fbpx

هل يتّسع شرقنا لصحافة مستقلة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أكتبُ الفكرة، أتأمّلها، ثم أمحوها… بات ذلك عادةً ملازمة لي. صرتُ حين أشرع في كتابة “ستاتوس” على “فيسبوك”، أبتسم وأهزأ من نفسي فأنا أعلم أنني سأمحوه، لكن مع ذلك، أجدني أكمل الجملة، أسطّرُ فيها كل ما أفكر به: كلمات، بمعنى ومن دونه، أسطّرها وأقرأها، ومن ثمّ أنقر زرّ الحذف أو delete، على “اللابتوب”. بتُّ أتأنّى في اختيار معاركي الافتراضية، على رغم أنني أحياناً أتورّط في جدلٍ لم أكن أخطّط له.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أكتبُ الفكرة، أتأمّلها، ثم أمحوها…

بات ذلك عادةً ملازمة لي. صرتُ حين أشرع في كتابة “ستاتوس” على “فيسبوك”، أبتسم وأهزأ من نفسي فأنا أعلم أنني سأمحوه، لكن مع ذلك، أجدني أكمل الجملة، أسطّرُ فيها كل ما أفكر به: كلمات، بمعنى ومن دونه، أسطّرها وأقرأها، ومن ثمّ أنقر زرّ الحذف أو delete، على “اللابتوب”.

بتُّ أتأنّى في اختيار معاركي الافتراضية، على رغم أنني أحياناً أتورّط في جدلٍ لم أكن أخطّط له، فالنقاشات مع كائنات “السوشيل ميديا” تميل إلى الحدّة والصدام، وتخرج أحياناً عن سياق التعليق العابر، لتصبح وصمةً وحدثاً وقضيةً للنقاش والانقسام، وكم نحبُّ هذا الانقسام.

يلجأ المحاربون في تلك المنصّات إلى العنف اللفظي والتراشق الكلامي سبيلاً وحيداً للتعبير، مستفيدين من تقلّص مساحات النقاش المجدي في الفضاء العام، ما أدى لأن يُختَصر السجال حول قضايا مهمة، إلى عبارات سريعة ولحظات مسروقة من ساعات يومنا، نستغلّها للبوح والردّ عن بعد.

مضى على عملي في الإعلام ما يزيد على خمسٍ وعشرين عاماً، كنت قد تطبعتُ خلالها مع حقيقة نسبية الحرية، لكن كان هناك دائماً شيءٌ من الغواية يشدّني، حين أشعر أنه بالإمكان التسلل عبر ثقوبٍ تسمح بها الظروف، لعرض قضايا إشكالية ومعالجتها، فأنتشي بسذاجة حين أتمكن من إنجاز عمل صحافي كمن تقدم خطوة إلى الأمام. لكن ومنذ عام ٢٠١١، تخبّط الإعلام العربي على نحوٍ كبير، ما بين انفلات الشارع وهتافات المحتجين، وبين إعلامٍ منضبط ٍفي الغالب. وهنا برزت “السوشيل” ميديا كمساحة بديلة، بعد أن بات الإعلام التقليدي الذي نشأنا عليه، لصيقاً بمموّليه، سواء أكانوا سلطات مباشرة أم أحزاباً أم قوى دينية، وأحياناً قوى مالية مرتبطة بالسلطة. الثورات المضادة التي سببت اعتقالَ وسجن، وفي أحيان عديدة قتل صحافيين، وُسمت بارتفاع حدّة الصدام، وبالتالي تصاعد دور الإعلام المموّل سياسياً.

من هنا، لجأ كثر، وأنا من بينهم، نحو “تويتر” و”فيسبوك” كمنصاتٍ بديلة للنقاش وتبادل الرأي والتعبير. وللحقيقة لم تعد تلك المساحات ترفاً، بل باتت حاجة إلى اللقاء والتساؤل والتشكيك والمجاهرة والحيرة. ولأن طبيعة هذه الساحات تجعلها متاحة للجميع، فهي تضمّ أيضاً أولئك الذين يمارسون الزجر والرقابة تحت ألوية كثيرة، منها السلطة ومنها الدين أو النضال أو الوطنية بالمعنى القمعي للكلمة.

