fbpx

“منازل الوهم”: المرسوم 66 ينكث بوعوده ويشرّد عائلات سورية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إخلاء منزل أبو محمود، جاء من أجل إنشاء منطقة تنظيمية بموجب “المرسوم 66” الشهير، ولم يحصل أبناء أبي محمود على منزلٍ بديل عن منزلهم، على رغم مرور 7 سنوات على تاريخ صدور المرسوم…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إثر إجباره على إخلاء منزله، في نيسان/ أبريل 2017 وهدمه بعد ثلاثة أشهر، أصيب أبو محمود (45 سنة) بجلطة دماغية فارق الحياة على إثرها، بعدما كانت حياته مستقرّة في منزله في حي خلف الرازي في دمشق.

يملك أبو محمود 4 منازل في الحي، كان يعيش مع أولاده فيها قبل أن يغادر ثلاثة منهم سوريا بسبب الحرب، ويبقى أبو محمد مع ابنته هناك.

إخلاء منزل أبو محمود، جاء من أجل إنشاء منطقة تنظيمية بموجب “المرسوم 66” الشهير، ولم يحصل أبناء أبي محمود على منزلٍ بديل عن منزلهم، على رغم مرور 7 سنوات على تاريخ صدور المرسوم، على رغم أنّه ينص على منح “السكن البديل” بعد 4 سنوات من تاريخ صدوره عام 2012، إذ حرموا من الملكية، لأنّهم خارج البلاد ولم يتمكّنوا من تثبيت ملكية المنزل خلال الإخلاء.

وإضافةً إلى أبناء أبي محمود، بقيت 150 ألف نسمة من سكّان المزّة وكفر سوسة من دون سكنٍ حتّى الآن، بانتظار “السكن البديل”، في حين لم تحصل معظم العائلات التي أخلت منازلها على بدل إيجار كافٍ لتأمين مأوى خلال فترة تنفيذ المرسوم.

وفاقمَ المشكلة أن محافظة دمشق طلبت مبالغ مرتفعة مقابل تسليم السكن البديل، الذي لم يجهز حتّى الآن، فيما تعيش معظم العائلات التي أخلت منازلهم ظروفاً اقتصادية قاسية، تمنعها من دفع مبالغ باهظة، على ما يرصد هذا التحقيق.

يكشف التحقيق خلال 6 أشهر أن محافظة دمشق، خالفت نصوصاً في “المرسوم رقم 66” وأبرزها عدم التقيّد بالمدّة الزمنية لمنح السكن البديل، مقابل أموال طائلة، إضافةً إلى تأخّرها في منح بدلات الإيجار للعائلات التي أخلت منازلها ريثما يتم تأمين السكن البديل لهم، وعدم كفاية قيمة البدل لاستئجار منزل مناسب.

والسكن البديل، هو منزل يحصل عليه المواطن الذي كان يملك منزلاً مخالفاً في منطقة المرسوم، وكان من المقرّر أن يكون جاهزاً بعد صدور المرسوم 66 بأربع سنوات، ولكن تم تعديل هذه الفقرة في القانون رقم 10 ليصبح تسليم السكن البديل بعد 4 سنوات من تاريخ إخلاء المنزل.

ولم تصدر التعليمات الناظمة لمستحقي السكن البديل إلا عام 2015 (بعد ثلاث سنوات من صدور المرسوم)، بقرار صادر عن وزير الإسكان يحمل الرقم 112، ما جعل مستحقي السكن البديل من دون مأوى.

كما ضاعت حقوق سكّان الحي الذين لم يكونوا موجودين في المنطقة خلال عملية الكشف على العقارات، ولم يُمنحوا أي فرصة لتسجيل عقاراتهم للحصول على بدلات الإيجار والسكن البديل، وهو ما يؤكّده الخبير القانوني جمعة الحلاق وثلاثة أشخاص من سكّان المنطقة.

