fbpx

إيران تغازل العراق سياسياً وتغرقه في المياه الفاسدة 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تبيع إيران العراق الغزل السياسي، بينما تغرقه في المياه الفاسدة. تحجز المياه العذبة عنه وتطلق مياه البزل، ذلك أنه ليس سوى نصف تفاحة، ولا ضير بأن يكون نصف فاسد!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أثناء احتجاجات عارمة صيف عام 2018 في محافظة البصرة أقصى جنوب العراق، هاجم المحتجون العراقيون القنصلية الإيرانية ومقار الأحزاب الإسلامية المرتبطة بها، واشتغلت الآلة الإعلامية الإيرانية وإعلام محلي عراقي على اتهام المحتجين بالعمالة لجهات أجنبية  لا تريد للبلدين حسن الجيرة، وفق وصفها. من جانب آخر، اتخذت الجهات الأمنية العراقية، الرسمية منها وغير الرسمية، إجراءات أمنية ضد المحتجين من دون التحقق من تلك الدوافع والأسباب التي أدت إلى إظهار غضبهم ضد إيران ورموزها في العراق. ولم تستثن تلك الإجراءات الاغتيال والخطف والترهيب.

وقد اشتعلت الاحتجاجات إثر تلوث في مياه الإسالة في المحافظة ما تسبب بانتشار أمراض الإسهال والكوليرا في وسط المحافظة وجنوبها، ما أدى الى إصابة ما يقارب 130 ألف مواطن، غالبيتهم من الأطفال والنساء. وكان اقتصر حديث وزير الموارد المائية حسن الجنابي حينئذ في لقاء مع كاتب هذا التحقيق على “حدوث حالة تلوث في شبكة مياه الشرب بعد المعالجة، وتسمم الآلاف من أبناء البصرة، إنما لم يحدث شيء في المياه الخام”. واعتبر الوزير أن زيادة الإطلاقات المائية لا تعالج الأزمة قائلاً: “مهما كانت كمية ضخ المياه، بإمكان المياه التسرّب إلى شبكات تعاني من العطل والإهمال منذ عشرات السنين، وتلويثها”.

على رغم تأكيد الوزير حدوث التلوث بسبب العطل في شبكات المياه، كان هناك شيء آخر وراء تلك الأزمة الإنسانية التي اجتاحت رئة اقتصاد العراق، شيء لم يتهرب المسؤولون الحكوميون من الإشارة إليه فحسب، بل أرادوا إخفاءه وعدم وضعه في لائحة النقاط على مياه سوداء وثقيلة آتية من إيران وتتآكل فيها البلاد في وضح النهار.

كان الأصعب في الأمر هو أن الحكومة العراقية حمّلت نفسها مسؤولية الأزمة تجنباً للحديث عن الدور الخبيث الذي لعبته إيران في تلوث المياه وانتشار الأمراض. وكان سكان البصرة وأطرافها يعرفون عما يحصل في جنوب المدينة ناحية السيبة الواقعة على شط العرب، إذ هاجر سكانها هرباً من التلوث والملوحة، بعدما تعرضت بساتينهم للهلاك وضُربت أعداد من مواشيهم وأبقارهم بسبب المياه المالحة. ولكن ماذا حصل ولماذا أخفت الحكومة العراقية المعلومات عن المواطنين والرأي العام؟ ولماذا اكتفت بالحديث عن تسرّب المياه الملوثة إلى شبكات مياه الإسالة فقط وتذكرت أن هناك أعطالاً في أنظمة توزيع المياه والصرف الصحي؟ 

قال النائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي، “نحن والعراق كـ«شقي تفاحة» انفصلتا بـ«دسائس» بعض الدول”. إن صح هذا الوصف، حتى ولو افتراضاً، فليس قرار إنهاك الأنهار ومنعها من الوصول إلى العراق، سوى محاولة لإفساد ما تبقى من نصف التفاحة.