في هذه المساحات نزاع يومي بين ديموقراطية الإعلام الاجتماعي، وبين ميل متصاعد للتأنيب باسم هويات وطنية مريضة، أعني هنا تلك التي تبرّر أن تَمنع المرأة اللبنانية من حقها في منح أبنائها الجنسية إن كانت متزوجة من سوري أو فلسطيني، بذريعة التوطين، أو تلك التي تُبيح في العراق قتل عائلات بأكملها أو اعتقالها والانتقام منها بذريعة أن أحد أفرادها ينتمي إلى “داعش”، فيجب الخلاص منهم جميعاً، أو قمع فعاليات ثقافية للمثليين في مصر لحماية المجتمع. مثل تلك الآراء تنتشر بشكل هائل عبر “السوشيل ميديا”، فتنعدمُ معها القدرة على النقاش المجدي.

بين دفتي إعلام مؤدلج و”سوشيل ميديا” شعبوية، تتأرجح خياراتنا.

صحيحٌ أنه أتيح لنا في السنوات الماضية حيز مشترك للّقاء والمشاركة والرأي والتعبير عما نعجز عن قوله في الميديا التقليدية، فالإعلام الذي نعرفه كان دائماً إعلاماً مضبوطاً، وقد ارتفعت وتيرة الضبط هذه في السنوات الأخيرة حتى الاختناق أحياناً. لكن الانفلات في الصدام والسجال كما هو حاصل ليس انفتاحاً بمقدار ما هو تشويش مزعجٌ ومحبط، يعزّز الميل نحو الانكفاء والابتعاد من السجال، كخيار أقل ضرراً من خيار الشعبوية الحمقاء التي تملأ فضاءاتنا.

وهنا، لا مفرّ من مراجعةٍ نواصل التفكير فيها في شأن السنوات السبع الماضية، والأوهام التي تعلقنا بها، حين اعتقدنا أن الثورات العربية ستفتح مجالات الحرية والتعبير، وإذ بها ترتد علينا مزيداً من القمع والرقابة والتضييق وكماً هائلاً من الفوضى والابتذال، حتى بتنا جميعاً نهرع نحو منابرنا الخاصة على “السوشيل ميديا”، نحاول عبرها صوغ ما نعجز عن قوله أو العمل عليه في مجالات أخرى، يفترض أنها في صلب دورنا كصحافيين وكمواطنين…

من ينظر الى العالم اليوم من واشنطن إلى موسكو وما بينهما في منطقتنا، يشعر كم أن حملات سحق الثورات قد بلغت أوجّها مع انتصار أشرار كثر في هذا العالم، فكل يوم يُسجّل انقضاض جديد للمنظومات الأمنية والعسكرية والطائفية في منطقتنا، ما كرّس الدور الدعائي لوسائل الإعلام التقليدي خصوصاً تلك العابرة للدول، بصفته شأناً عادياً لم يعد يثير الكثير من التحفظ. وهنا تظهر تجربتنا في الصحافة والإعلام العربيين، كحالة شديدة التداخل والتعقيد مع أنظمة الحكم ومع الانقسامات الأهلية العميقة للمجتمعات.

الطريق إلى أن أكون صحافية مستقلة في بلد مثل لبنان ومنطقة مثل منطقتنا العربية مهمة شاقة، إلا أنها مشوقة أيضاً وتطرح تحديات، وتقربنا من نجاحات صغيرة لم يتحها في السابق عملنا في قطاع الإعلام التقليدي المتنازع بين طوائف المنطقة وسلطاتها ومحاورها. إنها لحظات حرية مسروقة تماماً كما هي حياتنا في هذه المنطقة المجنونة التي ولدنا فيها، لكن لا خيار أمامنا سوى أن نواصل المحاولة…

كريم شفيق - صحفي مصري | 26.04.2024

حملة “نور”: حرب “آيات الله” الجديدة على أجساد النساء

تتزامن الحرب على أجساد النساء مع إخفاقات سياسية عدة، محلية وإقليمية، لـ"آيات الله"، بداية من تأثيرات المعارضة السياسية على الانتخابات البرلمانية، والتي شهدت انحساراً شديداً، وتراجعاً لافتاً في مستوى إقبال الناخبين وتدنّي نسب المشاركة. فضلاً عن الهجوم المحدود والاستعراضي للرد الإيراني على اعتداءات إسرائيل على القنصلية، والهجوم الذي طاول قياداتها بين سوريا ولبنان.