لا حقوق في ملكية المنازل

يقول محمود، وهو الابن البكر لأبي محمود ويعيش في تركيا إنه “تم توجيه 4 إنذارات بالإخلاء (إنذار لكل منزل)”. ويضيف، “محافظة دمشق كشفت على منازل عائلتي بوجود والدي، وعلموا أنّها مسكونة، وعندما جاء الكشف الثاني، كان والدي وأخي في زيارة إلى تركيا، لكن شقيقتي كانت موجودة وقامت لجنة الكشف بتصوير المنازل ولكنهم سجلوا عليها “سكن مغلق”، أي أنّهم لم يعترفوا بحقّنا وملكيتنا المنزل”، واصفاً حدث بأنّه “بعملية اقتلاع من المنطقة”.

إنذارات الإخلاءات الأربعة (خاص لـ”درج”)

مسؤول تنفيذ المرسوم 66 السابق جمال اليوسف قال: “أعلنا لأصحاب العقارات بالقدوم وتثبيت ملكيتهم، وجاءنا8200 شخص صرحوا عن حقوقهم، وقمنا بالمطابقة مع المصالح العقارية عبر قضاة نزيهين، وبالنتيجة تم تثبيت ملكية 5500 منهم في حين لم تُثبّت ملكية الـ2700 الآخرين”.

يفسّر عضو مجلس محافظة دمشق غالب عنيز سبب حرمان هؤلاء من تثبيت الملكية: “طلبت محافظة دمشق من ملّاك العقارات، الذين يريدون تثبيت ملكيتهم بيان حركة/ مغادرة، وذلك في عهد المحافظ السابق بشر الصبّان، للتأكّد من أنّهم داخل البلاد، وذلك لمنع من هم خارج البلاد من تثبيت سكنهم، وبالتالي عدم الاعتراف بملكيتهم في المنطقة التنظيمية، علماً أن هذا الإجراء لم يُذكر في القرار 112 الصادر عن وزارة الإسكان والتنمية العمرانية السورية، جاء ملحقاً بالمرسوم 66 لتحديد آلية منح السكن البديل، ما أدّى إلى حرمان حوالى 2700 عائلة من استحقاق السكن البديل، غالبيتهم بسبب وجود أفرادها خارج سوريا وعدم قدرتهم على تقديم بيان حركة يفيد بوجودهم داخل البلاد”.

وجاء في البند “د” من القرار، أن “على مستحق السكن البديل أن يثبّت ملكيته في الفترة الممتدّة من تاريخ صدور المرسوم حتّى الإخلاء” لكنّه لم يأتِ على ذكر وضع من هم خارج البلاد.

القرار 112 (خاص)

ويشير عنيز، إلى وجود حالات، سُجل فيها أن السكن مُغلق (من دون ملكية)، على رغم وجود أصحابها داخل سوريا، إلا أنّهم أثناء عملية الكشف لم يكونوا موجودين، لسبب ما، وعندما تم فتح باب الاعتراض، تم تثبيت ملكيات العقارات لحوالى 100 شخص من مجموع المعترضين على تثبيت الملكية والبالغ عددهم ألفي معترض.

يُرجع جمال اليوسف، مدير تنفيذ المرسوم 66 السابق، التأخّر إلى “ظروف البلاد”، إذ لم يكن متاحاً العمل حين صدور المرسوم، وعندما أتيح الدخول إلى منطقة خلف الرازي، بدأ العمل، وكان ذلك عام 2013.

يبلغ عدد مستحقي السكن البديل حوالى 5500 مواطن من أصل 6500 تقدموا للحصول عليه، وفقاً لجمال اليوسف، ما يعني وجود 1000 مواطن حرموا من السكن البديل.

يقول اليوسف، “فتحنا باب الاعتراض، جاءنا حوالى 550 معترضاً، وشكِّلت لجنة لدراستها، ليتبين وجود نقص في بعض الوثائق مثل التأكد من وجود الشخص في البلد، أو أنه غير متخلف عن الاحتياط، ومن أصل 550 اعتراضاً تمت دراسة 119 بعد تقديم الوثائق التي تثبت الحق في السكن البديل”.

