fbpx

حتى في زمن “كورونا” لن تمنحي جنسيتك لأطفالك!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هناك الكثير من المبررين للنظام الحاكم. لقد ضُللنا كثيراً ونُصحنا بأن نقبل القيمة الظاهرية لنيات السلطة، وأن نمنح السلطة فرصة أخرى لكن الواقع الفعلي لأحوال المرأة وتعرضها للظلم والإقصاء والتمييز لم يتغير، بل ازداد سوءاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في 10 آذار/ مارس، وبعد أسابيع من تفشي فايروس “كورونا” في لبنان، ووسط حالة الذعر والارتباك الناتجة عن سرعة انتشار الفايروس وتقاعس الحكومة الحالية في التعامل مع ما ثبُت أنه وضع يهدد الحياة، دُهش كثر منا من توقيع 8 مراسيم رئاسية (أرقامها هي 6173، 6174، 6175، 6176، 6177، 6178، 6179، 6180)، تقضي باستعادة الجنسية اللبنانية لمهاجرين من “آباء وأجداد” لبنانيين. 

اعتُمدت هذه المراسيم بناءً على نص القانون سيئ الذكر رقم 41 الذي صدر في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 بدعم (وإصرار) من جبران باسيل وزير الخارجية السابق وصهر الرئيس الحالي، والذي منح المهاجرين المنحدرين من آباء أو أجداد لبنانيين حق استعادة الجنسية اللبنانية.   

تذكرنا تلك المراسيم بما قام به الرئيس عون في بداية عهده إذ استغل صلاحياته الرئاسية لمنح الجنسية اللبنانية وفق هواه لمئات الأشخاص بموجب مرسوم رئاسي استثنائي في 11 أيار/ مايو 2019، فبتوقيع من الرئيس عون، ثم رئيس وزرائه سعد الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق.

قد تكون هذه أصعب الفترات لتفعيل التغيير أو إحراز أي تقدم في حقوق المرأة للحصول على الجنسية. يُعزى ذلك بشكل رئيس إلى موقف النظام الحاكم الواضح من هذا الشأن والذي يتسم دوماً بالسلبية.

 وقتذاك، حصل حوالى 411 شخصاً على الجنسية اللبنانية في حين تُحرم آلاف النساء المتزوجات من غير لبنانيين من حقهن الأساسي في منح الجنسية لأزواجهن وأطفالهن، وهو حق ممنوح للرجال اللبنانيين المتزوجين من نساء غير لبنانيات. ومن الجدير بالذكر غياب أي تفسير مقنع بشأن الأسباب التي دفعت الرئيس إلى اختيار هؤلاء الأشخاص بعينهم لمنحهم الجنسية اللبنانية، علماً أن كثراً منهم -وفقاً لوسائل إعلام لبنانية- أعوان معروفون للنظام السوري أو رجال أعمال مشبوهون أو كلاهما (103 أشخاص تقريباً يحملون الجنسية السورية). وعلى رغم الضجة الإعلامية التي أثيرت وتوجيه الاتهامات العامة التي صحبت هذا الإجراء والتي لم تدم طويلاً، اتخذ الرئيس المزيد من الخطوات التي تقوض حقوق المرأة اللبنانية. ففي 27 حزيران/ يونيو 2019، رفض الرئيس توقيع قانون أقره البرلمان (القانون رقم 5271) يمنح أبناء المرأة اللبنانية وزوجها حقوقهم الأساسية في العمل (مع أن القانون لم يشمل المهن التي تتطلب عضوية في النقابات المهنية أي أنه يقدم حلولاً جزئية فقط لمشكلة الحرمان من حق العمل). بادرت الرئاسة إلى تبرير ذلك الفعل بحجج قانونية مبهمة فشلت- مجدداً- في أن تكون مقنعة.

