fbpx

المصنع: من أرسل التونسيين إلى سوريا؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يجزم كل من التقاهم “درج” في تونس من باحثين وصحافيين ومسؤولين أن وراء التسفير إلى سوريا في مرحلة ما بعد الثورة جهات يعرفها الجميع.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تقول تحية السبوعي، وهي من مدينة القيروان التونسية، وأم لشاب غادر إلى سوريا وقتل فيها، إنها عرفت أن ابنها بصدد السفر إلى سوريا قبل أن يغادر وأبلغت الشرطة التونسية وقتذاك بنية ابنها، فأوقفته الشرطة لساعات قليلة على الحدود مع ليبيا، لكنها ما لبثت أن أفرجت عنه، ودخل إلى ليبيا ومنها إلى سوريا من طريق تركيا.

يجزم كل من التقاهم “درج” في تونس من باحثين وصحافيين ومسؤولين أن وراء التسفير إلى سوريا في مرحلة ما بعد الثورة جهات يعرفها الجميع. وإذا نحينا جانباً اتهام “حركة النهضة” التي كانت تحكم في ذاك الوقت، وهو اتهام أكثر من سياسي ويستند إلى وقائع وقرائن شبة أكيدة، فإن الحرية التي نعمت بها الجماعات السلفية الجهادية بعد عام 2011، كان لها الدور الأبرز في تضخم هذه الظاهرة وفي انتشارها في المدن التونسية كلها. ففي تلك السنوات، وتحديداً عام 2012، صار السلفيون الجهاديون جزءاً من المشهد السياسي التونسي، ورحنا نحن الصحافيين الذين كنا نزور تونس لتغطية مرحلة ما بعد الثورة، نزورهم في مساجدهم في العاصمة وخارجها. في تونس العاصمة، كان مسجد الفتح ومحيطه المكان الذي يتجمع فيه هؤلاء، ويتحدثون بطلاقة عن تنظيمهم رحلات “الخروج” إلى سوريا. كان ذلك يحصل تحت أنظار رجال الشرطة، وفي ظل ابتساماتهم التي لم نتمكن من تفسيرها.

لكن خلف مشهد الخيم الدعوية والمساجد التي احتلها السلفيون الجهاديون الخارجون من السجون، كانت جمعيات خليجية تتولى تمويل “الخروج إلى الجهاد”. لدى الصحافيين التونسيين اليوم قرائن كثيرة عن دور تمويلي لجمعيات سعودية وقطرية جاءت إلى تونس، في أعقاب سقوط النظام فيها. فرحلة “الجهادي” إلى بلاد الشام كانت تحتاج مبلغاً من المال غير متوفر لدى غالبية الشبان الذين غادروا، ناهيك بأكلاف اصطحاب زوجاتهم معهم، وعن مبالغ دفعت لبعض الأهالي، وهذا كله لم يكن يحصل سراً.

تقول حنان زبيس، وهي صحافية تونسية شاركت في تحقيقات استقصائية عن الظاهرة: ” التسفير إلى سوريا حصل خلال فترة حكم الترويكا بين أواخر عام 2011 وأوائل عام 2015. كانت هناك سياسة واضحة لتشجيع الشباب التونسي للسفر إلى مناطق النزاع وتحديداً سوريا. تم إعطاء تسهيلات لهؤلاء الشباب على مستوى المناطق الحدودية، وعلى مستوى التمويل وعلى مستوى تسهيل استصدار جوازات سفر. حكومة النهضة كانت على علم كامل بهذه الظاهرة، ولم تقف في وجهها”.

لكن المسؤولية الحاسمة التي تتحملها “حركة النهضة” في تسهيل رحلة “الجهاديين” إلى سوريا لا تنفي تقاطع مهمة التسهيل مع توفر شروط “وطنية” تونسية طاردة إلى سوريا وغيرها. فانهيار نظام بن علي دفع بأبناء الضواحي المهمشة إلى صدارة المشهد التونسي، وهؤلاء كانوا خارج الأطر السياسية لمرحلة ما بعد الثورة، وتحول الدعاة السلفيون العائدون من الخارج، أو الخارجون من السجون، الذين اقتحموا المساجد وطردوا أئمتها إلى قادة محليين، وهؤلاء كانوا من خارج القواعد التقليدية لحركة النهضة. والأخيرة أجادت توظيفهم في مواجهة القوى العلمانية المحلية من جهة، وفي مشاريعها الإقليمية التي انخرطت فيها مع أشباهها في الاخوان المسلمين في ليبيا وتركيا، وصولاً إلى سوريا التي “أهدتها” النهضة ما يفوق 5 آلاف “جهادي” تونسي وصلوا إليها من طريق “الأخوة في تركيا”.

