fbpx

هكذا اعتدى رامي مخلوف على أمين مستودع السوق الحرة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هذه وقائع حادثة رواها لي أحد الموظفين سابقاً في إحدى شركات رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام السوري بشار الأسد. وقد امتنع الموظف السابق عن الكشف عن هويته لأسباب شخصية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان ذلك يوم ثلاثاء صيفياً من عام 2001. طاقم العمل مستنفر والمحلات بكامل نظافتها. الرفوف مرتبة والبضائع مصفوفة بأناقة. كل شيء على أتم استعداد لاستقبال “الأستاذ” الآتي إلى سوق دمشق الحرة في مطار دمشق الدولي، ليرأس اجتماعاً يعقده هناك مرتين كل شهر.

لحيتي لامعة وبدلتي أنيقة تتناسب مع الحدث، وبريق حذائي لا تخطئه الأبصار. هوذا العُرف الذي اعتدنا عليه أثناء زياراته. في المرتين اللتين يحضر فيهما، ومع أنني لست على تماس مباشر معه، أكون متوتراً ويتصبب العرق من كل مسامات جسدي وتكاد تخنقني ربطة عنقي التي لم أعتد عليها يوماً.

كعادته انسلّ “الأستاذ” كشبح من المستودع عبر مصعد مخصص للبضائع. لكنه لم يدخل إلى المكاتب الإدارية ولم يتجول في صالة المبيعات حيث نقف جميعاً متأهبين احتراماً له كأحجار الشطرنج. لكنه توجه فوراً إلى المكتب الرئيسي.

إلى هناك ساق اثنان من مرافقيه أمين مستودع السوق الحرة وأوقفاه في “حضرته”. سأل “الأستاذ” بهدوء عن بضاعة تم إتلافها فأنكر الموظف الأمر. خيم صمت مخيف في أنحاء المكان لثوان كانت كألف سنة. وأمام ثلة من كبار موظفيه، خلع “الأستاذ” ساعة “باتك فيليب” الفاخرة والجاكيت الرمادي. شمر عن ساعديه وشرع يضرب الموظف الهزيل حتى سال الدم من وجهه.

كنت أشعر دائماً بأنني أعمل في فرع مخابرات. لكنني أيقنت في ذلك اليوم أنني أعمل في مسلخ “الأستاذ” رامي مخلوف.

مع بداية عام 1997، استأجر رامي سوق دمشق الحرة بمساحة تقدر بـ1100 متر مربع مقابل مليون ليرة سورية (20000 دولار أميركي) في السنة. وكان يُحَصّل ذلك المبلغ من مبيعاتها في نوبة واحدة في يوم عمل سيئ، عدا عن عمليات التهريب المتنوعة التي كان يسهّلها لأفراد في جهاز المخابرات الجوية والمديرية العامة للجمارك. جُدد العقد بعد خمس سنوات، وبالنظر إلى الفارق الشاسع بين أرباح سوق دمشق بإدارة رامي وأرباح المؤسسة العامة للتجارة والتوزيع الحكومية (غوتا)، التي أدارها والده محمد منذ السبعينات، حاز مخلوف استثمار مساحات أوسع داخل بناء مطار دمشق وغيره من المطارات والنقاط الحدودية السورية من دون أن تُعرف قيمة العقود.

لا يحب مخلوف لقب “المعلم”، فهو محصور بـ”سيادة الرئيس” بشار الأسد. ويبدو أنه حاول من خلال لقب “الأستاذية” أن ينأى بنفسه عن العسكر، خصوصاً أن عُرفاً في الجيش يساوي بين لقب “أستاذ” ومفردة “الحمار”.

يتقمّص “الأستاذ” شخصية الرئيس الراحل حافظ الأسد فيشبك أصابعه أثناء حديثه الذي يجهد فيه على الحديث بهدوء قدر استطاعته فيتباطأ حيناً ويتسارع أحياناً. وحين يجلس على كنبة، يسند ذراعيه ويرخي كفيه ولا يضع رجلاً على رجل. لكنه لا يجاري الأسد الأب بارتداء ربطة عنق ولا بحلق لحيته تماماً. وباستثناء أخيه إيهاب الذي ارتضى لنفسه “التيشرت” والجينز، كان على فريق العمل كله ارتداء ربطات العنق طيلة النهار.

تذكرت حادثة “التحقيق” وأنا أشاهد “الأستاذ” في ظهوره النادر في تسجيلاته المصورة أخيراً. تغير مظهره كثيراً لكنه لم يكن يمثّل مطلقاً. نبرة صوته التي تعلو وتهبط فتتراوح بين التهذيب والتهديد، هي ذاتها. لكن حركة يديه تغيّرت عمّا عرفته. ويبدو لي أنه متأثر للغاية بطريقة حديث الرئيس بشار الأسد، خصوصاً في جزئية تحريك يديه في الهواء.

لا يحب مخلوف لقب “المعلم”، فهو محصور بـ”سيادة الرئيس” بشار الأسد. ويبدو أنه حاول من خلال لقب “الأستاذية” أن ينأى بنفسه عن العسكر، خصوصاً أن عُرفاً في الجيش يساوي بين لقب “أستاذ” ومفردة “الحمار”.

