fbpx

تونس: ما الذي يؤخر تشكيل الحكومة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

باشر الياس فخفاخ، رئيس الحكومة التونسية المكلف، مشاوراته، منذ أيام، مع الأحزاب صاحبة الكتل البرلمانية الوازنة بعدما اختاره الرئيس قيس سعيد لتولي مهمة محفوفة بالمخاطر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

باشر الياس فخفاخ، رئيس الحكومة التونسية المكلف، مشاوراته، منذ أيام، مع الأحزاب صاحبة الكتل البرلمانية الوازنة بعدما اختاره الرئيس قيس سعيد لتولي مهمة محفوفة بالمخاطر، على رغم التقديرات الأولية بأن الرجل سيكون أمام طريق سالكة. فعلى رغم اليقين بأن الفخفاخ لن يكون على موعد مع المطبات التي واجهت حكومة الحبيب الجملي، في ظل مؤشرات ترجّح تأييد الأحزاب الكبرى له، إنما يبدو أن لا مفر من معركة التنازلات لإرضاء الأطراف التي ستشكل الحزام السياسي للحكومة، فضلاً عن تحديات أخرى في الداخل والخارج ستواجه الحكومة الجديدة. 

وكان سعيد كلف الفخفاخ (48 سنة) وزير المالية الأسبق، والقيادي في حزب “التكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات” بتشكيل حكومة جديدة خلال شهر بعد فشل الحبيب الجملي، الشخصية المستقلة ومرشح “حركة النهضة الإسلامية” الفائزة في الانتخابات في نيل الأغلبية المطلوبة في جلسة التصويت في البرلمان. 

رئيس الحكومة المكلف الياس فخفاخ

والفخفاخ صاحب شهادات في الهندسة وإدارة الأعمال، شغل منصب وزير المالية مرتين ووزارة السياحة، في حكومات ما بعد ثورة يناير 2011. ولكن حزبه لم ينل أي مقعد في الانتخابات التشريعية الأخيرة كما فشل الفخفاخ نفسه في تخطي الدور الأول في الانتخابات الرئاسية.

يدخل رئيس الحكومة المكلف الجديد معركة تشكيل الحكومة من موضع قوة في ظل إدراكه المسبق أن نواب البرلمان لا يرغبون أبداً في التوجه إلى انتخابات مبكرة ستؤدي حتماً، إلى مشهد جديد يرجح أن يكونوا خارجه، ما يعني خسارتهم امتيازات، ليسوا راغبين طبعاً في التفريط بها. ولهذا ينطلق الفخفاخ في مهمته بضغوط أقل من نظيره السابق الحبيب الجملي، على رغم التعقيدات التي ستعترضه في نقاشاته مع الكتل البرلمانية لا سيما بعدما اتجه إلى إقصاء بعض الأحزاب، بعلة انتصاره لما أطلق عليه “المسار الثوري”. 

الفخفاخ صاحب شهادات في الهندسة وإدارة الأعمال، شغل منصب وزير المالية مرتين ووزارة السياحة، في حكومات ما بعد ثورة يناير 2011.

وكان الفخفاخ واضحاً في هذا الشأن، عندما قال في مؤتمر صحافي عقده مؤخرا: “انطلقت في المشاورات لبناء الحزام السياسي وصياغة البرنامج مع الأحزاب التي التقت في الدور الثاني حول التصويت للرئيس قيس سعيد”.

وأضاف: “سأحرص على توسيع الحزام السياسي للحكومة المقبلة حتى تنال ثقة واسعه وثابتة في مجلس نواب الشعب بما يمكن من تدعيم الانسجام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، نسعى إلى حكومة سياسية مصغرة ومنسجمة لا تتجاوز 25 حقيبة وزارية، لتحقيق أكبر قدر من نجاعة وفاعلية تضم كفاءات عالية، مستوعبة دقة المرحلة التي تعيشها البلاد”. 

وبحسب الفخفاخ فإن الأحزاب المعنية بالمشاركة في الحكومة الجديدة حركة النهضة (54 مقعدا بالبرلمان من مجموع 217) والتيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي/ 22 نائبا) وائتلاف الكرامة (ثوري/ 18 نائبا) وحركة الشعب (ناصري/ 15 نائبا) وتحيا تونس (ليبرالي/ 14 نائبا) ومشروع تونس (ليبرالي/ 4 نواب) والاتحاد الشعبي الجمهوري (وسطي/ نائبان) ونداء تونس (ليبرالي/ 3 نواب) والبديل التونسي (ليبرالي/ 3 نواب) وآفاق تونس (ليبرالي/ نائبان). 