سكن بديل أم نزع ملكية؟

على رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات، ما زال أبو ياسر وأولاده الخمسة، الذين خرجوا من منزلهم في منطقة خلف الرازي، في 16 أيار/ مايو 2015، ينتظرون السكن البديل، فاضطر أبو ياسر إلى يبيع أكثر من نصف عدد أسهمه في المشروع بقيمة 37 مليون ليرة سورية (نحو 37 ألف دولار) في منطقة المرسوم لشراء منزل في ريف دمشق بسبب عدم كفاية “بدل الإيجار” الذي تمنحه محافظة دمشق له.

إنذار إخلاء منزل أبي ياسر

يقول أبو ياسر: “لم أستطع التأقلم مع الحياة في الريف ولم أتمكن من نقل مصنعي من منطقة خلف الرازي، إلى مكان سكني الجديد بسبب السرعة في عملية الإخلاء، ما جعلني بلا عمل”.

يصف أبو ياسر ما حدث بأنّه “انتزاع ملكية”، إذ أُجبر على بيع أكثر من نصف أسهمه من المشروع والانتقال للعيش في ريف دمشق، وخسارة مصدر دخله، موضحاً أنّ “محافظة دمشق قطعت الكهرباء والماء عن منطقته، لإجبار الناس على الخروج منها”.

حصل أبو ياسر على أول بدل إيجار في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، (بعد عامين من الإخلاء) وعلى ثاني بدل إيجار الذي تأخر 5 أشهر عن موعده، يقول: “لو كنت مستأجراً لبقيت أنا وعائلتي بلا مأوى بسبب تأخّر منحنا شيكات بدل الإيجار”. وقُدر بدل الإيجار له بـ652 ألف ليرة سنوياً (نحو650 دولاراً)، في حين أنّه لم يحصل على البدل الثالث بفعل التأخير الذي حصل في صرف المبلغ.

ويُدفع “بدل الإيجار” سنوياً على شكل سند قيمته نحو 50 ألف ليرة شهرياً، علماً أن إيجارات المنازل في دمشق تبدأ من 100 ألف ليرة، وفقاً لدلالي عقارات في العاصمة.

شيك بدل إيجار لأبو ياسر

تغيير موقع السكن

حوّلت محافظة دمشق أبنية السكن البديل، من المنطقة التنظيمية الأولى، (ماروتا سيتي) إلى الثانية (باسيليا سيتي)، وذلك بحسب ما كشف بلال نعال، عضو مجلس إدارة شركة “دمشق القابضة” التي تشارك في المشروع، وذلك خلال الجلسة العادية الخاصة بمجلس محافظة دمشق بتاريخ 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ما يعني نقل موقع السكن من منطقة حيوية اقتصادياً إلى منطقة بعيدة من مركز المدينة.

يقول الخبير القانوني جمعة الحلاق: “إنّ النقل حدث عبر تعديل المخطط التنظيمي أكثر من مرة، علماً أنّ أبنية السكن البديل يجب أن تكون ضمن المنطقة الأولى (ماروتا سيتي)، كما نص المرسوم 66، في المادتين 19 و20″، وإلا فإنّ السكن البديل لا ينفذ حتى يتم بناء المنطقة الثانية (باسيليا سيتي)، التي ما زالت غير جاهزة، إذ لم يتم حتّى الآن وضع المصوّرات التنظيمية ولا إخلاء المنطقة، ما يعني أن منح السكن البديل سيتأخّر أكثر.

لجان تخمين تهدر حقوق المالكين

نصت المادة 7 من المرسوم من 66 على تشكيل لجان حقوقيين وخبراء عقاريين لتقدير قيمة العقارات، لتحديد حجم بدل الإيجار ومساحة المنزل في “السكن البديل” المرتقب. 

