fbpx

السودان: بين العلمانية والشريعة من يربح؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“آن الآوان لمعالجة القضايا المؤجلة من بدايات التاريخ السوداني بخاصة في المسائل المتعلقة بالدين والدولة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مع قرب وصول الحكومة السودانية الانتقالية إلى اتفاق سلام مع حركات المعارضة، لا تزال قضية العلمانية وعلاقة الدين والدولة تراوح مكانها كأحد أكبر العوائق للوصول إلى سلام مستدام، ينهي الصراع المسلح الذي امتد لعقود في السودان.    

“نعم للدولة العلمانية”، هي الرسالة الأبرز التي وضعت على المنصة التي خاطب فيها رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الجماهير، لدى زيارته “كاودا”، معقل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، في ولاية جنوب كردفان، في 9 كانون الثاني/ يناير 2020، بدعوة من رئيس الحركة، وكأول مسؤول سوداني تقدم له دعوة رسمية لزيارتها. حينها استقبل حمدوك استقبالاً حاشداً، ورفعت شعارات مطالبة بالعلمانية، وفصل الدين عن الدولة، وهو الموقف الذي ظل الحلو متمسكاً به في مفاوضات السلام حتى الآن. 

من الشعارات التي رفعت لدى استقبال حمدوك في كاودا

ظلت الحركة الشعبية بقيادة الحلو تتمسك بفصل الدين عن الدولة وإقامة دولة علمانية، أو إقرار الحق في ممارسة تقرير المصير، وتسعى إلى تأسيس دولة علمانية من خلال دعوتها القوى السياسية إلى الاتفاق على مبادئ توضح طبيعة الدولة وعلاقتها بالدين ونظام الحكم، على أن تكون هذه المبادئ فوق الدستور وتحصينها بحيث لا يجوز إلغاؤها أو تعديلها. 

في مطلع هذا العام توقفت المفاوضات بين الحركة والحكومة السودانية الانتقالية بعد فشل الجانبين في التوصل إلى اتفاق إعلان مبادئ، ولا يزال الخلاف قائماً بشأن علمانية الدولة أو حق تقرير المصير، على رغم إعلان الحكومة والحركة استئناف التفاوض من جديد، وتقدم مسارات التفاوض مع حركات الكفاح المسلح الأخرى، التي تأجل توقيع اتفاق سلام معها في 20 حزيران/ يونيو، وهو الموعد المضروب من قبل الوساطة بجمهورية جنوب السودان، نسبة لبعض الصعوبات التي واجهت العملية التفاوضية في ملفي الترتيبات الأمنية وملف السلطة. 

على رغم حساسية تعقيدات مسألة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة، إلا أن ثورة  كانون الأول/ ديسمبر، التي أطاحت بنظام الإسلاميين فتحت الطريق أمام حسم قضية طبيعة الدولة السودانية.  

ومع أن الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية حددت الستة أشهر الأولى من الفترة الانتقالية للعمل الجاد لأجل إحلال السلام الذي وضعته في صدارة مهمات الفترة الانتقالية الـ16، إلا أن الظروف الاستثنائية المتعلقة بفايروس “كورونا”، ووفاة وزير الدفاع السوداني السابق الفريق جمال الدين عمر، المفاجئة في 25 آذار/ مارس الماضي، عطلت جزئياً سير المفاوضات التي استأنفت عبر تقنية “الفيديو كونفرنس”، بين الخرطوم وجوبا، الأمر الذي دفع وفد الوساطة لزيارة الخرطوم برفقة عدد من كبار قيادات الجبهة الثورية واجراء جلسات حوار مباشرة لإحداث اختراق في الملفات العالقة. 

من الواضح أن جميع الأطراف تعمل على دفع عملية التفاوض للوصول لاتفاق مع استمالة الحركات الممانعة، إذ تأتي دعوة النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، الذي ينشط في ملف السلام لحركة الحلو وحركة جيش تحرير السودان أحد ابرز الحركات المسلحة في إقليم دارفور بقيادة عبد الواحد محمد نور للانضمام إلى مسيرة السلام وتحقيق رغبة الشعب السوداني، تأتي في إطار إنجاز ملف السلام الذي بات وشيكاً كما يؤكد القيادي في الجبهة الثورية، كبير مفاوضي مسار دارفور أحمد تقد لسان.

مشروع وليس مطالبَ

لا يبدو الأمر بهذه السهولة، بخاصة أن قضية العلمانية والجدل حول هوية الدولة من أكثر القضايا الشائكة، والتي عادة ما يثار انقسام حاد حولها حتى عقب الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير ذو التوجه الإخواني، ويرى الناطق الرسمي باسم حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، محمد عبد الرحمن الناير، أنه ما لم تحسم علاقة الدين بالدولة وهوية السودان لا يمكن الحديث عن سلام، لأن جوهر الأزمة السودانية كما يرى الناير هما هاتان القضيتان. ويوضح لـ”درج”، أن وثيقة السلام المزمع توقيعها في جوبا، هي امتداد لاتفاقيات السلام الثنائي والجزئي في عهد الرئيس المخلوع.

 “حركة جيش تحرير السودان” من الحركات المسلحة التي رفضت الجلوس إلى طاولة المفاوضات منذ البداية، ولا تزال تتمسك بمواقفها المتشددة، ويقول رئيسها أن الحركة لا تملك مطالباً بل تطرح مشروعاً ترجو أن يقبله الناس، في حين تطرح “حركة العدل المساواة” إحدى حركات إقليم دارفور ذات التوجهات الإسلامية، مشروع الدولة المدنية الخدمية، أما حركة جيش تحرير السودان التي انشقت من الجبهة الثورية أثناء المفاوضات بقيادة أركو مناوي، فتستبعد أن تنسف مسألة العلمانية المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية بقيادة الحلو، وتوقع مناوي تنازل الحكومة وقبولها بالعلمانية.

