fbpx

قصة موت معلن للطبقة الوسطى اليمنية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ظهرت طلائع الطبقة الوسطى اليمنية في منتصف القرن التاسع عشر في مدينة عدن إبان الاستعمار البريطاني مع ظهور الأنشطة الاقتصادية الحديثة وبداية انفصال المهاجرين إلى المدن عن انتماءاتهم الريفية والقبلية. اليوم و بعد قرن ونصف القرن على ظهورها ها نحن نقرأ قصة موتها معلناً على دفعات…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 ظهرت طلائع الطبقة الوسطى اليمنية في منتصف القرن التاسع عشر في مدينة عدن إبان الاستعمار البريطاني مع ظهور الأنشطة الاقتصادية الحديثة وبداية انفصال المهاجرين إلى المدن عن انتماءاتهم الريفية والقبلية.

اليوم و بعد قرن ونصف القرن على ظهورها ها نحن نقرأ قصة موتها معلناً على دفعات.

بعد مرور ثلاث سنوات على الحرب وأكثر من سنة على انقطاع الرواتب، قرأ اليمنيون على مواقع التواصل أكثر من إعلان تنعي فيه الطبقة الوسطى نفسها.

فهذا مدرس جامعي يشكو طرده من المسكن بعد تراكم الإيجار عليه. وهذه معلمة مدرسة تعلن استعدادها لبيع كليتها حتى تدبر المال لشراء الطعام لاولادها. وهذا مثقف معروف يعلن على “فيسبوك” رغبته في بيع مكتبته حتى يحصل على المبلغ اللازم لدفع الإيجار. وتلك قصة حزينة لمدرس جامعي تحول إلى بائع جوال أو اسكافي يرقع أحذيه الناس على الطرقات. وهذا موظف يبيع كل أثاث منزله لإطعام أسرته ثم يلجأ إلى التسول في الشارع.

أكثر من مليون ونصف المليون موظف يعيلون أكثر من عشرة ملايين نفس فقدوا مصادر دخلهم، إضافة إلى المهنيين والتقنيين وصغار التجار والكتاب والصحافيين وأصحاب الياقات البيضاء الذين وجدوا أنفسهم بلا خبز ولا مأوى.

توسعت الطبقة الوسطى الصغيرة في سبعينات القرن الماضي جراء اهتمام الدولة اليمنية بإيجاد موظفين مؤهلين لإدارة قطاعات التعليم والصحة والكهرباء والاتصالات والمجالات الخدمية. وساهم القطاع الخاص في إضافة شريحة أخرى إلى الطبقة الوسطى من التقنيين والمهندسين والمحاسبين والمهنيين. ثم أضافت شريحة “العمال الفكريين” من الصحافيين والكتاب ومدرسي الجامعات وأعضاء الجمعيات المدنية لوناً آخر للطيف الواسع من الطبقة الوسطى الصغيرة.

كانت هذه الطبقة ضبابية التكوين حائرة، مرتبكة، مذبذبة بين التقليد والحداثة وبين التغيير والخضوع، لكنها شكلت نواة واعدة لظهور الشخصية المدنية الحديثة. ولأنها عالقة في الوسط متطلعة باستمرار للصعود إلى مصاف الطبقة العليا، وخائفة على الدوام من السقوط إلى حضيض الطبقة الدنيا اكتسبت الطابع الوصولي الذي مكنها من التنقل من سلطة إلى أخرى ومن اتجاه سياسي إلى آخر.

من هذا المزيج من الخوف والرجاء، ظهر الطابع المزدوج والفصامي لهذه الطبقة بين قيم تؤمن بها وتخاف من التعبير عنها، وقيم ترفضها لكنها مجبرة على تأييدها.

لم تتمكن من تكوين ثقافة خاصة بها ولا من أداء الدور المناط بها في قيادة التغير الثقافي للمجتمع. ظلت تعيش حياة مزدوجة وثقافتين مختلفتين؛ ثقافة خاصة تمارس فيها وجودها الحقيقي وأفكارها الحقيقية، والسلوكيات المرفوضة اجتماعياً، وحياة عامة تخضع للثقافة التقليدية وتطبق ممارساتها بل وتدافع عنها أحياناً حتى لو كانت متناقضة مع قناعاتها الفكرية.

اجلس مع اثنين أو ثلاثة من المثقفين اليمنيين وسيهولك حجم الفصام بين حياتهم الخاصة وحياتهم العامة، بين ما يؤمنون به ويعيشونه، وبين ما يعلنونه ويدافعون عنه.