يعدد محمد إقبال بن رجب، وهو رئيس جمعية التونسيين العالقين في الخارج، محطات تكشف دور النهضة في تسهيل مهمة التسفير، فيذكر خطب إمام مسجد الفتح نور الدين الخادمي القريب من النهضة في حينها والتي كانت تحرض على “الجهاد” في سوريا، ولاحقاً تمت ترقية هذا الإمام وصار وزيراً للشؤون الدينية في حكومة النهضة. إضافة إلى تصريح موثق لمسؤول في النهضة هو حبيب اللوز قال فيه: “لو كنت شاباً لتوجهت للجهاد في سوريا”.

عائلات المجاهدين

على رغم حسم كل المشتغلين في ملف التونسيين الذين توجهوا للقتال في الخارج قضية مسؤولية حركة النهضة في تسهيل مهمتهم خلال مرحلة حكمها في تونس، إلا أنه ثمة إجماع ضمني في تونس على طي هذا الملف وتفادي تحميل هذه الجماعة المسؤولية السياسية والقضائية عنه. ويستبعد محمد إقبال أن تتشكل حكومة في تونس تضع على عاتقها قضية العالقين في الخارج، ويراهن على ممارسة هيئات دولية مثل الأمم المتحدة ضغوطاً على الدول لاستعادة رعاياها، لا سيما الأطفال منهم. وهنا تبرز مشكلة موازية، وهي التحقق من تونسية الأطفال، ذاك أن موت الآباء في الرقة كان غالباً ما يتبعه زواج الأم من رجل آخر، وبالتالي نشوء عائلات مزدوجة الأب. وهذه حال مئات العائلات من العالقين في مخيمات شمال سوريا، من التونسيين ومن غير التونسيين. فتجربة العيش في “دولة الخلافة” أنتجت أنماطاً اجتماعية وعائلية، لا يبدو أن قوانين الأحوال الشخصية في الدول التي صدرت “المجاهدين” معدة للتعامل معها، لعل أبرزها ظاهرة العائلات ثنائية الأب، والتسويات العائلية وغير القانونية التي تجري لفصل الاخوة غير الأشقاء. هذا ما يسعى إليه مثلاً عز الدين الطومي من ولاية المهدية في جنوب تونس، وهو جد لحفيدين يقيمان اليوم في مخيم الروج. فابنه عبد المنعم، والد الطفلين قتل في الرقة، وزوجته اقترنت بعنصر آخر من “داعش” أنجبت منه طفلين آخرين، لكنه قتل أيضاً. هذا بينما أقدمت ياسمين اللبنانية على تسجيل ابنها من زوجها التونسي الذي تزوجته بعد مقتل زوجها اللبناني في الرقة أيضاً باسم زوجها اللبناني، وصار ابن المجاهد التونسي لبنانياً.

عبد المنعم مهندس تخرج من جامعة كندية وعاد إلى تونس، وفي مدينة المهدية ارتبط بزوجته وهي من عائلة غادرت كلها إلى الرقة بهدف “العيش في سبيل الله”، ذاك أن والد الزوجة ووالدتها قررا الانتقال إلى “دولة الخلافة” كخيار عيش، وعلى أولادهما أن يكونوا جزءاً من “جند الخلافة”. وفي ذلك الوقت كان “الخروج” متاحاً للعائلات أيضاً.

اليوم وبعد مضي نحو 9 سنوات على بدء الظاهرة ونحو 4 سنوات على محاصرتها أمنياً وسياسياً، يجمع الباحثون على أن شروط تجددها الداخلية ما زالت قائمة، فـ”داعش” بحسب ناجي جلول “قدم حلولاً خاطئة لمشكلة حقيقية، وهي التهميش”. ويشير جلول إلى أن مشكلة الأمية في تونس تبلغ نسبتها نحو 80 في المئة في بعض المناطق، ونحو 32 في المئة من التونسيين يعانون من سوء التغذية، وحوالى 300 ألف جامعي عاطل من العمل. وإذا أضفنا إلى هذه المؤشرات وجود بؤر توتر في الخارج ووضع سياسي داخلي يسهل عمل هذه الجماعات، فإن ولادة جيل جديد من الإرهابيين أمر حتمي.

يكرر مسؤولون في تونس متلازمة أن ظاهرة المقاتلين الأجانب في “داعش” ليست ظاهرة تونسية وحسب، والدول المعنية بهذه الظاهرة ومن بينها الدول الأوروبية تحاول تفادي التعامل مع هذه الظاهرة. علماً أن ما يقوله هؤلاء صحيح، وإن كان لا يشكل حلاً. دول مثل فرنسا مثلاً لديها مواطنون في السجون الكردية والعراقية وهؤلاء لديهم أطفال ونساء في مخيمات العزل. ويمثل هؤلاء ارباكاً كبيراً في العلاقة بين باريس وبين سلطات بلد مثل العراق سبق أن أصدر أحكام إعدام بحقهم واحتجت باريس بسبب صدور هذه الأحكام لأنهم فرنسيون، وفي فرنسا لا أحكام بالإعدام. إلا أن باريس في الوقت نفسه ترفض محاكمتهم على أرضها.

