fbpx

تصلّب مصرفي لويحي: الزيز الكسول وقد سرق مدّخرات النمل! 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عملت بجدّ وادّخرت لكي لا أضطر إلى ترجّي أحد. كل ما عملت لأجله في حياتي كان من أجل ألّا أذل على باب مستشفى، فعشت الذلّ كله على باب مصرف

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“رقم 45 شباك رقم واحد”.

 لم يتحرك أحد.

“رقم 45 شباك رقم واحد”.

 نظرت إلى الورقة التي أحملها بيدي. رقمي 96. الورقة ثقيلة. النمل يتحرك من أصابعي إلى أعلى ذراعي. عشرات النملات تتجمع في أصابعي، وأشعر بوخزها بين الإبهام والسبابة. تتسارع خطوات النمل صعوداً لتحفر في رمال ذراعي. تحفر عميقاً وتقلب ساعتي الرملية، لتعيد إنتاج الذكريات. ذكريات عشتها عام 2006 عندما شعرت بعوارض مرض “التصلب اللويحي” للمرة الأولى. 

كان ذلك في حرب تموز/ يوليو. كنت شابة صغيرة، ولم أكن اعرف شيئاً عن هذا المرض الغريب. اجتاح النمل أطرافي وأصبت بالشلل 15 يوماً، حتى بات النمل يذكرني دائماً بالعجز. نفضت يدي. رججتها في محاولة إسقاط النمل منها. فتحتها وضممتها لأتأكد من انني على ما يُرام وأنني لا أعاني من نوبة جديدة. نوبة شبيهة بالتي أقعدتني عام 2006، قد تتسبب بالشلل، أو فقدان البصر أو تداعيات أخرى كثيرة لا مجال لشرحها هنا. فمرضي مناعي ذاتي لا علاج له وعوارضه لا يمكن التحكم بها. الوقاية الرئيسية الوحيدة التي وصفها الطبيب كانت “ما تعملي سترس”، إلى جانب دواء شهري للوقاية من العوارض ثمنه الآن أكثر من الف دولار أميركي (كان سعره قبل شهرين ألفي دولار). دواء بألف دولار أميركي شهرياً في لبنان، و”ما تعملي سترس”. حسناً، سأحاول.

“رقم 61 شباك رقم 4”.

 نفضت يدي مرة أخرى وحررتها من ثقل الورقة التي تحمل رقمي من بين المنتظرين، وعدت لانتظاري. الانتظار طويل والنمل يتكاثر ومنسوب التوتر يرتفع. لكن الأمر يستحق. في النهاية، عندما ينادون رقمي على الشباك سأتمكن من سحب المال الذي رصدته لشراء الدواء الذي يقيني من هجمات التصلب اللويحي، في بلاد ليس فيها احترام للمواطن وحقه المجاني بالطبابة. 

ولأنني أخاف من الغد، تصرفت تماماً كالنمل الذي احتل جسدي، عملت واجتهدت وجمعت مبلغاً يعادل ثمن علبتيّ دواء ووضعته في المصرف كنوع من الضمانة في حال تعذر، لأي سبب، تأمين المال للدواء من الجهات الضامنة. ولما صُرفت من عملي تعسفياً بعد إقفال مكاتب جريدة “الحياة” ومجلة “لها” في بيروت، خبّأت ما حصلت عليه من تسوية بعد معركة لنيل تعويضي، في رمال المصرف. وكنت أظنّ، خاطئة كما كثيرين، أنني أضع مالي في مكان آمن، ليتبين أن رمال المصارف متحركة تبتلع الحقوق. لقد جمعت المال وخزنته لشتائي، فاستولى عليه زيز المصارف الكسول الذي يكدّس الأرباح بلا أي جهد أو تعب. استولى المصرف- الزيز على مدّخراتي وعلى أموال كثيرين من صغار المودعين.

أمام باب المصرف بكيت. شعرتُ بذلّ لم أشعر به في حياتي. فأنا عملت بجدّ وادّخرت لكي لا أضطر إلى ترجّي أحد. كل ما عملت لأجله في حياتي كان من أجل ألّا أذل على باب مستشفى، فعشت الذلّ كله على باب مصرف

“رقم 78 شباك رقم واحد”.

