fbpx

لماذا أحببنا المطران كبوتشي وكرهنا “حارس القدس”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لماذا كرهنا صورة المطران كبوتشي التي قدمها المسلسل الرمضاني “حارس القدس” من إنتاج فريق من الناس الذين لا يشبهوننا ولا يشبهون صورة المطران الأيقونية القديمة؟ لا بل يكرهونها كما ثبتت في ضمائر محبيه وأرادوا أن يحطموها لتليق باللحظة الراهنة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


ما أهمية المطران إيلاريون كبوتشي الحلبي السوري؟ ولماذا أحبه الفلسطينيون والعرب، حتى أولئك الذين لم يحبوا الفلسطينيين لا شعباً ولا مقاومة؟ ولماذا صنع هذا الحب رمزية كبوتشي منذ منتصف سبعينات القرن الماضي حتى منتصف العشرية الثانية من القرن الحالي حين صرنا نسمع عن مواقف المطران الداعمة للنظام السوري في المواجهة الكبرى مع شعبه وما تخللها من فوضى في خارطة المواجهة؟
أُحيط المطران كبوتشي بهالة من المحبة لا شأن لها بالهالات التي تحيط يرؤوس القديسين والرسل في الأيقونات المسيحية، لأن المطران خرج عن العرف القائم في مجتمعاتنا. رجل دين مسيحي (زْغُرْدْ) قبضاي بالمعنى الشهم للقبضاي تماهى مع صورة الفدائي قبل التشويهات التي لحقت بها فصارت عرضة للنفور، أسمر البشرة بوجه غني بالتعبيرات والمساحات القابلة لإطلاق إشعاعات مؤثرة بالمحيطين به أو المتطلعين إلى صورته في شاشات التلفزيون أو على صفحات الجرائد.
في المواجهة الأولى للمطران كبوتشي مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي عندما اعتقل بتهمة تهريب السلاح للفدائيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، نشرت جريدة “النهار” اللبنانية ثلاث أو أربع صور (كلوز أب) دفعة واحدة على صدر صفحتها الأولى وفي كل صورة تعبير مختلف ومتميز من الغضب والتحدي والأمل. قصصت ذلك الجزء من جريدة “النهار” الذي حمل الصور وعلقته على حائط غرفتي في بيتنا في مخيم عين الحلوة. كنت أتأمل تلك الصور وربما في لحظات كنت أتماهى مع ما تحمله من تحد وغضب ضد القهر والظلم. في السنوات اللاحقة بعد انفجار الحرب الأهلية اللبنانية وبروز الخطابات الطائفية إلى سطح الحياة السياسية، وبعدما صرنا نسمع بقساوسة مسيحيين يدعون إلى قتل الفلسطينيين أو صار الصليب الضخم على صدور المحاربين يلمع منذراً بالخوف والدماء، كنت أستعين بصور المطران كبوتشي المعلقة على حائط غرفتي في بيتنا في المخيم لأدرب نفسي على المشي في مسالك المحبة ولأنقذها من السقوط في أتون الكراهية والنفور ممن أعلنوا العداء لهويتي الهشة.

“لاهوت التحرر”