تتكوّن اللجنة التي كشفت على عقارات المدنيين، من “قاض بمرتبة مستشار يسميه وزير العدل رئيساً، خبيرين في التقييم العقاري يسميهما وزير الإسكان والتنمية العمرانية، إضافةً إلى خبيرين اثنين يمثلان المالكين”.

ولكن هذه اللجان فشلت في تقييم عقارات كثيرة بدقة، وهدرت حقوق مالكيها، وفق شهادات أصحاب عقارات عن “سوء تقدير قيمة عقاراتهم”.

فهد (30 سنة) أحد سكان منطقة خلف الرازي، قال: “اللجنة أخذت مساحة منزله، ولكنّها غيّرت في مواصفاته، مثل نوع الحجر والرخام، ما جعل قيمة المنزل أقل، وعندما اعترض، قالت له المهندسة المسؤولة: عنا كلو واحد”.

يرى غالب عنيز، أن اللجان التي قامت بالحصر والتوثيق ليست مقدسة، وارتكبت أخطاء ولم يتم تعديلها، ولم تنشر محاضر الكشف والحصر والتوصيف، موضحاً أنّها لو نشرتها لاستطاع المواطن الاعتراض عليها واستعادة حقوقه.

حاول معد التحقيق معرفة سبب عدم نشر محاضر الكشف والتوصيف، عبر طرح أسئلة على مديرية تنفيذ المرسوم 66، التي تحتفظ بهذه السجلّات، ولكن مصدراً في المديرية رفض التعليق.

الكارثة الأكبر كانت، عندما سجّل موظّفو محافظة دمشق منزل “أم خالد” باسم امرأة أخرى لا علاقة لها بالمنزل.

تقول أم خالد: “منزلي ملكي، ولكن كنت استضفت صديقة لي مهجرة من جوبر وعندما أتى موظف من المحافظة، يُدعى مضر سأل صديقتها من أنت؟ قالت له ضيفة من جوبر، لكنّه أخذ هويتها وهوية زوجها، وسجّل معلوماتها، ليتبين لاحقاً أنه سجل منزلي باسم صديقتي الضيفة أمام عينيّ”.

قدمت أم خالد اعتراضات، إنما بلا نتيجة، لأن عملية إعادة التقييم تحتاج إلى قرارٍ قضائي، كون اللجنة المسؤولة عن التقييم قضائية، وهو ما يصعّب مهمّة الاعتراض، تقول: “بلحظة خسرت منزلي ظلماً وعدواناً”.

يرد مدير تنفيذ المرسوم 66 جمال اليوسف، بأن “اللجان لم ترتكب أي خطأ، والاعتراضات لم تستطع تقديم أي وثيقة صحيحة لتثبت حقها، مضيفاً أن العمل تم بعقلية مؤسساتية مؤتمتة”.

إخلاءات غير سلمية

كانت مفاجأة غير سارّة لهالة (56 سنة) وأسرتها عندما تم إخلاء منزلهم المكون من ثلاث طبقات، في 27 آذار/ مارس 2017.

تقول هالة إنّ عناصر أمنية، استدعوها وأخبروها بضرورة الإخلاء خلال 15 يوماً، مع العلم بأنّ “هناك منازل تلقّت إنذارات قبل تاريخ إنذاري بأشهر ولكن لم يتم تنفيذ الإخلاء عليهم”. ورأت أن عملية الإخلاء لم تطبّق بشكلٍ متساوٍ بين سكّان المنطقة.

اضطرت هالة إلى إخلاء منزلها ولم تستطع حتى نقل أثاثه كله، بسبب إرغامها على إخلائه خلال 15 يوماً من إنذار الإخلاء.

إنذار إخلاء منزل هالة

على غرار هالة، أكّد 6 أشخاص من سكّان المنطقة في شهادات متطابقة، أن الإخلاءات لم تكن سلمية، بل كانت عنيفة وعبر التضييق على المدنيين.

