fbpx

امرأة عراقية في قلب المتغيرات المناخية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في ناحية سومر، على بعد 30 كيلومتراً شمال مدينة الديوانية في الفرات الأوسط في العراق، تعيش حليمة السوادي في قلب المتغيرات المناخية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في ناحية سومر، على بعد 30 كيلومتراً شمال مدينة الديوانية في الفرات الأوسط في العراق، تعيش حليمة السوادي في قلب المتغيرات المناخية. أزورها في منزلها المحاط بأشجار نخيل تتدلى عناقيد التمر تحت سعوفها. تشير مساحة خضراء إلى جانب غرفة استقبال الضيوف إلى الخضراوات الصيفية مثل البامية. الحرارة تتجاوز 41 درجة مئوية، لكننا مع ذلك نبدأ الحديث عن يوم غير قائظ، ذلك أن أيام شهر آب/ أغسطس وقبله شهر تموز/ يوليو، شهدت درجات حرارة غير مسبوقة، وتجاوزت نصف الغليان: فوق 50 درجة مئوية. أسأل والد حليمة المسن عما يتذكره من أيام الحرّ في الجنوب العراقي، فيحدثني عن فصل حرّ مشابه عاشه في بداية خمسينات القرن المنصرم.

تعيل حليمة أربع عائلات لا تجد من تستند إليه، من خلال الزراعة، وعليها تالياً التأقلم مع الأوضاع المناخية الجديدة بغية الاستمرار في إعالة فروع عائلتها الكبيرة. هي الوحيدة القادرة على العمل وفلاحة الأرض، ابنها الوحيد عقيل فقد إحدى ذراعيها في حرب “داعش” وأصبح من ضحايا حرب كلّفت العراقيين خسارات لا توازيها الانتصارات المعلنة. أما والدها الطاعن في السن فلم يعد قادراً على شيء، سوى رواية سيرة العائلة والمنطقة، وبينهما سيرة البلد. أصبحت حليمة جزءاً من طبيعة جنوب العراق ومقتضياتها الجديدة التي تفرضها شروط المناخ، صيف طويل وحار، وشتاء قصير تتخلله فيضانات وسيول.

ما يثير انتباهي هو معرفة هذه المرأة الجنوبية بالتغيرات المناخية والتلوث البيئي، على رغم أنها لم تكمل مراحل التعليم الابتدائية، لكنها تتحدث عن سبل مواجهة المتغيرات بلغة تمزج بين العلم والوعي الفطري بما يمكن تسميته الحلول المستمدة من الطبيعة، فهي تعمل مزارعة وتستغل أرضها منذ ثلاثة عقود.

ما يثير انتباهي هو معرفة هذه المرأة الجنوبية بالتغيرات المناخية والتلوث البيئي، على رغم أنها لم تكمل مراحل التعليم الابتدائية

تستخدم جهاز تلفون للاتصال عبر الإنترنت للحصول على معلومات حول آخر ما توصلت العلوم حول التغير المناخي وسبل مواجهته والتقليل من خسائره. وقد سمعت بالتغير المناخي والتلوث الزراعي للمرة الأولى في العاصمة بغداد، حيث كانت تزور مستشفى الطفل المركزي لعلاج الأطفال المصابين بمرض السرطان. تأثرت بأجساد الأطفال النحيلة في مواجهة المرض وبدأت تسأل وتستفسر عن أسباب الانتشار الواسع لهذا المرض في البلاد، وكانت الإجابات على الأغلب تدور حول التلوث في المياه والزراعة فضلاً عن التغير المناخي. بعد العودة إلى منطقتها في ريف مدينة الديوانية أصبحت حليمة أسيرة البحث عن المعلومات حول التغير المناخي والتلوث، ولم يكن أمامها من سبيل للحصول على المعرفة سوى جهاز تلفون تحول مع مرور الوقت إلى نافذة كبيرة للاطلاع على كل شيء، يتعلق بالمياه والتلوث والمناخ والزراعة. كانت تعيش قبل ذلك تفاصيل المتغيرات المناخية في بلدتها (الفاضلية)، من خلال عملها اليومي في الأرض حيث تتجاوز درجات الحرارة نصف الغليان في الصيف، ولا تكفي المياه المتوافرة لإسقاء المزروعات.