على خلاف مجتمعات أميركا اللاتينية التي عرفت في السبعينات والثمانينات قساوسة وكرادلة مؤمنين بما سمي “لاهوت التحرر” الذي أباح لرجال الكنيسة المشاركة في الانتفاضات والثورات الشعبية ضد الطغم العسكرية هناك، فإن مجتمعاتنا العربية قلّما عرفت رجل دين مسيحياً مقاتلاً في صفوف الثوار، مقابل رجال الدين المسلمين الذين يزدحم بهم تاريخ المواجهات مع المستعمرين أو أنظمة الطغيان في فلسطين أو الدول العربية المشرقية أو المغربية. لم يكن المسيحيون وخصوصاً في المشرق العربي خارج النخبة المناهضة للإستعمار والمطالبة بالإصلاح والديمقراطية والتجديد فكراً أو عملاً، وهناك رموز نضالية مسيحية كثيرة ساهمت مساهمة فعّالة في نضالات شعوبها، وفي بلورة الوعي القومي والاشتراكي. وعرفت حركة المقاومة الفلسطينية والأحزاب القومية والشيوعية العربية قيادات من الصف الأول في الفصائل من الفلسطينيين المسيحيين، ولكن لم يعرف المسيحيون العرب رجل دين مسيحياً كما عرفنا بالمطران كبوتشي ولذا أحببنا هذا الرجل ورفعناه إلى مقام يقترب لدى البعض من مقامات القداسة .
لم يكن المطران كبوتشي مفكراً أو كاتباً أو فيلسوفاً ولا عرُف عنه أنه رجل ثقافة واسع المعرفة كما على سبيل المثال المطران جورج خضر مطران، مطران جبل لبنان للروم الأرثوذكس المثقف والكاتب واللغوي والعالم بتاريخ الديانات وخصوصاً الدين الإسلامي. كان المطران كبوتشي يشبهنا. كان يشبه المواطن العربي العادي في إيمانه واهتمامه بشؤون وطنه، كان مواطناً عربياً سورياً حلبياً تدرج في علوم اللاهوت، فوصل في التراتبية الكهنوتية إلى أن يكون مطران القدس، وهو لا يختلف عن أي عربي قومي معاد للاستعمار والظلم إلا بثوبه الكهنوتي. لذا أحببناه كما نحب قائداً مقاوماً طيباً ونظيفاً وغير فاسد، نقدره ونقدر أفعاله وأقواله التي لا تختلف في مفرداتها عما يتلفظ به أي مواطن عادي. كان كبوتشي فتحوياً وقربياً من قيادة فتح وناضل من أجل فلسطين كفتحوي أصيل ودفع ثمن نضاله سجيناً في سجون الاحتلال مثل آلاف من المناضلين الفلسطينيين.
هذه هي صورة المطران كبوتشي التي أحببناها وإن كان كبوتشي أعلن موقفاً مؤيداً لنظام الأسد في آخر سني حياته، إلا أن صورته القديمة الممنوحة له من الرب كما قال مرة، ظلّت تحتفظ بأيقونيتها بالنسبة إلى كثير من الفلسطينيين والعرب، فقد اتخذ المطران هذا الموقف الذي جرح صورته في ضمائر السوريين ويعض الفلسطينيين، وهو يدخل الى التسعين من عمره، فشعروا بالأسى لنهايته تلك مرمياً في أحضان نظام قاتل ومعاد لكل ما نادى به المسيح من رحمة وعدل، وخصوصاً عندما شارك في مؤتمر جنيف قاعداً وراء وزير الخارجية السوري وليد المعلم وهو الأيقونة النضالية التي لا يطال لا وليد المعلم ولا سيده في قصر المهاجرين ظلها وإشعاعها. شعر هؤلاء بالأسى وربما كانوا على استعداد للتسامح مع المطران الفدائي فهو لن يستطيع الآن، ولا صورته في الماضي، غسل عار النظام الذي لن يغسله شيء ولا أحد ولا حتى الأنبياء والقديسون من كثرة الدماء التي فاضت وصفعت كل ما هو مقدس.