المأزق في تونس أكبر، ذاك أننا نتحدث عن آلاف المقاتلين، وعن عدد أكبر من النساء والأطفال. وكان مسؤول في “قسد” قال لـ”درج” إن محاولاتهم التواصل مع السلطات التونسية للبحث في مصائر المقاتلين الأسرى والنساء والأطفال باءت كلها بالفشل، هذا في وقت قال رئيس جمعية التونسيين العالقين في الخارج محمد إقبال لـ”درج”، إن الوسيلة الوحيدة لكي تتسلم السلطات التونسية امرأة من العائدات من سوريا هو أن تنجح هذه المرأة في الوصول إلى تركيا وتسليم نفسها إلى السلطات هناك، فتتولى الأخيرة تسليمها إلى السفارة التونسية فتصبح الأخيرة ملزمة بنقلها إلى تونس. لكن الوصول إلى تركيا صار أمراً شبه مستحيل على هؤلاء.

جيل رابع من الجهاديين؟

يعدد الكاتب هادي يحمد المصادر المحتملة لولادة جيل رابع من “الجهاديين” التونسيين، فيقول إن السجون الآن تضم حوالى 3000 جهادي تونسي، وثمة رقم يوازي هذا الرقم من مشاريع “الجهاديين” الذين منعتهم السلطات من مغادرة البلاد في فترات سابقة، بحكم الاشتباه بأنهم في صدد المغادرة إلى مناطق النزاع. وإذا أضفنا إلى هؤلاء من بقي على قيد الحياة وخارج السجون ممن نجحوا في الوصول إلى سوريا وليبيا، فهذا يعني بحسب يحمد أننا أمام جيل جاهز لاستئناف العنف إذا ما أتيحت له الفرصة لذلك مجدداً. الفرصة تتمثل في ولادة بؤرة نزاع جديد خارج الحدود أو داخلها، وشرط سياسي داخلي من نوع نجاح النهضة في الوصول إلى الحكم مجدداً.

أما زبيس التي تعقبت مصائر النساء التونسيات العالقات في مخيمات العزل في شمال سوريا، فتؤكد أن نواة الجيل ستتشكل في مخيمات العزل. وأضافت: “بدأت تأتينا معلومات عن أن كثراً من المقاتلين والأطفال والأمهات بدأوا التوجه إلى أوروبا وهناك يصرحون بأنهم سوريون ولهم الحق باللجوء مثلهم مثل اللاجئين السوريين”. نساء كثيرات قلن لحنان أثناء تواصلها معهن إنهن في حال لم تستقبلهن تونس سيتوجهن إلى أوروبا، وهذه طريق سبق أن سلكها آخرون ونجحوا.

تشعر الطبقة السياسية التونسية بأن بإمكانها المراوغة في التعامل مع ملف المقاتلين التونسيين في بؤر النزاع ومع عائلاتهم العالقة في مخيمات الحجز. لا مشروع محدداً للتعاطي مع هذه الظاهرة. هناك نحو ألف مقاتل نجحوا في الوصول إلى تونس وتم اعتقالهم ومحاكمتهم، لكن هؤلاء هم من بادر إلى العودة وإلى تسليم أنفسهم. آلاف آخرون ما زالوا إما في السجون العراقية والكردية وإما متوارين في الصحراء، علماً أن عدداً كبيراً منهم قتل من دون أن تتمكن عائلاتهم من الاستحصال على شهادات وفاة، ولا على وثائق لأولادهم الذين ولدوا هناك. ويبدو التنصل من المسؤولية في التعاطي مع هذا الملف موازياً لتنصل أول مارسته السلطات حين أتاحت لكثيرين مغادرة تونس من أجل “الجهاد” خارجها. وقتذاك توهمت “النهضة” أنها تساعد على الإطاحة ببشار الأسد، وتوهَّم العلمانيون أنهم يتخففون من وجود “جهاديين” في تونس. في حينها قال زعيم حركة النهضة لسيدة جاءته مطالبةً بمنع ابنها من التوجه إلى سوريا: “إذا مات فسيكون شهيداً”. هذه السيدة لم يمت ابنها، لكن الجواب جاءها من ناجي جلول، الموظف برتبة وزير في رئاسة الجمهورية، إذ قال رداً على سؤال عن مصير المجاهدين: ” لماذا تريد أن تحمّل تونس وشعبها مصائب قام بها دعاة وجماعات قدمت من الخارج بعد الثورة واغتنمت فرصة انهيار الدولة وضعف مؤسساتها لترسل هؤلاء إلى الخارج!”.

التحقيق تم بدعم من مؤسسة National Endowment for Democracy NED

المصنع: تونس لا تريد عودة “دواعشها”!

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.