نبيل القروي

انتقادات لنبيل القروي

استثنى حزام الفخفاخ السياسي حزبي “قلب تونس” الذي يتزعمه قطب الإعلام ورجل الأعمال نبيل القروي، وهو حزب يواجه انتقادات كبيرة بشأن محاولته توظيف العمل الإنساني والجمعياتي لمآرب سياسية، و”الدستوري الحر” الذي تتزعمه عبير موسي. ويُنتظر ألا توجه لهذين الحزبين أي دعوة قبل تشكيل الحكومة وبالتالي إحالتهما إلى صف المعارضة مباشرة. وهي خطوة قد تكون خطيرة في ظل عدم اتضاح الرؤية بشأن البرامج والسياسات المرتقبة، فيما لو حظيت الحكومة بثقة البرلمان. ويعني ذلك أن النقاش سينحصر بالتشكيلة الوزارية التي ستخضع حتماً لأهواء الأحزاب التي نالت الرضا، والتي يبحث كل طرف منها عن أكبر قدر من الحقائب، من دون أن تخضع المشاورات لمنطق الكفاءة، على رغم أنها المعطى المرتقب على المستوى الشعبي، لمعالجة الواقع الاقتصادي والاجتماعي.

وعلى رغم ثقة الفخفاخ في دعم أحزاب أعلنت تأييدها له منذ البداية، إلا أن المشاورات لن تكون يسيرة وستشهد منزلقات عدة، لن تحل بسهولة وقد تكون الأغلبية المطلقة لنيل الثقة المقدرة بـ109 نواب مهددة. فمن جهة هناك “التيار الديموقراطي” الذي أعرب منذ البداية عن تأييده الرجل، ومن المستبعد أن يتخلى عنه يوم التصويت، ومثله “كتلة تحيا تونس” التي من المرجح أن تحافظ على مساندتها له، بخاصة أنها الجهة التي اقترحته في مراسلاتها لرئاسة الجمهورية لتولي المنصب.

“النهضة” حذرة

يبدو أن حركة النهضة التي تريد معاقبة الأحزاب التي أفشلت حكومة الجملي، حكومتها، وضرب ما أطلق عليها محليا “حكومة الرئيس” بدت مصرة على تأييدها لتشريك حزب “قلب تونس” في موقف بدا متضارباً مع تأكيدها خلال فترة الحملة الانتخابية لجماهيرها بأنها لن تتحالف مع هذا الحزب.

وأعلنت الحركة، قرارها عدم التوقيع على البرنامج المصغر الذي اقترحه رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ بشأن التشكيلة المقبلة، والأحزاب التي يعتزم إشراكها فيها.

على رغم ثقة الفخفاخ في دعم أحزاب أعلنت تأييدها له منذ البداية، إلا أن المشاورات لن تكون يسيرة وستشهد منزلقات عدة، لن تحل بسهولة وقد تكون الأغلبية المطلقة لنيل الثقة المقدرة بـ109 نواب مهددة.

والأكيد أن الحركة قد وجدت في إقصاء هذا الحزب من مشاورات تشكيل الحكومة هامشا جديدا للمناورة بعد أن وجدت نفسها في موقف أضاعت معه كل خيوط اللعبة وهي بهذا الموقف تسعى لفرض ضغوط كبيرة من أجل عدم الإفلات في زمام الأمور مجددا. 

إلا أنها في النهاية لن تجازف وتختار عدم التصويت لحكومة الفخفاخ، وهي التي تعي جيداً أن التوجه لانتخابات مبكرة سيكلفها خسارة مدوية. فهي ستعمل على توظيف حزب نبيل القروي كورقة ابتزاز للفخفاخ الساعي لإقصاءه من أجل الحصول على حصة أكبر من الوزارات، ولا سيما وزارات السيادة. ولهذا ستلوح بسحب دعمها الفخفاخ وستمرر رسائل مفادها أنها ستغير تحالفاتها وتقف ضد نيل الحكومة المنتظرة الثقة في البرلمان، لتربك رئيس الحكومة المكلف وتدفعه إلى تقديم أكبر قدر من التنازلات، ليس إلا لأن خيار الانتخابات المبكرة يعد كابوساً ستتجنبه بكل ما أوتيت من قوة ولكنها ستناور بالقدر ذاته من أجل الحقائب الوزارية.  