تدمير الأيقونة


ولكن لماذا كرهنا صورة المطران كبوتشي التي قدمها المسلسل الرمضاني “حارس القدس” من إنتاج فريق من الناس الذين لا يشبهوننا ولا يشبهون صورة المطران الأيقونية القديمة، لا بل يكرهونها كما ثبتت في ضمائر محبيه وأرادوا أن يحطموها لتليق باللحظة الراهنة، التي يحتاج فيها النظام المنتج لهذا المسلسل أن يقنع الناس جميعاً أن كل الدماء والتدمير والتشريد والتعذيب الذي مارسه بحق شعبه، يلقى مباركة من أذيال ثوب المطران المحبوب، بعدما أخذه الموت ولم يعد قادراً على الدفاع عن نفسه أمام التشويه والتزوير الذي أصابه وأصاب صورته النظيفة. وراحوا يقولبونها كما يحلو لهم، وما يحلو لهم لم يكن غير تجيير صورة المطران التي نفخت فيها روح المقاومة الفلسطينية، كما نفخ الله في صورة مريم العذراء ليجعلوه في خدمة بنية نظام قاتل في دراما مفككة وفاشلة في المستويات كلها.
يبدأ المسلسل بلا “رتوش” ولا مواربة، ليعلن انحياز المطران الدرامي إلى صفوف النظام. ففي الحلقة الأولى، أعلن الكاتب والمخرج موقف المطران بكل فجاجة ومباشرة، بأن (تحرير) حلب من المعارضة بعد تدميرها بالبراميل المتفجرة من قبل النظام كان أحسن خبر سمعه في حياته .
كانت الحلقة الأولى تفصح بغباء درامي عن نيات فريق العمل في التعامل مع شخصية كبوتشي فكان المطران مطية لسياسة النظام في الوقت الراهن، حتى تلك المرحلة التي عاشها المطران في القدس مطراناً لكنيستها والتي انتهت باعتقاله، لم تمر بلا طعنات في تجربته الفريدة وحولها الكاتب لمصلحة جهاز الاستخبارات السورية، من خلال اختراع شخصية ضابط مخابرات سوري برتبة عقيد أسماه “حامد”، ليلتقي هكذا بلا سابق إنذار درامي بالمطران على شاطئ البحر في بيروت، ليطلب منه العمل مع المخابرات السورية ليمدها بالمعلومات عن إسرائيل بناء على أوامر وزير الدفاع حافظ الأسد قبل استيلائه على السلطة.
وفي حلقة أخرى، ولكي يؤكد فريق العمل تعاون المطران مع المخابرات السورية، نراه يسلم الضابط نفسه في بيروت أيضاً مغلفاً يحتوي معلومات حصل عليها من مصادر موثوقة في فلسطين المحتلة.
ولو تتبعنا تفاصيل هذه الدراما، لأدركنا كيف انها نابعة تماماً من الثقافة السياسية لنظام الأسد الأب وموقف هذه الثقافة من الحركة الوطنية الفلسطينية، فقد أقصيت الشخصيات الرئيسية الفلسطينية عن العمل من فترة الأربعينات، حين عاش المطران في القدس وإلى نهاية العمل، فلم نجد أي شخصية فلسطينية مقنعة لها حضور درامي حقيقي. فحتى شخصية “أم عطا”، التي فاخرت فيها قناة “الميادين” الإيرانية، جاءت هزيلة لامرأة تعمل منظفة في الدير الذي درس فيه المطران شاباً، وهي تعيش في بيت ملاصق للدير مع ابنها عطا الذي اختاره الكاتب أعرج وأبكم ولا تعابير في وجهه غير النظرات البلهاء. وقبل أن نرى أي شخصية فلسطينية أخرى في تلك المرحلة، يقدم لنا العمل شخصية سمسار عقارات فلسطيني، سنراه في أكثر من مشهد يحاول اقناع أم عطا ببيع بيتها لليهود الذين يتعاون معهم لشراء منازل الفلسطينيين تمهيداً للتخلص منهم من مدينة القدس. وحتى إن كان المطران على علاقة بالمخابرات السورية كما أوحى لنا المسلسل، إلا أن علاقته بحركة “فتح” وتهريبه السلاح لمجموعاتها السرية في فلسطين كان السبب الرئيس في اعتقاله وسجنه، ولكننا لم نر شخصية مقنعة لا بأبي فراس ولا بأبي جهاد. فقد جاء تقديمهما باهتاً ولم يذكر المسلسل أي علاقة للمطران بياسر عرفات ولا حتى تم ذكره في الوقت الذي أكد على حضور حافظ الأسد في أكثر من ثلاث مواقع مهمة في السياق الدرامي وعرض لنا من أرشيف التلفزيون السوري خطاب حافظ الأسد بعد حرب أكتوبر، وأظهر لنا المطران في خطبه الرنانة يشيد بحافظ الأسد ووصل به الأمر إلى ان يرينا جنازته في حزيران/ يونيو 2000 من صور أرشيفية كما قدم لنا مكالمة هاتفية مع بشار الأسد بعد توريثه الرئاسة، من غير أن نراه.
أم عطا سنراها بعد النكبة لاجئة في سوريا مع ابنها الأبله عطا، على رغم أنها كانت تعيش في القدس الشرقية، كونها جارة المطرانية الكاثوليكية والقدس الشرقية، كما هو معروف لأي دارس ساذج للتاريخ، يعرف أنها لم تسقط في حرب الـ1948 وإنما بعد حرب حزيران 1967 ولكن الكاتب الموظف لدى النظام، أراد إثبات جهله في التاريخ والجغرافيا وعدم معرفته في إمكان البحث الجدي، حين يتناول شخصيات حية لا تزال بيننا تماماً كما فعل في المسلسل  الفاشل “في حضرة الغياب” عن سيرة الشاعر محمود درويش قبل سنوات.