يوضح الخبير القانوني جمعة الحلاق أنّ محافظة دمشق، أخلت منطقة خلف الرازي بشكل كامل عام 2017، في مخالفة واضحة لنص المادة 40 من المرسوم، التي “تُلزم محافظة دمشق بتسليم أراضي المقاسم خالية إلى مالكيها خلال مدّة أقصاها 90 يوماً بعد تاريخ حصولهم على تراخيص البناء حيث أخلت المحافظة كل المنطقة قبل إصدار التراخيص”، ما يعني أن الحصول على رخص بناء المقاسم في المشروع يجب أن تكون قبل عمليات الإخلاء.

ولكن البحث في أرشيف أخبار المحافظة، يُبيّن أن أول إنذار إخلاء كان في أيلول/ سبتمبر 2015 في حين أن أول رخصة بناء كانت عام 2019.

تتحدث هالة عن أناس من المنطقة تم إخلاؤهم خلال دوام المدارس، ما أدى إلى توقف العملية التدريسية لمعظم أطفال المنطقة.

حديقة منزل هالة قبل الهدم

منزل هالة بعد إفراغه قبل الهدم

خلال أسبوعٍ واحد، تم إخراج فهد من منزله خلف الرازي مع أثاث المنزل، ليبقى مشرداً لشهرين يبحث عن مكان يأويه وعائلته. 

يقول فهد: “كنت أسكن في منزل أملكه، وبنيته على أرض والدي الزراعية بمساحة 90 متراً مربّعاً، ولا أدفع إيجاراً، بينما اليوم أعيش في غرفة بلا منافع، في منزلٍ قديم في حي الشيخ سعد مع أفراد أسرتي الخمسة”.

ولكن على رغم هذه المعاناة، يبقى لدى فهد أمل باستلام السكن البديل وإن بعد حين، لأن مساحة منزله 90 متراً، ولكن تقل “المساحة المسقوفة” في منزله عن 40 متراً فلا يحصل على منزلٍ مستقل في المشروع الجديد، وفقاً للمادة رقم 3 من القرار 112. وفي حال كانت أكثر من عائلة تعيش الشقّة، تحصل على سكنٍ واحد يعادل مساحة المنزل القديم.

ويعتبر الخبير القانوني جمعة الحلاق، أنّ هذه المادة، دفعت الناس إلى بيع أسهمهم وحصصهم ليستطيعوا الاستمرار”، موضحاً أنّ هؤلاء لن يستطيعوا الشراء في منطقة المرسوم.

سكن بديل فوق قدرة ساكنيه

بموجب المادة 45 من المرسوم 66 كانت المدّة المحدّدة لمنح السكن البديل، بعد أربع سنوات من تاريخ صدور المرسوم عام 2012، أي أن السكن البديل يُفترض أن يكون جاهزاً عام 2016.

ولكن عندما فشلت محافظة دمشق في تأمين السكن البديل خلال هذه المدّة، جاء “القانون رقم عشرة” شائع الصيت، وجعل في المادة رقم 25 مدّة تسليم السكن البديل بعد أربع سنوات من تاريخ إخلاء المنزل، بدلاً من أربع سنوات من تاريخ صدور المرسوم 66.  

ومع وجود مالكين أخلوا منازلهم عام 2015، فإن التعديل الذي جاء في القانون رقم 10 لم يتم الالتزام به أيضاً، إذ أخلى هؤلاء منازلهم قبل خمس سنوات، ويُفترض أن يكونوا قد حصلوا على السكن البديل خلال 2019.

يُقدر جمال اليوسف، سعر المتر للسكن البديل، بين 270 إلى 300 ألف ليرة سورية (300 دولار) ككلفة حقيقية لثمن البناء فقط، من دون قيمة للأرض ونفقات الإنارة والشوارع، وتكون طريقة الدفع بالتقسيط، على مدار 25 عاماً بفائدة 10 في المئة، على أن تكون الدفعة الأولى 10 في المئة من قيمة العقار وفقاً للقرار 112. 