ولا شك في أن “حركة النهضة” تتابع ما تنشره مراكز استطلاع الرأي التي كشفت تصاعد شعبية الرئيس قيس سعيد بشكل لافت، بافتراض تم إجراء انتخابات مبكرة، فيما احتلت زعيمة “الحزب الدستوري الحر” عبير موسي التي تجاهر بمعاداة الحركة صدارة في نيات التصويت، وبالتالي لن تجازف “الحركة” بالذهاب إلى حتفها بإفشال الحكومة المقبلة. ويبدو أن سعيد والفخفاخ يدركان نياتها ومخططاتها، ومن غير المرجح أن يسقطا في مطب الاستسلام لشروطها لا سيما أن رئيس الجمهورية يمضي في اتجاه الاستجابة لمطالب الشباب بشأن عدم تشريك القوى التي حكمت بعد الثورة وأنهكت البلاد.  

الأكيد أن الحركة قد وجدت في إقصاء هذا الحزب من مشاورات تشكيل الحكومة هامشاً جديداً للمناورة بعد أن وجدت نفسها في موقف أضاعت معه كل خيوط اللعبة.

في المقابل، هناك أحزاب لا تقف على نفس المسافة من الرجل على غرار حركة الشعب التي لا يمكن التنبؤ حتى الآن بقرارها، والأهم ائتلاف الكرامة الذي يطرح شروطا صعبة من أجل الموافقة على المشاركة في الحكم بينها المطالبة بمنحه حقيبة وزارة الداخلية وهو مطلب من المؤكد رفضه في ظل التوجه نحو النأي بوزارات السيادة عن التجاذبات السياسية. وهذا الأمر سيضع رئيس الحكومة المكلف أمام تعقيدات كبيرة وسيجبره على تقديم الكثير من الترضيات حتى لا تخرج حكومته عن المسار الذي يريده. وهذه المطبات من شأنها أن تؤثر على طبيعة الفريق المرتقب والذي سيكون رهين المساومات والترضيات على حساب نجاعة وقيمة الأشخاص التي سيتم اختيارها لتولي حقائب وزارية في فترة دقيقة تمر بها البلاد على جميع الأصعدة.

وإذا كانت هذه الحسابات الداخلية ستعترض حتماً رئيس الحكومة المكلف، فإن هناك حسابات خارجية يبدو أن سعيد، الذي انتقد الشارع التونسي والمتابعون صمته الطويل وعدم وضوح سياسيته، قد تمثل دقة الوضع في تونس مذ أعلن تكليف الياس الفخفاخ لتشكيل الفريق الوزاري الذي سيحسب عليه في نهاية المطاف. ففضلاً عن عزمه على السير في اتجاه الاستجابة لنداءات الجماهير المتطلعة لشخصية تنتمي لما يسمى “المسار الثوري” فقد أدرك سعيد أيضاً أن هناك قوى خارج أسوار البلاد تنتظر بادرة تعيد الطمأنينة إليها، بشأن مستقبل العلاقات مع تونس في ظل حالة الريبة التي تبعت مواقفه التي اعتبرت صارمة وأثارت حفيظة هذه القوى، لا سيما الاتحاد الأوروبي.  

ويبدو أن سعيد أدرك أن تونس مقبلة على تحديات كبيرة تحتم عليها تبني سياسة مهادنة إلى حد ما، لا سيما في ظل وعي سعيد بالضغوط المسلطة على البلاد، لسداد ديونها هذه السنة، وتمرير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بأيسر الظروف. ولهذا لم يكن اختياره الفخفاخ اعتباطياً، فهذا الرجل يتميز بعلاقات جيدة مع الخارج بخاصة الاتحاد الأوربي، فضلاً عن حيازته الجنسية الفرنسية. وبهذا يكون سعيد بعث برسائل لجميع الأطراف في الخارج مفادها أن رغبته في تحوير الاتفاقيات القديمة على غرار اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الاتحاد الأوروبي، لا تعني بالضرورة نصب العداء، ودليله على ذلك أنه وضع رئيساً للحكومة يحظى برضا دول الاتحاد الأوروبي. 

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.