المطران “الجاهل”


انسجاماً مع رؤية فريق العمل الملتزمة تماماً بخطاب النظام الكاذب في إبراز مسيحية المطران كبوتشي بغباء مطلق، ظهر المطران طائفياً وجاهلاً في أصول الأديان، عندما رفض الموافقة على زواج فتاة مسيحية في سوريا من شاب مسلم أحبته، بحجة أن المسلمين يريدون زيادة عددهم من خلال الزواج. ولكن الفضيحة برأيه لأهل الفتاة ستكون أهم من إدخالها في الدين الإسلامي جاهلاً بأن المرأة غير المسلمة بحسب الشرع الإسلامي يمكنها أن تظل على ديانتها بعد زواجها من المسلم. وهكذا كانت فتوى المطران محطمة لقلبيّ العاشقين لتتحول مريم الفتاة المسيحية إلى راهبة أبدية. وفي السياق نفسه، تم تغييب أي شخصية رئيسية في العمل من غير المسيحيين، وإذا حدث وجود شخصية غير مسيحية فهي ضعيفة وركيكة أو عميلة. في مشهد الصلاة على قتلى حرب حزيران في الشارع العام يأتي كاتب المسلسل بشيخ مسلم ليرافق المطران بالصلاة على المسلمين حين يصلي المطران على المسيحيين في مشهد مضحك، لأن المشاهد لا يعرف من هم المسيحيون ومن هم المسلمون. لكن ما يسترعي الانتباه أن شخصية الشيخ المسلم جاءت كاريكاتورية تستدعي الشفقة والسخرية، فلم نسمعه ينطق بكلمة، يصلي ثم يختفي إلى غير رجعة.

في الحلقة الرابعة، وصلت الوقاحة بالكاتب إلى كتابة مشهد مؤتمر صحافي يتحدث فيه المطران عن الربيع العربي، الذي يدعوه الخريف العربي وهنا لا مشكلة، ويروح يتحدث عن مؤامرة تستهدف سورية وأنه منذ اليوم الأول لما حدث في سوريا، على رغم الشهور الثمانية الأولى السلمية للتظاهرات. اعتبر الأمر مؤامرة تستهدف دور سوريا المقاوم. أما ذروة الانحطاط في هذا المشهد فكانت إبلاغنا أن المؤتمر عقد في السفارة الفلسطينية في روما! ما علاقة السفارة الفلسطينية في روما بمؤتمر صاحفي للمطران السوري يتحدث فيه عما يحصل في بلاده.

الحلقة الأولى تفصح بغباء درامي عن نيات فريق العمل في التعامل مع شخصية كبوتشي فكان المطران مطية لسياسة النظام في الوقت الراهن.


يمكننا القول إن “حارس القدس” من ناحية التركيبة الدرامية نوع من المونودراما التي تستند إلى ثلاثة أشخاص، لا تربطهم ببعض أي رابطة، فمن جهة شخصية المطران التي طغت طغياناً كاملاً على جميع المشاهد وكأنه يقف وحيداً على خشبة المسرح يؤدي دوره بخطابية فجة وغوغائية منفرة. يخطب في الناس في القدس وفي روما وفي السجن وفي المحكمة الإسرائيلية وفي حلب وفي بيته وفي مؤتمراته الصحافية وبقية الشخصيات تنظر إليه بانبهار أبله كما يريد الكاتب والمخرج. وربما يكون الممثل الذي لعب دور المطران في شبابه قد أجاد دوره، ولكن المطران في كهولته الذي لعب دوره رشيد عساف، كان كارثة في الأداء جسداً وصوتاً، ولا يمكنك أن تتعاطف مع شخصية المطران كما يؤديها عساف الذي يمتلك ابتسامة لا تشي بالصدق ولا عاطفة. الشخصية الثانية من هذه المونودراما فقد كانت غائبة إنما حاضرة من أغنية الشارة إلى آخر حلقة، فلا تغيب إلا لتظهر ثانية بالذكر أو بالشعر. وهي شخصية الشاعر الفسطيني البعثي العتيق يوسف الخطيب والد المخرج باسل الخطيب. قرأت مرة نقلاً عن باسل الخطيب أنه يشبه نفسه بالمخرج الروسي العظيم أندري تاركوفسكي وربما يكون تأثر باسل بتاركوفسكي صحيحاً، لكنه تأثرٌ مثير للسخرية، فشتّان ما بين يوسف الخطيب وأرسني تاركوفسكي. فحين استخدم تاركوفسكي أشعار والده احد أهم الشعراء الروس في القرن العشرين آرسني ألكساندروفيتش تاركوفسكي وخصوصاً في تحفته السينمائية “المرآة”، لم يكن يقدم ولاءً للنظام السوفياتي ولا لحزب حاكم وقاتل، كما فعل المخرج الفلسطيني البعثي باستخدام أشعار والده، ليذكرنا لا بل ليذكر النظام أنه يبقى خادماً مطيعاً له. أما الشخصية الثالثة فكانت حافظ الأسد الذي ذكر في غير مطرح وظهر في الفيلم في مشهد أرشيفي يتحدث، كما أصر المخرج على أن يصدع رؤوس المشاهدين بجنازة حافظ الأسد.