في بداية تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990 استغربت إحدى الباحثات الغربيات أنه لا يوجد فرق في اللبس أو في الدور الاجتماعي بين نساء الإسلاميين ونساء اليساريين والتقدميين فجميعهن يتغطين بالحجاب (او النقاب) ويمارسن دور ربات البيوت بمعظمهنّ، كما لم تجد فرقاً في الحياة الاجتماعية بين المحافظين والتقدميين، فجميعهم يرتدون الملابس التقليدية ويقضون أوقاتاً طويلة في مضغ القات ولا يمارسون إلا نادراً الأنشطة الثقافية والاجتماعية المعهودة عند أبناء الطبقة الوسطى.

وكان الدكتور أحمد القصير (رحمه الله) قد قال في إحدى دراساته إن الطبقة الوسطى اليمنية لا تعي ذاتها ولا تعي دورها في المجتمع. فمع أبناء هذه الطبقة ظلوا يصنفون أنفسهم ضمن الانتماءات القبلية أو المناطقية أو الطائفية، وعندما كنت أتحدث معهم بصفتهم ممثلين للطبقة الوسطى كانوا يستغربون ذلك ويقولون إنهم يكتشفون للمرّة الأولى انتماءهم لهذه الطبقة.

ولأنها طبقة لا تعي ذاتها ظلت تهمل ثقافتها وتروج للثقافات القبلية والمناطقية والطائفية من دون أن تعي أنها تحفر قبرها بنفسها. كانت علاقتها بالقبيلة والطائفة قد ضعفت، لكن في غياب دولة النظام والقانون لم تجد الطبقة الوسطى من يحميها وظل هاجس الحماية طاغياً عليها. نتيجة لذلك ربطت نفسها بـ “المؤسسة”. ومن ارتباطها بالدولة والحزب أو المؤسسة ولد طابعها الحذر والوصولي، فعاشت مع الخوف وتعايشت معه: الخوف من السجن، الخوف من الفقر، الخوف من المجتمع، الخوف من فقدان الحامي والممول.

تلقت الطبقة الوسطى أربع ضربات أعاقت تطورها ووعيها لذاتها. الضربة الأولى جاءت في عام النكسة 1967 على يد النظام الاشتراكي الذي حكم الجنوب وصادر مظاهر المجتمع المدني والرأسمالية الوطنية، ثمّ على يد أقطاب انقلاب نوفمبر 1967 الذي أعاق التطور الاجتماعي ورسخ هيمنة القبيلة والثقافة التقليدية وجعل الحداثيين أقلية معزولة في محيط محافظ.

والضربة الثانية جاءت مع صعود النظام الأمني البوليسي لنظام صالح وتحالفه مه الجبهة الإسلامية عام 1979 وبداية المد الديني المحافظ المتحالف مع عسكرة القبيلة وقبيلة الدولة، ثمّ جاءت الضربة الثالثة مع بداية جهود توريث الحكم عام 1997 وتجريف الحياة السياسية وتعزيز قبضة النظام الأمني، الأمر الذي دفع بكثير من أبناء الطبقة الوسطى إلى الانتكاس والتنكر لطابعها المدني والعودة إلى أحضان القبيلة أو المنطقة أو الطائفة.

عندما اندلعت الحرب عام 2015، كانت الضربة الرابعة والأخيرة، تضعضعت مؤسسات الدولة وتجمد القطاع الخاص وأغلقت الشركات والمكاتب التجارية أبوابها وانتهت الحياة السياسية والمدنية ووجدت نفسها وحيدة معزولة تعيش أسوأ كوابيسها… فبدلاً من صعودها إلى مصاف الطبقة العليا، وهو الحلم الذي عاشت جل عمرها تتطلع إليه، إذا بها تسقط إلى حضيض الطبقه الدنيا. تسقط بسرعة من دون مقاومة بعد أن سقطت كل المؤسسات التي وضعت رهانها عليها.

وأنا أكتب السطور الأخيرة من هذا المقال، وصلتني رسالة من مجموعة من الأصدقاء الذين زاملتهم كثيراً في أيام العمل الذهني والصحافي، رسالة من سطر واحد فقط: “تعبنا كثيراً يا صديقي وصرنا على حافة التسول!”.

طبقة كاملة تحتضر حتى قبل أن تتمكن من وعي ذاتها.

كريم شفيق - صحفي مصري | 26.04.2024

حملة “نور”: حرب “آيات الله” الجديدة على أجساد النساء

تتزامن الحرب على أجساد النساء مع إخفاقات سياسية عدة، محلية وإقليمية، لـ"آيات الله"، بداية من تأثيرات المعارضة السياسية على الانتخابات البرلمانية، والتي شهدت انحساراً شديداً، وتراجعاً لافتاً في مستوى إقبال الناخبين وتدنّي نسب المشاركة. فضلاً عن الهجوم المحدود والاستعراضي للرد الإيراني على اعتداءات إسرائيل على القنصلية، والهجوم الذي طاول قياداتها بين سوريا ولبنان.