fbpx

إعلان الوطنية السورية إذ يمحو الشعب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هذا الإعلان بما يحتوى من صياغات جاهزة وعموميات، هو وصفة لاستكمال الخراب الذي نعيشه

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يمكن لإعلان الوطنية السورية الذي جرى تداوله على مواقع التواصل، وحظي بتوقيع عدد من الكتاب والمثقفين والمعارضين، أن ينطبق على أي بلد، وليس فقط سوريا. فالصياغات العامة، حول النظام الديومقراطي والعقد الاجتماعي والمساواة الحقوقية، والحرية الفردية، والمشاركة في الشأن العام والسلم الأهلي، تنفي أي تخصيص، وتجرد سوريا من تاريخيتها وتحيلها إلى نموذج، قابل لكل تجربة مهما افتقدت من حوامل وشروط ومناخات، أي تفصلها عن خيبات تأسيس دولة وطنية عقب الاستقلال، وعن نتائج السنوات العشر الأخيرة حتى لو جعل الإعلان هذه الأخيرة سبباً لتدبيجه.

وسوريا النموذج التي يريدها الإعلان، هي محتوى لإسقاط الصياغات الجاهزة، ومفرّغة من سكانها، إذ إن الإعلان (من غير الواضح من كتبه) يحيل الشعب إلى مفاهيم، مغفلاً الأوضاع التي بات عليها، حيث بلغ الوعي الجماعاتي أقصى حدوده، عقب صراعات بين العرب والأكراد والسنة وبقية الأقليات والأرياف والمدن، صرعات غلّفت بثنائية ثورة ونظام، واستندت على ذواكر تاريخية ومظلوميات متبادلة. تجاهل هذا التعقيد والردّ عليها بتدبيج صياغة عامة حول المواطنة، يجعل سوريا خالية من الناس، الذي يتطلب تواجدهم، بحث الأحوال التي باتوا عليها، وطرح مقاربات قانونية، تجيب على اجتماع معقد منهك بفعل حرب أهلية طاحنة، بدل استسهال العموميات. 

الإعلان بما يحتوى من صياغات جاهزة وعموميات، هو وصفة لاستكمال الخراب الذي نعيشه، مع فارق أننا نردد كلاماً جميلا عن الديمقراطية والحقوق والمساواة خلال طريقنا إلى الهاوية. 

يمحي الإعلان السوريين، عبر القفز عن واقعهم، وجعلهم أدوات تطبق صياغات ومفاهيم عامة يتم تكرارها في ورش المجتمع المدني التي تجري في كل أنحاء العالم، ضمن نمذجة عامة تتجنب التعيين ورصد التعقيدات والبناء عليها. ما يحوّل الوطنية، المراد تأسيسها، إلى فعل قسري يصهر البشر ضمن لعبة صياغات تستبدل “البعثية” بـ”الديمقراطية”، وإذا كانت الأولى، أي “البعثية”، مفرغة من مدلولاتها بحكم تركيبها التلفيقي القائم على الشعبوية، فإن الثانية، مفرغة من مدلولاتها بحكم إسقاطها على مجتمع يشهد حرباً أهلية وجماعاته مشحونة ضد بعضها البعض، ما يجعل الديموقراطية مصدر قلق عند الأقليات التي تخشى تحكم الأكثرية بها ويجعل ،”العلمانية” مثلاً مصدر قلق عند الأكثرية التي تخشى استغلالها من قبل الأقليات للوصول ثانية للحكم.

كل مفهوم أو صياغة وردت في الإعلان، سينظر إليها ضمن حسابات الجماعات وصراعاتها وخوفها من بعضها البعض، وليس انطلاقاً مما تحمل تلك المفاهيم والصياغات من إمكانية لتأسيس نظام سياسي جديد ونقل البلاد من الاستبداد إلى نقيضه.

الوطنية السورية لا تمر بنص ومجموعة تعليمات، بل بالتصالح مع تكويننا كمجتمع مفتت، وما آل إليه من صرعات وحروب، وإيجاد صيغ تصنع السلام، انطلاقاً من أسباب الحرب وما سبقها من مقدمات

ما يعني أن عناصر الإعلان، تحتاج إلى تطوير لتناسب الواقع السوري بدل أن تقفز عليه وتستريح إلى نموذج عام يفتقر إلى الآليات، والأخيرة ضرورية جداً لعدم ترك المفاهيم على تجريديتها، وإنزالها إلى تعقيدات الواقع وما ترتب عليه بفعل السنوات العشر الأخيرة. آلية تطبيق المفهوم أهم من المفهوم نفسه، إذ إنها تراعي الحساسيات وتنظر إلى تحولات الخريطة، وما طرأ  على وعي الجماعات من تصورات لأحوالها، تخالف تلك التي يجزم الإعلان بوجودها ويعتبرها بديهية.

والإعلان الذي يغرق بالتعميم و بالصياغات، يذهب إلى التحديد مرتين، حين يؤكد أن “ينبغي رفض كلّ رسائل التطمين المبتذلة الموجَّهة إلى أيّ طائفةٍ أو قومية؛ لأنَّها تعبِّر في العمق عن منطلقٍ طائفيٍّ أو إثني في النظر إلى السوريين لا عن منطلقٍ وطنيٍّ، وأيضًا رفض انتظار بعض السوريين للرسائل المطمئِنة؛ لأنَّها تعني أنَّهم ينظرون إلى أنفسهم أنَّهم مواطنون هامشيّون”. وأيضا حين يشير إلى “إيجادُ حلٍّ ديمقراطيٍّ عادلٍ للقضيّة الكرديّة في إطار وحدة سوريّة أرضًا وشعبًا”.

هكذا يتبدى التحديد استكمالاًَ للتعميم في عملية محو الشعب خلف صياغات تسعى لإنتاج غيره، ينطبق مع النموذج المطروح. فالجماعات محرومة من التطمينات، وعليها الإكتفاء بوطنية عمومية متخيلة، والأكراد محرومون من تقرير مصيرهم ضمن شرطية وحدة سوريا. أي أن الوطنية التي يقترحها الإعلان لا تمحو الشعب السوري فقط بل تمنعه من تأسيس وطنية غير تلك المتخيلة والمصاغة. في الإعلان مفاهيم وكليشيهات، وطنية أساسها استقرار الجماعات وشعورها أنها غير مهددة. 

الوطنية السورية لا تمر بنص ومجموعة تعليمات، بل بالتصالح مع تكويننا كمجتمع مفتت، وما آل إليه من صرعات وحروب، وإيجاد صيغ تصنع السلام، انطلاقاً من أسباب الحرب وما سبقها من مقدمات، ما يؤسس لاستقرار في أوضاع الجماعات، ويخلق هوامش للأفراد، بهذا ننفتح على إمكانية النموذج الذي يسعى الإعلان لإيصالنا له، أما الآن فإن، هذا الإعلان بما يحتوى من صياغات جاهزة وعموميات، هو وصفة لاستكمال الخراب الذي نعيشه، مع فارق أننا نردد كلاماً جميلا عن الديمقراطية والحقوق والمساواة خلال طريقنا إلى الهاوية. 

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.