يمثل التباين في وجهات النظر حول العلمانية بين القوى المسلحة عقبة حقيقية أمام مفاوضات السلام، على رغم اتفاق أغلبها مبدئياً على علمانية الدولة وتباينها في “التكتيكات” السياسية للوصول إليها، ويرى نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، بقيادة مالك عقار، ياسر عرمان أن العلمانية ليست مقايضة بينها وبين حق تقرير المصير، بل هي مطلب قائم بذاته، ولا تتحقق بصك إذعان، كونها عملية مستمرة من تطور الدولة المدنية: “نحن علمانيون وسنظل كذلك، وإذا كانت المدنية تعني محتوى العلمانية فلن نسجن أنفسنا في المصطلحات، العلمانية لا تُشترى من (السوبر ماركت) بل هي عملية طويلة ومعقدة من التطور”.

رؤى متباينة

 مواقف الأحزاب السياسية في تحالف قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية حول العلمانية، لا تختلف كثيراً عن تباينات القوى المسلحة. رئيس حزب الأمة القومي رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي وهو إمام طائفة الأنصار التي أطاحت بحكم الجبهة الإسلامية بزعامة الدكتور حسن الترابي في انقلاب الرئيس المخلوع عمر البشير في 30 حزيران/ يونيو 1989، يرى أنه لا يحق لأي جهة أن تستغل شعار السلام لجعل برامجها السياسية شرطاً لإقامة السلام الذي يتطلب التصدي لأسباب الاقتتال وإزالة آثاره، وأن القوى المسلحة يحق لها طرح أهدافها ورؤاها ووبرامجها السياسية بحرية في التنافس الديموقراطي عبر الانتخابات.

وعلى رغم حساسية تعقيدات مسألة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة، إلا أن ثورة  كانون الأول/ ديسمبر، التي أطاحت بنظام الإسلاميين فتحت الطريق أمام حسم قضية طبيعة الدولة السودانية.  

حزب المؤتمر السوداني يؤكد عدالة القضايا التي طرحتها الحركة الشعبية في ما يتعلق بعلاقة الدين والدولة، والتي  يرى أنها بدون حل جذري وعميق، لن تصل البلاد إلى ارساء سلام مستدام،  أما الحزب الشيوعي السوداني فظل يهاجم مفاوضات السلام بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح بين الفينة والأخرى، ووصفها بأنها مفاوضات للمحاصصة وتقسيم “الكيكة”، على رغم مشاركة بعض قياداته في وفد “قوى الحرية والتغيير” الذي يمثل الحزب الشيوعي جزءاً من المفاوضات فيه.

الجدل حول مسألة الهوية وعلاقة الدين بالدولة من القضايا القديمة المتجددة، فهذا جدل رافق السودان منذ ستينيات القرن الماضي وتسبب بأزمات وصراعات وانقلابات ودخلت أطراف دولية على خط التجاذبات الداخلية. 

المحلل السياسي ماهر أبو جوخ يرى أن نظام البشير كان يزايد بالموقف الديني، والوثيقة الدستورية الانتقالية فيها موجهات من الإرث القانوني الدستوري السوداني ما قبل دخول المسألة الدينية في التجاذبات السياسية التي أرادها “الإخوان المسلمون”، بعد ثورة تشرين الأول/ أكتوبر 1964، وليست فيها إثارة لدين الدولة ولا دين المواطن ولا اللغة الرسمية. وهي أشياء تؤسس لمفهوم علماني لا ديني، معتبراً أن القضية الأساسية في القانون والدستور، تطبيق القانون العام الوضعي، والاستثناء في الأحكام الدينية بعكس ما كان في السابق. 

“آن الآوان لمعالجة القضايا المؤجلة من بدايات التاريخ السوداني بخاصة في المسائل المتعلقة بالدين والدولة، وفي كل الأحوال سيكون هناك أكثر من طريق للسلام من دون إقفال الخيارات في الإجابات المغلقة القديمة والمستهلكة، أملاً بتحقيق أهم أهداف الثورة”، تقول عضوة المجلس الأعلى للسلام هيفاء فروق لـ”درج”.

ظهرت حدة التباينات في مسألة علاقة الدين بالدولة في الفترة الأخيرة، عندما تبنى “تجمع المهنيين السودانيين” وهو الجسم الذي قاد تنظيم التظاهرات ضد النظام السابق موقفاً مؤيداً للعلمانية، وواجه انتقادات من أطراف عدة، بعضها مؤيد للعلمانية باعتباره جسماً مهنياً يجمع في داخله أجساماً مهنية لا يجمعها رابط سياسي وفكري واحد. لكن البحث عن طريق ثالث لكسر الطوق قد يكون هو الأقرب لاعتبارات ومتغيرات كثيرة. ويرى الناطق الرسمي السابق باسم الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار، الذي استقال من الحركة وانضم إلى الحكومة الانتقالية، مبارك عبد الرحمن أردول، أن الدولة المدنية تعتبر أفضل مخرج وحل لمشكلة إقحام الدين في الدولة ويضيف لـ درج”: “العلمانية تكونت مفاهيمياً في البلاد كنظير حاد ومصادم للشريعة الإسلامية ولقي خطاب التبشير بالعلمانية المشوه رواجاً واسعاً من أتباع دولة الاستبداد الديني، ولا يحصل التغيير بضربة أو بالتوجه إلى الشعب لاستفتائه في الوقت الراهن، لأن النتائج سوف تكون كارثية”.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.