يتجنّب الجميع غضبه الذي يأتي مع نبرة هادئة بصمت قصير، ثم ارتفاع في حدة الصوت ونظرة حادة تفلّ الحديد. تغدو الأعصاب مشدودة والجو متوتّراً وتصل شحنة غضبته إلى الجميع بدءاً من ذراعه اليمنى، أخيه إيهاب، لتصل إلى المدير التنفيذي سامي معلا، الأقوى شخصية بين المحيطين به، مروراً بمدير عام سوق دمشق الحرة الإيرلندي دونال ماغي (Donal Maggie)، وحتى أصغر عامل في المطار. ومع أنني لم أسمع منه كلمة نابية، ولكنه كان يفاجئنا بصراخه الهستيري الآتي من مسافة بعيدة بعد أن يكون في حديث هادئ مع شخص ما.

لم يعتد فريق العمال على إهانات شخصية فمجرد نظرة ازدراء منه تعادل عقوبة، خصوصاً أن حوله عناصر مرافقين له ممن تجد نفسك أمامهم كمن صحا لتوه ليجد نفسه على خشبة مسرح عبثي وملك الموت ماثل أمام عينيه.

كان من سوء حظ أمين مستودع سوق دمشق الحرة أن يتبين له أثناء الجرد نصف السنوي أن هناك بضاعة زائدة هي دزينتا ألعاب “دباديب” لا تزيد قيمتهما عن 30 دولاراً أميركياً. ولشدة خوفه، اجتهد المحاسب الآتي من مدينة دوما في ريف دمشق الشرقي، وأتلف البضاعة ورماها في القمامة. وما إن شاهد أحد الحمّالين آثار “الجريمة”، حتى أبلغ المسؤولين.

أكثر من 20 عنصراً مرافقاً لرامي تناوبوا على إحضار عمال المستودع واحداً تلو الآخر إلى غرفة الاجتماعات حيث “التحقيق”. في الغرفة ذات النافذة الوحيدة طاولة اجتماعات اعتاد أن يعمل عليها إيهاب. وفيها أيضاً طاولة مكتبية لدونال ماغي. صورة نافرة لسفينة ضخمة على أحد الجدران خلف طاولة خشبية فخمة لسامي معلا قريب زوجة “الأستاذ”.

ما يميز شركات رامي مخلوف غياب أي رمز سياسي من أعلام الدولة أو “البعث” أو صور للرئيسين الأب والابن بل أو حتى صور الراحل باسل الأسد الذي ينظر أبناء العائلة إليه كأيقونة ويقلدونه في ما عدا “الأستاذ”. هذا الغياب كاد يقنعني مرات بأنني أعمل في مؤسسة حقيقة خارج حدود “سوريا الأسد”.

حقق مخلوف بداية مع معاون أمين المستودع الذي أقرّ بـ”الجرم” دونما حاجة إلى العنف. وحين جيء بأمين المستودع، كانت “الأدلة” جاهزة لمواجهته بها. ولما أنكر الأمر، تحول “الأستاذ” إلى ملاكم وشرع يضرب الموظف الأربعيني المسكين. وبعد ساعات، رُحّل “المجرم” إلى “المفرزة”، وهي سرية تجمع عناصر عسكرية ومستخدمين مدنيين مهمتهم حماية منزل “الأستاذ” في “حي المالكي”. وبقي هناك 15 يوماً تعرض فيها للتعذيب كما علمنا بعد أكثر من شهر. ثم فُصل الرجل من العمل ولم يعلم أحد بمصيره. بل إن أحداً لم يجرؤ على الحديث في أمره ولو همساً. كما غدا مساعد أمين المستودع مفوضاً حتى عُيّن أمينُ مستودع آخرُ مكانه.

في ظني أن “الأستاذ” رغب في أن يُرهِب موظفيه الذين حضروا “التحقيق” السادي ابتداء من إيهاب وسامي وانتهاء بدونال ماغي الآتي من شركة “أير ريانتا الدولية” (Aer Rianta International) التي كانت تدير سوق دمشق الحرة اعتباراً من عام 1997.

أتخيل الخوف متمثلاً في وجه أمين المستودع وهو المعروف أصلاً بأنه رعديد. لا بد أن ملامحه الخائفة كانت تشبه ملامح رامي مخلوف في تسجيليه المصورَين. كان الموظف موقناً أنه بريء ولم يرتكب خطأ يستحق عليه ذلك العقاب. وبما أن “الزايد أخو الناقص” كما يقول المثل الشعبي، فقد خاف أن يدفنه “الأستاذ” تحت سابع أرض، فأتلف البضاعة. ولو أنه كان “حرامياً”، لسرق بضاعة ثمينة من ذهب أو مشروب كحولي أو سجائر أو عطور فاخرة، وليس بضعة “دباديب”. لكن “الإثم” الممنوع في مملكة “الأستاذ” هو أن تتجرأ على “ملكه” وهو “خادم الأمانة” كما قال، و”الفضل لله يعز من يشاء”.

ما يجعلني أسرد هذه القصة اليوم هو الظلم الذي تكلّم عنه رامي مخلوف. ولا أشعر بأنني ربما بسردي هذه القصة قد أزيد حنق المظلومين عليه فقد وصلوا إلى أقاصي السخط حيث لا مكان لغضب أكبر.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.