ويعتبر اليوسف ذلك عدلاً، “كون الذين يسكنون في منازل مخالفة وغير نظامية، لم يكونوا يدفعون رسوماً وضرائب، والدولة كانت تخدمهم مجاناً، وحان الوقت كي يترتب عليهم شيء”.

ويرى أنّ المواطن استفاد من التنظيم، فبمجرد تخصيص مستحق السكن البديل، يمكنه البيع وجني الأرباح، ومن لا يستطيع دفع ثمن السكن البديل، دعاه اليوسف إلى “تدبر أمره” سواء بموارده، أو بالاقتراض، مشيراً إلى أنّ محافظة دمشق، لا يمكنها تفصيل قانون لكل شخص على قياسه.

وبحسبة اقتصادية، فإن سعر المنزل الذي مساحته 100 متر مربّع أصبح 30 مليون ليرة سورية (نحو 30 ألف دولار)، إضافة إلى 10 في المئة فوائد، فيصبح الثمن 33.5 مليون ليرة سورية، وبذلك لا يستطيع مستحقو السكن البديل سداد المبلغ، وهو ما يعتبره غالب عنيز “يفتح الباب لتجار وحيتان العقارات”.

بدلات إيجار غير مجدية

نص المرسوم 66 في المادة 44 على منح غير المستحقين للسكن البديل، تعويض إيجار لمدة سنتين، أما المستحقون فيتم تعويضهم بإيجار سنوي حتى تسليمهم السكن البديل، ويُدفع خلال شهر من تاريخ تبليغ إنذار الإخلاء.

تدفع هالة اليوم 125 ألف ليرة إيجار منزلٍ مكوّن من غرفتين صغيرتين في دمشق، في حين قُدّر تعويض بدل الإيجار لمنزلها بـ75 ألف ليرة. تقول: “بدل الإيجار هذا لا يغطي نصف قيمة ما أدفعه، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات، وصعوبة الحصول على منزل للإيجار نتيجة الضغط في بعض المناطق”، ما اضطرها إلى بيع جزء من أسهمها في المنطقة التنظيمية لتغطية نفقات إيجارها.

في المقابل يدفع فهد 75 ألف ليرة سورية إيجاراً شهرياً لغرفة واحدة بلا منافع، وبدل إيجاره لا يكفي. يقول: “مع ذلك ما زالت محافظة دمشق تتأخر في دفع بدلات الإيجار ولا تسلّمنا المبلغ في موعد استحقاقه”.

يقول جمعة الحلاق: “ضعف قيمة بدل الإيجار دفع الناس إلى بيع أسهمهم ضمن المشروع، وحتى اليوم لا يُدفَع بدل الإيجار في وقته المحدد، إضافة إلى تأخير تاريخ الهدم المتعلق بصرف بدل الإيجار”.

لكن من لم يستحق السكن البديل هم حوالى 2500 عائلة من أصل نحو 8500، ويحصل هؤلاء فقط على بدل إيجار لمدّة عامين من تاريخ الإخلاء، ويبقى مصيرهم مجهولاً بعد انتهاء هذه المدّة. 

وينظر عضو مجلس محافظة دمشق غالب عنيز إلى ذلك على أنّه “إجحاف بحق هذه العائلات”، قائلاً: “2500 أسرة كانت تعيش باستقرار، وأصبحت بلا مأوى” موضحاً أن “الدولة ملزمة في الدستور بتوفير السكن لأبنائها”.

تعيش أم محمد منذ نحو 50 عاماً في خلف الرازي (إيجار قديم)، لم تستطع إثبات أنها مستأجرة لأنّها لا تملك عقد الإيجار القديم، ما أدى إلى حرمانها من السكن البديل ومن بدل الإيجار، وعلى رغم اعتراضها في مديرية تنفيذ المرسوم ثلاث مرّات، إلا أنهّا لم تصل إلى نتيجة، وأبلغتها المديرية أنّ الخطأ خطأها وعليها الرجوع إلى القضاء للاعتراض.

