fbpx

تحية لجسد فيلمون وهبي في لباسه الداخلي من ماركة “بي في دي”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فيلمون وهبي سيظل دائماً ذاك الفنان الظريف الطول، الذي لا شك في أنه سيُخْرِخُ منك ضحكة أو ابتسامة من القلب ومن دون أن يشيخ أو تبوخ ظرافته.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لن أضيف شيئاً في الكلام أو الكتابة عن الفنان الراحل فيلمون وهبي، إنْ من ناحية موهبته الموسيقية الأكيدة في صوغ الألحان وكتابة الأغاني القصيرة ذي النكهة الشعبية والفولكلورية وحتى العاطفية منها، أم من ناحية تأديته أدواراً هزلية تفيض بخفة روحه المرحة وهضامته غير المُتكلّفة. فألحانه الرائعة صمدت وعاشت وستعيش طويلاً في آذان اللبنانيين. وذاكرتهم.

ولكن ما أرغب اليوم في أن اُشير إليه في مقالي، وبعد مشاهدتي هذا الفيديو الدعائي الظريف لمُنتجٍ وطني استهلاكي، هو مجموعة ملاحظات ومقاربات أهمها في موضوع الفرْق الشاسع في صناعة الدعاية التجارية في الإعلام الجماهيري (صحف وراديو وتلفزيون) بين زمنين، زمن الحاضر وزمن الماضي البعيد نسبياً.

وأسارعُ القوْل إنَّ مُقاربتي بفروقات هذين الزمنين ليس فيها أي نزوع إلى تبجيل فكرة “الزمن الجميل” وملحقاتها. فلا البكاء على الأطلال يُفيد، ولا الحسرة قولاً” رزق الله” على ذاك الماضي الذي مضى يُعيد لنا بعضاً من ألَقِه.

والحق يُقال إن واحدة من اشراقات ذاك الزمن البعيد هو فيلمون وهبي مُبدعاً، مُلحناً ومؤدياً أدواراً هزلية في المسرحيات الغنائية للأخوين رحباني وغيرها.

في شريط الفيديو المعروض لكم ضمن المقال يظهر فيلمون وهبي مُقدماً شريطاً دعائياً تجارياً لملابس داخلية، مُغنياً وعلى الأرجح ناظماً وملحناً لأغنية هذه الدعاية.

اللافت للانتباه هو كيفية ظهوره، على الشاشة الصغيرة وقتها، وهو نصف عارٍ مستعرضاً ملابسه الداخلية بهدف تسويق سلعة تجارية. وقد شاهد هذا الشريط التسويقي آلاف اللبنانيين من جيل والديَّ ممن استطاعوا امتلاك جهاز تلفزيون وبدأوا بالترقي إلى عداد الطبقة المتوسطة آنذاك في أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي.

ترصد الكاميرا ومن ورائها المصور والمُخرج جسد الممثل، بثيابه الداخلية، بواقعية صريحة نازعة عنه كل ما فيه من مُتخيل مثالي أو أسطوري لجسد الرجل “الهرقلي”. في حين يُدلِّل المُمثل على ثيابه الداخلية من ماركة “بي في دي”، مُصَوِّباً الى أنحاء مختلفة من جسده، ومؤدياً أغنيته بظُرْفِه المعتاد، ليُعلن جهاراً عن فرديته الشخصية وأناهُ المُتفلتة من الجماعة. وحين تلتقط عين المشاهد من على شاشة تلفزيونه صورة جسد الممثل المعروف، فمن المرجّح ألا يرى هذا المشاهِد صورة عُري الجسد الذي لن يُعجَبَ به إطلاقاً ليس لأن كشفه عيب ومحظور أخلاقياً، بل لأنه واقعي ومُمتلئ بالعيوب. ولكن المؤكد أن المشاهد لن تتشوش تصوراته عن جسده الذي سيظل له غلاف مُتفرد لأناهُ، أمّا ما سيتأثر به هو روح الظرافة في جسد الممثل المشهور والمحبوب، وبناء عليه فقد يتحمّس ليذهب مسرعاً لشراء ثيابه الداخلية من ماركة “بي في دي” اللبنانية.

الفنان اللبناني فيلمون وهبي

هذا الظهور يُشكِّل مع غيره من الظهورات إن كان في التلفزيون أو السينما بشكل خاص وثيقة اجتماعية أرشيفية الطابع حول علاقة السُلطة وأجهزتها الرقابية على الإنتاج الفني، وعلاقته بموضوع الجسد كأحد المحرّمات الدينية والاجتماعية. والحديث هنا يتعلق بكل أنواع السُلطات، السياسية منها والدينية والاجتماعية والفنية على السواء.