تذكرت نصيحة الطبيب. يجب أن أبتعد من التوتر والقلق. لكن كيف السبيل إلى ذلك وأنا مضطرة كل أسبوع إلى الجلوس أو الوقوف في طابور المصرف لأحصل على ما تعبت سنوات لأدّخره، فلا أجد سبيلاً للحصول عليه إلا من طريق الذل. ولم أطلب المبلغ كاملاً. وهو ليس بالمبلغ الكبير بالمناسبة. بل طلبت، وقد أحضرت فاتورة الدواء وفاتورة التأمين الصحي السنوي، ما يسدّ هذه الكلفة الكبيرة للطبابة في بلاد لا تحترم المرضى، ولا تلتفت إلى الهمّ الصحي إلا في حالات الأوبئة، كما هي الحال مع “كورونا”، ويا ليتها تقوم بواجباتها كما يجب. 

“رقم 90 شباك رقم خمسة”. 

النمل لا يزال هناك. نملات قليلة تسللت إلى أسفل قدمي اليسرى. نفضتها هي الأخرى في محاولة لطرد النمل ودبيبه. تأملت الناس المنتظرين، الناس المذلولين مثلي لأجل أن ينالوا مالهم. حلالهم. حقّهم. شعرت بغضب شديد. بقهر ما بعده قهر. 

“رقم 96 شباك رقم 2”. 

رفض الموظف أن يعطيني المبلغ المطلوب والمسجل في فاتورة الدواء التي أحملها في يدي. لم ير النمل وأنا اسلّمه الورقة بصعوبة. قال إن قوانين المصرف لا تسمح إلا بإعطاء مبلغ مئة دولار فقط. سلّمني مئة دولار فقط. دوائي ثمنه ما يزيد على ألف دولار. كنت أودّ الانفجار في الموظف. الانفجار كقنبلة موقوتة في المصرف كله. لكنني لم أفعل. أخذت المئة دولار. وخرجت. 

أمام باب المصرف بكيت. شعرتُ بذلّ لم أشعر به في حياتي. فأنا عملت بجدّ وادّخرت لكي لا أضطر إلى ترجّي أحد. كل ما عملت لأجله في حياتي كان من أجل ألّا أذل على باب مستشفى، فعشت الذلّ كله على باب مصرف “فرنسبك”. 

لجأت إلى القانون بعد استشارة محام. توجهت إلى كاتب عدل ووجهت إنذاراً خطياً للمصرف أطالبه فيها بدفع مالي نقداً وإلا سأدعي عليه في القضاء بجرم إساءة الأمانة. المصرف ردّ عبر الكاتب العدل بعد أيام، برسالة على طريقة العشاق المراهقين، بأنه “لا يسعه سوى أن يضع حداً للعلاقة بيننا، فهو لا يستطيع الاستمرار بهكذا علاقة”. وبأنه أغلق حسابي المصرفي، وأودع “مؤخر الصداقة بيننا” شيكاً مصرفياً بالمبلغ كاملاً لدى الكاتب العدل. خلتني سأقرأ في آخر الرسالة شيئاً من قبيل “منك لله يا شيخة!”. لم أصدّق عينيّ. أهذه رسالة رسمية من مصرف يحترم عملاءه؟ ثم تذكرت أنني أعيش في لبنان. لم أستلم الشك المصرفي بعد. “كورونا” حجرني في المنزل لخوفي من التقاطه وأنا اعاني من مرض مناعي، ولا أعرف معلومات كافية عن كيفية تأثير الفايروس الذي يرعب العالم في مرضي. ربما سأضع هذا الشك لدى استلامه عند “زيز” آخر لقلة الخيارات، أو ربما أرضخ لمافيا الصرافين واهبهم 35 في المئة؜ من قيمته، لأحصل نقداً على 65 في المئة من جنى عمري. سأفعل كل ما يتطلبه الأمر لاطرد النمل من جسدي. لن أسمح للنمل أن يأكلني حيّة. ولن أسمح للمصرف أن ينهش لحمي.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.