ويأتي ذلك على رغم أن المستأجرين في المنطقة قبل عام 2000 ولا يملكون أرضاً، يحصلون على 30 في المئة من أسهم العقار السكني، و40 في المئة من أسهم العقار التجاري، بحسب المادة 44 من المرسوم 66.

يعتبر جمال اليوسف بدل الإيجار “مساهمة من الدولة”، لمساعدة المواطن على استئجار منزل لحين تجهيز السكن البديل للمنطقة، ويعترف بحدوث تأخير في دفع مستحقات الإيجار، بسبب “الظرف العام”، مضيفاً أنّ المحافظة دفعت نحو 8 مليارات ليرة كتعويض بدل إيجار.

يؤكد اليوسف أنّ بدل الإيجار غير كافٍ، وسُجلت اعتراضات كثيرة عليه، لكن تخمين بدل الإيجار، أجرته لجان قضائية وصدر بقرار قضائي قطعي، ولا يمكن تعديله إلا عبر تعديل القانون، وهذا يحتاج إلى قرار قضائي.

ويتوقّع اليوسف أنّ يكون السكن البديل جاهزاً خلال سنة ونصف السنة من الآن، قائلاً: “لا نستطيع الاستمرار بدفع بدلات الإيجار فهي عبء علينا”.

 بداية غير موفّقة لـ”إعادة الإعمار”

مثّل المرسوم 66 وثغرات تطبيقه، بدايةً غير موفّقة لعملية إعادة إعمار سوريا، التي باتت حديث وسائل الإعلام العالمية، فعلى رغم مضي 8 سنوات على صدور المرسوم، لم يتم حتّى الآن أي تنفيذ فعلي لعمليات الإعمار، في حين بقي سكّان منطقة المرسوم مبعثرين بلا مأوى مستقر منذ إخلاء منازلهم.

ويتكوّن المشروع من منطقتين تنظيميتن الأولى “ماروتا سيتي” وتعني بالآرامية (السيادة) والثانية “باسيليا سيتي” وتعني (الجنة)، تمتدّ الأولى على مساحة مليونين و149 ألف متر مربّع في منطقة خلف الرازي وستضم 12 ألف شقّة سكنية موزّعة على 168 برجاً، يتراوح بين 11 و22 طبقة، في حين تمتد الثانية على مساحة 9 ملايين متر مربّع في المتحلّق الجنوبي بين القدم ومخيّم اليرموك، وعدد عقاراتها 4 آلاف، وفقاً لبيانات الشركات المشاركة في تنفيذ المنطقة التنظيمية.

المدينتان قُدّمتها على أنّهما أول مدينتين ذكيتين “ثلاثيتي الأبعاد” في سوريا، ببُنى تحتية فاخرة، فيها خدمات مؤتمتة، وتحكّم مروري عبر الانترنت، ومراكز تعليمية وثقافية وترفيهية وسياحية، لجلب رؤوس الأموال إلى العيش في سوريا وخلق “دبي جديدة” في دمشق.

ولكن تلك الرفاهية، لم تنصف محمود الذي فارق والده الحياة بسبب إجباره على إخلاء المنزل، وضاع حقّه بملكيته، كما أنّها لا تعني شيئاً بالنسبة إلى مئات العائلات التي شُرّدت من منازلهم، من دون أن تملك أي ذخيرة سوى بدلات إيجار لا تكفي لاستئجار غرفة صغيرة في دمشق، بانتظار موعد مفتوح لإعادتهم إلى منازلهم الجديدة. 

مخطط “ماروتا سيتي”

 

مخطط “باسيليا سيتي”

تم إنجاز هذا التحقيق بإشراف ودعم “الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج”، وإشراف الزميل أحمد حاج حمدو

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.