لم يعد خافياً على أحد أن مشاريع إيران الكهرومائية والزراعية على أنهر سيروان والكارون والكرخة وألوَند والزاب الصغير لم تحرم العراق من حقوقه المائية فحسب، بل سببت مشكلات بيئية وصحية سوف يعاني منها العراقيون على مدى طويل. وهي مشكلات تتمثل بنوعية المياه الداخلة الى العراق أحياناً، وبحبسها أو تغيير مجاريها قبل الدخول إلى الأراضي العراقية في أحيان أخرى. ففي منطقة حوض نهر سيروان فقط والذي يشكل أحد روافد نهر دجلة، تم تشييد 9 سدود بعد عام 2011 وبإمكان هذه السدود “حجز مليارَي متر مكعب من المياه، ما يعرّض أكثر من 3 ملايين إنسان إلى خطر فقدان مصادر عيشهم وغذائهم، بحسب خبير مائي في محافظة السليمانية. ويشير الخبير ذاته إلى أن إيران إضافة إلى بناء السدود وقطع المياه عن العراق، تعمل على مشروع بناء نفق مائي (نفق نوسود) لسحب المياه من حوض نهر سيروان ذاته إلى سد هيرويه، بني على نهر الكرخة الذي يدخل إلى العراق في محافظة الميسان. وقد تم إكمال 48 كلم من المشروع من طول المساحة الكلية التي تبلغ 350 كلم. ويعد سد هيرويه واحداً من السدود الخمسة التي بنيت على نهر الكرخة بعد عام 2011 أيضاً. وفي سياق السياسة المائية ذاتها، تعمل الحكومة الإيرانية على حبس نهر الزاب الصغير الذي يعد واحداً من الروافد المائية التي تغذي نهر دجلة، وتحويلها الى شمال غربي البلاد لتغذية بحيرة “ورميه”. 

شط العرب

وتدخل هذه المشاريع ضمن سياسة منع خروج الأنهار الدولية من إيران وحبسها أو تغيير مجاريها نحو مناطق أخرى. وأعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن هذه السياسة في مؤتمر دولي عقد حول المياه في شهر شباط/ فبراير 2018، في العاصمة طهران حيث قال من دون تردد إن بلاده سوف تمنع الأنهار من الخروج وتحبس مياهها في الأراضي الإيرانية. واعترف مسؤول سابق في وزارة الموارد المائية العراقية، حضر جلسات مفاوضات مائية مع الجانب الإيراني، بأن إيران لا تعطي أي بيانات رسمية حول الأنهار، الأمر الذي يجعل الشراكة معها صعبة في ما خص إدارة الأنهار، بخاصة في أوقات الشدة المتمثلة بالقحط صيفاً، والفيضانات شتاءً وربيعاً. 

سألت مسؤولاً عراقياً في البصرة، طلب عدم ذكر اسمه، عن الأسباب التي تقف وراء انتشار الأمراض صيف عام 2018، لماذا بدت الأزمة وكأنها وليدة سرّ لم يبح به أحد؟ هل كانت قلة الإطلاقات المائية في دجلة السبب الرئيسي، ولماذا افتقدت تلك الأزمة الصحية إلى مقدمات ومعطيات تسبق حصولها، ولمَ لم يحاسب عليها أحد؟ وقد أدلى المسؤول العراقي بمعلومات مفادها أن إيران، “تقوم بغلق نهر الكارون في العادة، في الشهر الخامس من كل عام وهو الوقت المناسب كي يخزن العراق ما يحتاجه من الماء، ولكن عكس كل التوقعات قامت السلطات الإيرانية بغلق النهر في الشهر الأول من عام 2018، ما أثر سلباً في العراق وأنتج أزمة مائية وصحية فاقت توقعات الجميع. ولكون مياه نهر الكارون عذبة وتتميز بنسبة منخفضة من الأملاح الكلية الذائبة، يؤثر تدفقها في نسبة الأملاح في شط العرب ايجاباً إذ تخلصه من ملوحة البحر الصاعدة من الخليج”. وشيدت إيران 8 سدود جديدة على نهر الكارون بعد عام 2003، وكان السد الأبرز هو كَوتفَند عليا، في محافظة خوزستان. وأثر بناء هذا السد من قبل الحرس الثوري الإيراني سلباً في بيئة إيران والعراق في آن، وذلك بسبب قربه من أحواض ملحية، إنما لم يستمع الحرس الثوري إلى آراء الخبراء بهذا الخصوص، وقام بتغيير ملامحه الطبيعية، ناهيك بسحب المياه منه إلى محافظة أصفهان وسط البلاد. 

