً بين أعضائها وتخضع لمصالح ممثلي النظام والمعارضة وأهوائهم وتوافقاتهم، وبتدخل دولي كبير، بعيداً من أي دور ومشاركة فعلية للسوريين أنفسهم.

 ولعل أبرز المخالفات الدستورية التي رافقت إطلاق هذه اللجنة هو الإطار والمرجعية القانونية والدستورية لعملها، فالقرار الأممي رقم 2254 وبيان جنيف 1، نصّا على عملية الانتقال السياسي بترتيب قانوني محدد. وجاء في المقدمة تشكيل هيئة الحكم الانتقالية، ومن ثم جاءت السلل الأخرى من دستور وانتخابات، واتجاه الأمم المتحدة إلى سلَّة الدستور فقط، هو إلغاء قانوني وعملي لهيئة الحكم الانتقالي، لأنها قانوناً ومنطقياً تعتبر الجهة المنوط بها وضع الدستور، وإجراء الانتخابات والقيام بكل العمليات القانونية لها.

وبالتالي، مع إلغاء التسلسل المنطقي للعملية السياسية التي يجب أن تبدأ بهيئة الحكم الانتقالي، والقفز مباشرة إلى الدستور، من سيعلن قانوناً عن قيام اللجنة الدستورية؟ ومن سيعلن قانوناً عن أعضائها؟ ومن سيعلن قانوناً عن آليات عملها القانونية في إقرار للمواد والفقرات، وما آلية التصويت فيها، والنسب المقررة للإقرار؟ ومن سيعلن قانوناً عن انتهاء عملها؟ ومن سيعلن قانوناً عن الدعوة للاستفتاء على الدستور؟ ومن سيقره قانوناً رسمياً بعد الاستفتاء عليه؟ وفي النهاية، من سيعمل على تطبيقه قانوناً؟ 

لعل أبرز المخالفات الدستورية التي رافقت إطلاق هذه اللجنة هو الإطار والمرجعية القانونية والدستورية لعملها

وهذه النقطة المتمثلة بمرجعية اللجنة ومشروعيتها وأطرها التشريعية والدستورية والقانونية، تشكل قنبلة موقوتة تهدد اللجنة بالانفجار في أي وقت، وإذا علمنا أنه وفقاً لقاعدة قانونية أصولية، صاحب الحق بالتعيين هو نفسه صاحب الحق بالعزل، وهذا ما يلحق بالقرار، أي صاحب الحق بإصدار القرار هو نفسه صاحب الحق بإلغائه، ومع سحب هذه الصلاحية من هيئة الحكم الانتقالي التي لم تشكل بعد، نكون أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول أن النظام هو من سيمنح هذه المشروعية للأمم المتحدة في تشكيل هذه اللجنة، وهذا اعتراف قانوني كامل من المعارضة السورية ومن المجتمع الدولي بشرعية نظام الأسد وتأكيد لها، ليغدو النظام قادراً على تعطيل أي إجراء فيها لأنه هو المرجع القانوني. وهو ما صرح به مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري رافضاً ونافياً أن يكون لدي مستورا (المبعوث الأممي السابق) تفويض بأي تشكيل عبر تأكيده أن عملية وضع دستور لسوريا، هو من ضمن أعمال سيادة الدولة، وبذلك تكون المعارضة والأمم المتحدة قد سلمت قضية الشعب السوري ومطالبه التي بذل في سبيلها تضحيات كبيرة، لنظام الأسد.

الخيار الثاني أن تكون المرجعية هي الأمم المتحدة عبر إصدار قرار من مجلس الأمن يتضمن الاعتراف بهذه اللجنة، وتحديد مهماتها وصلاحياتها والجدول الزمني لعملها وتطبيق قراراتها وما ينتج عنها. وهذا يعني بالنتيجة أن سوريا أصبحت تحت الوصاية الأممية، وهذا لن تقبله روسيا ونظام الأسد فالذي لم يخسروه في الحرب، لن يقبلوا أن يخسروه في المفاوضات، فنظام الأسد طوال 8 سنوات لم يقدم أي تنازل سياسي أو قانوني أو شعبي للسوريين، ودمر نصف البلاد وهجر نصف شعبها للبقاء في السلطة، وروسيا لن تقوم بأي ضغط حقيقي على الأسد لتقديم أي تنازل سياسي أو قانوني فعلي لمصلحة الشعب السوري فبينهما اتحاد مطلق بالمصالح ، وأي تنازل روسي ضد مصلحة النظام هو تنازل عن مصالح روسيا التي لا تبخل باستخدام “الفيتو” في مجلس الأمن لمصلحة الأسد ونظامه.

أوساط النخب السورية ترفض؟

رافق الإعلان عن اللجنة الدستورية السورية وقبلها بأيام حالة رفض عام للجنة، وما سيصدر عنها وطعن بدستوريتها ومشروعيتها ومن بين أبرز الرافضين لها المحامي أنور البني، الذي كتب على صفحته على موقع “فايسبوك”: “رجال دول “كبرى” بوتين – روحاني – أردوغان يلعبون ويلتهون بدمية صغيرة “اللجنة الدستورية” يتقاذفونها ويطلقون بها في الهواء ويتلقفونها بحركات بهلوانية، وفي ظنهم أن هذا اللعب سيجذب اهتمام العالم لصرف النظر عما يجري على الأرض في سوريا، مما يساعدهم على متابعة جرائمهم وهم آمنون، اللجنة الدستورية خيانة كاملة لآمال وتطلعات الشعب السوري. ومحاولة التفاف كاملة على المرحلة الانتقالية المنصوص عنها بالقرار 2254 وبيان جنيف، وتغييب لقضية المعتقلين والمختفين قسراً وتغطية للجرائم وحماية للمجرمين ضد الإنسانية ومجرمي الحرب، كفاكم لعباً، وآن للدمى المتحركة أن تهترئ، لن نتجاوز العدالة والقصاص من كل المجرمين. ستبقى العدالة منارتنا الوحيدة لحل الوضع السوري وبناء سوريا الجديدة التي لن تكون إلا خالية من المجرمين”.