ففي منتصف القرن العشرين ساد هذه العلاقة في لبنان بشكل خاص الكثير من الانفتاح والتسامح والتساهل (إذا جاز التعبير) مُتأثِّراً بأجواء اللبيرالية الأوروبية وقِيَم التحرر والثورة الجنسية الحاصلة في الغرب. حصل هذا في زمن البحبوحة والازدهار الاقتصادي للبنان “سويسرا الشرق” الذي تمكَّن سياسيوه ومُبدعوه من الاستفادة البراغماتية في حاجة الغرب والشرق لمساحته الجيوسياسية الصغيرة، بجعله ممراً اقتصادياً لكل شيء والإيحاء بأنه بلد محايد ومنذور لرسالة “التعايش” بين الأديان السماوية الابراهيمية، ولكن وطبعاً من دون اليهودية، ومُعتنقينها لبنانيي الأصل، لما قد تُخلِّفه من التباسات فتنوية في النسيج اللبناني الهش.

واحدة من اشراقات ذاك الزمن البعيد هو فيلمون وهبي مُبدعاً، مُلحناً ومؤدياً أدواراً هزلية في المسرحيات الغنائية للأخوين رحباني وغيرها.

السينما المصرية أيضاً حفِلت بالكثير من الهوامش الواسعة لتعبيرات علاقة الفن بالجسد من خلال التمثُّلات الايروسية لأجساد المُمثلين والمُمثلات، قبل أن قبل يضبطها إيقاع الصراع السياسي في مصر إبان صعود “القائد” جمال عبد الناصر إلى مصافي الزعيم الأول للعالم العربي وما لحقه من تصفيات أثناء حكمه، لشيوعيين وإسلاميين على السواء.

كما هو معروف فقد حملت الحرب الأهلية اللبنانية (1974- 1990)، بذور الانهيار والتفتت لهذا اللبنان وطاول الدمار ليس الحجر والبشر وحسب، بل امتدّ أيضاً الى الاجتماع وصناعة الفن وحتى الى الدعاية الإعلانية.     

لا أعتقد أن أناس ذاك الزمن كانوا من طنية مختلفة، بل على الأكثر إن الظروف التي كانت متوافرة في ذاك الزمن اختفت واختفى معها التسامح والنزعات التحررية على صعيد علاقة الإنسان بجسده والفن ومن ذلك الأغنية والدعاية التجارية بجسد الفرد.

فاليوم أصبح الجسد أكثر كبْتاً لرغباته وأكثر استلاباً لرغبات السلطة المتمثلة بالزعيم السياسي والقائد المُفدّى بالدم وبالروح أو المُجَسـدة بالأخ الأكبر ورجل الدين والسلطة الإعلامية والرقابة المُسبقة على الأعمال الفنية.

ففي فَنِّ الإعلام والإعلان على السواء، تبدَّلت مُواصفات الجسد التي كانت عند فيلمون وهبي، الرَجل الظريف والمُكتنز شحوماً ودماثة في استعراضه الظريف لثيابه الداخلية من ماركة “بي في دي”، إذ تحوَّلت إلى إعلانات تُسَلِّع الجسد، جسد المرأة تحديداً، إما عُرياً بورنوغرافياً أو تنميطاً مثالياً حيث يخضع الجسد لكل أصناف العمليات الجراحية البلاستيكية أو لمختلف التعديلات الرقمية في الصورة الفوتوغرافية أو السينمائية.

اليوم أصبح الجسد أكثر كبْتاً لرغباته وأكثر استلاباً لرغبات السلطة المتمثلة بالزعيم السياسي والقائد المُفدّى بالدم وبالروح.

في حاضرنا اليوم، يتقطع الجسد في صُوَر نمطية مُعلّبة وينقسم على نفسه محارباً ذاته كما في الانقسامات المتناحرة والمتحاربة لطوائف الأديان ومذاهبها في المجتمع اللبناني. فتظهر إعلانات السلع على أنواعها عبر عملية تسليع جسد المرأة وجعله مثالياً نموذجياً في كذا منطقة لبنانية تدّعي الانفتاح والتحرر نفاقاً، أو عبر إخفائه قسراً عن الأعين ستراً وخنقاً له في مناطق لبنانية أخرى تدَّعي الإيمان والحشمة أيضاً زوراً وبهتاناً. وبين هذا وذاك، ينسحق الفرد ويمّحي جسده الخاص والفريد لينضم إلى القطيع بجسد واحد لا تفاصيل فيه أو لون ولا حتى فُكاهة أو مزيّة.

في هذا التضاد والمصادرة القسرية من قِبَل السُلطات المتنوعة للفرد والاستلاء على جسده كمُكَوِّن أساس لفرديّته كمواطن، تستمر الحرب الأهلية اللبنانية وكأنها لم تنتهِ أبداً، ويستمر النظام الطائفي والمللي للاجتماع اللبناني في التشظي والقضاء على أدنى فرصة تلوح في الأفق، ليكون لهذا الشعب دولة مدنية علمانية لا طائفية تسير في رُكب الحضارة الانسانية الى الامام.

أكتبُ مقالي هذا في زمن الجائحة الكبرى “كورونا”، زمن تنصحُنا فيه السلطات على أنواعها بضرورات التباعد الجسماني، ويشعر الجسد بالضيق والاختناق أكثر مما كان عليه قبلاً. لذا أكتب من حجري الصحي الطوعي تحية لجسد فيلمون وهبي في لباسه الداخلي من ماركة بي في دي/ ماركة لبنانية مسجّلة.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.