ويتزامن هذا الحرمان المهين من الحق الأساسي في العمل لغير اللبناني المتزوج من لبنانية وكذلك أبنائها مع تقديم الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، التي ترأسها حالياً ابنة الرئيس كلودين عون روكز اقتراح قانون (بين أيار، وتموز/ يوليو 2019) يهدف إلى أن يعيد للمرأة حقها في منح الجنسية لأولادها وزوجها، وفقاً لتصريحات السيدة عون لوسائل الإعلام. استفاد قانون كلودين عون/ الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية من التغطية الإعلامية الواسعة المصحوبة باجتماعات رفيعة المستوى مع ممثلي الوفود الأجنبية والمنظمات الدولية في لبنان وكذلك اجتماع رسمي مع زوج أختها الذي كان حينها وزيراً للخارجية (النشرة، 9 تموز 2019). 

يُفترض أن يكون هذا القانون أقصى ما تستطيع الحكومة القيام به للحفاظ على حقوق المرأة والتعامل مع المخاوف الديموغرافية المزعومة التي يوليها هذا النظام السياسي اهتماماً بالغاً. لكن هذا القانون الذي تواصل ابنة الرئيس ترويجه في وقت كتابة هذا المقال يجلب مزيداً من التمييز (مثلاً يُميَّز بين الأطفال من الأسرة نفسها وفقاً للسن) والإقصاء (يُستبعد الأزواج صراحةً من هذا القانون)، فضلاً عن أنه يترك للحكومة حق التقدير، الأمر الذي يجعل القانون -على أقل تقدير- مفتقراً إلى معايير موضوعية وواضحة وعادلة لاتخاذ القرار. 

إذاً، ما الذي فعله النظام الحالي لرفع الظلم عن النساء اللبنانيات وإعادة حقهن بمنح الجنسية؟ استناداً إلى ما شهدناه، تضم الإجابة الآتي، وفقاً للترتيب الزمني:

●       بعد بضعة أشهر من تولي عون الرئاسة، أصدر مرسوم تجنيس يمنح الجنسية لـ411 شخصاً (نصفهم فلسطينيون وسوريون فيما صرح وزير الخارجية السابق أنه يعارض بشدة منح الجنسية اللبنانية للسوريين واللبنانيين).

●       في العام التالي، رفض الرئيس قانوناً يمنح زوج المرأة اللبنانية وأبناءها حق العمل.

●       منذ بضعة أيام، وفيما يكافح لبنان وباء كوفيد-19، وفي ظل فشل الحكومة التام، وقَّع الرئيس 8 مراسيم لاستعادة الجنسية اللبنانية لمهاجرين منحدرين من آباء لبنانيين. 

لكن دعونا نشكر القدر على مقترح القانون الذي تحتفظ به ابنة الرئيس في جعبتها. قانون من غير المحتمل أن يمرر، حتى مع ما يحتويه من ثغرات وتناقضات، لكن سيستخدمه النظام الحاكم لترديد خطابه المعهود، “لقد حاولنا لكنهم لم يسمحوا لنا”.

بالنسبة إلى أولئك الذين دافعوا بشدة من بيننا عن المساواة في حقوق المواطنة للمرأة في لبنان، وفي ما يتعلق بالتفعيل الكامل غير المشروط للاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق المرأة، قد تكون هذه أصعب الفترات لتفعيل التغيير أو إحراز أي تقدم في حقوق المرأة للحصول على الجنسية. يُعزى ذلك بشكل رئيس إلى موقف النظام الحاكم الواضح من هذا الشأن والذي يتسم دوماً بالسلبية.

  لم يُخفِ حقاً الحزب الحاكم، “التيار الوطني الحر” الذي تأسس على يد الرئيس ويرأسه الآن زوج ابنته، معارضته الكاملة حقوق المرأة في الحصول على الجنسية. استند “التيار الوطني الحر” في ذلك إلى ذرائع تتفق جميعها مع الموقف العنصري المناهض للفلسطينيين والسوريين و”جنسيات أخرى من دول مجاورة” كما وصفها زوج ابنة الرئيس، إضافة إلى الذريعة الدائمة حول “التوازن الديموغرافي”.