وكتب الوزير السوري السابق الدكتور نضال الشعار على “فايسبوك” رأيه بتشكيل اللجنة الدستورية معدداً مخالفات حصلت في تشكيلها وهي:

  1. “مخالفة دستورية (1): لا يوجد أي نص دستوري أو قانوني في تاريخ سوريا يسمح بتشكيل أي لجنة أو هيئة لوضع الدستور من دون إجماع وتشريع وقرار.
  2. مخالفة دستورية (2): لا يمكن لمخرجات هذه الهيئة الدستورية أن تحظى بقبول الشعب وأغلبه مشتت ونازح وجائع.
  3. مخالفة ديموقراطية: لا يمكن أي من الديموقراطيات أن تسمح بتشكيل هيئة لوضع الدستور من دون موافقة الشعب.
  4. مخالفة سيادية: لا يمكن أي دولة صاحبة سيادة أن تقبل بتشكيل هيئة دستورية مختارة من قبل الأجنبي.
  5. مخالفة مهنية: لا يمكن أي هيئة دستورية أن تحتوي أشخاصاً جهلة لم (ولن) تكون لهم المقدرة المعرفية والمهنية لوضع نهج البلاد.
  6. مخالفة جغرافية وسيادية: لا يمكن أن يتم تشكيل هيئة دستورية خارج البلد بغض النظر عن ظروف هذا البلد.
  7. جريمة أخلاقية (1): لا يمكن أي هيئة دستورية أن تتشكل من دون إرادة الشعب ورغباته.
  8. جريمة أخلاقية (2): لا يمكن أي هيئة دستورية أن تعمل بنزاهة وهناك أطراف أجنبية تسيطر عليها.
  9. جريمة أخلاقية (3): لا يمكن أي مواطن شريف أن يقتنع بأن المشكلة في سوريا هي مشكلة دستور.
  10. مخالفة إنسانية: لا يمكن أي هيئة دستورية أن تعمل بفاعلية وأغلب أعضائها بعيد من البلد ولا يلامس الجوع والفقر والحاجة ومعاناة الأغلبية في الداخل والخارج”.

وأعلن المبعوث الأممي عن إطلاق اللجنة الدستورية السورية، التي ستضع دستوراً جديداً، وهو اختصار للقضية السورية، والانتفاضة الشعبية بدستور مكتوب على الورق، وكأن مشكلة السوريين وثورتهم كانت لأجل تعديل الدستور من دون تطبيقه، وليتم إقراره من شخصيات من النظام والمعارضة والمجتمع المدني، وجميعهم تم فرضهم بقرارات تعيين من الجهات التي يتبعون لها سواء كيانات معارضة أو نظام أو أمم متحدة. 150 شخصية سورية تمت تسميتهم بالتعيين من دون أن يكون لأي مواطن سوري في كوكب الأرض الحق في اختيارهم ممثلين له، ومن دون معرفة كفاءاتهم ومقدراتهم العلمية والقانونية، ومن دون معرفة السيرة الذاتية حتى لكثيرين منهم، علماً أنه وفي الحالة السورية تحديداً على الدستور أن يشكل عقداً اجتماعياً بين أطياف الشعب، يضمن قطيعة تامة مع الحقبة الدامية الماضية تأسيساً لدولة جديدة. وهي عملية يكون فيها للمواطنين السوريين الحق في المشاركة فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر ممثليهم الشرعيين المنتخبين ديموقراطياً لضمان احترام هذا الدستور من قبلهم، وإحساسهم بأنهم شاركوا في وضعه إيذاناً ببدء مرحلة جديدة تنهي الصراع وتضمن الولوج في عملية إعادة الإعمار والبناء، وعودة اللاجئين والمهجرين إلى بيوتهم، لا أن يتم فرض هذه الأسماء عليهم من قبل أطراف خارجية أو أشخاص يعملون لمصلحة دول وأجندات إقليمية ودولية، فهناك فرق كبير بين دولة فيها دستور، ودولة دستورية. فالدولة السورية الجديدة لن تكون دولة دستورية، إلا إذا كان دستورها معبراً عن توافق وطني يحظى برضا عام في المجتمع، وتستمد السلطة التنفيذية فيها شرعيتها من الشعب ويكون القانون سيداً لها وليس عبداً تفعل به ما تشاء، بلا رقابة أو مساءلة أو محاسبة. وفي هذا المقام لم ينسَ السوريون بعد كيف تم تعديل الدستور السوري عام 2000 في ساعات، ليصبح على مقاس بشار، ليخلف والده في رئاسة سوريا.

سوريا الأسد لم تعد واقعية… ولكن أين سوريا الأخرى؟

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.