fbpx

موريا… اليأس المنسي في مخيمات اللاجئين اليونانية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حالات القلق المنتشرة في المخيم لخصتها لاجئة خمسينية أثناء خروجي من موريا، “ما تطول! رجاع لهون… طبعاً إذا لقيت حدا مننا عايش”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

سجن بلا حدود

تعيش سعاد مع عائلتها المكونة من أربعة أشخاص في خيمة صغيرة منذ سنتين. هربت من جحيم الحرب في إدلب بعدما فقدت زوجها وقصفت قوات النظام بيتها. لم تحمل في جعبتها أي أشياء ثمينة إلا الهروب، وحين صارت على متن المركب القادم من تركيا، كبر حلمها بالأمان وصارت كلمة مستقبل تداعب خيالها. 

“وصلنا إلى هنا وكلنا أمل بأن نبدأ حياة جديدة ويبدأ أطفالي الذهاب للمدرسة من دون أصوات طيران أو مدافع”. لكنها ومنذ ذلك الوقت وهي عالقة مع أطفالها في خيمة خارج مخيم موريا اليوناني، تنتظر الوقت الذي لا يأتي لتغير ظروفها، ولم تعد تعرف أيهما أفضل موريا أم إدلب. “لقد صار هذا المخيم بكل بشاعته بيتنا وحياتنا وليس لنا مفر. يبدو أننا سنعيش لوقت طويل في هذا السجن الكبير”.

كورونا

يعيش اللاجئون واللاجئات حالة مزرية من الخوف والقلق الناتج عن تفشي فايروس “كورونا” في العالم. يعرف هؤلاء اللاجئون أن هنالك كارثة تنتظرهم بلا شك، ويعرفون أن حالة “كورونا” واحدة في هذا المكان المزدحم ستكون كارثية. ويعرفون أيضاً أن حالة كورونا واحدة لن تفرق بين شاب وعجوز، لأن التغذية في المخيم ليست بالجيدة أبداً، وأن مناعة الناس الضعيفة لن تحميهم من هذا الوباء. 

يستنجد الناس من أجل زجاجة واحدة من مطهر اليدين، وبالطبع مطهرات الأيدي مفقودة من الأسواق بشكل كامل. ومع انتشار الأخبار عن وجود حالة إصابة واحدة لمواطن يوناني بـ”كورونا” على الجزيرة يزداد منسوب القلق بين اللاجئين. 

يعاني مخيم موريا من الاكتظاظ الشديد، وبالكاد يحصل اللاجئ أو اللاجئة على مسافة عشرة سنتيميترات، فأين هو العزل الاجتماعي أو الحجر الصحي الذي تتكلم عنه الحكومة اليونانية والحكومات الأوروبية؟ يعيش آلاف اللاجئين خارج مخيم موريا في كرم للزيتون، بسبب ازدياد عدد اللاجئين بالنسبة إلى قدرة المخيم الاستيعابية، لكن سواء داخل المخيم أو خارجه ليس هنالك أدنى مقومات الصحة أو النظافة. تشترك عائلتان في خيمة واحدة لا يفصل بينهما سوى قطعة قماش، يتنفس الجميع الهواء ذاته ويتشاركون كمية القلق ذاتها. وفي أفضل الحالات، لا تبعد الخيمة من الأخرى سوى مسافة قصيرة جداً، فإضافة إلى عدم وجود أي خصوصية داخل الخيمة، فالمسافة التي تفصل اللاجئين عن بعضهم بعضاً لا تعطي أي فرصة للعزل الذي يتطلبه تفشي وباء “كورونا”. 

يعيش اللاجئون حقاً بين النفايات. على جانب المخيم من الجهة اليسرى تفصل المخيم عن خيم كرم الزيتون جبال من أكياس النفايات، التي غالباً ما تسيل المياه النتنة منها تاركة روائح تدمي العيون. بطبيعة الحال معظم الأطفال يلعبون بين هذه النفايات، وهنالك لاجئون آخرون ينامون على بعد سنتميترات منها. أما في كرم الزيتون، فالنفايات تتركز بين الخيم تاركة المجال على مداه للحشرات والذباب. 