على رغم ذلك، من غير المنصف اعتبار “التيار الوطني الحر” الحزب السياسي الوحيد المعارض لتعديل قانون الجنسية الحالي. في واقع الأمر، وبناءً على لقاءات واتصالات شخصية، لم يهتم أعداء “التيار الوطني الحر”، المعروفون باسم “القوات اللبنانية” بهذا التعديل الذي من شأنه، من وجهة نظرهم ووفق تحليلهم الخاص، زيادة عدد المسلمين في لبنان. أيضاً، بعد تدفق اللاجئين السوريين على الدولة، غيّر “حزب الله” موقفه، بعدما أبدى سابقاً بعض التعاطف مع الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي واجهتها النساء المتزوجات من غير اللبنانيين، مستخدماً المعايير الديموغرافية ذاتها التي استخدمها حليفه “التيار الوطني الحر”، مع إدراكه أن التوازن الهش بين السنة والشيعة سيصبح على المحك جراء هذا التعديل المزمع.

توضح التصريحات والمعطيات أن النظام الحاكم وحُلفاءه ومعارضيه دعموا الاتجاه الذكوري بلا خجل، عبر التقاعس عن إقرار حقوق المرأة أو حتى مواطنتها الكاملة ومن خلال الاستمرار في إنكار الحقوق وترسيخ عدم المساواة الجنسية سواء من جهة الممارسة أو الخطاب القانوني. لكن خطأ النظام الآخر، ضمن أخطائه الكثيرة، هو تقويض دور المرأة كمواطنة ناضجة ونشطة لن تكف عن المطالبة بحقوقها كما ظهر جليّاً في ثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر. ضمن مطالب عدة، ركز المواطنون في الشوارع على حقوق المساواة في الحصول على الجنسية باعتبارها مطلباً رئيساً وشرطاً أساسياً للإصلاح.

هناك الكثير من المبررين للنظام الحاكم. لقد ضُللنا كثيراً ونُصحنا بأن نقبل القيمة الظاهرية لنيات السلطة، وأن نمنح السلطة فرصة أخرى، إنهم يقولون… نعم، طُرح مقترح قانون للجنسية مع جدل مؤيد قوي أثير حوله ما أقنع البعض به… لكن، الواقع الفعلي لأحوال المرأة، وتعرضها للظلم والإقصاء والتمييز لم يتغير، بل ازداد سوءاً. المرأة في لبنان لم تُهمش فقط، بل تعرضت لمزيد من الإهانة بمقتضى المراسيم الرئاسية والسبل الخداعية التي قدمت مصلحة المسؤولين على حقوق الأفراد.

يدعو النظام الحاكم الحالي إلى الإصلاح بينما يُقنن الفساد، يتشدق بالعدالة ويقوض حريات المواطنين، يستخدم المنصات الدولية والمحلية ليتحدث عن التزامه حقوق المرأة ومساواتها، فيما يرفض إجراء أي إصلاح من شأنه اتخاذ خطوة نحو المساواة والمواطنة الشاملة. يصر النظام الحاكم على موقفه، بصرف النظر عن خطابه الموجه للجمهور.

يعتبر تأسيس المساواة الجنسية والمواطنة الشاملة وترسيخهما، ضمن مطالب الثورة الجوهرية. تنادي الثورة بمجموعة كاملة ومترابطة من المطالب تشمل المساواة في حق الحصول على الجنسية، وتشريع قوانين أسرية مدنية عادلة، وتقييد سيطرة المؤسسات الدينية على حياة المرأة، وتجريم جميع أنواع العنف والقمع والتمييز ضد المرأة والأشخاص من جميع الميول والهويات الجنسية.

لكن النظام الحاكم الحالي لا ينوي تنفيذ أياً من ذلك.


مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.