حين بدأت أم عقيل البحث وقراءة المقالات المنشورة حول التغير المناخي والتلوث وجدت نفسها أمام تأثر الزراعة ونوعية الإنتاج الزراعي بهما، من هنا تجد نفسها في قلب المشكلة، ذاك أنها تعتمد المحصول الزراعي التي تحصل عليه في أرضها لإعالة أربع عائلات. وهي من ناحية أخرى تعيش المتغيرات المناخية من خلال عملها اليومي والمقارنة بين ما يحصل الآن في ما خص ارتفاع درجات الحرارة، وبين السنوات الماضية حيث كانت تقوم بزرع الشتلات في الشهر الثامن (شهر آب/ أغسطس) وتنقلها إلى البيوت البلاستيكية في نهاية شهر أيلول/ ستمبر أو في أواسط تشرين الأول/ أكتوبر. “أما اليوم، فنحن في الأسبوع الثاني من أيلول ولم نزرع الشتلات بعد وذلك بسبب الحرارة”، تقول السوادي. وتشير في ذات السياق إلى أن الزراعة الصيفية كانت تنتهي في شهر كانون الأول/ ديسمبر لكل عام بسبب مجيء البرد، إنما أصبحت الآن شبه مستحيلة بسبب الحر.

لقد أوصل الجفاف في السنوات الأخيرة حليمة السوادي إلى حقائق غيرّت نمط عملها في الأرض وأبعدتها من وسائل الري التقليدية المتمثلة بإغراق المزروعات بالمياه، ذاك أن مياه الآبار لم تعد تكفي للسقي ولجأت تالياً إلى الري بالتنقيط. وتشير إلى أن منظومة الري بالتنقيط والتي حصلت عليها من مديرية الزراعة في المحافظة، لم تساعدها في تخطي الجفاف فحسب، بل ساعدتها في الاحتفاظ بالمياه المتوفرة أيضاً. وتعرفت إلى أسلوب الري الحديث من خلال البحث على الإنترنت، وتشير إلى أنها بدأت استخدام الإنترنت جدية، بعدما اكتسبت معارف حول الزراعة الحديثة عبرها.

اقتضاباً، نستخلص من تجربة هذه المزارعة الجنوبية فكرة مفادها: لا مجال لخسارة الأرض والبكاء على الأيام الخوالي ووفرة المياه، لقد أصبح لزاماً عليها اللجوء إلى التقنين وأساليب الري بالتنقيط. من جهة أخرى، حين بدأت قراءة معلومات تفيد بأن لمرض السرطان علاقة كبيرة بالغذاء والأساليب الزراعية الحديثة المستخدمة من أجل تسريع نمو الأثمار، قررت اللجوء إلى الأسمدة العضوية والتخلي عن الأسمدة الكيماوية نهائياً، ذاك أن هذه الأخيرة لا تؤثر في المنتوجات الزراعية فحسب، بل تصل إلى المياه الجوفية وتلوثها.

تتحدث حليمة السوادي عن قدرتها على فهم المعارف الزراعية باللغات الأجنبية، إنما من خلال صور ورسومات منشورة مع المقالات وتقول: “لأنني مزارعة وأتعامل مع الأرض منذ ثلاثة عقود، حين أنظر إلى الصور والرسومات أفهم ما يقومون به أو ما يريدون إيصاله من معلومات”. إنما الآن أصبحت المعلومات متوافرة حتى باللغة العربية وصار بإمكانها إنتاج البكتيريا النافعة والسماد العضوي، من خلال تربية الديدان في الأرض، إذ تقوم بتحليل التربة من جانب وتقضي على البكتيريا الضارة من جانب آخر.

وجود الذبابة البيضاء وحشرة المن مشكلة أخرى تواجه المزارعين في جنوب العراق وتتغذى هذه الحشرات على عصائر النباتات بمهاجمة الأوراق والبراعم والزهور وحتى بذور الفاكهة والخضار، وتسبب أضراراً بالغة للزراعة. تواجه حليمة السوادي هذه الحشرات وأضرارها باستخدام الثوم كعلاج وقائي وطرد الحشرات، تحديداً حشرة المن التي تولّد 100 يرقة كل 24 ساعة وبإمكانها القضاء على الزراعة. وللثوم تاريخ قديم في الثقافات العراقية وكان يضعه العراقيون أيام الحضارة البابلية تحت الوسادة ظناً منهم أنه يطرد الأرواح الشريرة. كما أنه، أي الثوم، مضاد للفطريات والأمراض المرتبطة بها.

هذا الموضوع تم انجازه بدعم من مؤسسة Rosa-Luxemburg-Stiftung’s Beirut Office 

لماذا العراق أكثر هشاشة أمام التغير المناخي؟

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.