أما بالنسبة إلى المرافق الصحية فهي بحالة مهترئة للغاية. هنالك حمام واحد لكل 200 شخص، والحمامات غير صحية وغالباً ما تتسرب منها المياه إلى الخارج فيلعب بها الصغار أو يمشي عليها لاجئون. في آخر ثلاثة أيام أمضيتها متطوعاً في مخيم موريا، لم تكن هناك مياه صالحة للغسيل أو الشرب. تم قطع المياه عن المخيم لسبب ما، وفي هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة، عانى اللاجئون واللاجئات من غياب النظافة وانعدام الأمان الصحي. 

“لقد صار هذا المخيم بكل بشاعته بيتنا وحياتنا وليس لنا مفر. يبدو أننا سنعيش لوقت طويل في هذا السجن الكبير”.

بالطبع العناية الصحية في المخيم معدومة أو في حالات نادرة شبه معدومة. لا توجد عيادات للأطباء، وإن وجدت على اللاجئ أو اللاجئة الانتظار لأسابيع لرؤية الطبيب. ومع الهجوم الوحشي الذي قامت به عناصر من اليمين المتطرف ضد اللاجئين والمنظمات الإنسانية في الأسابيع الماضية، اضطر العديد من المتطوعين والمتطوعات لمغادرة ليسبوس، تاركين فراغاً كبيراً في الخدمات الصحية المحدودة بالأصل. 

حالات القلق المنتشرة في المخيم لخصتها لاجئة خمسينية أثناء خروجي من موريا، “ما تطول! رجاع لهون… طبعاً إذا لقيت حدا مننا عايش”. 

حالياً، وبعد فرض الحكومة اليونانية حظر تجول، يستطيع اللاجئون واللاجئات التحرك فقط في محيط المخيم من دون القدرة على الذهاب إلى المدينة/ ميتيلينين التي تبعد عشرة كيلومترات من المخيم. ففي حالة الحاجة إلى دواء مثلاً، أو أي شيء أساسي آخر، لا يستطيع اللاجئ في موريا الحصول عليها في الوقت الراهن. 

موريا غيتو أو مخيم مدن الصفيح

مع مرور الوقت على اللاجئين في مخيم موريا، بدأت الأغلبية الساحقة تفقد الأمل بأي تغيير للأوضاع من ناحية السماح لهم بمغادرة الجزيرة أو نقلهم إلى مكان يتوفر فيه ولو القليل من الشروط الإنسانية. حالة اليأس تلك قادتهم إلى إنشاء نوع من الاستقرار. استقرار يذكرك بمدن الصفيح. بنوا في الخيم مخابز ودكاكين وأماكن لإصلاح العجلات الهوائية، وصنعوا لخيمهم أبواباً من خشب، وبنوا مواقدا للطبخ. ذلك كله يقودك إلى الشعور بتحول مخيم موريا مدينة من مدن الصفيح. 

وبالفعل يلخص مخيم موريا المأساة اليونانية الحديثة لناس هربوا من جحيم الحروب وجحيم الطغاة، لكنهم وقعوا في فخ السياسات الخاطئة التي تنتهك ببساطة حق اللاجئين واللاجئات في حياة آمنة كريمة. 

أطفال بلا طفولة


لم تكن زيارتي الأخيرة إلى مخيم موريا اليوناني للاجئين في جزيرة ليسبوس كالزيارات السابقة التي قمت بها على مدى خمس سنوات. لم يعد مخيم موريا تلك الثكنة العسكرية القديمة التي خصصت لاحتواء ما لا يزيد عن 2500 من اللاجئين واللاجئات، بل أصبح غابة من الخيم الممزقة التي تحوي داخلها لاجئين ولاجئات متعبين ومتعبات حتى اليأس. 

لم أرَ من قبل هذا العدد من الأطفال الذين يركضون أو يمشون بلا سبب، وربما يتنفسون بلا سبب، فبغياب المدارس والتعليم والعناية الصحية، فقد هؤلاء الأطفال طفولتهم وفقدوا الأمل الذي قطعوا البحر من أجله. يعيشون في موريا حالة من الفراغ والتجاهل وعدم الاهتمام، وغياب الفرص لحياة ممكنة. 