خلل بنيوي


يستطيع المشاهد أن يلمس مواضع الخلل الكثيرة في السيناريو وفي الإخراج والمونتاج والتمثيل والملابس وأماكن التصوير والتسلسل الزمني للمَشاهد ولتغييب شخصيات كان يمكن ألا تجعل هذا العمل كارثة فنية إلى جانب كونها كارثة سياسية وفكرية وتاريخية وجغرافية. فكم من الشخصيات التي حشرت في المسلسل ثم نسيها المخرج وكان يمكن أن يكون لها حضور مؤثر مثل عطا ابن أم عطا، الذي التحق بالفدائيين ثم لم يعد له المخرج ونسيه في مخيم النبطية، الذي لم يعد موجوداً أساساً. وتلك الراعية الحسناء التي تعيش في الجبال في منطقة القدس. كيف بإمكان فلسطيني أن يصدق أن صبية حسناء تعيش وحيدة في كهف مع غنماتها بلا أهل ولا جيران إلا إذا كان الكاتب بكل سذاجة وبلاهة، في ذهنه استعارات من الإنجيل أو من زمن الرعاة أيام المسيح. لا نعرف ما هي الضرورة الدرامية لوجود هذه الشخصية، حتى عندما تنقذ فدائياً فلسطينياً وسيماً مرتدياً سترة من أزياء ماركة “زارا”، بشعر طويل ولحية مشذبة، كأنه خارج من ناد ليلي في باب توما، وليس في جبال القدس، حيث لجأ إلى كهفها بعد إصابته بجروح. لم يتابع المخرج مصير هذه العلاقة بينهما، كما تم إهمال شخصية الفدائي بعد اعتقاله على إثر اعتقال المطران من قوات الإحتلال والتحقيق معه ليعترف بعد تهديد الاحتلال باعتقال امه. لم نعرف مصير هذا الفدائي بعد ذلك.
إلى ذلك فإن النقص في بناء الشخصيات وتفككها وحضورها المهلهل حاول المخرج أن يعوضه بلعبة الكاميرا المبهرة والإضاءة الحرفية والموسيقى الدرامية، ولكنك حين تنظر إلى شخصيات المسلسل تافهة الحضور وصراخ رشيد عساف الثقيل بصوته المبحوح والمنفر والأزياء “المودرن” التي تلبسها الممثلة أمل عرفة ومعاطفها الحمر في خراب مدينة حلب وتلك المرأة الشابة الفلسطينية اللاجئة في روما بملابسها الثرية لا يسعك إلا أن تدرك تهافت الرؤية الإخراجية وتهافت الكتابة الدرامية التي ارتكبها الثنائي حسن م.يوسف وباسل الخطيب في عمل عن شخصية حظي تاريخها باحترام شديد حتى من أؤلئك الذين رفضوا مواقفه من الثورة السورية والثورات العربية عموماً.
المطران كبوتشي الذي عينه ياسر عرفات في المجلس الوطني الفلسطيني وشارك في دورة انعقاد المجلس في دمشق عام 1979، بدعوة من الرئيس عرفات وليس بدعوة من حافظ الأسد كما قال لنا المسلسل. وكان يعتبر عضواً في حركة فتح وشارك في أنشطة سياسية وجماهيرية في العالم  من أجل القضية الفلسطينة بعد إطلاق سراحه من السجن، حتى أنه كان يتقاضى ميزانية شهرية من حركة “فتح”، التي التزمت إيصالها له حتى وفاته. هذا المطران سرقه لصوص الدراما ولصوص النظام السوري ووضعوه في قوالبهم المقيتة وجعلوا منه دمية طائفية سخيفة وعميلاً رخيصاً للمخابرات السورية، وهو الذي بدأ حياته في نضاله بوعي فوق كل وصف أراد فريق العمل أن يلصقه به، بهدف تحطيم صورته كما عرفها تاريخه في النضال من أجل فلسطين.





مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.