ولم تأخذ الجارة الشمالية مصالح العراق المائية بالاعتبار، إذ بدأت نشاطها الكهرومائي والزراعي المفرط على نهر الكارون بين أعوام 2002 و2013. وبحسب كلام محدثي، سمح وقف التدفق المائي من النهر في الشهر الثاني من العام، ليس بصعود اللسان الملحي فسحب، بل بتمدده في شط العرب ووصوله إلى وسط البصرة، الأمر الذي تسبب بحدوث كارثة صحية وبيئية. وجاء ذلك نتيجة استنزاف إيران نهر الكارون، ومعه نهر ديز، لإدامة زراعة السكر المكلفة للمياه، ناهيك بحقول الأسماك. 

وتطلق زراعة السكر وتربية الأسماك كميات هائلة من مياه البزل نحو شط العرب جنوب العراق. وتظهر صور من ناحية السيبة جنوب البصرة كتل مياه ثقيلة وملوثة ناتجة عن الصرف السطحي والخارجي تدخل الشط، بينما لا تتدفق المياه الكافية في نهر الكارون الذي يدخل إلى العراق شمال الناحية لدفع هذه المياه الثقيلة نحو الخليج للحيلولة دون عودتها شمالاً إلى البصرة. ولم تتوقف جارة العراق عن هذا العمل المضر بالبشر والبيئة والطبيعة منذ 2006، ما يفاقم التلوث جنوب البلاد. وتضاف إلى ذلك قلة الإطلاقات المائية في نهر دجلة، إذ لم تتجاوز 40 متراً مكعباً في الثانية في ذلك الصيف، بينما كان يصل صعود المياه الملحية من الخليج شمالاً إلى 1400 متر مكعب في الثانية. ومن هنا ظهر الفرق الهائل بين كتلتَي المياه حيث لم تستطع المياه العذبة مجابهة الكتلة المالحة الصاعدة. وأكد مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة في بيان في 9 أيلول/ سبتمبر 2019، أن قلة الإطلاقات المائية المقررة لمحافظة البصرة، سبب من أسباب “ارتفاع كبير وخطير في نسبة ملوحة مياه شط العرب وزيادة التلوث الكيميائي والجرثومي”، في صيف عام 2018. 

قصارى القول، تبيع إيران العراق الغزل السياسي، بينما تغرقه في المياه الفاسدة. تحجز المياه العذبة عنه وتطلق مياه البزل، ذلك أنه ليس سوى نصف تفاحة، ولا ضير بأن يكون نصف فاسد! ففي بداية أيار/ مايو عام 2012، أي في الشهر الذي تُغلق فيه سلطات إيران نهر الكارون، وفي محافظة خوزستان، أي في المكان الذي يتم فيه استنزاف طاقة النهر، قال النائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي، “نحن والعراق كـ«شقي تفاحة» انفصلتا بـ«دسائس» بعض الدول”. إن صح هذا الوصف، حتى ولو افتراضاً، فليس قرار إنهاك الأنهار ومنعها من الوصول إلى العراق، سوى محاولة لإفساد ما تبقى من نصف التفاحة.

هذا الموضوع تم انجازه بدعم من مؤسسة Rosa-Luxemburg-Stiftung’s Beirut Office

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.