 راقبتُ وليد (3 سنوات)، يجلس في صندوق فاكهة فارغ لأكثر من ساعتين، ينظر إلى المارة من اللاجئين أو الجالسين مثله بلا حراك. حاولت التحدث إليه فلم يجب، بل فضل أن يهز برأسه يميناً وشمالاً كأنه يقول لي: اتركني في عزلتي… لا أريد التواصل مع هذه العالم. بعد ساعتين قدمت له قطعة من الحلوى، فأمسكها بيده ووضعها جانباً من دون أن ينظر إليها حتى، أو يهتم بها، وواصل البقاء في عالمه. إنه الاكتئاب الطفولي. نعم، الأطفال في مخيم موريا يعانون من الاكتئاب. لا يتيح الوقت ولا الظرف لأهاليهم الاهتمام بهم. لا يمكن بالتأكيد وضع اللوم على أهالي هؤلاء الأطفال، فالأهالي أيضاً في وضع لا يحسدون عليه. يقع اللوم فقط على من قام بتهجيرهم من بلدانهم، وكذلك على من يحتجزهم في مخيم يفتقر لأدنى مقومات الحياة. 

سنابل طفلة في السابعة من عمرها، هرب أهلها من دير الزور حين استولت عليها داعش، ثم أعادت الهروب بعدما استولت عليها قوات النظام وميليشياته. وصفت أمها لي الوحشية التي لاقوها من عناصر قوات النظام وميليشياته وقالت: “حلمنا أن يأتي أحد… أي أحد ليطرد إرهابيي داعش، وقبل دخول قوات النظام استبشرنا خيراً، لكن حين دخلت قوات النظام فجعنا وصُدمنا من العنف الذي مارسه عناصرها ضدنا”.

سألتُ سنابل قبل أن أذهب إلى المدينة، ماذا تريد أن أحضر لك؟ فقالت بابتسامة جميلة: “مدرسة”. وقعت الكلمة على رأسي كالحطام. سكتت وسكتنا ثم قالت: “أقلام تلوين ودفاتر وممحاة”. وحين عدت إليها بما طلبت إضافة إلى بعض الفواكه، لم تكترث لأي شيء آخر إلا لأقلامها. تعيش سنابل مع عائلتها الصغيرة منذ تسعة أشهر في الخيمة ذاتها مع عائلة أخرى، وتمضي يومها باللعب بحجارة صغيرة أمام خيمتها ولم تتذوق طعم الذهاب إلى المدرسة ولا تحلم بأن تتذوقه قريباً.


مدرسة “هابي فاميلي” 

على بعد نحو كيلومترين من مخيم موريا، أقامت إحدى الجمعيات الإنسانية مركزاً للتعليم والنشاطات للأطفال. يذهب عشرات الأطفال كل صباح إلى هناك ليتعلموا اللغات ويمارسوا النشاطات الفنية والتسلية. كانت المدرسة المتنفس الوحيد للكثير من الأطفال، لكن مع موجة الهجوم الوحشي التي قام بها عناصر من اليمين المتطرف ضد اللاجئين ومتطوعي المنظمات الإنسانية، تم الإجهاز على المدرسة بشكل كامل. أتى إليها الأطفال ليجدوها رماداً على رماد. بعد حرق المدرسة أتيت في أحد الصباحات لأجد طفلين لاجئين من أفغانستان يجلسان أمام بوابة المدرسة. تقدم طفل في العاشرة وقال بلغة إنكليزية جميلة “أنا قادر، تشرفت بمعرفتك”، أما الطفل الآخر فبقي جالساً على الأرض ولم يتكلم أبداً. غادرت المكان بحزن كرماد المدرسة وعدت بعد ساعتين فوجدت الطفلين جالسين بلا حراك في المكان ذاته. سألت إذا ما كانا بحاجة إلى أي شيء فلم يردا، بل نظرا إلى داخل المدرسة من دون أي تفاعل. إحدى المتطوعات أخبرتني في ما بعد أن هذين الطفلين لم يصدقا بعد حجم الصدمة، فهما يأتيان إلى المدرسة كل صباح ويجلسان هنالك لساعات من دون أن يفعلا أي شيء، ومن دون أي خوف من عودة الفاشيين الجدد.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.